تراث الحديث والسنة في الهند
لفضيلة الشيخ تقي الدين الندوي

لما كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة الصالحة والأسوة الحسنة لطبقات الناس جميعا، وللأجيال البشرية على اختلاف الزمان والمكان اتجهت عناية الله إلى حفظ أخباره وآثاره وصفاته وأخلاقه وعاداته وتصرفاته. وصرف الله قلوب المؤمنين إلى تتبع كل ما يصدر منه حركة وسكون وأخذ ورد، وعادة وعبادة وألهمهم الاعتناء به اعتناء لا مزيد عليه، كأن سائقا يسوقهم إلى ذلك.

وقد تجلت حكمة الله وعنايته الخاصة بكل وضوح في صيانة علم الحديث وحفظه ولنظرة عابرة في كتب السنة تكفي للإيمان بأن هذا الاهتمام البليغ الخارق للعادة بتسجيل دقائق الحق والخلق والعادات والعبادات والأقوال والأفعال وبكل ما يتصل بهذه الشخصية الكريمة اتصالا لا يتصوره الذهن الإنساني، وفي بسط تفصيل لا نظير له في تاريخ أمة ولا حضارة.

لم يكن هذا مجرد مصادفة بل كان ذلك سرا من الأسرار الإلهية، وبرهانا ساطعا على مدى عناية الله تعالى بهذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات وبهذه الشريعة التي قضى ببقائها وخلودها وانتشارها وعمومها لجميع العصور والأجيال، وكان لكل قطر من الأقطار الإسلامية نصيب وافر من هذا الإرث النبوي يدخل مع الغزاة والفاتحين، والدعاة والمبلغين والفقهاء والمدرسين.

وبدأ فجر الإسلام يطلع على الهند وبدأت أشعته تغمر هذه البلاد الرحبة الفسيحة، ولم يكن ذلك في وقت متأخر عن صدر الإسلام، وإنما كان في عهد الخلافة الراشدة الذي بدأ فيه الإسلام يزحف شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وبدأت موجاته تجتاز الحدود والسدود معلنة في الدنيا كلمة الله ومبشرة بدينه.

ولم تكن شبه جزيرة الهند منقطعة عن جزيرة العرب منزل الوحي ومهبط الرسالة ومشرق النور، فقد كان ثمة تجارة بين العرب والهند منذ أقدم العصور .

فقد كان تجار العرب يرتادون شواطئ الهند الغربية ويمرون بها إلى جزيرة سرنديب حتى يصلوا إلى شواطئ الهند الشرقية، ومن هناك كانوا يبحرون إلى الصين، وبقيت هذه الصلات التجارية قائمة حتى جاء الإسلام فدخل الهند في العهد المبكر مع التجار المسلمين العرب.

ولم تكن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي دخل بها الإسلام هذه البلاد، بل هناك واسطة أخرى فقد دخل الإسلام مع الغزاة والفاتحين بطريق البحر والبر وكذلك دخل علم الحديث في أوائل الفتح الإسلامي في بلاد الهند، وكان من جملة من وفد إليها من المجاهدين في سبيل الله، الربيع بن الصبيح السعدي الذي قال عنه الحلبي في" كشف الظنون" هو أول من صنف في الإسلام، ولا شك أنه من أول المؤلفين في علم الحديث إذ لم يكن أولهم بالإطلاق وقد مات ودفن في الهند سنة 160 هـ1

وأدركت الهند العناية الإلهية، فأتحف الله البلاد بالوافدين الكرام من المحدثين من الأقطار الإسلامية وذلك في القرن العاشر وكذلك ساق سائق التوفيق لبعض علماء الهند إلى الحرمين الشريفين مصدر هذا العلم ومعقله ويطول ذكر أسمائهم، هو عصر النشاط في علوم الحديث.

ولو استعرضنا ما لعلماء الهند من الهمة العظيمة في علوم الحديث من ذلك الحين لوقع ذلك موقع الإعجاب والاستغراب، كم لهم من شروح ممتعة وتعليقات نافعة على الأصول الستة وغيرها، ومؤلفات واسعة في أحاديث الأحكام وكم لهم من أياد بيضاء في نقد الرجال وعلل الحديث وشرح الآثار وتأليف مؤلفات في شتى الموضوعات، وشروحهم في الأصول الستة وغيرها من كتب السنة تزخر بالتوسع في شرح أحاديث الأحكام.

