السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته


الحمدلله



أصًول الفقه: الأمر


تعريفه:
الأمر
: قول يتضمن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، مثل: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.

فخرج بقولنا: (قول) ؛ الإشارة فلا تسمى أمراً، وإن أفادت معناه.
وخرج بقولنا: (طلب الفعل) ؛ النهي لأنه طلب ترك، والمراد بالفعل الإيجاد، فيشمل القول المأمور به.
وخرج بقولنا: (على وجه الاستعلاء) ؛ الالتماس، والدعاء وغيرهما مما يستفاد من صيغة الأمر بالقرائن.

صيغ الأمر
:
صيغ الأمر أربع:
1
- فعل الأمر، مثل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ)(العنكبوت: الآية45)
2
- اسم فعل الأمر، مثل: حيّ على الصلاة.
3
- المصدر النائب عن فعل الأمر، مثل: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب)(محمد: الآية4)
4
- المضارع المقرون بلام الأمر، مثل: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)(المجادلة: الآية4)

وقد يستفاد طلب الفعل من غير صيغة الأمر، مثل أن يوصف بأنه فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يمدح فاعله، أو يذم تاركه، أو يرتب على فعله ثواب، أو على تركه عقاب.

ما تقتضيه صيغة الأمر:
صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي: وجوب المأمور به، والمبادرة بفعله فوراً.

فمن الأدلة على أنها تقتضي الوجوب قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور: الآية63)، وجه الدلالة أن الله حذر المخالفين عن أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن تصيبهم فتنة، وهي الزيغ، أو يصيبهم عذاب أليم، والتحذير بمثل ذلك لا يكون إلا على ترك واجب؛ فدل على أن أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم المطلق يقتضي وجوب فعل المأمور.

ومن الأدلة على أنه للفور قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148، والمائدة: 48] والمأمورات الشرعية خير، والأمر بالاستباق إليها دليل على وجوب المبادرة.

ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كره تأخير الناس ما أمرهم به من النحر والحلق يوم الحديبية، حتى دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس(1) .

ولأن المبادرة بالفعل أحوط وأبرأ، والتأخير له آفات، ويقتضي تراكم الواجبات حتى يعجز عنها.

وقد يخرج الأمر عن الوجوب والفورية لدليل يقتضي ذلك، فيخرج عن الوجوب إلى معان منها:
1
- الندب؛ كقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) [البقرة: 282] فالأمر بالإشهاد على التبايع للندب بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد(2) .

2
- الإباحة؛ وأكثر ما يقع ذلك إذا ورد بعد الحظر، أو جواباً لما يتوهم أنه محظور.
مثاله بعد الحظر: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] فالأمر بالاصطياد للإباحة لوقوعه بعد الحظر المستفاد من قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (المائدة: 1)

ومثاله جواباً لما يتوهم أنه محظور؛ قوله صلّى الله عليه وسلّم: "افعل ولا حرج"(3) ، في جواب من سألوه في حجة الوداع عن تقديم أفعال الحج التي تفعل يوم العيد بعضها على بعض.

3
- التهديد كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(فصلت: الآية40)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً)(الكهف: الآية29) فذكر الوعيد بعد الأمر المذكور دليل على أنه للتهديد.

ويخرج الأمر عن الفورية إلى التراخي.
مثاله: قضاء رمضان فإنه مأمور به لكن دلَّ الدليل على أنه للتراخي، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

ولو كان التأخير محرماً ما أقِرّت عليه عائشة رضي الله عنها.

ما لا يتم المأمور إلا به:
إذا توقف فعل المأمور به على شيء كان ذلك الشيء مأموراً به، فإن كان المأمور به واجباً كان ذلك الشيء واجباً، وإن كان المأمور به مندوباً كان ذلك الشيء مندوباً.

مثال الواجب: ستر العورة فإذا توقف على شراء ثوب كان ذلك الشراء واجباً.

ومثال المندوب: التطيب للجمعة، فإذا توقف على شراء طيب كان ذلك الشراء مندوباً.

وهذه القاعدة في ضمن قاعدة أعم منها وهي: الوسائل لها أحكام المقاصد، فوسائل المأمورات مأمور بها، ووسائل المنهيات منهي عنها.


الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
الأصُول من علم الأصُول


والله أعلم

___________________________________________________________________ ___________________
(1) رواه البخاري (2731 ، 2732) كتاب الشروط ، 15 – باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط . وأحمد (4/326/19117) .
(2) رواه أبو داود (3607) كتاب الأقضية ، باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد ، يجوز له أن يحكم به ؟ والنسائي في الكبرى (6243) كتاب البيوع ، 82- التسهيل في ترك الإشهاد على البيع .
(3) رواه البخاري (83) كتاب العلم ، 23- باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها . ومسلم (1306) كتاب الحج ، 57 – باب من حلق قبل النحر ومن نحر قبل الرمي .
(4) انظر البخاري (1950) كتاب الصوم ، 40 – متى يقضى قضاء رمضان . ومسلم (1146) كتاب الصيام ، 26- باب قضاء رمضان في شعبان .