بسم الله الرحمن الرحيم
دققوا في الصور قبل وبعد . . . الحمد لله على النعمة

مقبرة المعلى في مكة المكرمة زمن المماليك والعثمانيين


كما هي اليوم بفضل الله ومنّه





تظهر لدينا مقبرة البقيع في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام ، كما كانت في زمن المماليك والعثمانيين ، وتظهر فيها أيضاً القباب والأضرحة.




وهذا حالها اليوم .. على السنة

الحمدُ للهِ على نعمةِ التوحيدِ والسنةِ في بلادنا ، ولذلك نجدُ المبتدعةَ والقبوريين يموتون غيظاً منها لأنها تخلصت من صورِ الشركِ الكثيرةِ ومنها شرك القبور .

قال الشيخُ علي بنُ بخيتٍ الزهراني في " الانحرافاتِ العقديةِ والعلميةِ في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياةِ الأمةِ " (1/305 - 306) : " وحين أظهر اللهُ عز وجل أهلَ الدعوةِ على عبادِ القبورِ والأضرحةِ ، ونصرهم عليهم ومكن لدولتهم ، أعادوا الأمورَ إلى نصابها ، وقاموا بهدمِ تلك الأضرحةِ والقبابِ وتقويضِ معالمها في مكة والمدينة والحجازِ وغيرها كان ذلك عند الناسِ أمراً عظيماً ، وكفراً مبيناً ، إذ ذلك خلافُ المعهودِ عندهم وما نشئوا عليه وورثوهُ عن أسلافهم ، وانقلب المعروفُ منكراً والمنكرُ معروفاً .

وننقلُ نبذةً للمؤرخِ محمود فهمي المهندس ( المتوفي سنة 1311 هـ ) ذكر فيه خبرَ استيلاءِ أهلِ الدعوةِ على الطائفِ وما قاموا به من هدمٍ للأضرحةِ والقبابِِ ؛ يقولُ : " وهدم جميعَ القبورِ الطاهرةِ وكان من ضمن هذه القبورِ قبرُ العباسِ عم النبي صلى اللهُ عليه وسلم - هكذا قال والصحيحُ أنه عبدُ اللهِ بنُ عباسِ رضي الله عنهما - أشهر وأفخر محلٍ يزارُ في أنحاءِ بلادِ العربِ في جمالهِ ونظامهِ وطهارتهِ " [ البحرُ الزاخرُ في تاريخِ العالمِ وأخبارِ الأوائلِ والأواخرِ (1/175) ] .

وقال بعد ذكرِ دخولهم مكة سنة 1218 هـ : " وأمر في الوقتِ بهدمِ ما ينوف عن ثمانين قبةٍ فاخرةِ البناءِ كانت على قبورِ ذراري الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم وعليها مدارُ رونقِ مكة وبهجتها وسواها جميعاً بالأرضِ حتى القبة التي على قبرِ خديجةَ رضي اللهُ عنها " [ المصدر السابق (1/176) ] .

لقد كان ما قام به أهلُ الدعوةِ من هدمٍ لتلك الأضرحةِ والقبابِ سبباً في نفورِ السوادِ الجاهلِ من الناسِ ، ومخالفاً لما ألفوه عبر الأزمنةِ من تعظيمِ القبورِ وتقديسِ لها ، لذا سرعان ما بادروا بعد انحسارِ ظل دولةِ أهل الدعوةِ عن الحجازِ بإعادةِ البناءِ على القبورِ من جديدٍ ؛ فأقاموا الأضرحةَ وبنوا القبابَ .

واستمر الوضعُ على ذلك حيناً من الدهرِ حتى تولى الشريفُ عون ( المتوفي سنة 1323 هـ ) فكلمهُ الشيخُ أحمدُ بنُ عيسى ( المتوفي سنة 1329 هـ ) وأشار على الشريفِ بأن يهدم جميعَ القبابِ ، فهدمها وأزال ما كان في القبورِ من تشييد وغلوٍ في جميعِ الحجازِ وما حولها إلا ما كان من قبرِ حواء وخديجة وابن عباس في الطائفِ فإنه تركه مخافةً من تشويشِ السلطانِ عبد الحميدِ الثاني [ روضة الناظرين عن مآثرِ علماءِ نجدٍ وحوادث السنين (1/75) . ويذكرُ البتنوني سبباً طريفاً لمنعِ هدمِ قبرِ حواء هو اعتراضُ القناصلِ الأجانبِ في جدة على ذلك بحجةِ أن حواء أم لجميعِ الناسِ وليست أماً للمسلمين فقط ، وكما قيل شر البليةِ ما يضحكُ . الرحلةُ الحجازيةُ ( ص 15 ) ] .

ثم أعاد القبوريون أكثر تلك القبابِ حتى فُتحت مكةُ المكرمةُ عام 1343 هـ على يدِّ الملكِ عبدِ العزيز وجيشهِ من الإخوانِ فأزالوها نهائياً والحمدُ للهِ ، وشنع عليهم أنصارُ البدعةِ وعبادُ الأضرحةِ وكبر على العوامِ هدم ضريحِ السيدةِ خديجة وبيتِ السيدةِ فاطمةَ والمولد النبوي لاحتفاءِ الأتراكِ بها زمن دولتهم [ تذكرةُ أولي النهى والعرفان بأيامِ الواحدِ الديانِ وذكر حوادث الزمان (3/91) ] .