وقد عرف علماء الهند بشغفهم بالعلوم الدينية وانتهت إليهم رئاسة التدريس والتأليف في فنون الحديث، سلمت زعامتهم في العهد الأخير حتى قال العلامة السيد رشيد رضا منشئ مجلة (المنار) في مقدمة (مفتاح كنوز السنة): "لولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضى عليها بالزوال من أمصار الشرق، فقد ضعفت في مصر والشام والعراق والحجاز منذ القرن العاشر للهجرة".

فدونك كتاب (كنز العمال) للشيخ على حسام الدين المتقي البرهانبوري من رجال القرن العاشر، وهو ترتيب (جمع الجوامع) للسيوطي وهو من الكتب التي انتفع به علماء الحديث كثيرا، واعترفوا لصاحبه بمجهود عظيم وفر عليهم وقتا كثيرا، قال الشيخ أبو الحسن البكري الشافعي من أئمة العلم في القرن العاشر: "إن للسيوطي منة على العالمين وللمتقي منة على السيوطي".

ومنها كتاب (مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار) للشيخ محمد بن طاهر الفتني م (976) قال العلامة السيد عبد الحي الحسني في (نزهة الخواطر): جمع فيه المؤلف كل غريب الحديث وما ألف فيه. فجاء كتابه كالشرح للصحاح الستة، هو كتاب اتفق على قبوله بين أهل العلم، وكذلك المغني، وتذكرة الموضوعات للمؤلف من الكتب السائرة المتداولة في الموضوع .

ومنها (لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح) للعلامة الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي م (1052) ، ومنها كتاب حجة الله البالغة للإمام ولي الله الدهلوي، وهو يغنى عن الوصف والبيان وكذلك كتابه الأبواب والتراجم على البخاري، معروف بين أهل العلم.

ومن علماء الهند مولانا نواب صديق حسن أبهوبال م ( 1307ﻫ) يبلغ عدد مؤلفاته ( 222) منها (56) كتابا باللغة العربية وفيها عون الباري شرح مختصر البخاري في عشرة مجلدات والحطة بذكر الصحاح الستة.

وتبلغ مؤلفات علامة الهند فخر المتأخرين الشيخ عبد الحي اللكنوي (1304) مائة وعشرون كتابا (120) منها ستة وثمانون (86) كتابا باللغة العربية، من أشهرها التعليق المجد في شرح الموطأ للإمام محمد، يا ليته يطبع في مصر أو لبنان، وظفر الأماني والرفع والتكميل، والأجوبة العشرة.

وكتاب إحياء السنن، وجامع الآثار للشيخ حكيم الأمة محمد أشرف علي التهانوي صاحب المؤلفات الكثيرة البالغ عددها ألف بل أكثر من ذلك.

وبذل المجهود في حل أبي داود في عشرين مجلدا للمحدث الكبير الإمام العلامة خليل أحمد السهارنفوري.

وغاية المقصود في شرح أبي داود للمحدث مولانا شمس الحق العظيم أبادي وتلخيصه (عون المعبود) وآثار السنن للشوق التيموي وتحفة الأحوذي في شرح الترمذي للمباركفوري وفيض الباري على البخاري والعرف المبتذي في شرح سنن الترمذي، أمالي درس العلامة الكشميري ومعارف السنن على الترمذي لفضيلة الشيخ يوسف البنوري، وفتح الملهم شرح صحيح مسلم، للعلامة شبير أحمد العثماني وإعلاء السنن، لمولانا المحدث ظفر أحمد التهانوي، وجعل له في جزء خاص مقدمة بديعة في أصول الحديث طبع مع تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة ومرعاة المصابيح في شرح مشكاة المصابيح لمولانا عبيد الله المباركفوري وزجاجة المصابيح. ولنظرة عابرة على كتاب (الثقافة الإسلامية في الهند) تكفي للاطلاع على أكثر المؤلفات في الموضوع.

أما كتب المحدث العلامة ريحانة الهند وبركة العصر مولانا محمد زكريا الكاندهلوي عددها أكثر من خمسين ومائة (150) كتابا وجلها باللغة العربية حول السنة: منها لامع الدراري على الجامع الصحيح للإمام البخاري في عشرة مجلدات، وأوجز المسالك في شرح موطأ الإمام مالك في خمسة عشر مجلدا والكوكب الدري على جامع الترمذي في أربع مجلدات والأبواب والتراجم على البخاري في ثمانية مجلدات.

