بسم الله الرحمن الرحيم
البحر الرائق في الزهد والرقائق
الدرس[11]
تابع :أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة
الحمد لله رب العالمين ، نحمده حمدًا يوافي نعمه ويكافيء مزيده ، الحمد لله كلما حمد الله شيء ، الحمد لله كما يحب الله أن يحمد ، الحمد لله كما هو أهله ، الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ، اللهم لك الحمد كله ، ولك الفضل كله ، ولك الكمال كله ولك الجلال كله ، ولك التقديس كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله أنت أحق من حُمد ، وأحق من عُبد ، وأحق من ذُكر ، وأحق من شكر ، وأنصر من ابتغيا وأرأف من ملك ، وأجود من سئل ، وأكرم من أعطى ، وأعظم من غفر وأرأف من رحم ، وأكرم من عفى أنت الملك لا شريك لك ، والصمد لا ند لك كل شيء هالك إلا وجهك ، الحلال ما أحللته ، والحرام ما حرمته ، والدين ما شرعت والأمر ما قضيت الخلق خلقك والعبد عبدك ، وأنت الله الرءوف الرحيم تجيب المضطر ، وتكشف الضر ، وتشفي السقيم ، وتغيث الملهوف ، وتقبل التوبة ، وتعفو عن السيئات ، تم نورك فهديت فلك الحمد ، عظم حلمك فغفرت فلك الحمد بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد ، لك الحمد كالذي نقول ، وخيرًا مما نقول نحمدك بجميع محامدك كلها ما علمنا منها وما لم نعلم على جميع نعماءك كلها ما علمنا منها وما لم نعلم ، وعلى كل حال .
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . أما بعد.
فتقبل الله منا ومنكم ونواصل دروس البحر الرائق في الزهد والرقائق ، وكنا انتهينا عند موضوع (أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة) ، وقلنا: أن الطاعات كلها لازمة لحياة القلب ، ونخص بتفصيل الذكر هنا إن شاء الله تعالى خمسة أشياء لضرورتها لقلب العبد وشدة الحاجة إليها: فأول حقيقة أنت تنتبه إليها بالنسبة لموضوع( أسباب حياة القلب وأغذيته النافعة )لما ذكر ربنا - تبارك وتعالى - في سورة البقرة: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: 197] . فأغذية القلب النافعة هي الطاعات كلها، والطاعات بالنسبة للقلب فيها سر من الأسرار ، فهي بالنسبة للقلب كالغذاء بالنسبة للبدن ، وأنت بالنسبة للغذاء تجد مثلًا الخبز واللحم ، ولكنك إذا خُيرت أن تختار واحدًا منهما وتترك الآخر ، يمكن أن تختار اللحم وتترك الخبز تقول: اللحم أفضل أو أغلى أو أعظم نفعًا أو أي شيء ، والحقيقة أن الخبز واللحم وغيره من الأطعمة يحدث عملية تكامل فقد تقارن بين اللحم والخبز فتقول: اللحم أفضل ولكنك لا يمكن أن تعيش على اللحم بدون الخبز هذا ليس من صفة البشر ، فالبدن يحتاج إلى اللحم والخبز وغيره من أنواع الأطعمة وكذلك أنواع الفاكهة سواء كانت غالية الثمن ، غالية القيمة ، أو قليلة الثمن قليلة القيمة هذا بالنسبة للمقارنة بين النوع والآخر .
أما بالنسبة للحاجة فأنت ترى نفسك في حاجة إلى كل هذه الأنواع مجتمعة لأنها تحدث تكامل ، فيكون على مائدة طعامك الشيء الغالي والمفيد جدًا ، والشيء الرخيص قليل الفائدة ولكنه يحدث تكامل ، فبالنسبة للطاعات ترى أفضل الطاعات أفضل الذكر وهذا يعني إذا قورنت بغيرها من الطاعات ، أما بالنسبة للحاجة إلى الطاعات فأنت تحتاج إلى الكل ولا تستغني عن شيء لأن اجتماع الطاعات يحدث فائدة زائدة وهي تكامل وتوازن الفائدة .
