تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أطروحة الدولة المدنية بين أطماع الأقلية وجهل الأغلبية !

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    6

    افتراضي أطروحة الدولة المدنية بين أطماع الأقلية وجهل الأغلبية !

    البداية : الحكم الكنسي وعصور الظلمة !


    بعد عصر قسطنطين بقليل من الزمن أعد المسيحيون وثيقة مزيفة بإسمه – أي قسطنطين – أجيز فيها العنف مع الكفار والملاحدة , فقضوا خلال القرن الرابع الميلادي , تحت هذا الشعار , على أتباع الديانات الأخرى وكل من إختلف مع الكنيسة الكاثوليكية .

    Rationalist encyclopedia, p442

    وبعد أن انتهى المسيحيون " الأغلبية " من الكفار والملاحدة " الأقلية " , توجهوا إلى اليهود تحت شعار ثأر دم المسيح , وفي ظل هذه الذريعة قُتل اليهود وسُلبت ممتلكاتهم , وأجبروا على الخروج من بيوتهم , وقد قال البابا الشهير " هائيلد براند " مشجعًا الحكام المسيحيين على قتل الملحدين والكفار واليهود : " الذي يمنع سيفه من قتل هؤلاء فهو ملعون " !

    Herbert Muller: use of the past pp.86-87; Cambridge modern history (1907), vol.10, p. 152; Rationalist encyclopedia, p.270

    ويقول الدكتور/نبيل لوقا بباوي عن الإضطهادات التي مارستها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ضد نصارى مصر الأورثوذكس قبل الفتح الإسلامي للبلاد : ( في عام 631م حاول هرقل إمبراطور الدولة البيزنطية أن يوحد العقيدة المسيحية مرة أخرى في جميع الولايات التابعة لإمبراطوريتة حسب المذهب الأريوسي ذي الطبيعتين للسيد المسيح , وأرسل حاكم جديد هو المقوقس الذي قام بإحراقهم أحياء - أي الأرثوذكس - وانتزاع أسنانهم , لدرجة أن شقيق الأنبا بنيامين بطريرك الأقباط الأرثوذكس في الإسكندرية قام الجنود الرومان بحرق أخيه متياس وأشعلوا فيه النار حيًا لرفضه الإعتراف بقرارات الإمبراطور هرقل الجديد , ويجمع جميع المؤرخين أن هذه الحماقات من جانب المقوقس جعلت الأقباط في مصر يكرهون حكم الدولة البيزنطية وكانوا يصلون أن ينجوا من شرور الجنود الرومان , ولشدة الإضطهاد من جنود الرومان هرب البطريرك الأنبا بنيامين وترك مدينة الإسكندرية وهرب للصعيد بعد أن رأى ما حدث لأخيه وللأقباط الأرثوذكس , وفي هذا الجو المأساوي الدموي حيث تذكر كتب التاريخ القبطي أن دماء الأقباط الأرثوذكس كانت تصل إلى ركب الخيول للجنود الرومان , وفي عام 639م أتى عمرو بن العاص بجيشه إلى مصر ومعه أربعة آلاف مقاتل , وفتح مصر في هذا الجو المأساوي الذي يعيش فيه الأقباط الأرثوذكس من ويلات القتل والعذاب على الجنود الرومان ) ( إنتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والإفتراء ص 157-158 ) .

    ومن الحيل التي إستغلها المسيحيون لإضطهاد المسلمين واليهود والذين إختلفوا مع الكنيسة الكاثوليكية هو ما عُرف بـ " محاكم التفتيش " . فباسم هذه الحيلة قتل كثير من الأبرياء الذين يصعب حصرهم من الرجال والنساء والأطفال ذبحًا وشنقًا وحرقًا , الأمر الذي يُعد صفحة مظلمة في تاريخ الإنسانية جمعاء !

    وقد إضطر الباحثون في ضوء أمثلة الظلم والإضطهاد والتعذيب هذه إلى أن يقولوا :

    " تمتاز المسيحية بين الديانات الأخرى , بأنها قتلت منكريها وشددت عليهم من حيث الكم والكيف لدرجة أنه لا يمكن أن تتنافس معها أي ديانة أخرى " .

