صدر عن دار اليمان – دمشق
(الكتاب متوفر في معرض الشارقة الدولي القادم في عدد من دور النشر ، وفي معارض الكتب في الدول العربية إن شاء الله تعالى)
السبر عند المحدثين
وأثره في معرفة أنواع علوم الحديث في المتن والإسناد ، وفي الحكم على الرواة وعلى مروياتهم
تأليف : الدكتور عبد الكريم محمد جراد ‹دكتوراة في السنة وعلوم الحديث›
أصل الكتاب رسالة دكتوراة ، وفيه مباحث مهمة في التفريق بين السبر والاعتبار في استخدامات المحدثين ، ويشرح الطريقة العلمية العملية في معرفة أنواع علوم الحديث ، والعلل ، مع قرائن الترجيح ، ودلائل التمييز.
نبذة من المقدمة :
الحمدُ للهِ الذي أرسلَ نبيَّهُ المصطفى بكتابٍ بيِّنٍ كالشَّمسِ وضُحاهَا ، وبسنَّةٍ نيِّرَةٍ كالقمرِ إذَا تلاهَا ، فمنْ سارَ على نهجِهِمَا سارَ في ضوءِ النَّهارِ إذَا جلَّاهَا ، ومنْ أعرضَ عنهُمَا جالَ في ظلمةِ اللَّيلِ إذَا يغشاهَا ، وبعدُ :
حفظَ اللهُ القرآنَ الكريمَ ، فقيَّضَ لهُ حملةً صرفُوا في حفظِهِ أوقاتَهُمْ ، وبذلُوا في كَتْبِهِ أعمارَهُمْ ، وأدامُوا تلاوتَهُ آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ ، وأقامُوا هديَهُ في البلدانِ والأمصارِ ، فنالُوا شرفَ الأهليَّةِ ، ومنزلةَ الخصوصيَّةِ ، معَ السَّفرةِ الكرامِ البررةِ.
وحفظَ السُّنَّةَ المطهَّرةَ ، فهيَّأَ لهَا رجالاً مَلَؤُوا بهَا الصُّدورَ ، ودوَّنُوهَا في السُّطورِ ، وقطعُوا في سبيلِهَا الفيافيَ والقفارَ ، وسنُّوا لأجلِهَا الرِّحلةَ في الأقطارِ والأمصارِ ، فحازُوا شرفَ الصُّحبةِ بصحبتِهِمْ لأنفاسِهِ ، وعلوَّ النِّسبةِ بلحظِهِمْ لآثارِهِ ، وقدْ صدقَ القائلُ :
أَهْلُ الحَدِيثِ هُمُ أَهْلُ النَّبِيِّ وَإِنْ
لَمْ يَصْحَبُوا نَفْسَهُ أَنْفَاسَهُ صَحِبُوا
ولمَّا كانتِ السُّنَّةُ المطهَّرةُ المصدرَ الثَّانيَ منْ مصادِرِ التَّشريعِ الإسلاميِّ ، تستقلُّ بتشريعِ الأحكامِ ، وتُفصِّلُ ما جاءَ في القرآنِ ، تُبيِّنُ مجملَهُ ، وتُخصِّصُ عامَّهُ ، وتُقيِّدُ مُطلقَهُ ، وَتُوضِّحُ مُشكِلَهُ ، وجبَ تمييزُ صحيحِهَا منْ سقيمِهَا ، ومنقولِهَا منْ مُتَقَوَّلِهَا ، ومقبولِهَا منْ منحولِهَا.
ولأجلِ هذَا فقدِ انبرى أجلَّةٌ مِنَ العلماءِ الرَّاسخينَ ، الصَّيارفةِ النَّاقدينَ ، ينفونَ عَنِ السُّنَّةِ تحريفَ الغالينَ ، وانتحالَ المبطلينَ ، وتأويلَ الجاهلينَ ، فحرَّرُوا وحقَّقُوا ، واجتهدُوا في نخلِ الأصولِ ، وحفظِ المنقولِ ، فاستنبطُوا ووضعُوا القواعدَ التي تحكمُ روايةَ الحديثِ ، وتُحاكمُ رُوَاتَهُ ، فنشأَتْ علومُ الحديثِ ، أصولُهُ ومصطلحُهُ وعِلَلُهُ ، والجرحُ والتَّعديلُ ، فكانَ كلُّ علمٍ منْ هذِهِ العلومِ أُسَّاً تُبْنَى عليهِ معرفةُ الحديثِ الشَّريفِ روايةً ودرايةً ، وأصلاً يُتوصَّلُ مِنْ خلالِهِ إلى الحكمِ على الحديثِ صحَّةً أو ضعفَاً.
ومنْ أدقِّ قواعدِ علمِ الحديثِ مسلكَاً ، وأعمقِهَا غورَاً ، وأكثرِهَا تطبيقَاً ، وأعظمِهَا أثرَاً : قاعدةُ السَّبرِ عندَ المحدِّثينَ ، فهيَ العمودُ الفقريُّ الذي عليهِ مدارُ علمِ الحديثِ في التَّصحيحِ والتَّضعيفِ ، والجرحِ والتَّعديلِ ، وذلكَ لأنَّ كشفَ العللِ ، وإبرازَ الفوائدِ ، والحكمَ على ضبطِ الرِّجالِ ومرويَّاتِهِمْ إنَّمَا يرتكزُ على جمعِ طُرُقِ الحديثِ والموازنَةِ بينَهَا ، كمَا إنَّهُ السَّبيلُ لاستيضاحِ أوجُهِ الاتِّفاقِ والاختلافِ ، واستبيانِ الزَّائدِ والنَّاقصِ في المتنِ والإسنادِ.
وقدْ يُعتمدُ السَّبرُ استقلالَاً في الكشفِ عنِ العلَّةِ أو إبرازِ الفائدةِ – وذلكَ في الأعمِّ الأغلبِ - ، وقدْ يكونُ قرينةً مُقوِّيةً للطُّرقِ الأُخرى في معرفةِ أنواعِ علومِ الحديثِ ، وقدْ يُغفلُ ويُهملَ في بعضِ الأنواعِ لعدمِ الحاجةِ إليهِ ، ولغناءِ الطُّرقِ الأخرى عنهُ ، وقدْ تكونُ دلالةُ السَّبرِ في معرفةِ ذلكَ دلالةً قطعيَّةً ، وقدْ تكونُ ظنيَّةً لا بُدَّ لهَا مِنْ عواضدَ تدعمُهَا وتُقوِّيهَا.
كمَا قدْ يكونُ السَّبرُ عاملَاً في إدراكِ ومعرفةِ أنواعِ علومِ الحديثِ ، أو عاملَاً في إدراكِ ضِدِّهِا ، فيأتي دلالَةً على التَّفرُّدِ بنفيِ المتابعِ والشَّاهدِ ، أو يكونُ عاملَاً في نفيِ التَّفرُّدِ بالوقوفِ مِنْ طريقِهِ على المتابِعِ أو الشَّاهدِ ، وكذلكَ في معرفةِ الإدراجِ في الحديثِ أو نفيِهِ …
* * *
وهذِهِ الأهميَّةُ البالغةُ لمسألةِ السَّبرِ عندَ المُحدِّثينَ ، كانتِ السَّببَ الرئيسَ في اختيارِي لهذَا الموضوعِ والكتابةِ فيهِ ، حيثُ لمْ يُفرَدْ بالبحثِ والتَّصنيفِ ، ولمْ يُكتبْ فيهِ إلَّا بعضُ المباحثِ القليلةِ التي أُلقيتْ في النَّدواتِ ، وبعضُ الفصولِ المتفرِّقةِ المُبعثرةِ في بطونِ الكتبِ والأمَّهاتِ ، منهَا ما هوَ نظريٌّ يحتاجُ إلى التَّمثيلِ والتَّطبيقِ ، ومنهَا ما هوَ عمليٌّ يحتاجُ إلى الاستقراءِ والتقعيدِ فجمعتُ المتفرِّقَ ، واستقرأتُ المُطبَّقَ.
وثمَّةَ سببٌ آخرُ ، وهوَ أنَّ الطريقةَ العلميَّةَ العمليَّةَ والتَّطبيقيَّةَ للتَّوصُّلِ إلى النَّتائجِ والقواعدِ والنَّظريَّاتِ ، هيَ الطَّريقةُ الأنجعُ والأقومُ في إدراكِ العلومِ التي تعتمدُ النَّاحيةَ التَّطبيقيَّةَ أكثرَ مِنَ النَّظريَّةِ ، وعلمُ الحديثِ درايةً علمٌ قِوامُهُ العملُ والتَّطبيقُ ، وهيئةُ التَّوصُّلِ إليهِ منْ خلالِ السَّبرِ هيَ الطَّريقةُ العلميَّةُ العمليَّةُ التي انتهجَهَا الأئمَّةُ المحدِّثونَ ، لاستخراجِ عللِ الحديثِ وإبرازِ فوائدِهِ ، فهيَ السَّبيلُ المختصرُ الذي يَفيدُ الباحثُ منهُ في دراسةِ الأسانيدِ والمتونِ.
وتصانيفُ الأئمَّةِ في علومِ الحديثِ ومصطلحِهِ وتقعيدُهُمْ لنظريَّاتِهِ إنَّمَا جاءتْ بناءً على صنيعِ المحدِّثينَ في مُصنَّفاتِهِمْ ، وعلمُ مصطلحِ الحديثِ مِنَ الأهميَّةِ بحيثُ لا تُجهَلُ قيمَتُهُ ، ولا يُغفلُ نفعُهُ ، لكنَّهُ نتائجُ نظريةٌ لا بُدَّ لطالبِ العلمِ منْ معرفَتِهَا ، إلَّا أنَّهَا لا تُبلورُ طالبَ علمٍ مُحدِّثٍ مُحقِّقٍ ، يمتلكُ المكنةَ في التَّصحيحِ والتَّضعيفِ ، والملكةَ في دراسةِ الأسانيدِ ومَخْرِ عُبابِ المتونِ ، وعلى مثلِ هذَا أيضَاً كُتُبُ طرائقِ التَّخريجِ التي عنيَتْ باستخراجِ الحديثِ وإظهارِهِ منْ بطونِ الكتبِ والأمَّهاتِ ، إلَّا أنَّهَا أغفلتِ الطَّريقةَ العلميَّةَ العمليَّةَ في دراسةِ الحديثِ والحكمِ عليهِ صحَّةً أو ضعفَاً ، ولذَا ينبغي أنْ تكونَ الطَّريقةُ العمليَّةُ المبنيَّةُ على السَّبرِ وجمعِ الطُّرُقِ السَّبيلَ الذي ينتهجُهُ طالبُ الحديثِ في دراسةِ هذَا العلمِ وتأصيلِهِ.
* * *
وقدَّمَ هذَا الكتابُ تأصيلَاً علميَّاً منهجيَّاً لمسألةِ السَّبرِ على قواعدِ المحدِّثينَ في المتنِ والإسنادِ ، وفي الحكمِ على الرِّجالِ وعلى المرويَّاتِ ، جهدتُ في أنْ يكونَ شاملاً لكلِّ ما يتعلَّقُ بمسألةِ السَّبرِ عند المحدثين ، لا يندُّ عنْهُ إلَّا ما لا أهميَّةَ في إدراجِهِ , وما لا حاجةَ إليهِ.
اتَّبعتُ فيهِ منهجي الجمعِ والاستقراءِ :
جمعِ المتفرِّقِ مِنْ أقوالِ المحدِّثينَ مِنَ المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ والمعاصرينَ ، والتأليفِ بينهَا ، واستصدارِ النَّتائجِ منْ خلالِهَا.
واستقراءِ صنيعِهِمْ في المصنَّفاتِ الحديثيَّةِ ، ومناهجِهِمْ فيمَا أفردوهُ مِنَ المصنَّفاتِ المختصَّةِ بكلِّ نوعٍ منْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، وقدْ برزَ ذلكَ جليَّاً في فصولِ ومباحثِ الكتابِ ، أخصُّ مِنْ ذلكَ مبحثَي : ‹المصنَّفاتُ التي اعتمدتِ السَّبرَ› و‹الطَّريقةُ العلميَّةُ والعمليَّةُ للسَّبرِ عندَ المحدثينَ›.
وهذَا بيانٌ إجماليٌّ لخطَّةِ الكتابِ :
البَابُ الأوَّلُ : السَّبْرُ – مَفْهُومُهُ – أَهَمِّيَّتُهُ – الحَاجَةُ إِلَيهِ :
الفَصْلُ الأَوَّلُ : تَعْرِيفُهُ – مُصْطَلَحَاتُهُ – أَهَمِّيَّتُهُ – وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : التَّعْرِيفُ ، وَالمُصْطَلَحَا تُ :
المَبْحَثُ الثَّانِي : أَهَمِّيَّةُ السَّبْرِ ، وَأَقْوَالُ الأَئِمَّةِ فِيهِ :
المَبْحَثُ الثَّالِثُ : شُبُهَاتٌ وَإِشْكَالاتٌ :
المَبْحَثُ الرَّابِعُ : الحَاجَةُ إِلَى السَّبْرِ ، وَالأَسْبَابُ الدَّاعِيَةُ إِلَيهِ :
الفَصْلُ الثَّانِي : نَشْأَةُ السَّبْرِ ، وَصُوَرُهُ ، والمُصَنَّفَاتُ المُتَعَلِّقَةُ بِهِ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : نَشْأَةُ السَّبْرِ وَتَطَوُّرُهُ عَبْرَ القُرُونِ :
المَبْحَثُ الثَّانِي : صُوَرُ السَّبْرِ عِنْدَ المُحَدِّثِينَ :
المَبْحَثُ الثَّالِثُ : المُصَنَّفَاتُ فِي السَّبْرِ :
الفَصْلُ الثَّالِثُ : تَصْحِيحِ الحَدِيثِ ، وتَطْبِيقِ السَّبْرِ ، وَطَرِيقَتُهُ العِلْمِيَّةُ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : تَصْحِيحِ المُتَأَخِّرِين َ لِلْأَحَادِيثِ مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ:
المَبْحَثُ الثَّانِي : تَطْبِيقِ المُتَأَخِّرِين َ للسَّبْرِ :
المَبْحَثُ الثَّالِثُ : الطَّرِيقَةُ العِلْمِيَّةُ العَمَلِيَّةُ لِسَبْرِ الأَسَانِيدِ :
* * *
البَابُ الثَّانِي : أَثَرُ السَّبْرِ فِي الحُكْمِ عَلَى الرِّجَالِ ومرويَّاتِهِمْ :
الفَصْلُ الأَوَّلُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي الحُكْمِ عَلَى الرِّجَالِ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : الحُكْمُ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ :
المَبْحَثُ الثَّانِي : حُكْمُ المُتَقَدِّمِين َ ، وَسَبْرُ المُتَأَخِّرِين َ :
الفَصْلُ الثَّانِي : أَثَرُ السَّبْرِ فِي الحُكْمِ عَلَى مَرْوِيَّاتِ الرِّجَالِ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : المُتَابَعَاتُ وَالشَّوَاهِدُ ، وَشُرُوطُ تَقْوِيَةِ الأَحَادِيثِ بِهَا :
المَبْحَثُ الثَّانِي : تَقْوِيَةُ الحَدِيثِ الحَسَنِ مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ ‹الصَّحِيحُ لِغَيرِهِ› :
المَبْحَثُ الثَّالثُ : تَقْوِيَةُ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ مِنْ خِلَالِ السَّبْرِ ‹الحَسَنُ لِغَيرِهِ› :
* * *
البَابُ الثَّالِثُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي الحُكْمِ عَلَى الحَدِيثِ سَنَدَاً وَمَتْنَاً :
الفَصْلُ الأَوَّلُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي السَّنَدِ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ الفَرْدِ وَالغَرِيبِ :
المَبْحَثُ الثَّانِي : مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ الشَّاذِّ وَالمُنْكَرِ :
المَبْحَثُ الثَّالِثُ : مَعْرِفَةُ المَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الأَسَانِيدِ :
المَبْحَثُ الرَّابِعُ : مَعْرِفَةُ الاِضْطِرَابِ فِي الإِسْنَادِ :
المَبْحَثُ الخَامِسُ : مَعْرِفَةُ المَقْلُوبِ فِي الإِسْنَادِ :
المَبْحَثُ السَّادِسُ : مَعْرِفَةُ الإِدْرَاجِ فِي الإِسْنَادِ :
المَبْحَثُ السَّابِعُ : مَعْرِفَةُ التَّدْلِيسِ فِي الإِسْنَادِ :
المَبْحَثُ الثَّامِنُ : مَعْرِفَةُ المُرْسَلِ الخَفِيِّ :
المَبْحَثُ التَّاسِعُ : مَعْرِفَةُ الإِرْسَالِ فِي الإِسْنَادِ :
المَبْحَثُ العَاشِرُ : مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ المُتَّصِلِ من المُنْقَطِعِ وَالمُعْضَلِ وَالمُعَلَّقِ:
المَبْحَثُ الحادي عشرَ : مَعْرِفَةُ الحَدِيثِ المَرْفُوعِ مِنَ المَوقُوفِ وَالمَقْطُوعِ :
المَبْحَثُ الثَّانِي عَشَرَ : مَعْرِفَةُ العَالِي وَالنَّازِلِ :
المَبْحَثُ الثَّالِثَ عَشَرَ : مَعْرِفَةُ المُتَوَاتِرِ وَالآَحَادِ وَالمَشْهُورِ وَالعَزِيزِ:
المَبْحَثُ الرَّابِعَ عَشَرَ : تَعْيِينُ المُبْهَمِ وَتَمْيِيزُ المُهْمَلِ فِي الإِسْنَادِ :
المَبْحَثُ الخَامِسَ عَشَرَ : مَعْرِفَةُ التَّصْحِيفِ وَالتَّحْرِيفِ فِي الإِسْنَادِ :
* * *
الفَصْلُ الثَّانِي : أَثَرُ السَّبْرِ فِي المتنِ :
المَبْحَثُ الأَوَّلُ : مَعْرِفَةُ زِيَادَةِ الثِّقَةِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ الثَّانِي : أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ الشَّاذِّ وَالمُنْكَرِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ الثَّالِثُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ الإِدْرَاجِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ الرَّابِعُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ الاِضْطِرَابِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ الخَامِسُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ القَلْبِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ السَّادِسُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ المبهمِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ السَّابِعُ : أَثَرُ السَّبْرِ فِي مَعْرِفَةِ التَّصْحِيفِ فِي المَتْنِ :
المَبْحَثُ الثَّامِنُ : ضَبْطُ الحَدِيثِ ‹الرِّوَايَةُ بِاللَّفْظِ وَالمَعْنَى› :
المَبْحَثُ التَّاسِعُ : مَعْرِفَةُ غَرِيبِ الحَدِيثِ :
المَبْحَثُ العَاشِرُ : مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ وُرُودِ الحَدِيثِ :
* * *
وهذِهِ جملةُ الخطواتِ المتَّبعةِ في الكتابِ :
اعتمدتُ نقولاتِ الأئمَّةِ المحدِّثينَ مِنَ المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ والمعاصرينَ ، كدليلٍ وشاهدٍ على كلِّ ما أمليتُهُ ، وكقاعدةٍ لكلِّ نتيجةٍ خلصتُ بهَا ، تأصيلَاً للكتابِ ، وإحياءً لكلامِهِمْ ، وسيرَاً بركابِهِمْ ، فقولُهُمْ أولَى وأجلَى ، وأبعدُ عنِ الخطأِ وأقربُ إلى الصَّوابِ.
أوردتُ مذاهبَ العلماءِ باختصارٍ في المسائلِ التي تعدَّدَتْ فيهَا الآراءُ ، وفصَّلتُ ما يخصُّ السَّبرَ وما يتعلقُ بِهِ منْ قرائنِ التَّرجيحِ ودلائلِ التَّمييزِ ، كمَا في الإدراجِ والمزيدِ في مُتَّصلِ الأسانيدِ ، وناقشتُ أقوالَهُمْ معَ بيانِ الرَّاجحِ مُستدلَّاً بأقوالِ جهابذَةِ أئمَّةِ الحديثِ واستقراءِ مناهجِهِمْ ، وأهملتُ ما لا صلةَ لهُ بالسَّبرِ. وما كانَ مُختلفَاً فيهِ اختلافَاً كثيرَاً ومُتباينَاً أشرتُ إليهِ إشارةً فقطْ وبيَّنْتُ الرَّاجحَ المُعوَّلَ عليهِ عندَ العلماءِ ، كمَا في مسألةِ ‹زيادةِ الثِّقةِ›.
التزمتُ اتِّفاقَ المحدِّثينَ في جميعِ المسائلِ التي أوردتُهَا ، وإذَا اشتدَّ الخلافُ في مسألةٍ ما أوردتُ كلامَ المتأخِّرينَ منَ العلماءِ ، وإنْ لمْ تُحسمِ المسألةُ عندَ المتأخرينَ ، أوردتُ كلامَ المعاصرينَ فيهَا ممَّنْ عليهمْ مدارُ علمِ الحديثِ في العالمِ الإسلاميِّ المعاصرِ ، وممَّنْ لهمْ مؤلَّفاتٌ قيِّمةٌ في هذَا العلمِ الشَّريفِ ، كمسألةِ ‹تصحيحِ المتأخِّرينَ للحديثِ› ، ومسألةِ ‹حكمِ المتقدِّمينَ وسبرِ المتأخِّرينَ في الحكمِ على الرِّجالِ›.
ناقشتُ في الحاشيةِ ما ذهبَتْ إليهِ بعضُ مُصنَّفاتِ علماءِ العصرِ ، ممَّا خالفَ ما أقرَّتْهُ كُتبُ أصولِ الحديثِ – وذلكَ قليلٌ بعضَ الشَّيءِ - مستدلَّاً باتِّفاقِ العلماءِ في مُصنَّفاتِهِمْ ، كمسألةِ الجمعِ بينَ المزيدِ في مُتَّصلِ الأسانيدِ والعالِي والنَّازلِ بجعلهِمَا نوعَاً واحدَاً.
فصَّلتُ القولَ ببيانِ مناهجِ العلماءِ في كُتُبهِمْ التي أفردُوهَا لأنواعٍ معيَّنةٍ منْ علومِ الحديثِ ، خصوصَاً ما كانَ منهَا قائمَاً على السَّبرِ والمقارنةِ بينَ المرويَّاتِ ، واقتبستُ مِنْ مُقدِّماتِهَا ما يُثري الموضوعَ ويغنيهِ ، كمَا بيَّنتُ في الحاشيةِ ما يتعلَّقُ بمعلوماتِ الكتابِ المطبعيَّةِ.
أفدتُ مِنَ الرَّسائلِ العلميَّةِ المتخصِّصَةِ ‹الماجستيرِ أو الدُّكتوراةِ› ، والمُؤلَّفاتِ المفردَةِ في كلِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، لأنَّهَا غالبَاً ما تكونُ جامعةً في موضوعِهَا لتخصُّصِهَا ، ومحيطةً بكلِّ دقائقِهِ ، وقدْ أشرتُ لأماكنِ تواجُدِهَا ، ومعلوماتِ النَّشرِ تامَّةً في الحاشيةِ.
لمْ تخلُ الحاشيةُ منْ بعضِ الفوائدِ والنُّكاتِ العلميَّةِ والتَّعليقاتِ المناسبةِ لموضِعِهَا ، منهَا ما يتعلَّقُ بالسَّبرِ ومنهَا ما لهُ مُتعلَّقٌ بغيرِهِ ، قصدتُ منْ ذلكَ تكاملَ الموضوعِ وإغناءَهُ ، وإزالةَ الإشكالاتِ والإجابةَ على التَّساؤلاتِ التي قدْ تعلقُ بذهنِ القارئِ ، وكذلكَ بيانَ وإيضاحَ ما ينوءُ ببيانِهِ متنُ الكتابِ فحمَّلتُهُ للحواشي.
ترجمتُ في الحاشيةِ للأعلامِ الذينَ أوردَتُ أقوالَهُمْ فحسبُ ، بذكرِ اسمِ الرَّاوي ، ونسبِهِ ، ونسبَتِهِ ، وبلدِهِ ، وموطنِ مولدِهِ ، وكنيتِهِ ، ولقبِهِ ، وما يدلُّ عليهِ منْ مثلِ ذلكَ ، ثمَّ تاريخِ الوِّلادِةِ والوفاةِ بالعامِ الهجريِّ ، ثمَّ مرتبتِهِ العلميَّةِ ، وبعضِ كتبِهِ في الحديثِ وعلومِهِ ، وأهملتُ غيرَهَا مِنَ الكتبِ في العلومِ الأخرى.
اقتصرتُ على ذكرِ وفَيَاتِ الأعلامِ المدوَّنَةِ أقوالُهُمْ في الكتابِ ، وذلكَ في كلِّ مرَّةٍ يردُ فيهَا ذكرُ العَلَمِ ، بيانَاً للأقدميَّةِ في إيرادِ الأقوالِ ، وإظهارَاً للتَّرتيبِ الزَّمنيِّ في حالِ تعدُّدِ النُّقولاتِ في المسألةِ الواحدةِ ، ورمزتُ للوفاةِ بحرفِ ‹ت› ، وللعامِ الهجريِّ بحرفِ ‹ه›.
ضبطتُ بالشَّكلِ آخرَ كلِّ كلمةٍ منَ الكتابِ ، وبيَّنتُ بالضَّبطِ التَّامِّ الكلماتِ المُشْكِلَةَ ، كأسماءِ الأعلامِ وما كانَ منْ قبيلِ المؤتلفِ والمختلفِ ، وميَّزتُ أيضَاً بالضَّبطِ الكاملِ وباللَّونِ الأسودِ السَّميكِ أقوالَ الأئمَّةِ ، إبرازَاً لهَا ، ودلالةً على عمدتِهَا.
شرحتُ في الحاشيةِ بعضَ المفرداتِ الغريبةِ والمصطلحاتِ الغامضةِ التي وردَتْ في ثنايَا الكتابِ.
أوردْتُ في الحاشيةِ المصدرَ أو المرجعَ للنُّصوصِ المقتبسةِ حرفيَّاً خالياً منْ كلمةِ ‹انظرْ› وإذَا كانَ فيهِ تغييرٌ بسيطٌ أو كلامٌ مُستفادٌ ، أوردتُهُ مُصدَّرَاً بكلمةِ ‹انظرْ›.