وقالوا إن لكل طاعةٍ نور أو لكل طاعة أثر والقلب يحتاج إلى نور وآثار الطاعات كلها ولذلك نوع الله تعالى الطاعات فأسباب حياة القلب: هي الطاعات ، وأغذية القلب النافعة هي الطاعات كلها على اختلاف ألوانها ونخص بالذكر خمسة لأهميتها وضرورتها وشدة الحاجة إليها وهي ( ذكر الله U وتلاوة القرآن ، الاستغفار ، الدعاء الصلاة على النبي r ، قيام الليل )، وكنا ذكرنا شيئا عن فضل الذكر وتلاوة القرآن ونكمل أنواع الذكر
( أنواع الذكر: النوع الأول: ذكر أسماء الله U وصفاته ومدحه والثناء عليه بها ) .
هذا النوع الأول من الذكر ذكر أسماء الله U وصفاته ، ومدحه ، والثناء عليه بها. فأنت تبحث عن أسماء الله الحسنى وتجتهد في جمعها وحفظها ، فذكرك لأسماء الله الحسنى هذا من أفضل الذكر ، وكذلك الثناء على الله تعالى بها مثل: سبحان الله ، الحمد لله ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ، ونحو ذلك فالنوع الأول ذكر أسماء الله تعالى وصفاته ، والمطلوب فيه: أن تجمع الأسماء والصفات وأن تحفظ الأسماء الحسنى .
( النوع الثاني: الخبر عن الله U بأحكام أسمائه وصفاته نحو الله - تبارك وتعالى - يسمع أصوات عباده ، ويرى حركاتهم فهو يسمع الأصوات )
مع اختلاف اللغات ومع اشتراكها في الزمان فمهما كانت الأصوات مختلفة ومهما كان في وقت واحد فالله - تبارك وتعالى - لا يختلف عليه صوت عن صوت ، ولا يشغله صوت عن صوت ، وكذلك الله - تبارك وتعالى - يرى كل شيء فهو البصير ، فهو I لا يحجبه شيء عن شيء فهذا خبر عن الله U بأحكام أسمائه وصفاته وهذا هو النوع الثاني ، فالذكر يكون فيه نوع من الثناء والتعريف بالله - تبارك وتعالى - هذا نوع من الذكر .
( والثالث: ذكر الأمر والنهي كأن تقول: إن الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، وبالبغي )
إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا هذا ذكر لله - تبارك وتعالى -.
( والنوع الرابع: من أنواع الذكر: ذكر آلاء الله وإحسانه ) وهو أن تقول مثلًا: أن الدول العربية والدول الإسلامية في موقع قد خصها الله به فهذا ذكر لله U ، أن تقول مثلًا: إن البلد الفلاني فيه كذا من فضل الله على المسلمين هذا نوع من الذكر ، أي ذكر لنعمة تنسبها إلى الله U وتثني على الله بها فهذا ذكر أن تقول مثلًا: إن خلق النجوم ، إن خلق الشمس والقمر وغير ذلك من ألاء الله - تبارك وتعالى - وإحسانه هذا ذكر لله ، أن تقول: أن هذه الأرض سبحانه الله تنبت من الحبة مائة حبة أو أكثر أو غير ذلك ، هذا نوع من الذكر وهذا أمر يرضي الله ويقرب العبد إلى الله - تبارك وتعالى - أن تجلس فتذكر الله بآلائه وإحسانه وأن تثني عليه ، والذي يقرب لك هذا المعنى ويجعلك تشعر به أنك إذا أحببت إنسانًا أكرمك ، وأحسن إليك ، وساعدك ، وأعانك في غربتك ، أو في تقديمك لأوراق ، أو في توظيفك ، أو في بنائك لشقة ، أو تشطيبك ، أو أي شيء وقد وقع فعله الجميل موقعًا جميلًا في قلبك فأنت ترجع فتقول: فلان جزاه الله خيرًا قد فعل وفعل وفعل وتذكر وتعدد إحسانك ، أو أنك تحب شيخًا وعالمًا من العلماء تقول: إني رأيت الشيخ الفلاني أو العالم الفلاني كان من خلقه التواضع إنه قد فتح بيته للناس ، إنه يلقى الناس بوجه طلق ، أنه وتذكر وتعدد ما تفضل الله به عليه من الخلق الحسن ، هذا الذي تفعله لو تخيلت أن هذا الشخص يسمعه ثم سُئلت ، ما أثر كلامك عليه ؟ تجد أن الأثر الرضا والسرور ، وكذلك فإن الله - تبارك وتعالى - ولله المثل الأعلى يحب من العبد والله أحق أن العبد يذكر الله بذكر آلائه ، وإحسانه ، ونعمه ، والإخبار عنه ، وذكر أسمائه ، وصفاته ، وتعظيم ذلك فإن العبد مع العبد يكون فيه نوع من المكافأة ، أو المجاملة ، أو المبالغة ، أما العبد مع الرب فإنه لا يبلغ أبدًا أن يثني على الله بما هو أهله ، سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ، فمهما بلغ العبد فإنه لا يحصي ثناءً على الله فأن تفتح لنفسك المجال وتجتهد في الثناء على الله U فإن الله يحب الحمد والثناء الحسن ، وهذا يذكرنا بحديث النبي r حديث الشفاعة أنه سجد بين يدي الله وأخذ يحمد الله بمحامد رُزقها في هذا الموقف ، فهذا يدل على أهمية المحامد والثناء على الله .
وأيضا الفكر بالقلب التفكر أي عندما تجلس أمام البحر أو أمام نعم الله سواء كانت مثلًا بساتين خضرة ، أو تنظر إلى السماء وهي مليئة بالنجوم فتسبح الله بقلبك تتفكر وأنت تفكر في آلاء الله تعظيمًا لخلقه ، وتعظيمًا لقدرته وحكمته فهذا ذكر ، فالذكر يكون بالقلب ، ويكون باللسان ، ويكون بالقلب واللسان ، فبالقلب فقط هذا ذكر معتمد ذكر مقبول أن تتفكر بقلبك وأنت صامت ، وأن تتفكر بقلبك ثم تترجم بلسانك ، أو أنك عودت لسانك على الذكر وأنت تبيع وتشتري ، أو تأخذ وتعطي ولسانك يذكر الله U فكل هذا ذكر وهو محمود .
واجتماع ذكر القلب مع اللسان هو أعلى درجات الذكر ، وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم أفضل الذكر فنذكر أن القرآن الكريم مع أنه أفضل الذكر فإنك لا تكتفي بالقرآن الكريم بل تذكر أذكار الصباح والمساء ، لا تكتفي بالقرآن الكريم في الصلاة بل تقرأ في القيام فقط ، وتسبح في الركوع والسجود ، وتستغفر في الجلسة بين السجدتين ، هذا يدل على أنه لا بد من تنويع الذكر لأن هذا التنويع يحدث تكامل لا يقوم به النوع الواحد وهو أفضل الذكر ، فأفضل الذكر إذا قورن بغيره ، وإنما لابد من التنويع واستكمال الذكر بأنواعه المختلفة .
فضل تلاوة القرآن وحملته:( فأفضل الذكر تلاوة القرآن وذلك لأنه يتضمن أدوية القلب كما قال تعالى: ﴿ وَننَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82]فالقرآن دواء فقد يحدث فزع أو هلع بسبب مصيبة ، أو يحدث غفلة ، أو يحدث شيء تشعر به بقلبك فعلاجه أن تقرأ القرآن، وقد ذكر ابن القيم في منزلة السكينة: أن ابن تيمية كانت تحدث له أحوال ، أو أذى من الجن ، أو غير ذلك فكان يقرأ آيات السكينة يقرأها فقط ، أو تُقرأ عليه فكان الأثر عجيبًا لأنه يذهب عنه ما يجد من هذه الأحوال الشديدة ، وتنزل السكينة في قلبه والطمأنينة ، فإذا وجدت نفسك في أي حالة من الأحوال الخارجة عن إرادتك وسيطرتك فعليك بتلاوة القرآن ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وترتل بسم الله الرحمن الرحيم ، وتقرأ قرآن تجلس تقرأ قرآن فقط فهذا دواء عظيم النفع شافي كافي قال تعالى:﴿ وَننَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ﴾[الإسراء: 82] .