    Rationalist encyclopedia, p441

    وهناك ما يعرف بـ " الإضطهاد الفكري " , والذي يتمثل في حرب فكرية ثقافية , تحجر على الفكر والإطلاع والعلم , كالذي مارسته الكنيسة الكاثوليكية ضد فلاسفتها ومفكريها وعلمائها في القرون الوسطى , إذ يعتبر عصر إزدهار المسيحية وإنتشارها ما يجمع المسيحيون كلهم تقريبًا على تسميته بـ " القرون المظلمة " . وما حادثة إضطهاد برونو وجاليليو منا ببعيد , وهم من أبرز علماء الفلك في القرون الوسطى , فالأول أحرق حيًا , والثاني لكبر سنه عُذب عذابًا شديدًا وأُكره على أن يبريء نفسه من أفكاره الكافرة, التي كان أبرزها أن الشمس تمثل مركزًا للنظام الشمسي بدلاً من الأرض , وهذا ما ثبت علميًا فيما بعد !

    ولم يكن برونو وجاليليو ضحايا هذا العصر فحسب , بل إن باباوات الكنيسة وسعوا دائرة السخط على عامة الناس , فأحرقوا كل من أرادوا , زاعمين أنه " عراف " !

    Rationalist encyclopedia, pp.622-623

    وكذلك ما قامت به الكنيستان : الكاثوليكية والأرثوذكسية من خلال مجامع ومحاكمات كنسية لأكابر رجالها , كلما خرجوا على العالم المسيحي بأفكار وأراء تناقض الموروث العقدي لدى الكنيسة , فظهر مصطلح " الهراطقة " , ذلك المصطلح الذي كان كافيًا عند إطلاقه على أفراد أو جماعات , لحرقهم وحرق مؤلفاتهم وحذر نقلها أو تداولها , ومعاقبة كل من يمتلك هذا المؤلفات أو ينادي بما نادت به من أراء وأفكار بالقتل أو الحرق !


    ونبتت نابتة !


    لقد وقفت الكنيسة إبان القرون الوسطى عائقاً أمام تقدم البشرية فكان لابد من إقصائها ، ولكن صحب هذا الإقصاء روح المعاداة للدين بوجه عام , وتم اختراع قانون وضعي ينحي الدين جانبًا مهجورًا لا علاقة له بالحكم أو الدولة , وسموه بـالقانون : " المدني أو العلماني أو الديمقراطي أو الليبرالي ... إلخ " !

    وإن كان للبعض أن يقول إن لأوروبا عذرها في معاداة الدولة الدينية لاستبداد الكنيسة التي حولت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، لكن العجيب أن نسمع أمثال هذه الدعاوى في مجتمعاتنا الإسلامية , وما ذلك إلا إتباعًا للغرب , تلك الآفة التي أصابت مجتمعاتنا بصورة وبائية في شتى مناحى الحياة , إذ انخدع بعض السذج ممن يشار إليهم على أنهم أعلام الثقافة والفكر في مجتمعاتنا , بهذه الفكرة المستوردة من الغرب, وقد كان أجدر بهم أن يرشدوا الناس إلى الإسلام الذي ملأ الأرض بنوره وعدله، بدلاً من إرشادهم إلى أوحال المادية الملحدة التي تتبنى الرفض الدائم لكل ما يرتبط بالدين والأخلاق , فمن المعلوم أن الإسلام دين ودولة ، دولة لا تعرف العداء للعلم والعلماء والثقافة ، بل قاد الإسلام بدولته الواقعية المشهودة , البشرية إلى تقدم كبير في شتى فروع العلم المختلفة ، فبنى حضارة أضاءت مصباح الحياة , ووضع اللبنة الأولى لأسس العلوم والحضارات التي نعاينها اليوم , وكل ذلك وقت كانت أوروبا في سبات عميق في ظل دين أثبت واقعيًا عدم قابليته للحكم والقيادة وتشجيعه على الرجعية والتخلف !

    ورغم ما ذكرناه ونقلناه , إلا أن حفنة من النصارى في أيامنا هذه , يرددون شعارات المطالبة بـ " دولة مدنية " . وإعتمدوا في ذلك على عدة أمور :

    أولاً : جهل الرعايا المسيحيين بالتاريخ الإسلامي وشريعته وسماحة دولته بالأقليات وما كفله الإسلام لهم من ضمانات وحقوق .

    ثانيًا : مطالبة بعض الكارهين لحكم الإسلام والدولة الدينية , بإقصاء الشريعة الإسلامية عن نواحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية , وسيادة ما زعموه بـ"الحكم المدني" للدولة , وما ذلك إلا إتباعًا للغرب الحاقد الذي أقصى مسيحيته بعيدًا عن نواحي الحياة وتمسك بعلمانية ليبرالية تنكر الأديان ولا تعترف بوجودها إلا على أرفف المكتبات المهملة , مناقضًا بذلك مبدأ الديمقراطية العوجاء الذي يزعمه ويزعج الأسماع بضرورة تحكيمه !

    ثالثًا : التزوير التاريخي لتاريخ الإسلام وشريعته الذي حدث على مر العصور على يد أعدائه اللئام .

    رابعًا : الحقد الغير مبرر على الشريعة الإسلامية السمحاء !


    الدولة المدنية والتعصب !


    وهذه " الدولة المدنية " المزعومة تبني معاملاتها الداخلية والخارجية وفق نظرة ضيقة تتعصب للوطن ولأبناء الوطن ، وتسعى لاستعلاء هذا والوطن وأبنائه على غيرهم ، وهذه الغاية تبرر اتخاذ كافة الوسائل لتحقيقها دون ارتباط بقيم أو مراعاة لمباديء وأصول الأديان ، وهذه النظرة القومية والوطنية المتعصبة ظهرت أيضاً كرد فعل لتسلط الباباوات والقياصرة على شعوب أوروبا ، فجاءت الدعوة إلى القومية والوطنية رفضًا للخضوع للسلطة الدينية للباباوات والسلطة السياسية للأباطرة ، ليكون ولاء كل شعب لوطنه لا لغيره ، وصارت القومية والوطنية غاية تبرر الوسيلة ، والويل كل الويل للشعوب المغلوبة من استعلاء الشعوب المنتصرة ، وتحولت حياة الشعوب إلى صراع من أجل العلو في الأرض والزعامة الدنيوية . والإسلام يرفض إستعلاء جنس على جنس أو قومية على قومية ، ودعوة الإسلام دعوة عالمية ، لا تنحصر في إقليم أو حدود أرضية أو جنس !


    الدولة المدنية والديمقراطية العوجاء !


    كما تبنت هذه " الدولة المدنية " ما يُعرف بالنظام الديمقراطي في الحكم ، ليكون الحكم بمقتضى مصالح كل شعب ورغباته ، فالحق والصواب ما يحقق منافع الأمة الدنيوية ، والخطأ والباطل ما كان لا يحقق مصالحها ، وتقدير المنافع والمصالح تحدده رغبات الشعوب وأهواؤها ، دون إعتبار لأي أصول أو ثوابت مقدسة عند أصحاب الأديان , فما كان مرفوضاً بالأمس يقبل اليوم ، وما يقبل اليوم قد يرفض غداً ، فلا ثوابت ولا قيم ولا مباديء إلا المصلحة والمنفعة تحددها قيادات وزعامات من البشر من خلال صياغتهم لقوانين وضعية تقود الجموع إلى ما ترى !


    الدولة المدنية هى دولة المؤسسات !


    وهناك من يحاول أن يبين أن الدولة المدنية هي دولة المؤسسات ، وأنها لا تعارض الدين ولا تعاديه , فإذا ‏قلتم هذا فلماذا تأبون وصفها بدولة إسلامية أو شرعية أو دينية ، ولماذا التركيز على أنها دولة ‏مدنية ، وهل كانت الدولة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ دولة مدنية أو دولة إسلامية ، وكذلك الدولة التي ‏أقامها خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي !


    الدولة المدنية وإقصاء الدين !


    وهناك من يقول أن الدولة المدنية ليست دولة علمانية تنكر الدين وتقصيه بل هى دولة مدنية ذات مرجعية دينية ، إن هذا القيد في حد ذاته يمثل اتهامًا حقيقيًا ‏للدولة المدنية من قبل دعاتها ، فإن هذا الكلام يبين أن المرجعية الدينية ليست من صفات الدولة المدنية ‏ولا من خصائصها وأركانها ، وإلا لما احتاج هذا المتكلم إلى إضافة ذلك القيد !


