{مقدمة الأبواب }
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً مزيدا .
أما بعد :
فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره .
ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، بل يؤمنون بأن الله سبحانه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ، لأنه سبحانه لا سميّ له، ولا كُفُوَ له، ولا نِدَّ له ، ولا يقاس بخلقه ، سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه
{باب تعريف التوحيد}
أعلم بارك الله فيك وفي عمرك : أن التوحيد له عدة تعاريف وجميع التعاريف تشير الى توحيد لله في عبادته فأليكم بعض التعاريف الواردة من كلام علمائنا ...
التوحيد:في اللغة: هو مصدر وحَّد الشيء إذا جعله واحدا"وقيل" جاء من التوحد"وقيل" هو الأفراد "وقيل" التوحيد وهو إفراد الله تعالى بما يستحق"وقيل" هو لنفي الشبيه والمثلية .
التوحيد:شرعاً: هو التوحيد الحق ، وهو إفراد اللَّه سبحانه وتعالي بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، فالله نزه نفسه عن كل نقص وأثبت لنفسه أوصاف الكمال والجمال والجلال مع علو شأنه في كل حال ، فهو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد .
وقيل" هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله. فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم، وجميع أنواع العبادة.
وقيل" هو وإخلاص العبادة لله وحده، والكفر بالطاغوت، والبراءة من الشرك وأهله.
وقيل" هو إفراد الله تعالى بما يستحق .
وقيل" هو إفراد الله بما ثبت له من الأسماء والصفات.
وقيل" التوحيد هو ألا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا بل يبقى العبد مواليًا لربه في كل شيء يحب من أحب ويبغض من أبغض وما أبغض ويوالي من يوالي ويعادي من يعادي ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه.
وقيل"هو والإقرار بالوحدانية لله عز وجل وهو الخالق الرازق الضار النافع وهو يجيب دعوة الداعي أذا دعاه ويكشف السوء.
وقيل"هو إفراد الله- تعالى- بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
{باب الأدلة على التوحيد}
أعلم رحمك الله : لقد ذكر الله سبحانه وتعالى التوحيد في كتابه العزيز في أكثر من آية وأمر بتوحيده سبحانه وأرسل الرسل ليدعوا الناس على توحيد لله سبحانه ومن هذه الآيات قوله تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات : 56 ]
وقوله تعالى :{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
[ النحل : 36 ] .
وقوله سبحانه :{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } [ النساء : 36 ] .
وقوله جل جلاله :{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[ الأنعام : 151-153 ] .
قال ابن مسعود : " من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى :{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } [ الأنعام : 151 ] إلى قوله : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا } الآية " .
وقوله تعالى: { لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [ الإسراء : 22 ]
وقال تعالى :{ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا }
[ الإسراء : 39 ]
ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله : { ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } [ الإسراء : 39 ] .
وآية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة ، بدأها الله- تعالى-
بقوله :{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } [ النساء : 36 ] .
وقوله جل جلاله:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[سورة المؤمنون: ألآية 23] .
وقوله : { قُلْ إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }
[ الأنبياء : 108 ]
والتوحيد كما قلنا هي دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام
قال تعالى :{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} [ الأنبياء : 25 ] ، وقال جل ذكره :{ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] ،
وقوله : { قُلْ إِنَّمَآ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }
[ الأنبياء : 108 ]
وقوله تعالى : { فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله واستغفر لِذَنبِكَ }
[ محمد صلى الله عليه وسلم : 19 ]
وهناك الكثير من الآيات التي تبين التوحيد لأنهُ هو أصل الدين وهو الفارق الذي يفرق بين المسلم والكافر ومن الأحاديث التي وردة في التوحيد كثيرة منها وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي ? على حمار فقال لي : « يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله » ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم . قال : « حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً » . فقلت : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : « لا تبشرهم فيتكلوا » . أخرجاه في الصحيحين .
وهناك أحاديث كثيرة سنأخذها أن شاء الله وقدر فيما سيأتي أن شاء المولى ربي وربكم

*** منقول من كتاب التبيان في بيان التوحيد وفضله والشرك وخطره ***( هذا الكتاب لم يطيع بعد )