بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين, وبعد:
فقد رايت في بعض مواقع العنكبوتية من يكفر من أنكر خروج المهدي, وقالوا أنه قد بلغ أحاديث المهدي حد التواتر كما ذكر ذلك ابن حجر والسخاوي والسفاريني في لوائح الأنوار والكتاني في نظم المتناثر في أحاديث المتواتر وابن حجر الهيثمي والشوكاني, ولشوكاني رسالة سماها "التوضيح في تواتر ما جاء في الاحاديث في المهدي والدجال والمسيح" وقالوا إنه من ضروريات الإسلام.
فإن كان من ضروريات الإسلام فلماذا لم يذكر العلماء الذين صنفوا في إعتقاد أهل السنة في كتبهم, سوى البربهاري. والسفاريني في عقيدته
المقدمة
هناك أصل عظيم وهو أن البخاري ومسلم استوعبا أصول الأحاديث كل باب. وكل أصل ليس في صحيح البخاري ولا مسلم ولم يُخرجا نظير له, فاعلم أنه حديث ضعيف, سواء كان ذلك الأصل في مسائل العلمية أو العملية,قد طلع البخاري ومسلم على عليته وخفي من بعده. والأصل هي عمدة الباب وأصول أحاديث تلك الباب, التي ترجع إليه. وإنما لم يستوعبا فروع أحاديث كل باب, أما الأصول فقد استوعبا.
فأحاديث المهدي لم يخرج البخاري ومسلم في صحيحهماو ولو كان هناك أصل صحيح في شأن المهدي لذكرهما, مع أنهما في المقابل أخرجا حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه, مما يدل على ضعف أصول أحاديث المهدي فضلاً عن فروعه.
قال ابن عبد البر في التمهيد: ولم يخرجا البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها . فإن قال قائل أن الاحاديث الواردة في المهدي لم ترد في الصحيحين على وجه التفصيل ، بل جاءت مجملة ، وقد وردت في غيرهما مفسرة لما فيهما, منها ما رواه البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ » . وروى مسلم في كتاب الايمان من صحيحه عن أبي هريرة مثل حديثه عن البخاري ; ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم ؟» ، وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله : «وامكم منكم» ، بقوله : «فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم(صلى الله عليه وآله)» . وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله) يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة .
قلنا أن هذه الأحاديث لا يدل على المهدي لا من قريب ولا من بعيد, وغاية ما فيه أن زمن نزول عيسى في الامة خليفة وإمام وهذا واجب على الامة سواء كان في زمن نزول عيسى أو قبله.
المقدمة الثانية
واعلم أن أحاديث المهدي من ضمن أحاديث الملاحم, وقد قال أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير. اي من أجل كثرة الكذب. فحديث المهدي له طرق وروايات بالغة الكثرة لكني لم أجد فيها حديثاً يستحسن فضلاً أن يحتج به, وأقوى ما ورد فيها من المرفوع "وليس فيها قوي" الأحاديث التالية وصححها أو حسنها مصطفى العدوي في كتابه الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة"
الحديث الأول
عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي - وجاء في بعض رواياته - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) وهذا الخبر أحمد في مسنده(1/376) رواه أبو داود في سننه (4282) والترمذي في جامعه (2231) وابن حبان في صحيحه (15/236) وابن عدي في الكامل(2/517) والخطيب في تاريخه(4/388) والطبراني في الكبير(10213) والصغير(1181) وغيرهم من طريق زائدة وأبي بكر بن عياش وعمر بن عبيد وفطر كما عند أبي داود ، وسفيان الثوري كما عند ابن حبان ، وسفيان بن عيينة في رواية عنه ، عند نعيم بن حماد في الفتن ، وشعبة كما عند الحاكم تعليقاً ، والأعمش كما عند ابن عدي ، وسليمان بن قرم ويحيى بن ثعلبة وحماد بن سلمة وقيس بن الربيع كما عند أبي عمر الداني والخطيب في تاريخه ، وعثمان ابن شبرمة ، وعمرو بن أبي قيس كما عند الطبراني ، ولفظ ابن شبرمة عند ابن حبان في صحيحه(6825) "يواطىء اسمه اسمي ، وخلقه خلقي" كلهم عن عاصم ابن أبي النجود احد القراء عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
ولم يتفرد به عاصم عن زر ، فقد تابعه أبو إسحاق الشيباني ، جاء هذا في طبقات المحدثين بأصبهان
وجاء الخبر من طريق عبد الله بن عمر بن أبان ، عن يوسف بن حوشب الشيباني عن أبي يزيد الأعور ، عمرو بن مرة ، عن زر ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يوافق اسمه اسمي. رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية وابن عدي في الكامل.