    الدولة المدنية والأقلية النصرانية !


    فهذه الدعوى إلى " الدولة المدنية " ما خرجت بداية إلا عن نصارى المهجر , خاصة الملاحدة منهم والعلمانيين ، فهم أول من يدعو للعلمانية والحكم المدني ويرفض حكم الدين بوجه عام للأسباب التي ذكرناها ، وإنما يتماحكون في " شعب الكنيسة المصرية " لأنها وإن كانت ورقة دينية إلا أنها الورقة الرابحة الوحيدة في أيديهم ، فبغيرها لن يستطيعوا رفع شعارات دعاوى الإضطهاد , لكن – وللإسف – رأينا من ردد أقوالهم وتناقلها وروج لها بين أظهرنا ممن حملوا شعارات الثقافة والتنوير والفكر , ثم تمسك بأقوالهم حفنة من الرعايا المسيحيين في البلاد العربية , وهؤلاء صنف أخر يريد من خلال نفس الغرض أن يحقق مكاسب أخرى وأن يصل إلى سلطات ونفوذ تمكنهم من السيطرة والسيادة على حساب رقاب المسلمين !


    يا دعاة الدولة المدنية ... من يجيب ؟!


    ونحن إبتداءً – ومن منطلق الشفقة على هؤلاء – نقول لهم : يكفينا من خلال مطالبتكم بهذه الدولة المدنية العلمانية , إقراركم التام بأن المسيحية لا تصلح لحكم البلاد والعباد , أما الإسلام فلقد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أحقيته في القيادة والريادة والحكم !

    ونزيد على ذلك فنسألكم :

    1- ما هى الدولة المدنية ؟!

    2- ما هو منهجها ودستورها ومن أين يُستقى ؟!

    3- أين هى هذه الدولة المدنية ؟! أين نجد نموذجًا لها ندرسه ونُعاينه ؟!

    4- إن وجد نموذج لهذه الدولة في عالمنا الواقعي , فهل نجح هذا النموذج أو تلك الدولة في تطبيق دستور الدولة المدنية وإجابة مطالب أفرادها على مختلف إنتماءاتهم وحققت لهم الرخاء المرجو والمساواة المزعومة ؟!

    واعلم عزيزي القاريء , أننا على ثقة تامة بأن هذه الأسئلة لا إجابة لها , وأن هذه الدولة المدنية المزعومة , دولة وهمية غير واقعية , لا نموذج لها أو مثال , بل هى أسطورة تنتمي إلى عالم الخيال , وأي بلد زعمت أو زعم لها المدنية , فهى مدنية مشوهة , إذ نتحدى أن تكون هذه الدولة المدنية المزعومة قد حققت المساواة بين أقلياتها , بل على نقيض ذلك , فمهازل المدنيات تشهد لنا بفضل الله !

    فهى دولة وهمية يراد منها تضييق المنافذ على دولة الإسلام الواقعية , كما يراد منها مساواة " زائفة " تمنح في النهاية سلطات ونفوذ للأقليات تمكنهم من السيطرة على الدولة تحت ذريعة "المساواة", أو قل : تغيير قانون الدولة الذي يحقق المصلحة العامة لغالبية أفرادها ليتماشى مع ما تريده الأقلية دون أدنى إعتبار لمبدأ النسبة والتناسب , فتتعطل المصلحة العامة من أجل المصلحة الخاصة , وكل دول العالم على مختلف أنظمتها الوضعية , في أي زمان كانت , تقدم المصلحة العامة على الخاصة , فهذه "الدولة المدنية" المزعومة تنفر من تطبيق دستورها , كل بلاد الأرض , فأين هى هذه "الدولة المدنية" الوهمية ؟!

  2. #2

    افتراضي رد: أطروحة الدولة المدنية بين أطماع الأقلية وجهل الأغلبية !

    بارك الله فيكم على هذا الطرح الطيب
    الذي أفهمه أن الغرب يريد منا اتباع نظام يكرس للتبعية له, يسهل توجيهه حيث شاؤوا, ظاهره العدل وباطنه الاستعباد
    إذا استطعنا أن نوجد هذه الخلطة السحرية فسمِّ دولتك ما تشاء, ثم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم !!!
    تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ ... عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •