الخلاصةفي أحكام العيدين
ـــــ
للشيخأبي حفص سفيان الجزائري
ـــــــــــــــ ــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيمجمعت هذه المادة المختصرة من كتب الحديث والفقه حتّى يعلم مريد الحق هدي السلف لأحكام العيدين .وبه أستعين وعليه أتوكّل
فإن وفقت فالفضل لله وحده لا شريك له .
وإن أخطأت :
فسبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك .
أبو حفص سفيان الجزائري
عنابة: شوّال 1428 هج
ـــــــــــــــ
1- يستحسن الغسل لصلاة العيدين وهذا بالاتفاق .( أحكام العيدين )
روى الإمام مالك في الموطأ[1]:
أنّ عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر، قبل أن يغدو إلى المصلّى .
فالغسل للعيدين فعل قوم صالحين كما أخبر بذلك الإمام الشافعي[2]ولا خلاف بين العلماء أنّ هذا الغسل مستحسن وليس بلازم .
قال[3] سعيد بن المسيب: أنّ الاغتسال يوم الفطر والأضحى قبل أن يخرج إلى المصلّى حسن .
2- يستحسن لبس أحسن الثياب
روى إبن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح كما ذكر الحافظ[4] ابن حجر: أنّ ابن عمر كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين .
3- السنة الأكل قبل الخروج في عيد الفطر دون عيد الأضحى
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتّى يأكل ثمرات . رواه البخاري .
وروى الترمذي في جامعه عن بريدة بن الحصيب: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتّى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتّى يصلّي .
وهذه السنة متفق عليها بين العلماء .
4- التبكير إلى المصلّى
يُستحسن للمأمومين التبكير إلى المصلّى ليحصل لهم الدنو من الإمام، وانتظار الصّلاة، فيكثُر ثوابه .
أمّا الإمام فمن السنّة أن يتأخّر إلى الوقت الّذي يصلّي بهم فيه .
روى البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخذري: كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلّى، فأوّل شيء يبدأ به الصلاة .
قال الإمام مالك في الموطأ: مضت السنّة الّتي لا إختلاف فيها عندنا في وقت الفطر والأضحى أنّ الإمام يخرج من منزله قدر ما يبلغ مصلّاه، وقد حلّت الصلاة .
وهذا الهدي للإمام ليس بالأمر اللازم، لكن ما ذكرناه هو الهدي الصحيح الذي لا إختلاف فيه .
5- وقت صلاة العيد
اتّفق العلماء أنّ وقت صلاة العيد من بعد طلوع الشمس قدر رمح أو رمحين، أي بعد حوالي نصف ساعة من الطلوع، إلى قبيل الزوال، أي قبل دخول وقت الظهر، وهو وقت صلاة الضحى.
قال ابن قدامة في كتابه المغني، ونحوه النووي في المجموع: ويسن تقديم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر، وَلا أعلم فيه خلافا . انتهى .
وقوله: ويسن تقديم الأضحى، لا يعني أن تكون قبل طلوع الشمس، أو أثناءه، بل لمّا تُشرع صلاة النافلة، لا في وقت الكراهة .
روى البخاري في صحيحه معلقا عن عبد الله بن بسر قال: إن كنّا فرغنا في هذه السّاعة وذلك حين التسبيح .
قال[5]الحافظ:
أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة، وذلك إذا مضى وقت الكراهة.
6- الخروج إلى المصلّى
فالسنة أن تكون صلاة العيدين في المصلّى لا في المساجد إلاّ لضرورة، إلّا أهل مكّة فصلاتهم في المسجد الحرام أفضل .
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلّى .
قال[6]العلامة ابن الحاج المالكي:
والسنّة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال:
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام ".
ثمّ مع هذه الفضيلة العظيمة خرج عليه الصلاة والسلام إلى المصلّى وتركه، فهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلّى لصلاة العيدين فهي سنة، وصلاتهما في المسجد على مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى بدعة إلاّ أن تكون ثَمَّ ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة .انتهى
وقوله رحمه الله تعالى:
وصلاتهما في المسجد على مذهب مالك بدعة . انتهى .
فهي بدعة إلاّ من ضرورة لكن الصلاة صحيحة، ولا ينبغي مقاطعة صلاة العيد بحجة أنّها تؤدّى في المساجد، فلا تعالج بدعة ببدعة أخرى، قال عليه الصلاة والسلام:
"يصلّون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم" . رواه البخاري .
قال[7] العلامة البهوتي:
وتكره صلاة العيد في الجامع بلا عذر إلا بمكة المشرّفة، لمخالفة فعله صلى الله عليه وسلم . انتهى .
