** سر تأخير إجابة الدعاء**
صيد الخاطر/جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ):
نزلت في شدة، وأكثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة، و تأخرت الإجابة فانزعجت النفس وقلقت.
فصحت بها: و يلك تأملي أمرك أمملوكة أنت أم مالكة، أمدبرة أنت أم مدبرة؟
أما علمت أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، فإذا طلبت أغراضك لم تصبري على ما ينافي مرادك فأين الابتلاء؟
هل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد؟
فافهمي معني التكليف وقد هان عليك ما عزَّ وسهل ما استصعب، فلما تدبرت ما قلته سكتت بعض السكون.
فقلت لها وعندي: جواب ثان وهو أنك تقتضين الحق بأغراضك ولا تقتضين نفسك بالواجب له، وهذا عين الجهل، و إنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس لأنك مملوكة والمملوك, العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك، ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى. فسكنت أكثر من ذلك السكون.
و قلت لها: عندي جواب ثالث: و هو أنك قد استبطأت الإجابة، وأنت سددت طرقها بالمعاصي فلو قد فتحت الطريق أسرعت، كأنك ما علمت أن سبب الراحة التقوى أو ما سمعت قوله تعالى:
((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا))
((وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا))
، أو ما فهمت أن العكس بالعكس؟
آه من سكر غفلة صار أقوى من كل سكر في وجه مياه المراد يمنعها من الوصول إلى زرع الأماني – فعرفت النفس أن هذا حق فاطمأنت.
فقلت: وعندي جواب رابع: وهو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته، وربما كان فيه ضررك فمثلك كمثل طفل محموم يطلب الحلوى. و المدبر له أعلم بالمصالح كيف وقد قال تعالى:
((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ))
فلما بان الصواب للنفس في هذه الأجوبة زادت طمأنتها.
فقلت لها عندي جواب خامس: وهو أن هذا المطلوب ينقص من أجرك، ويحط من مرتبتك فمنع الحق لك ما هذا سبيله عطاء منه لك, و لو أنك طلبت ما يصلح آخرتك كان أولى لك، فأولى لك أن تفهمي ما قد شرحت لك.
فقالت: «لقد سرحت في ما شرحت، فهمت، فهمت»
======
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين/محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
فالله سبحانه يسأله من في السموات والأرض يسأله أولياؤه وأعداؤه و يمد هؤلاء و هؤلاء
و أبغض خلقه عدوه إبليس و مع هذا فقد سأله حاجة فأعطاه إياها و متعه بها ,و لكن لما لم تكن عونا له على مرضاته كانت زيادة له في شقوته و بعده عن الله وطرده عنه
و هكذا كل من استعان به على أمر وسأله إياه و لم يكن عونا على طاعته كان مبعدا له عن مرضاته قاطعا له عنه ولا بد
و ليتأمل العاقل هذا في نفسه و في غيره وليعلم أن إجابة الله لسائليه ليست لكرامة السائل عليه بل يسأله عبده الحاجة فيقضيها له وفيها هلاكه و شقوته و يكون قضاؤها له من هوانه عليه وسقوطه من عينه
و يكون منعه منها لكرامته عليه و محبته له
فيمنعه حماية و صيانة و حفظا لا بخلا, و هذا إنما يفعله بعبده الذي يريد كرامته و محبته و يعامله بلطفه
فيظن بجهله أن الله لا يحبه ولا يكرمه ,و يراه يقضي حوائج غيره فيسيء ظنه بربه وهذا حشو قلبه ولا يشعر به والمعصوم من عصمه الله
و الإنسان على نفسه بصيرة وعلامة هذا حمله على الأقدار وعتابه الباطن لها كما قيل
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
فوالله لو كشف عن حاصله وسره لرأي هناك معاتبة القدر و إتهامه و أنه قد كان ينبغي أن يكون كذا وكذا ولكن ما حيلتي والأمر ليس إلي والعاقل خصم نفسه والجاهل خصم أقدار ربه
فاحذر كل الحذر أن تسأله شيئا معينا خيرته وعاقبته مغيبة عنك, وإذا لم تجد من سؤاله بدا فعلقه على شرط علمه تعالى فيه الخيرة
و قدم بين يدي سؤالك الإستخارة و لا تكن استخارة باللسان بلا معرفة بل استخارة من لا علم له بمصالحه ولا قدرة له عليها ولا اهتداء له إلى تفاصيلها ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا
بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك وانفرط عليه أمره
وإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال تسأله أن يجعله عونا لك على طاعته وبلاغا إلى مرضاته
و لا يجعله قاطعا لك عنه و لا مبعدا عن مرضاته
و لا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه
و لكن عطاؤه ومنعه ابتلاء وامتحان يمتحن بهما عباده قال الله تعالى :
( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا )
أي ليس كل من أعطيته و نعمته و خولته فقد أكرمته وما ذاك لكرامته علي و لكنه ابتلاء علي وامتحان له
:أيشكرني فأعطيه فوق ذلك
أم يكفرني فأسلبه إياه و أخول فيه غيره
وليس كل من ابتليته فضيقت عليه رزقه وجعلته بقدر لا يفضل عنه ,فذلك من هوانه علي ولكنه ابتلاء وامتحان مني له
أيصبر فأعطيه أضعاف أضعاف ما فاته من سعة الرزق أم يتسخط فيكون حظه السخط