وقال الشيخُ علي بنُ بخيتٍ الزهراني في " الانحرافاتِ العقديةِ والعلميةِ في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياةِ الأمةِ " (1/207 - 208) : " لم يكد يمضي الربعُ الأولُ من القرنِ الثالثِ عشر الهجري حتى كانت الدولةُ السعوديةُ الأولى قد امتدت رقعتها من الخليجِ العربي شرقاً إلى البحرِ الأحمرِ غرباً ، ومن نواحي حضرموت ونجران جنوباً إلى مشارفِ الموصل ومعان شمالاً .

وقد أقلق هذا التوسعُ السريعُ جهاتٍ عديدةً ، فالدولةُ العثمانيةُ قد كبر على سلاطينها أن ينتزعَ منهم الحرمانِ الشريفانِ اللذان كانا يقويانِ من مكانتهم في العالمِ الإسلامي ، وكذلك الزيود في اليمن ، والرافضةُ في إيران خاصةً بعد توالي حملاتِ أهلِ الدعوةِ على العتباتِ والأضرحةِ التي يقدسها الشيعةُ في العراقِ [ ويأتي على رأسها تلك الحملةُ الكبيرةُ التي قادها الإمامُ سعود في أواخرِ إمامةِ والده الإمام عبد العزيز عام 1216 هـ إى كربلاء واقتحامها وهدم القبةَ المنسوبةَ إلى الحسينِ رضي الله عنه والاستيلاء على ذخائرها وكنوزها ، وعندما سقطت الدرعيةُ عام 1233 هـ على يدٍ قواتٍ محمد علي باشا بعث شاهُ العجمِ وملكُ الرافضةِ في إيران إلى محمد علي باشا رسالةً يعبرُ فيها عن فرحتهِ الشديدةِ ، وبعث إليه بسيفٍ من حديدٍ توارثهُ ملوكُ الرافضةِ وخاتماً من فيروزج ... انظر نص الرسالةِ في ملحق رقم 18 ص 400 في كتابِ " الدولةِ السعوديةِ الأولى لعبد الرحيم عبد الرحمن ] .

... على أن من أهمِ الأسبابِ لاستيلاءِ أهل الدعوةِ على الحرمينِ الشريفينِ هو منعهم من الحجِّ من قِبل أشرافِ مكة المتتابعين على حكمها [ وأولهم الشريف مسعود الذي كاتبهُ أهلُ الدعوةِ فمنعهم . ثم الشريف مساعد الذي أبى دخولهم هو الآخرُ ثم جاء الشريفُ أحمدُ بنُ سعيدٍ فلم يسمح لهم بأداءِ فريضةِ الحجِّ . وتمت على عهد ذلك الشريفِ مناظرةٌ بين عالمٍ بعثهُ أهلُ الدعوةِ إلى مكةَ وبين علمائها ، ولكن دون أن تسفر هذه المناظرة عن نتيجةٍ . ثم ولي الشريفُ سرور فراسلوهُ ، فوافق عليٌ على أن يقبضَ ، فأبوا عليه ذلك . إلى أن جاءَ الشريفُ غالب فراسلوهُ كأسلافهِ ، فتهددهم ثم جهز جيشاً لقتالهم عام 1205 هـ ، وطال أمد الحربِ بين الشريفِ غالبٍ وبين أهلِ الدعوةِ إلى أن تمكنوا من دخولِ مكة في 7 محرم سنة 1218 هـ ] .

يذكرُ مؤرخُ العصرِ عبدُ الرحمن الجبرتي خبرَ استيلائهم على مكة عام 1221 هـ وكيف أنهم أمروا بمنعِ المنكراتِ والتجاهرِ بها كشرب الدخانِ والأراجيل في المسعاة ، وبالمحافظة على الصلوات في الجماعةِ ، ودفع الزكاة ، وترك لبس الحرير والمقصبات ، وإبطال المكوس والمظالم ... والأهم من ذلك كله تركُ ما حدث في الناسِ من الالتجاءِ لغيرِ اللهِ من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات ، وما أحدثوهُ من بناءِ القبابِ على القبورِ ، والصورِ والزخارفِ وتقبيلِ الأعتابِ ، والخضوعِ والتذللِ والمنادةِ والطوافِ والنذورِ والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها واجتماع أصناف الخلائق ، واختلاط النساء بالرجال ، وهدمت جميعُ القباب المبنيةِ على القبورِ والأضرحةِ ، وعاهدهم الشريفُ غالبٌ على منعِ ذلك ، بعدما أقيمت مناظرةٌ مع علماءِ الحرم وأقاموا عليهم الحجةَ بالأدلةِ القطعيةِ التي لا تقبلُ التأويلَ من الكتابِ والسنةِ .

ثم ذكر الجبرتي ما حدث من الأمنِ والرخاءِ بعد ذلك فيقولُ : " فعند ذلك أمنت السبلُ ، وسلكت الطرق بين مكةَ والمدينة ، وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الأسعارً وكثر موجودُ المطعوماتِ " .

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْل