مسألة فقهية وهي دخول الإمام في الصلاة وهو محدث أو جنب
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه " أخرجه البخاري في الصحيح رقم ( ٦١٣) ، ومسلم رقم ( ٦٠٥ ) ، وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأمأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم . وفي رواية ثم قال إنما أنا بشر وإنيً كنت جنبا . وفي حديث أبي هريرة بلفظ فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال كما أنتم . هذه الروايات رواها أبو داود رقم ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) وصححها الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقمين ، وروى مالك في الموطإ مرسلا عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيديه أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء " أخرجه مالك في الموطأ رقم ( 123 ) 1 / 34 .
قال ابن عبد البر هذا حديث منقطع وقد روي متصلا مسندا من حديث أبي هريرة وأبي بكرة ، وفي بعض الروايات أنه كبر وفي بعضها أنه قام في مصلاه وفي بعضها أنه لما انصرف كبر . ثم قال من ذكر أنه كبر زاد زيادة حافظ يجب قبولها وقد ظن بعض شيوخنا أن في إشارته إليهم ان امكثوا دليلا على أنه إذا انصرف إليهم بنى بهم لأنه لم يتكلم وهذا جهل وغلط فاحش ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يبني أحد على ما صنع من صلاته وهو غير طاهر ولا يخلوا من أمره إذا رجع من أحد ثلاثة أوجه إما أن يكون بنى على التكبيرة التي كبرها وهو جنب وبنى القوم معه على نكبيرهم فإن كان هذا فهو منسوخ بالسنة والإجماع اما السنة لا يقبل الله صلاة بغير طهور فكيف يبني على ما صلى وهو عير طاهر وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة فكيف يجتزئ بها وقد عملها على غير طهارة هذا لا يظنه ذو لب ولا يقوله أحد لأن علماء المسلمين مجمعون على أن الإمام وغيره من المصلين لا يبني أحد منهم على شيء عمله فيً صلاته وهو على غير طهارة وإنما اختلفوا في بناء المحدث على ما قد صلى وهو طاهر قبل حدثه . والوجه الثاني أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كبر محرما مستأنفا لصلاته وبنى القوم خلفه على ما مضى من إحرامهم وحينئذ يكون إحرام المأمومين قبل إحرام إمامهم وهذا غير جائز عند مالك وجمهور الفقهاء وإنما أجازه الشافعي في أحد قوليه ..
الاستذكار لابن عبد البر ١/ ٣٢٥ .
قال ابن رشد : الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا فَسَدَتْ لَهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطَعَهَا أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ لَيْسَتْ تَفْسُدُ . وَاخْتَلَفُوا إِذَا صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ جُنُبٌ وَعَلِمُوا بِذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةٌ ، وَقَالَ قَوْمٌ : صَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ ، وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِجَنَابَتِهِ أَوْ نَاسِيًا لَهَا ، فَقَالُوا إِنْ كَانَ عَالِمًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَبِالثَّالِثِ قَالَ مَالِكٌ . وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ صِحَّةُ انْعِقَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ خلف إمام جنب مُرْتَبِطَةٌ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَمْ لَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً ؟ فَمَنْ لَمْ يَرَهَا مُرْتَبِطَةً قَالَ : صَلَاتُهُمْ جَائِزَةٌ ، وَمَنْ رَآهَا مُرْتَبِطَةً قَالَ : صَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ قَصَدَ إِلَى ظَاهِرِ الْأَثَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا ، فَذَهَبَ ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِسْمِهِ أَثَرُ الْمَاءِ " فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مُرْتَبِطَةً لَلَزِمَ أَنْ يَبْدَءُوا بِالصَّلَاةِ مَرَّةً ثَانِيَةً .
بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1 / 132.