وأماني الأحبار في شرح معاني الآثار للطحاوي لرئيس التبليغ الداعي إلى الله مولانا محمد يوسف الكاندهلوي رحمه الله.

وأما الكتب التي طبعت ونشرت بتحقيق بعض المحدثين فعددها أيضا كثير: منها سنن سعيد بن منصور، وكتاب الزهرلبن المبارك، ومسند الحميدي، ومصنف عبد الرزاق بتحقيق المحقق الكبير المحدث مولانا حبيب الرحمن الأعظمي ولا يزال مشغولا بتحقيق بعض كتب السنة.

ولقد حقق الدكتور مصطفى الأعظمي بعض كتب السنة التي طبعت ونشرت منها كتاب العلل لعلي بن المديني وصحيح ابن خزيمة، ودراسات علم الحديث، وكذلك عنى كثير من الأمراء وكبار العلماء باقتناء مكتبات عظيمة وشغفوا بها شغفا عظيما ومن أغنى مكاتب الهند ودور الكتب وأجمعها للكتب النادرة والآثار الثمينة ومخطوطات المؤلفين ونوادر الكتب مكتبة بانكى بورفي بتنه وهي مكتبة المرحوم القاضي خدابش خان ومكتبة أمارة رامبور في وسط الهند، والمكتبة الآصفية والمكتبة سعيدية في حيدر آباد ومكتبة العلوم بديوبند ومكتبة ندوة العلماء بكلنؤ، ومكتبة مدرسة مظاهر علوم بسهانفور ومكتبة دار المصنفين بأعظم كده ومكتبة أحمد آباد.

وهناك مكتبات لأشخاص كثيرين خاصة توجد فيها نوادر الكتب ومخطوطاتها يطلع عليها الإنسان باتصال العلماء المختصين في العلوم الذين لهم ثغف بهذه المخطوطات.

ها أنا ذا أترك ذكر مؤسسات النشر والطباعة لكتب السنة في الهند، لها شهرة عالمية، منها دائرة المعارف بحيدر آباد دكن، والمجلس العلمي بدابهيل وغيرها لأنها تحتاج إلى مقالة مستقلة. أنا أذكر أسماء بعض كتب السنة التي توجد في البلاد، التي تحتاج إلى تحقيق ونشر استنهاضا للهمم نحو إحياء تراث أسلافنا الكرام منها:

1- كتاب المجروحين لابن حبان.
2- كتاب العلل للمام الدارقطني.
3- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر المالكي.
4- المسند المعتلي في أطراف مسند الإمام أحمد.
5- القبس شرح الموطأ لابي.
6- رجال البخاري للباجي.
7- شرح ابن رسلان لسنن أبي داود.
8- شرح الثقات للعجلي.
9- ترتيب الثقات لقاسم بن قطلوبغا.
10- ترتيب الثقات لقاسم بن قطلوبغا.
11- الإكمال للمغلطائي.
12- الإرشاد لأبي يعلى القزويني.
13- الأشراف لابن المنذر
14- جامع التحصيل في أحكام المراسيل للصلاح العلائي.
15- أحاديث الاختيار لقاسم بن قطلوبغا.
16- التقييد لرواة السنن والمسانيد لابن نقطة.
17- تقييد المهمل لأبي علي الغساني.
18- الإلماع في قواعد الرواية والسماع للقاضي عياض. وقد طبع.
19- شرح علل الترمذي لابن رجب.
20- التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي.
21- الاقتراع لابن دقيق العيد المالكي.
22- تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي.
23- إتحاف المهرة برجال العشرة للحافظ ابن حجر العسقلاني.
24- المواعظ والحكم للمتقي.
25- كتاب الزهد الكبير للإمام البيهقي.

وفي الختام أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لخدمة السنة الشريفة وأن يغرس في قلوبنا الحب والتقدير للخدمات التي أسداها السلف الصالح ويقوى شوقنا للرجوع إلى المصادر القديمة ومراجعها بفارغ صبر.

تقي الدين الندوي
باحث شرعي
المحكمة الشرعية أبو ظبي
1 بسطت ترجمته في كنابي (علم الحديث في الهند).