واختلف فيه على الأعمش وشعبة وسفيان الثوري فمرة يذكرونها ومرة يتركونها0
وقد صححه الترمذي وابن حبان وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وغيرهم من أهل الحديث.
عاصم ابن أبي النجود قال العجلي: كان يختلف عليه في زر وأبي وائل, يشير بذلك ضعف روايته عنهما. قال يعقوب ابن ابي شيبة: في حديثه اضطراب. قال ابن حراش: في حديثه نكرة قال ابن حجر: صدوق, وأخرج البخاري ومسلم له مقرونا بغيره لا أصلا. فمثله لا يحتج به في الاصل ولو روى عنه ألف راو, وهذا صنيع البخاري ومسلم, فكيف بحديث يدل على أصل في الإعتقادات يجب اعتقاده.

الحديث الثاني
علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جوراً) رواه أبو داود (4283) وأحمد(1/99) والبزار(2/134) وابن ابي شيبة(8/679,678) من طريق فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي. وفطر هو ابن خليفة شديد التدليس فقد رد مروياته القطان وإن قال فيها ثنا . وقال أحمد بن يونس على قطن وهو مطروح لا نكتب عنه, وقال الدارقطني: لا يحتج به. فمثله لا يحتج في الأصل. وهناك طريق ابي إسحاق السبيعي عن علي رواه ابي داود(4290) وابي إسحاق لا سماع له عن علي كما قال البرديجي مع ان ابا داود قال حُدثت. ومن طريق أبي الحسن عن هلال بن عمرو عن علي كما في سنن ابي داود(4290) وابو الحسن وشيخه مجهولان وذكره ابو داود معلقاً

الحديث الثالث
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً يملك سبع سنين ) رواه أبو داود(4285)
قال ابن القيم في المنار المنيف ، إسناده جيد
وفيه عمران القطان صدوق يهم قاله البخاري ، وقال الدارقطني كثير المخالفة والوهم ، وقال النسائي ضعيف ، وذهب جماعة إلى أنه صالح الحديث ، وذكره ابن حبان في ثقاته
ومن طريق زيد العمى قال سمعت أبا الصديق الناجي يحدث عن ابي سعيد الخدري قال: خشينا ان يكون بعد نبينا حدث فسالنا نبي الله فقال: إن في امتي المهدي يخرج يعيش خمساً او سبعاً أو تسعاً "زيد الشاك" قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين قال: فيجيء إليه رجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني قال: فيحثى له في ثوبه ما استطاع ان يحمله. رواه الترمذي(2232) وأحمد(3/21) وأبي يعلى(2/43) والعقيلي وابن عدي وابن ابي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن والحاكم والطبراني في الاوسط والدارقطني. وقد اختلف على أبى الصديق وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وزيد هذا ضعيف, بسببه ضعف هذا الحديث صاحب كتاب الأحاديث المهدي في المهدي في ميزان الجرح والتعديل ص 316 ولكن تابعه معاوية بن قرة ومطر الوراق والمعلمى بن زياد والعلاء بن بشير وغيرهم ولذلك قال الترمذي حسن, ولكن لا يحتج الأصول العقائد ما هو خارج عن الصحيحين لما قلنا أنهما استوعبا أصول الحاديث في كل باب.
فائدة
جاء في المنتخب من العلل للخلال ص 305 أن أبو معبد سمع من ابن عباس يقول: إني لأرجو أن لا تذهب الأيام والليالي حتى يبعث الله منا أهل البيت غلاماً لم يلبس الفتن ولم تلبسه الفتن كما فتح الله بنا هذا الامر فأرجوا أن يختمه بنا. قال ابو معبد : قلت لابن عباس: عجزت عنها شيوخكم ويرجوها شبابكم؟ قال إن الله يفعل ما يشاء. فسمعت محمد بن عمير يقول سمعت حامد بن يحيى قال: قال لي أحمد بن حنبل: سالت عبد الرحمن بن مهدي: أي حديث اصح في المهدي. قال: أصح شيء فيه عندي: حديث أبي معبد عن ابن عباس. اهـــــــــ قال الشيخ طارق عوض الله: اخرجه البيهقي في الدلائل(6/417) مختصرا وقال ابن كثير في البداية(10/50)(وهذا إسناد صحيح إليه أي ابن عباس.