فتخرج بهذه الفائدة: أنك تقرأ قرآن إذا وقعت في أمر استجاب له قلبك بأثر لا تملك أن تزيله عنه فاقرأ قرآن ، قمت من النوم بعض الناس يحدث له فزع كابوس فيستيقظ مضطرب جسمه ينتفض ، ممكن يظل في هذه الحالة ست ساعات مثلًا يظل متأثر من شدة الروع والفزع ، ماذا يحدث ؟ ، ما هو المطلوب ؟ أن يقوم فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، ويقرأ قرآن ، تقرأ قرآن أصابك خوف شديد ، ماذا تفعل ؟ تقرأ قرآن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وتقرأ قرآن وترتل قرآن تترك نفسك للقرآن ، القرآن سيحدث فيك ويصنع فيك ما لا تستطيع أن تفعله بنفسك فهذا من آثار بركة القرآن الكريم .
(وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾[يونس: 57] ، وورد من الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ما يبين فضل تلاوة القرآن ، وفضل أهلها قال الله U:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾[فاطر: 29، 30]
فهذه أنواع من الطاعات بدأها الله U بأعظمها وأحسنها وأقربها وأحبها:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ ، فهذه أنواع من الطاعات بدأها الله بقوله:﴿ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ فتلاوة كتاب الله من أجل وأعظم الطاعات ، ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ ، فيغفر لهم ، ويشكر سعيهم ، ويثيبهم على ذلك ثوابًا عظيمًا .
( وعن عثمان بن عفانt قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r:« الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ») .
فأعظم الصنفين الماهر بالرغم من أن المتعتع الذي هو عليه شاق له أجران ولكن بمجموع الأجرين لا يبلغ درجة الماهر ، فالماهر مع السفرة الكرام البررة مع الملائكة ، وهو ماهر به فهو يقرأه من المصحف وهو ماهر بتلاوته ويقرأه غيبًا من حفظًا عن ظهر قلب وهو ماهر بتلاوته يقرأه ، ويرتله ، ويعطيه حقه فهو مع السفرة الكرام البررة هذا في أعلى المنازل ، والذي يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولكن حفظه غير جيد فهو شاق ، ويتردد ، ويفكر ، ويقف ، ويواصل ، أو أنه يقرأه من المصحف ولكنه ضعيف القراءة ضعيف الأحكام فهو يجتهد حتى يصل إلى درجة الماهر ، ليس المشقة والتعتعة أن هذا صفة مدح ، وإنما التعتعة والمشقة جهد هو يبذل جهد ليتحسن فيأخذ أجرًا على بذله الجهد ، ثم أجر على القرآن مجموع الأجرين لا يبلغ درجة الماهر ، فليس إقرارا للتعتعة المشقة ، ولا مدحًا في التعتعة والمشقة ، وإنما من باب التفاؤل والتبشير أنه لا يضيع شيء من عمله فهذا الجهد الذي يبذله والحرص والصبر والإصرار الله - تبارك وتعالى - يكتبه له مع القراءة ، لأنه سيصل في النهاية إلى درجة الماهر .
(وعن عمر بن الخطاب t أن النبي r قال:« إن الله يرفع بهذا الكلام أقوامًا ويضع به آخرين »)فهناك من الناس من رفعه نسبه ، أو رفعه جاهه ، أو رفعه ماله فهو إما نسيبًا ، أو ذو سلطان ، أو غني فهو بين الناس ذو مكانة ، وهناك من الناس من لا يملك شيئًا من ذلك فهو فقير لا نسب له مذكورًا أو مشهورًا وليس له سلطان في الناس وضيع في الناس ، ثم أنه حفظ القرآن يبتغي به وجه الله يتقرب به إلى الله U فعندما أتم حفظ القرآن وكان مخلصًا فيه أحبه الناس لذلك فكان نتيجة هذه المحبة أنهم يكرموه ويعظموه ويحترموه فرفعه الله U بالقرآن .
ومن الناس من هو ذو نسبٍ ، ومكانة ، وسلطان أي من عائلة كذا وهي عائلة كبيرة جدًا وهو في منصب كذا إما لواء ، أو وزير ، أو رئيس مجلس مدينة ، أو أي شيء من هذا الأمر ثم إنه غني ، ولكنه علماني ، ليبرالي يكره حكم القرآن ، يصد عن القرآن وهو الأستاذ الدكتور الحاصل على كذا من جامعة كذا كل هذا ، وهو عند أهل الإيمان في أسفل المنازل لأنه وقف من القرآن موقف الصد والعناد ، فوُضع بذلك « إن الله يرفع بهذا الكلام أقوامًا ويضع به آخرين » لموقفهم من القرآن فمن أكرم القرآن أكرمه الله ، ومن وقف من القرآن موقف عداوة أو إهانة وعدم تعظيم أهانه الله U ووضعه .
( وعن أبي أمامة الباهلي t قال: سمعت رسول الله r يقول:« اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه »)
وفي الحديث الأول « إن الله يرفع بهذا الكلام أقوامًا » هذا فيه رفع حسي أيضا كان النبي r يسأل عن الرجل كم معه من القرآن ؟ أو كم يأخذ من القرآن ؟ فإذا وجده أكثر من صاحبه قدمه عليه ، أكثر من قومه قدمه عليهم ، فهكذا كان الصحابة يفعلون أيضا بعد النبي r فبالقرآن رفع فهو مرفوع عند الله مرفوع عند الناس .
« اقرءوا القرآن فإنه يأت يوم القيامة شفيعا لأصحابه » الصحبة معروفة من صاحبك الذي تلازمه ، وتسأل عنه ، ويسأل عنك ؟ هذه هي الصحبة فصاحب القرآن هو الذي بينه وبين القرآن صحبة يلازمه ويصله وهو بينه وبين القرآن علاقة صحبة وملازمة ، فهي مداومة قراءته ، والاطلاع فيه ، وملازمته لصاحبه فيأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه فمن كان لا يحفظ القرآن فليكثر من تلاوة القرآن ، فإن من حفظ القرآن وهجر تلاوته فليس صاحبًا للقرآن ، ومن لم يحفظ القرآن وأكثر من تلاوته فهو صاحب للقرآن كما ذكرنا في قول الله - تبارك وتعالى -:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ﴾أن هذا العمل هو مقدم على ما أتى بعده من الأعمال لفضله وعلو منزلته ، وأن هذا العمل من الأعمال العظيمة التي يثيب الله صاحبها ويوفيه أجره ، ويغفر له ويشكر سعيه ففي القرآن ما يؤكد أفضلية تلاوة القرآن على سائر الأعمال وهو حديث النبي r وهذا الحديث فيه ملاحظة عجيبة قال رسول الله r:« من قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف ، وميم حرف ».
المتبادر إلى الذهن هو أن ألم مثلًا ثلاثون حسنة والحرف بعشر حسنات ، الأمر اللطيف في هذا الحديث أنه لا يوجد شيء على الإطلاق الثواب عليه بالحرف إلا القرآن ، هذه ملحوظة يعني ابحث ما في عبادة من العبادات ولا ذكر من الأذكار يحسب ثوابه بالحرف ، فهذا يدل على علو القرآن ، القرآن يحسب بالحرف أنظر الشرف والمنزلة بالحرف سواء قرأه أعجمي أم عربي ، الباكستاني يقرأ قرآن ، والإنجليزي يقرأ قرآن ، والبنجلادشي والهندي يقرأه لا يفهم شيء مطلقًا ، لماذا يقرأه ؟ يتعبد لله بتلاوة القرآن ، هذا أمر يخص القرآن من خصوصيات القرآن أن الثواب على القرآن يُحسب بالحرف من علو القرآن ، وعلو منزلته ، وسمو قدره ، ولما لا وهو كلام الله U ، فهو كلام الله .
فهذا يدل على عظمة القرآن ، وأن أفضل الذكر تلاوة القرآن ، وأفضل الأعمال تلاوة القرآن فأنت تحرص على هذه العبادة حرصًا يكافئ منزلتها ، ويقربك من القيام بحقها ، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص t أن النبي r قال:« يقال لصاحب القرآن اقرأ وأرقى ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها » ، هذا لحملة كتاب الله للقراء حفظة القرآن الكريم يقال لصاحب القرآن أي الذي حفظه أو حفظ شيئا منه ، يقال له يوم القيامة: اقرأ وارتقي فهو يقرأ فيرتقي في درج الجنة ، ويرتل كما كان يرتل في الدنيا فمنزلته في الجنة عند آخر آية يقرأ بها ، وهذا أيضًا ليس لشيء إلا للقرآن الكريم .