" كلمات منتقاة من أخبار السلف " – حلقة رقم (2) (الإمام مالك بن انس "رحمه الله") – وليد ملحم
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه أما بعد :
في هذه الحلقة نذكر مقتطفات من سيرة الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله :
ولد الإمام مالك سنة 93هـ بذي المروة ثم نزل المدينة المنورة نشأ الأمام مالك ببيت علم ودين وشجعته أمه على طلب العلم ونعم ما فعلت .
صفة الإمام مالك : عن عيسى بن عمر قال ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ولا أشد بياض ثوب من مالك ، ونقل غير واحد أنه كان طوالا جسيما عظيم الهامة أشقر أبيض الرأس واللحية عظيم اللحية أصلع وكان لا يحفي شاربه ويراه مثله .
قال الإمام مالك رحمه الله قلت لأمي أذهب فأكتب العلم فقالت تعال فألبستني ثياب العلم , ألبستني ثياباً مشمرة ووضعت الطويلة فوق رأسي وهي أشبه بالقلنسوة ثم قالت اذهب فاكتب الآن وكانت تقول لي اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه .
واجتهد رحمه الله في طلب العلم حتى قيل انه باع سقف بيته لأجل العلم وكان رحمه الله حافظا قال : كنت آتي سعيد بن المسيب عروة والقاسم وأبا أسامة وحميداً وسالماً وعد جماعة فأدور عليهم اسمع من كل واحدٍ من الخمسين حديثاً إلى المائة ثم انصرف من غير أن اخلط حديث هذا بحديث هذا وقال ما استوعب قلبي شيئاً قط فنسيه .
ومن شدة تعظيمه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال عبدالله بن المبارك كنت عند مالك وهو يحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغته عقرب ستة عشرة مرة ومالك يتغير ويصفر ولا يقطع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من المجلس قلت له يا أبا عبد الله لقد رأيت اليوم منك عجباً فقال نعم إجلالاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا جلس للحديث اغتسل ولبس ثياباً جُدُداً ووُضع له المنصة رضي الله عنه .
ويروى أن الخليفة هارون الرشيد قدم إلى المدينة المنورة وكان قد بلغه أن الإمام مالكًا يقرأ الموطأ على الناس ، فأرسل إليه البرمكي وقال له : اقرأ عليه السلام وقل له يحمل إليَّ الكتاب فيقرأه عليَّ، فأتاه البرمكي فأخبره فقال الإمام رضي الله عنه : اقرأ على أمير المؤمنين السلام وقل له إن العلم يُزَار ولا يزور، وإن العلم يُؤتى ولا يأتي ، فقصد الرشيد منزل الإمام واستند إلى الجدار فقال له الإمام مالك : يا أمير المؤمنين ، من إجلال رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلال العلم .
ولقد كان رحمه الله شديد التحري في الإفتاء حيث انه إذا سئل عن مسألة وليس عنده جواب يقول لا ادري رغم إمامته وعلو شأنه : قال الهيثم بن جميل شهدت مالك وقد سُئل عن ثمانٍ و أربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها لا أدري .
وقال موسى بن داوود ما رأيت أحداً من العلماء أكثر أن يقول لا أدري أحسن من مالك وكان يقول :يجب أن يُورث العالم جلسائه قول لا ادري حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه فإذا سئل أحَدُهُم وهو لا يدري قال لا ادري .
وسأله رجل من أهل المغرب عن مسألة كلفه بها أهل المغرب أن يسأل الإمام مالكًا ، فكان جواب الإمام مالك : "لا أدري ، ما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا ، وما سمعنا أحدًا من أشياخنا تكلم فيها، ولكن تعود" ، وفي اليوم التالي عاد الرجل فقال له الإمام مالك : "سألتني وما أدري ما هي" ، فقال الرجل : يا أبا عبد الله ، تركت خلفي من يقول : ليس على وجه الأرض أعلم منك فقال الإمام مالك : "لا أحسن" .
وسأله أحدهم عن مسألة وطلب وقتًا للنظر فيها ، فقال السائل هذه مسألة خفيفة ، فرد الإمام مالك : "ليس في العلم شيء خفيف ، أما سمعت قول الله تعالى : إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً" ، وقال بعضهم : لكأنما مالك ـ والله ـ إذا سُئل عن مسألة واقف بين الجنة والنار .
وكان أهل العلم يعظمون مالك لما يرون من علمه وإخلاصه : فقد قال تلمذه الإمام الشافعي : إذا ذكر العلماء فمالك النجم .
وعن ابن عيينة قال : مالك عالم أهل الحجاز وهو حُجة زمانه .
وقال أيضا : كان مالك لا يُبلِغ من الحديث إلا صحيحا ولا يحدث إلا عن ثقة ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته يعني من العلم .
يقول يحيى القطان : ما في القوم أصح حديثا من مالك كان إماما في الحديث ، وقال ابن مهدي : أئمة الناس في زمانهم أربعة الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد وقال ما رأيت أحدا أعقل من مالك .
وقال ابن وهب : "الذي تعلمنا من أدب مالك أكثر مما تعلمناه من علمه". وقد تعلموا منه علمًا كثيرًا. وقال يحيى بن يحيى التميمي : "أقمت عند مالك بن أنس بعد كمال سماعي منه سنة أتعلم هيئته وشمائله ، فإنها شمائل الصحابة والتابعين" .
أما عن موقفه من البدع وأهلها : جاء رجل فقال يا أبا عبد الله [الرحمن على العرش استوى " كيف استوى فما وَجدَ مالك من شيء ما وَجدَ من مسألته فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج] .
أما من أقواله التي تخرج من مشكاة النبوة : قال الإمام مالك -رحمه الله- : «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة ، فقد زعم أن محمداً خان الرسالة. لأن الله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} . فما لم يكن يومئذ ديناً ، فلن يكون اليوم دينا» .
وقال مالك لفتى من قريش : "يا ابن أخي ، تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم" .
وكان يقول : "أدركت ناسًا بالمدينة لم تكن لهم عيوب ، فتكلموا في عيوب الناس فأحدث الناس لهم عيوبًا، وأدركت ناسًا بالمدينة كانت لهم عيوب ، فسكتوا عن عيوب الناس فسكت الناس عن عيوبهم" .
وقال الإمام مالك تلك المقولة العظيمة والقاعدة الذهبية : ( ما منا من أحد إلا رَد وَرُد عليه إلا صاحب هذا القبر ( صلى الله عليه وسلم ) ) .
لقد قضى الإمام مالك عمره تعلما وتعليما في دار الهجرة المدينة المنورة وامتد بالإمام مالك العمر حتى قارب التسعين سنة وتوفي سنة ((179هجري)) ودفن في البقيع رحمه الله .
قال القعنبي : سمعتهم يقولون عُمُرْ مالك تسعا وثمانين سنة مات سنة تسع وسبعين ومئة وقال إسماعيل بن أبي أويس مرض مالك فسألت بعض أهلنا عما قال عند الموت قالوا تشهد ثم قال {لله الأمر من قبل ومن بعد} (الروم:4) ، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فصلى عليه الأمير عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس .
رحم الله الإمام مالك بن انس إمام دار الهجرة رحمة واسعة وحشرنا وإياه في جنات النعيم اللهم أمين .

أخوكم : وليد ملحم
المصدر موقع فلسطينيو العراق