و استثنى العلماء مكّة لعدم وجود دليل أنّهم يوم العيد تركوا الصّلاة بمكّة وانصرفوا إلى المصلّى .
ن اااتت
و اختار الإمام الشافعي مشروعية صلاة العيد في المساجد إذا كانت تسع للجميع، وإلاّ فالمصلّى أولى وأفضل .
قال[8]رحمه الله تعالى:
فإن عمّر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أنّه يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس، ولو أنّه كان لا يسعهم فصلّى بهم إمام فيه كرهت له ذلك، ولا إعادة عليهم . انتهى .
7_ خروج النساء والحُيَّض إلى المصلّى وكذا الصبيان
روى البخاري في صحيحه عن أم عطيّة قالت: أُمرنا أن نخرج فنُخرج الحُيَّض والعواتق وذوات الخدور، فأمّا الحُيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاّهم .
وهذا الأمر هو لتأكيد مشروعية خروج النساء والحُيَّض إلى المصلّى، ولم يحمله جمهور أهل العلم على الوجوب .
قال[9] الحافظ ابن حجر:
استدل به على وجوب صلاة العيد - أي الحديث - وفيه نظر لأنّ من جملة من أمر بذلك من ليس مكلّف – يقصد الحيّض -، فظهر أنّ قصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع ولتعم الجميع البركة، والله أعلم . انتهى
سئل الإمام مالك عن العبيد والإماء والنساء، هل يؤمرون بالخروج إلى العيدين، وهل يجب عليهم الخروج إلى العيدين كما يجب على الرّجال الأحرار ؟
قال[10]: لا .
أمّا مشروعية خروج الصبيان إلى المصلّى بشرط عدم التشويش على المصلّين فلما رواه البخاريّ في صحيحه: من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: خرجتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فطر أو أضحى، فصلّى، ثمّ خطب، ثمّ أتى النّساء فوعظهنّ وذكّرهنّ وأمرهنّ بالصّدقة .
فعبد الله بن عباس كان يومها صبيّا ومع ذلك خرج مع سيّد ولد آدم عليه الصّلاة والسّلام إلى مصلّى العيد، وعليه بوّب البخاري على هذا الحديث، باب: خروج الصّبيان إلى المصلّى .
8- استحباب الذهاب إلى المصلّى ماشيا:
يستحبّ أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا وأن لا يركب إلاّ من عذر، فهذا عمل أكثر أهل العلم كما قاله الإمام الترمذيّ في جامعه باب المشي يوم العيد .
فإن ركب من غير عذر ولا علّة فلا شيء عليه .
9- التكبير في أيّام العيدين
مسألة التكبير في أيّام العيد أخطأ فيها الكثير ممّن يزعم إتّباع السلف، وحتّى نجلّي المسألة علينا أن نؤصّلها لتُستوعب، وخير الهدي هدي سلفنا الصالح .
* أوّلا:
اتّفق الجميع على مشروعية التكبير أيّام العيد بنصّ القرآن الكريم:
- أمّا ما يخصّ عيد الفطر، قال الله تعالى:
" ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم " .
- وما يخصّ عيد الأضحى، قال الله تعالى:
" واذكروا الله في أيّام معدودات "
* ثانيا:
التكبير المطلق أو المرسل: وهو الّذي لا يتقيّد بحال، فيكون صبيحة العيد ومنهم من قال ليلة العيد إلى الخروج إلى المصلّى ويستمرّ هذا التكبير حتّى خروج الإمام إلى الصّلاة، فإذا خرج الإمام إلى الصّلاة انقطع التكبير لانشغالهم بالصّلاة ومن ثَمّ بالإنصات إلى الخطبة ويُشرع كما سيأتي التكبير مع الإمام أثناء الخطبة، فإذا انتهت الخطبة ينتهي معها التكبير خاصة يوم عيد الفطر، أمّا عيد الأضحى فيستأنف الناس التكبير في صلاة الظهر إلى نهاية أيّام التشريق كما سيأتي إن شاء الله .
روى الشافعي[11]:
عن ابن عمر أنّه كان يغدو إلى المصلّى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتّى يأتي المصلّى يوم العيد، ثمّ يكبّر بالمُصلّى حتّى إذا جلس الإمام ترك التكبير .
روى البخاري في صحيحه معلّقا: كان ابن عمر وأب
و هريرة يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبِّران ويكبِّر النّاس بتكبرهما .
وقال:
كان عمر رضي الله عنه يكبِّر في قبّته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبِّرون ويكبِّر أهل السوق حتّى ترتج منى تكبيرا .
فيكبِّر رافعا صوته حين يخرج إلى المصلّى، وفي المصلّى إلى أن يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام انقطع .
قال[12] الإمام الشافعي:
يكبّر النّاس، فرادى وجماعة في كل حال حتّى يخرج الإمام لصلاة العيد ثمّ يقطعون التكبير . انتهى
ويستمر هذا التكبير في عيد الأضحى خصوصا كما في الآية:
" واذكروا الله في أيّام معدودات " .
قال[13]الإمام ابن أبي زيد القيرواني:
المعلومات أيّام النحر الثلاثة، والأيّام المعدودات أيّام مِنى وهي ثلاثة أيّام بعد يوم النحر .انتهى
* ثالثا:
التكبير المقيّد: أو أوقات التكبير في أيّام التشريق :
ذهب الجمهور :
الأحناف والمالكية والحنابلة والظاهرية إلى أنّ التكبير يكون دبر الصّلاة المكتوبة .
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني:
فإن كانت أيّام النحر فليكبّر النّاس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرّابع منه وهو آخر أيّام منى، يكبّر إذا صلى الصّبح ثمّ يقطع، والتكبير دبر الصلوات .انتهى .
قال[14] ابن الجزي:
والتكبير أيّام منى في دبر الصلوات المكتوبات، ويكبر الجماعة إتفاقا، والفذ خلافا لأبي حنيفة وابن حنبل، ولا يكبر في دبر التطوع خلافا للشافعي . انتهى .
ابن الجزي ذكر في كلامه نقطة الخلاف بين المذاهب، فهم اتّفقوا أنّ التكبير لا يكون إلاّ دبر الصّلاة، ثمّ اختلفوا في بعض الجزئيات: فذهب المالكية إلى أن يكون التكبير دبر كلّ صلاة مكتوبة دون النافلة سواء في الجماعة أو منفردا، قال الإمام مالك: وذلك - أي التكبير - على كلّ من صلّى في جماعة أو وحده من الأحرار والعبيد والنساء يكبّرون في دبر كلّ صلاة مكتوبة مثل ما كبّر الإمام .
وبهذا أخذ الإمام[15] ابن حزم .
وذهب الشافعية إلى أنّ التكبير يكون مطلقا في الصلوات سواء كانت نافلة أو مكتوبة، جماعة أو منفردا، أمّا الأحناف والحنابلة فقالوا بالتكبير في صلاة المكتوبة إذا كانت في جماعة دون الفرد ودون النافلة .
* رابعا: هل التكبير في جماعة ؟
الحاصل أنّ المذاهب متفقة على مشروعية التكبير دبر الصلوات بصوت مرتفع في جماعة، وقد يتفق أن يكون بصوت واحد، وهذا الأمر واسع إن شاء الله تعالى، لاسيما وأنّه ثبت عن عمر وابن عمر وأبو هريرة كانوا يكبّرون، وكان النّاس يكبّرون بتكبيرهم، كما مرّ .
قال الإمام مالك كما مرّ:
يكبّرون في دبر كلّ صلاة مكتوبة مثل ما كبّر الإمام .
قال الإمام الشافعي:
ويكبر إمامهم خلف الصلوات فيكبّرون معا.
جاء في كتاب ردّ المحتار لزين العابدين: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: صَلَّيْت بِهِمْ الْمَغْرِبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَهَوْت أَنْ أُكَبِّرَ فَكَبَّرَ بِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ.
* خامسا:
هل التكبير أيّام التشريق مخصّص بدبر الصلوات أم عام لسائر الأيّام ؟
رأينا آنفا من أقوال الأئمّة وخاصة المالكية والحنابلة والظاهرية والأحناف أنّ التكبير هو خاصّ بدبر الصّلوات المكتوبة، وذهب الشافعية وحدهم إلى القول بالتعميم أي التكبير يكون سائر أوقات أيّام التشريق، والترجيح في مثل هذه المسألة مع فقد الدليل يكون بالرجوع إلى ما كان عليه العمل عند السلف ولا يستقيم الاستدلال بالنصوص العامّة كما صنع الإمام الشوكاني[16]، وهو قوله تعالى: " وأذكروا الله في أيّام معدودات "، فإعمال النص العام مع إهمال ما كان عليه السلف مدخل من مداخل البدعة كما هو معلوم، ونترككم لتتأمّلوا إلى كلام دقيق للإمام مالك وللإمام أحمد بخصوص هذه المسألة بالذّات.
سئل الإمام مالك عن التكبير في أيّام التشريق في غير دبر الصّلوات، فقال[17]:
قد رأيت الناس يفعلون ذلك، وأمّا الّذين أدركتهم وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبّرون إلاّ في دبر الصّلوات.
قال[18] أبو الفضل صالح ابن الإمام أحمد: وسألته – أي سأل أباه الإمام أحمد – عن النّاس يكبّرون في دبر كلّ صلاة يوم النحر كما يكبّرون في المكتوبة، أم لا ؟
قال أبي – أي الإمام احمد -: إن ذهب رجل إلى ذا فقد روي ذاك عن بعض الناس، والمعروف في المكتوبة .
و هذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث سئل عن وقت التكبير في العيدين
فقال[19]رحمه الله:
الحمد الله، أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيّام التشريق، عقب كلّ صلاة، ويشرع لكل أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة . انتهى .
و من باب الإنصاف أقول كذلك لمذهب الشافعي دليل في المسألة وهو ما رواه البخاري معلّقا عن ابن عمر كان يكبّر بمنى تلك الأيّام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيّام جميعا .
لكن ثمّة تنبيه أنّه من اختار مذهب الإمام الشافعي لابدّ له أن يسير وفق هذا الرأي وهو التكبير يكون عامّا سائر اليوم بما في ذلك دبر الصّلوات، وهو ما جاء مصرّحا في الحديث الآنف عن ابن عمر كان يكبّر بمنى تلك الأيّام وخلف الصلوات ...، كما جاء مصرّح به من كلام الإمام الشافعي نفسه ومرّ كلامه قريبا، بل قال[20]الإمام النووي: أنّ التكبير المقيّد يُشرع في عيد الأضحى بلا خلاف لإجماع الأمّة . انتهى
و للتنبيه: لا يسنّ التكبير عقب صلاة العيد بالاتّفاق .
* سادسا: هل النساء مثل الرجال في مسألة التكبير ؟
هذا الحكم يعم النساء كذلك حكا استحبابه ابن المنذر عن مالك وأبي يوسف وأبي ثور، وهو مذهب الشافعي، واستحسنه أحمد، لما رواه البخاري في صحيحه عن أمّ عطية قالت: كنّا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتّى نُخرج البكر من خدرها، حتّى نخرج الحيّض فيكن خلف النّاس فيكبّرون بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته .
وقال البخاري معلّقا: وكانت ميمونة تكبّر يوم النحر، وكنّ النساء يكبّرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرّجال في المسجد .
و في الأثرين مشروعية التكبير جماعة، وقد مرّ تقرير هذه المسألة، والله أعلم
10- صيغة التكبير
ثبت عن ابن مسعود، كما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
وقد اختار كثير من السلف هذه الصيغة، ولا بأس بغيرها إن ثبتت .
11- لا يُشرع الأذان ولا الإقامة ولا شيء لصلاة العيدين
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله العيدين غير مرّة ولا مرّتين، بغير أذان ولا إقامة .
و روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى .
قال الإمام مالك كما في الموطأ: أنّه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله إلى اليوم .
قال الإمام مالك:
وتلك السنّة التي لا اختلاف فيها عندنا .
وهذا متفق عليه بين المذاهب .
والصحيح أن لا يقال شيء قبل الصلاة خلافا لمذهب الشافعي حيث اختار أن يقال " الصلاة جامعة " أو كلمة نحوها .[21]
وما رجحناه هو ما رواه مسلم في صحيحه عن عطاء قال أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعدما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة .
12_ صلاة النافلة قبل صلاة العيد
لم يثبت لصلاة العيدين راتبة قبلها ولا بعدها لا للإمام ولا لمأمومين، أمّا مطلق النافلة، فلم يثبت أنّ للإمام صلاة قبل العيد في المصلّى، بل كان صلى الله عليه وسلم يخرج مباشرة للصلاة .
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: أنّ النبي عليه الصلاة والسلام خرج يوم الفطر فصلّى ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها ومعه بلال .
أمّا بالنسبة للمأمومين مطلق النافلة فهذا بابه واسع ما لم يكن في وقت كراهة .
قال[22]الحافظ:
والحاصل أنّ صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة، وأمّا مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلاّ إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيّام، والله أعلم . انتهى
إلا أنّ الأفضل أن يشتغل بالتكبير والتهليل لأنّه هو الهدي، أمّا النفل فليكن قبل الغدو إلى المصلّى سواء في البيت، لما رواه الإمام مالك في الموطأ [446] عن عبد الرحمن بن القاسم أنّ أباه كان يصلّي قبل أن يغدو إلى المصلّى أربع ركعات
و سواء في المسجد قبل الغدو إلى المصلّى لما رواه الإمام مالك كذلك [447] عن عروة بن الزبير كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة في المسجد .
13- صلاة العيدين ركعتين جهرا
روى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه: صلاة الفطر والأضحى ركعتان، ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم، وقد خاب من افترى .
ويجهر فيهما الإمام كما سيأتي إن شاء الله، وليس في هذا خلاف .
وتشرع صلاة العيد للجماعة وللفذ
( وذلك إذا فاتته صلاة العيد كما سيأتي )، في المصلّى والبيت، في السفر والإقامة .
روى البخاري معلقا ووصله ابن أبي شيبة كما ذكره الحافظ[23] عن عكرمة قال في قوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى، قال: يجتمعون ويؤمهم أحدهم .
14- صفة صلاة العيد
* التكبير: روى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسا .
وبهذا أخذ الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم، بخلاف الأحناف.
وقد اختلفوا في جزئية وهي تكبيرات الرّكعة الأولى .
فذهب المالكية والحنابلة أنّها سبعة مع تكبيرة الإحرام .
وذهب الشافعية والظاهرية أنّها سبعة سوى تكبيرة الإحرام .
واتفقوا جميعا في الركعة الثانية أنّها خمسة تكبيرات لا يعدُّ فيها تكبيرة الانتقال أو القيام.
ولعلّ الرّاجح ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من أنّ تكبيرات الرّكعة الأولى سبعة مع تكبيرة الإحرام، لأنّ من نقل التكبيرات حدثنا أنّه في حال القيام كبّر سبع تكبيرات وتكبيرة الإحرام هي في حال القيام، وإلاّ لقالوا وأوضحوا أنّها ثمانية تكبيرات، والله أعلم .
قال[24]الإمام أبو الوليد الباجي:
والدليل ما نقوله الأخبار المتقدمة بذلك واتصال العمل بالمدينة وإطلاق اللفظ فإنّه كبّر سبعا في الركعة الأولى يقتضي أنّ ذلك جميع ما كبّر.اتنهى
* وهذه التكبيرات متصلة ليس بينها ذكر معيّن على قول الجمهور خلافا للشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أنّ بين كلّ تكبيرة وتكبيرة ذكر، فلم يثبت شيء من ذلك إلاّ ما جاء عن ابن مسعود موقوفا عليه كما رواه الطبراني: بين كلّ تكبيرتين حمد لله عزوجل، وثناء على الله ؛ وفي إسناده مقال كما قال [25]العلامة الصنعاني
قال[26]الإمام الشافعي: ثمّ وقف بين الأولى والثانية قدر قراءة أية لا طويلة ولا قصيرة، فيهلل الله عزوجل ويكبّره ويحمده . انتهى .
فليس عندهم ذكر مخصوص .
فمن اختار هذا المذهب أن لا يطيل على النّاس.
* لم يثبت عن النبيّ عليه الصلاة والسلام أنّه كان يرفع يديه في هذه التكبيرات إلاّ تكبيرة الإحرام أو الانتقال، وقد اختار الشافعية والحنابلة رفع الأيدي مع كلّ تكبيرة ؛ وهي رواية عن الإمام مالك، فروى عنه مُطرِّف وابن كِنانة أنّه يستحب أن يرفع يديه في العيدين مع كلّ تكبيرة وبه قال أبو حنيفة .[27]
و ترك رفع اليدين هو المذهب المشهور للمالكية وهو اختيار الظاهرية، إذ لم يثبت عن أحد بخصوص هذه المسألة إلاّ أدلة عامّة في رفع الأيدي في التكبير .
* محلّ قراءة دعاء الاستفتاح والتعوّذ عند القائلين بهما[28]: ذهب الشافعية[29] والحنابلة[30] وهو اختيار محمد بن الحسن كما ذكره النووي، أنّ دعاء الاستفتاح يكون عقب تكبيرة الإحرام وقبل تكبيرات الزوائد، أمّا التعوّذ فيكون بعد التكبيرات وقبل القراءة .
* القراءة في الصلاة: اتفقوا أنّها صلاة جهرية .
يقرأ بعد الفاتحة ب :{ ق } و{ اقتربت الساعة }
روى مالك في الموطأ [422]: أنّ عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله في الأضحى والفطر ؟ فقال: كان يقرأ { ق، والقرآن المجيد } و{ اقتربت الساعة } .
كمّا أنّه ثبت أنّه قرأ بسورة الأعلى وسورة الغاشية .
روى مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب أنّه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في العيد: { سبح إسم ربّك الأعلى } و{ هل أتاك حديث الغاشية } .
يُتبع