وأنت ترى أن الحديث الوحيد الصحيح عند ابن مهدي هو هذا الأثر.

الحديث الرابع
حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يُعطونه، فيقاتلون فيُنصرون، فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبواً على الثلج".
أخرجه ابن ماجة (رقم 4082)، والبزار في مسنده (رقم 1556-1557)، والعقيلي في (الضعفاء) ترجمة يزيد بن أبي زياد (4/1494)، وابن عدي، ترجمة يزيد بن أبي زياد (7/276)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس النخعي، عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً.
وقال عنه ابن كثير في (البداية والنهاية 9/278):"إسناده حسن"، وحسنه الألباني أيضاً في (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 85)
والإسناد قابل للتحسين.لكن هذا الحديث منكر, قال البزار عقب الحديث:"وهذا الحديث رواه غير واحد عن يزيد بن أبي زياد، ولا نعلم روى يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود إلا هذا الحديث".
ومع هذا التفرد الذي صرح به ابن عدي أيضاً عقب الحديث، فإن مثله لا يحتمل التفرد بمثل هذا الإسناد والمتن.
ولذلك ضعف هذا الحديث جماعة، وعدوه في مناكير يزيد بن أبي زياد.
فقد قال وكيع بن الجراح –وذكر هذا الحديث-:"ليس بشيء".
وقال الإمام أحمد:"ليس بشيء" أيضاً.
وبلغ إنكار أبي أسامة حماد بن أسامة لهذا الحديث أن قال عن يزيد بن أبي زياد بخصوص روايته لهذا الحديث:"لو حلف عندي خمسين يميناً قسامة ما صدقته!! أهذا مذهب إبراهيم؟! أهذا مذهب علقمة؟! أهذا مذهب عبد الله؟!" (الضعفاء) للعقيلي (4/1493-1495).
ولما أنكر الإمام الذهبي هذا الحديث في (السير 6/131-132)، قال بعد كلام أبي أسامة:"قلت: معذور والله أبو أسامة! وأنا قائل كذلك، فإن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه: عمداً، أو خطأ".
لذلك فإن الراجح ضعف هذا الحديث بل إنه منكر
هذا هو أحسن أحاديث في المهدي وأنت ترى ما فيه, فكيف يستدل مثل هذه الأحاديث في أمر غيبي يجب إعتقاده
وقول ابن قيم في المنار المنيف ص 148 ما يدل إنه مسألة خلافية وليس مسالة إجماعية فقال: وهذه الاحاديث أربعة أقسام : صحاح ، وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وقد اختلف الناس في المهدي عن أربعة أقوال ، أحدها أنه المسيح ابن مريم .اهـــــــــ
لفإن كان بعض الناس لم تصح الأحاديث لديهم ، ولم يفهموا ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث في هذا الباب ، وأدى إليهم اجتهادهم بعد البحث الشديد ، وتحري الحق إلى إنكاره وعدم الإيمان به ، فأولئك لهم إجتهادهم.
ودعوى التواتر في هذا الأحاديث مردود فقد قال ابن تيمية في المنهاج السنة(4/95):إن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان به؟ اهـــــــــ
فإني لم أجد أي دليل صحيح يعتمد عليه ما يعتمد على الأصول ما يدل على انه يجب على المسلمين ان يؤمنوا بالمهدي فضلاً عن مهدية رجل معين فكيف يكون هذا مقياس إعتقاد الشخص, أو كونه مسلماً أو لا.
فقد أصبح التكفير أمراً تهديديياً والله المستعان
تنبيه
فجميع أشراط الساعة يكون طبيعيا إلا آيتان كما في حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: إن الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبها فالأخرى على إثرها قريباً. رواه مسلم(2941)
قال العز ابن عبد السلام في شرح الطحاوية(ص 500): أي أول الآيات التي ليست مألوفة وإن كان الدجال ونزول عيسى من السماء قبل ذلك وكذلك خروج يأجوج ومأجوج, كل ذلك أمور مألوفة لأنهم بشر, مشاهدة مثلهم مألوفة, أما خروجه الدابة على شكل غريب غير مألوف ثم مخاطبتها الناس ووسمها غياهم بالإيمان أو الكفر فامر خارج عن مجاري العادات وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية.اهــــ ـــــــ والله يحب الطبائع كما يحب الجمال.
اللهم أرنا الحق وارزقنا اتباعه وارنا الباطل وارزقنا إجتنابه.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.