قيَّدتُ في الحاشيةِ معلوماتِ النَّشرِ لكلِّ كتابٍ وردَ ذكرُهُ في الكتابِ ، بذكرِ الدَّارِ النَّاشرةِ ، وبلدِ النَّشرِ ، وتاريخِ النَّشرِ ، واسمِ المؤلِّفِ ، واسمِ المحقِّقِ إذَا كانَ الكتابُ مُحَقَّقَاً ، واعتمدتُ أفضلَ الطَّبعاتِ إلَّا ما كانَ مِنهَا مُتوفِّرَاً لديَّ ، وإذَا لمْ يكنِ الكتابُ مطبوعَاً أوردتُ منْ ذكرَهُ أو أشارَ إليهِ مِنَ العلماءِ في المصنَّفاتِ الحديثيَّةِ ، أو المصنَّفاتِ المتخصِّصةِ ب‹ببلوغرافيَا› علمِ الحديثِ ، كالرِّسالةِ المستطرفَةِ ، ومعجمِ المصنَّفاتِ الحديثيَّةِ ، وغيرِهَا...
أوردتُ في الحاشيةِ الأمثلةَ وموضعَ الشَّاهدِ فيهَا مِنَ المصنَّفاتِ الحديثيَّةِ التي ذكرتُهَا في متنِ الكتابِ كمصنَّفاتٍ اعتمدتِ السَّبرَ سواءٌ في الحديثِ أو الرِّجالِ أو غيرِ ذلكَ.
ذكرتُ المعنى اللُّغويَّ لكلِّ مُصطلَحٍ حديثيٍّ وردَ في الكتابِ ، بمَا يفي بالغرضِ ، ويُؤدِّي المعنى المرادَ ، معَ التَّوسُّعِ في تعريفِ السَّبرِ ، والمُصطلحاتِ المرادفةِ لهُ والمتعلِّقةِ بِهِ. وتمَّ العزوُ إلى معاجمِ اللُّغةِ العربيَّةِ بذكرِ المادَّةِ إذَا كانَ المعجمُ مجلَّدَاً واحِداً ، وبذكرِ الجزءِ والصَّفحةِ بالإضافةِ إلى المادَّةِ إذَا تعدَّدتِ الأجزاءُ.
اقتصرتُ في التَّعريفِ الاصطلاحيِّ على الجامعِ المانعِ الذي اعتمدَهُ المحدِّثونَ ، وإنْ كانَ ثمَّةَ اختلافاتٌ مهمَّةٌ ومعتبرةٌ في التَّعريفاتِ بَيَّنْتُهَا في الحاشيةِ ، كمَا في تعريفِ الشاذِّ عندَ الحاكمِ والخليليِّ.
ضمَّنْتُ الحاشيةَ بدايةَ كلِّ مبحثٍ منْ مباحثِ الكتابِ - وذلكَ في الأغلبِ الأعمِّ - المصادرَ والمراجعَ التي درسَتِ المبحثَ الذي أكتبُ فيهِ ، وأشرتُ إلى ما أُفرِدَ في المبحثِ مِنْ رسائلَ علميةٍ أو كتبٍ معاصرةٍ مطبوعةٍ ، وكذلكَ ما أُفردَ بالتَّصنيفِ في بعضِ المسائلِ التي أثارتْ جدلَاً في علمِ الحديثِ – كمسألةِ حُجيَّةِ الآحادِ - معَ ذكرِ معلوماتِ النَّشرِ كاملةً ، إثراءً للموضوعِ ، وتسهيلاً للرُّجوعِ إلى مصادِرِهِ الأصليَّةِ ، ومراجعِهِ المستوعِبَةِ.
أوردْتُ الفُروقاتِ بينَ الأنواعِ الحديثيَّةِ المُختلفةِ ، وأوجهِ الاشتراكِ والافتراقِ فيمَا بينَهَا ، وذكرتُ المعتمدَ المعوَّلَ عليهِ عندَ علماءِ الحديثِ ، كالفرقِ بينَ الفردِ والغريبِ ، والفرق بين الشَّاذِّ والمُنكرِ.
ذكرتُ أقسامَ بعضِ أنواعِ علومِ الحديثِ – إنْ كانَ ثمَّةَ أقسامٌ - ومثَّلتُ لكلٍّ منهَا بحديثٍ أقومُ بسبرِهِ واستيفاءِ ما يتحقَّقُ الغرضُ مِنْ طُرُقِهِ ، وأهملتُ التمثيلَ لما لا شُهرةَ لهُ معتبرةً في كتبِ مصطلحِ الحديثِ مِنْ الأقسامِ ، كمَا في بعضِ أقسامِ ‹التَّدليسِ›.
وإذَا كانَ للنَّوعِ الحديثيِّ تقسيماتٌ مختلفةٌ مِنْ جوانبَ مُتعدِّدةٍ ، اخترتُ التَّقسيماتِ المتعلِّقةَ بمسألة السَّبرِ ، وأهملتُ التَّقسيماتِ الأُخرى ، كمَا في العالي والنَّازلِ ، فقدِ اخترتُ تقسيمَ ‹المسافةِ والصِّفةِ› ، على ‹المطلقِ والنِّسبيِّ› ، لأنَّ المسافةَ تُدركُ بالسَّبرِ بتباينِ عددِ الرُّواةِ.
بيَّنتُ حكمَ كلِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، وأشرتُ إلى خلافِ العلماءِ مُبيِّناً الرَّاجحَ الذي اتفقَ عليهِ جمهورُ المحدِّثينَ ، كمَا في حُكمِ ‹المرسلِ› ، وبيانُ ذلكَ مدخلٌ لمعرفةِ ما إذَا كانتِ العلَّةُ المتكشِّفةُ بالسَّبرِ قادحةً أو غيرَ قادحةٍ ، وكذلكَ الفائدةُ مقبولةً أو مردودةً.
تكلَّمتُ في أهميَّةِ وفوائدِ معرفةِ كُلِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ كمدخلٍ ل ‹أثرِ السَّبرِ في معرفتِهِ› ، وأحيانَاً أُفرِدُ ل‹الأهميَّةِ› مبحثَاً.
بيَّنتُ أثرَ السَّبرِ في معرفةِ كلِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، وذكرتُ جميعَ الطُّرقِ التي وضعَهَا العلماءُ لمعرفتِهَا ومثَّلتُ لهَا باختصارٍ ، وفصَّلتُ الكلامَ فيمَا يخصُّ طريقةَ السَّبرِ معَ الأمثلةِ المستفيضةِ.
أوضحتُ قرائنَ التَّرجيحِ بينَ المُتخالفِ والمتعارضِ مِنَ المسائلِ ، مبيناً أنَّ العمدةَ للقرائنِ والمرجِّحاتِ التي تتمخَّضُ عَنِ السَّبرِ حالَ التَّعارضِ بينَ نوعينِ أو أكثرَ منْ علومِ الحديثِ ، كتعارضِ الوصلِ والإرسالِ ، والوقفِ والرَّفعِ.
وكذلكَ دلائلَ التَّمييزِ بينَ المتشابهاتِ أو المشتبهاتِ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، كالدَّلائلِ التي تُميِّزُ المرسلَ مِنَ المزيدِ في مُتَّصلِ الأسانيدِ منَ العالي والنَّازلِ.
حيثُ إنَّ السَّبرَ وجمعَ الطُّرقِ لا تتحقَّقُ الفائدةُ الكاملةُ منهُ إلَّا بهذينِ الأخيرينِ ‹قرائنِ التَّرجيحِ ، ودلائلِ التَّمييزِ› لمتعلَّقِهِمَا الوطيدِ بِهِ.
مثَّلتُ بأمثلةٍ حديثيَّةٍ لكلِّ نوعٍ أو قسمٍ مِنْ أقسامِ علومِ الحديثِ ، طبَّقتُ فيهَا طريقَةَ السَّبرِ في كشفِ العلَّةِ أو إبرازِ الفائدةِ ، سواءٌ في المتنِ أو الإسنادِ ، مُتَّبعَاً المنهجَ الآتي :
* اعتمدتُ في إيرادِ الطُّرقِ كتبَ الحديثِ المشهورةِ بمَا تتمُّ منهُ الفائدةُ ، ويحصلُ بِهِ المرادُ ، ببيانِ موضعِ الشَّاهدِ مِنَ الحديثِ ، ولمْ أستوعبْ جميعَ الطُّرقِ ، لأنَّ كلَّ حديثٍ تحتاجُ طرقُهُ لجزءٍ مُفردٍ.
* أوردتُ أوَّلَاً طريقَ الحديثِ كاملَاً ، مُعتمدَاً أصحَّ الكتبِ الحديثيَّةِ ‹البخاريِّ فمسلمٍ فأبي داودَ فالتِّرمذيِّ فالنَّسائيِّ فابنِ ماجةَ› ، أو أقدمَهَا إنْ لمْ أجدهُ في الكتبِ السِّتَّةِ ، ثُمَّ بيَّنتُ مدارَ الحديثِ ، ومَنْ تابعَهُ مِنَ الرُّواةِ ، ومَنْ أخرجَ كلَّ متابعةٍ مِنْ أصحابِ المصنَّفاتِ ، مُكتفيَاً باسمِ المُصَنَّفِ ورقَمِ الحديثِ فيهِ ، وقدْ أُوردُ بعضَ الشَّواهدِ للحديثِ التي تفيدُ في تأكيدِ ما تمَّ بيانُهُ ، ثمَّ أُبيِّنُ العلَّةَ أو الفائدةَ وموضِعَهَا مِنَ الحديثِ وواضِعَهَا مِنَ الرُّواةِ.
* بيَّنتُ في الحاشيةِ مراتبَ الرُّواةِ المُتابِعينَ في الأمثلةِ التي سبرتُهَا ، فإذَا كانَ الرَّاوي مُجمعَاً على ثقتِهِ أو ضعفِهِ اكتفيتُ بتقريبِ ابنِ حجرٍ ، فأوردتُ اسمَهُ ونسبَهُ وكنيتَهُ ولقبَهُ ، ثمَّ تاريخَ وفاتِهِ ، ومرتبَتَهُ ، ومَنْ أخرجَ لهُ. وإنْ كانَ فيهِ خلافٌ أوردتُ كلامَ أئمَّة الجرحِ والتَّعديلِ والخلاصةَ في الرَّاوي ، فإذَا تكرَّرَ اسمُ الرَّاوي في حديثٍ آخرَ أحلتُ على مكانِ ترجمتِهِ الأولى معَ ذكرِ رقمِ الصَّفحةِ مِنَ الكتابِ.
* ألحقتُ بذلكَ كلِّهِ أقوالَ الأئمَّةِ الأعلامِ مِنَ المحدثينَ ، في بيانِ علَّةِ الحديثِ وفوائدِهِ ، تأصيلَاً للنَّتيجةِ ، وكعاضدٍ وشاهدٍ لما توصَّلتُ إليهِ.
قمتُ بصناعةِ فهارسَ فنيَّةً للكتابِ ، ضمَّتْ فهرساً للموضوعاتِ ، وثبتاً للمصادرِ والمراجعِ.
* * *
هذَا ولا بُدَّ في كلِّ عملٍ مِنْ صعوباتٍ تعترضُ المؤلِّفَ ، أُجملُهَا بمَا يأتي :
1- فقدانُ المُؤلَّفاتِ المُفردةِ في مسألةِ السَّبرِ عندَ المحدِّثينَ ، وندرةُ الأبحاثِ المدوَّنةِ فيهِ ، ممَّا حدَا بي لأنْ اعتمدَ استقراءَ صنيعِ المحدِّثينَ ومناهِجِهِمْ ، وجمعَ شتاتِ أقوالِهِمْ ، ولا تخفى صعوبةُ ووعورةُ ذلكَ في كتابٍ واحدٍ يتضمَّنُ جُلَّ مباحثِ علومِ الحديثِ.
3- عدمُ وجودِ مُصنَّفاتٍ مُتخصِّصةٍ بتراجمَ لبعضِ العلماءِ المعاصرينَ ، ممَّا كانَ يضطرُّني للاعتمادِ على الشَّبكةِ العنكبوتيَّةِ في تراجِمِهِمْ ، والمعلومُ أنَّ الشَّبكةَ ليستْ مصدرَاً علميَّاً يُمكنُ الوثوقُ بِهِ والتَّوثيقُ منهُ.
4- مِنَ المسائلِ التي لم توفَّ حقَّهَا مِنَ الدِّراسةِ بشكلٍ تامٍ وكاملٍ ، مسألتانِ غايةً في الأهميَّةِ ، وهمَا : ‹أثرُ السَّبرِ في الحكمِ على الرِّجالِ› و‹قرائنُ التَّرجيحِ ودلائلُ التَّمييزِ›. لضيقِ الكتابِ عنِ استيعابِهَا ، ولقلَّةِ المصادِرِ والمراجعِ التي تكلَّمتْ فيهَا ، ولحاجَتِهَا إلى دراسةٍ مُفردةٍ مُستقلَّةٍ ، وإنَّني أهيبُ بطلبةِ العلمِ أنْ يُفردُوا هاتينِ المسألتينِ بالدِّراسةِ :
مسألةُ ‹أثرُ السَّبرِ في الحكمِ على الرِّجالِ› باستقراءِ منهجِ ابنِ عديٍّ في ‹الكاملِ› ، وابنِ حبَّانَ في ‹الثِّقاتِ› و‹المجروحينَ› ، ومنهجِ ابنِ حجرٍ في مرتبةِ المقبولِ في ‹التقريبِ›.
ومسألةُ ‹قرائنُ التَّرجيحِ ودلائلُ التَّمييزِ› بالتَّوسُّعِ في ذكرِ القرائنِ الخاصَّةِ التي تخصُّ كلَّ نوعٍ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، بناءً على ما ذكرَهُ ابنُ الصَّلاحِ وفصَّلَهُ العراقيُّ ‹ت806ه› في ‹التقييدِ والإيضاحِ›( ) ، كمَا ينبغي تفصيلُ ما يصلحُ مِنَ القرائنِ على قواعدِ المحدِّثينَ ، وما لا يصلحُ منهَا ممَّا يختصُّ بالأصوليِّينَ أو الفقهاءِ أو اللُّغويينَ أو غيرِهِمْ ، وتبيينُ ما كانَ مِنَ القرائنِ دلالتُهُ دلالةٌ قطعيَّةٌ أو ظنيَّةٌ( ).
وكذلكَ دلائلُ التَّمييزِ بينَ المشتبهِ مِنْ أنواعِ علومِ الحديثِ ، مُشفَعَاً بالأمثلةِ المستفيضةِ( ).
وتكمنُ قيمةُ النَّتائجِ التي توصَّلتُ إليهَا أنَّها جاءتْ موافقةً ومطابقةً لمَا قعَّدَهُ ونصَّ عليهِ الأئمَّةُ المحدِّثونَ ، وإذَا صحَّ المسلكُ صدقتِ النَّتيجةُ ، حرصتُ مِنْ كلِّ ذلكَ الدَّعوةَ إلى دراسةِ أُصولِ الحديثِ على مناهجِ المحدِّثينَ العمليَّةِ والتَّطبيقيَّةِ .
* * *
هذَا وقدْ كُنتُ أسألُ اللهَ تعالى الفتحَ في هذِا الكتابِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ، وابتداءَ كلِّ شغلٍ بهِ راجياً منَ اللهَ أنْ يكونَ قدِ استجابَ الدُّعاءَ وبلَّغَ الرَّجاءَ ، وأسألُهُ في الختامِ أنْ يتقبَّلَهُ خالصاً مُخلصاً لوجهِهِ الكريمِ ، وأنْ يضعَ لهُ القبولَ والنفعَ عندَ الناسِ.
اللهمَّ إنْ كانَ توفيقٌ فمنكَ وحدكَ ، فلكَ الحمدُ والمنَّةُ ، وإنْ كانَ تقصيرٌ فمنِّي ، فاعفُ عنِّي برحمتكِ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
وآخرُ دعوانَا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ
وكتبه : عبد الكريم محمد جراد