(3) أخبار أهل العلم مع العلم.
أ- سأل ابنُ أبي حاتم أباهُ وهو في النزع ولا أعلم، عن عقبة بن عبد الغافر، يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة؟ فقال برأسِهِ: لا، فلم أقنع منه، فقلتُ: فهمتَ عني؟له صحبة؟ قال: هو تابعي اهـ.
يقول ابنُه : فكان سيد عمله معرفةَ الحديث، وناقلة الأخبار، فكان في عمره يُقتبس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاتِه ما كانَ عليه في حياتِه.
ب- انتهى مسرّة بن مسلم الحضرمي – وكان من أهل العلم والزهد التام- إلى قوله (وعجلتُ إليك ربّ لترضى) وكان ابتدأ القرآن حين احتضر، ففاضتْ نفسُه.
ج- حفظ جمال محمد بن عبد الله بن مالك النحوي خمسة شواهد، في اليوم الذي ماتَ فيه.
د- يقول ابن عقيل الحنبلي (513) : إني لأجد من حرصي على العلم، أنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده، وأنا ابن عشرين سنة.
هـ- قرأ العلامة المتفنن ابنُ الجوزي وهو في(الثمانين) القراءات العشر على ابن الباقلاني، مع ابنه يوسف، قال الذهبي معلقا – فانظر إلى هذه الهمة العالبة!-.
(شغفُ العلم بقراء الكتب)
أ- قال الجاحظ في (الحيوان): من لم تكن نفقته التي تخرج من الكتب، ألذ من إنفاق عشاق القيان، والمستهترين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغا رضيا، وليس ينتفع بانفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسه باللبن على عياله، وحتى يؤمّل العلم ما يؤمّل الأعرابي في فرسه.
ب- ذكر ابنُ حزم، وابن الجوزي قاعدة ( لا يخلو كتاب من فائدة ).
ج- يقول ابن الجوزي في(صيد الخاطر) ولو قلتُ: أني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعدُ في الطلب).
د- نقل ابن رجب عن ابن عقيل: أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكْلي، حتى أختار سفّ الكعك، وتحسّيه بالماء على الخبر؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ؛ توفرا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه اهـ.
هــ- أبو الخير بن عبد القوي عن العمَري الصغّاني = أعرفهُ أزيدْ من خمسين سنة، وما دخلت إليه قطّ إلا ووجدته يطالع، أو يكتب.
و- قال ابن القيم : حدثني عبد الرحمن ابن تيمية، أخو شيخنا، عن أبيه عبد الحليم، قال: كان الجد أبو البركات إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتَك، حتى أسمع.
ز- قال الشوكاني عن المؤدي اليماني: كان من عجائب الدهر، وغرائبه، فإن مجموع عمره تسع وعشرون سنة، وقد فاز من كل فنّ بنصيب وافر... وصنّف في هذا العمر القصير التصانيف المفيدة والفوائد الفريدة العديدة-وذكر عددا منها ثم قال-: وإذا سافر أول ما تُضرَب خيمةُ الكتب، وإذا ضُربت دخلَ إليها، ونشرَ الكتب، والخدمُ يصلحون الخيَم الأخرى، ولا يزالون ليله جميعه ينظر في العلم، ويحرر ويقرر مع سلامة ذوقه.
ح- ذكر الذهبي عن ابن طاهر المقدسي أنه قال: بُلتُ الدم في طلب الحديث مرتين، مرةً ببغداد، ومرة بمكة، وقال: كنت أمشي حافيا في الحر فلحقني ذلك، وما ركبتُ دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألتُ في حال الطلبِ أحدًا، كنتُ أعيش على ما يأتي اهـ.
ط- ذكر الذهبي عن الدغولي أنه قال: أربع مجلدات لا تفارقني سفرًا وحضرًا، كتاب المزني، وكتاب العين، والتاريخ للبخاري، وكليلة ودمنة.
ي- ذُكر عن التبريزي أنه حصلت له نسخة لكتاب (تهذيب اللغة) للأزهري، في عدة مجلدات، فأراد أخذها عن عالم باللغة، فدل على أبي العلاء، فجعلها في مخلاة، وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما يستأجر به مركوبا، فنفذ العرق من ظهره إليها، وقيل: إنها ببعض الوقوف البغدادية، وأن الجاهل بخبرها إذا رآها يظن أنها غريقة، وليس بها إلا عرق يحيى بن علي-رحمه الله-.
كـ- قال الذهبي في(السير) لم يشتغل عيسى بن أحمد اليونيني إلا بالعبادة والمطالعة، وما تزوج، بل عقدَ على عجوزٍ تخدُمُه.
ل- كان سليم بن أيوب الرازي يحركُ شفتيه، إلى أن يَقُطَّ القلم.
م- حدّث أبو هِفّان قال: لم أرَ قطّ ولا سمعتُ من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتابٌ قطّ إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان، حتى إنه كان يكتري دكاكين الورّاقين، ويبيتُ فيها للنظر.
ن- كان الفتح بن خاقان يحضر مجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة أرج من كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل، إلى حين عَوده إليه، حتى في الخلاء.
ص- كان عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لا يجالس الناس، وينزل مقبرة من المقابرة، وكان لا يكاد يُرى إلا وفي يده كتاب يقرؤه، فسئل؟ فقال: لم أوعظَ من قبر، ولا أمنعَ من كتاب، ولا أسلمَ من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء! فقال: ما أفسدَها للجاهل، وأصلحَها للعاقل!.
ف- سئل أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: ((ما تقول في عزلة الجاهل؟ فقال: خبال ووبال، تضره ولا تنفعه، فقيل له: فعزلة العالم؟ قال: مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، إلى أن يلقاها ربّها)).
ض- قال الجاحظ في (الحيوان) سمعت الحسن اللؤلؤ الكوفي صاحب أبي حنيفة، يقول: غبَرتُ أربعين عاما ما قِلتُ ولا بِتُّ ولا اتكأتُ إلا والكتابُ موضوعٌ على صدري.
ر- قال ابن الجهم (( إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم – وبئس النوم الفاضل عن الحاجة- فإذا اعتراني ذلك تناولت كتابا من كتب الحكَم، فأجد اهتزازي للفوائد، والأريحية التي تعتريني عند الظفر ببعض الحاجة، والي يغشى قلبي من سرور الاستبانة وعز التبيين أشد إيقاظا من نهيق الحمير وهدة الهدم)).
س- قال رجلٌ لخالد بن صفوان (أحد بلغاء العرب وفصائحها) ما لي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتناشدون الأشعار، وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ إنسان.
ت- الزبير بن أبي أبكر بكار قال: قالت ابنة أختي لأهلنا " خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضرّة، ولا يشتري جارية،قال: تقول زوجته " والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر.
ث- كان القاضي برهان الدين الزرعي الحنبلي مغرمًا بالجواري التركيات، قال الصفدي: كنت أراه جمعة في سوق الجواري، وجمعة في سوق الكتب، فجمع بين الدر والدراري.
خ- ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة شافع الكناني (( كان يحب جمع الكتب، حتى أنه لما مات ترك نحو العشرين خزانة ملأى من الكتبِ النفيسة)) وكان من شدة حبه للكتب إذا لمس الكتاب يقول (( هذا الكتاب الفلاني، ملكته في الوقت الفلاني، وإذا طُلب منه أي مجلد كان، قام إلى الخزانه فتناوله كما وضعه فيها)).
يتبع.