فتوى في أمور مُبْتدَعة
لـ«ابن الزَّمْلَكاني» (667 - 727هـ)
(مجلة «الإصلاح» العدد 7)




عمار تمالت

الحمد لله وحده، والصَّلاةُ والسَّلامُ على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه.
أمَّا بعد؛ فإنَّ الله تعالى منح العلماءَ أشرفَ المراتب، وأنزلهم أعلى المنازل، فجعلهم ورثةَ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يُوَرِّثوا الدِّينارَ والدِّرهمَ وإنَّما ورَّثوا العلمَ، فكان للعلماء منه أوفرُ الحظِّ والنَّصيب، فهم واسطةُ الخير - بعد الأنبياء - بين العباد وبين خالقهم، فنجاةُ العباد وفلاحُهم، وقيامُ مصالح دنياهم وأخراهم منوطةٌ باتِّباع علمائهم والاقتداءِ بهم، وفي نبْذ النَّاس لعلمائهم وعدم الاعتداد بهم والالتفاف حولهم أعظمُ الخُسرانِ والضَّلال.
وقد قام العلماءُ برسالتهم في النَّاس أعظمَ قيامٍ وأشرَفه، فسعوا نحو هداية النَّاس، وتعليمِهم أمورَ دينهم، وتربيتهم وتزكيةِ نفوسهم، والقضاءِ بينهم في خصوماتهم، وغير ذلك من مصالح دينهم ودنياهم.
وإنَّ مَثَلَ العلماء في النَّاس، كمَثَلِ الأطبَّاء في ذوي العلل والعاهات، فكما يسعى الأطبَّاءُ للكشف عن أسباب العلل والأمراض وتنحيتها عن أبدان النَّاس ووصف الأدوية النَّاجعة لهم، فكذلك العلماءُ - وأَكْرِمْ بهم -، فإنَّ من أعظم مهمَّاتهم وأشرفها: السَّعيَ في الكشف عمَّا يخدش في الشَّريعة من بدعٍ ومُخالفات، وتنبيهَ النَّاس إلى ما قد يقعون فيه منها، وتحذيرَهم من طرق الغواية ومزالق الشَّيطان، ومحاربةَ كلِّ مَن قد يتسبَّبُ في إدخال الاعتقادات والأقوال والأعمال المُخالفة لأصول هذه الشَّريعة السمحة؛ ومن ثَمَّ إعادةَ النَّاس إلى ما ارتضاه الله - تبارك وتعالى - لهم وتركهم عليه نبيُّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم -، من دين الإسلام وكمال النِّعمة.
وبين يديْك - أخي القارئ - مثالٌ من أمثلة سعيِ العلماءِ نحوَ علاجِ النَّاس ممَّا قد ينتشرُ بينهم من اعتقاداتٍ وأقوالٍ وأعمالٍ مخالفةٍ لهدي الإسلام، وهو فتوَى وتوجيهٌ لأحد أفذاذهم في أمورٍ مُبْتَدَعَةٍ سُئل عنها، فأجاب جوابًا شافيًا كافيًا مُقنِعًا.
أما العالم المفتي فهو[1]:
الشَّيخ القاضي الفقيه: كمالُ الدين أبو المعالي محمَّد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري الشَّافعي الزَّمْلَكاني، نسبةً إلى زمْلَكان - أو: زَمْلَكا - وهي قريةٌ بدمشق.
وُلِدَ سنة (667هـ)، ونشأ في طلب العلم، فسمع الحديثَ وغيرَه من علماء بلده، وتفقَّه على تاج الدِّين بن الفِرْكاح، وأخذ العربيَّة عن بدر الدِّين بن مالك، وقرأ بنفسه واجتهد.
قال عنه الذَّهبي: «شيخُنا عالمُ العصر، وكان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء أهل زمانه»، قال: «وكان بصيرًا بالمذهب وأصوله، قويَّ العربيَّة، ذكيًّا فَطِنًا فقيهَ النَّفس، له اليدُ البيضاءُ في النَّظم والنَّثر، وكان يُضربُ بذكائه المثل».
وقال تاجُ الدِّين السُّبكي: «الإمامُ العلاَّمةُ المُناظرُ».
وقال الصَّلاح الصَّفَدي: «كبيرُ الشَّافعيَّة في عصره، والفُضَلاء في دهره».
وقال الحافظ ابن كثير: «انتهتْ إليه رئاسةُ المذهب تدريسًا وإفتاءً ومناظرةً».
درَّسَ بمدارس عدَّة بدمشق وغيرها، ووليَ قضاءَ حلَب.
وصنَّف رسائل وكتبًا، منها: رسالة في الرَّدِّ على شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألتيْ الطَّلاق والزِّيارة، وشرح قطعة كبيرة من «منهاج الطَّالبين» للنَّووي، وغير ذلك.
وقال الحافظ ابنُ كثير: «وأمَّا دروسُه في المحافل، فلم أسمعْ أحدًا من النَّاس درَّس أحسنَ منها، ولا أَجْلى من عبارته، وحُسن تقريره، وجَوْدة احترازاته، وصحَّةِ ذهنه، وقوَّة قريحته، وحُسنِ نظمه».
وتخرَّج عليه - رحمه الله - تلاميذُ عدَّةٌ، من أشهرهم: الحافظُ العلائي.
وكتب في مدحه الأدباء، ونظموا فيه قصائدَ وأشعارًا رائقةً.
توفي - رحمه الله - بمدينة بُلْبَيْس - بين القاهرة ودمشق - في شهر رمضان المبارك من سنة (727هـ)، ودُفن بالقاهرة، رحمه الله وغفر له.
وأمَّا فتواه المنشورةُ في هذه المجلَّة الغرَّاء:
فقد التقطتُها من «مجموعة فتاوى ومسائل مهمَّة» له بلغ تعدادُها (112) مسألة، وتوجدُ نسختُها الخطِّيَّة بمكتبة «أيا صوفيا» بإستانبول برقم (1593)، كتبها ناسخُها بخطٍّ نسخيٍّ متقن من خطوط القرن التَّاسع الهجري، وقال في آخرها: «بلغ مقابلةً على نسخة سقيمة بحسب الطاقة».
وهذا نصُّ الفتوى:
وسُئِلَ عن أقوامٍ يقولون أقوالاً مختلفةً، ويزعُمون أنَّ من خالف قولَهم فقد خرج عن رِبْقَة الإسلام، وأنَّه من جملة الأنعام، فممَّا يقولون: إنَّ مشايخهم يكون لهم يوم القيامة لواءٌ، وإنَّهم يكونون تحته، وإنَّ مشايخهم يَضرِبون الإنسانَ ويقتلونه بخاطرهم، فإنَّ الشَّخصَ إذا لم يَقُصَّ له شيخُه شعراتٍ بجبهته يكون مَثَلُه يومَ القيامة كمَثَل الشَّاة التَّائهة بين الأغنام، وإنَّ السَّماعَ والرَّقصَ عندهم عبادةٌ، والنَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رقص مع أهل الصُّفَّة، وإنَّ المرأةَ إذا حاضتْ يكون الأكلُ والشُّربُ من يدها حرامًا، وإنَّ الزَّكاةَ تُصرَفُ إلى مشايخهم وإن كانوا أغنياءَ، وإنَّ رؤيةَ الباري عزَّ وجلَّ في الدُّنيا جائزةٌ ممكنةٌ.
فهل لما يقولُه هؤلاء حقيقةٌ من الكتاب العزيز والسُّنَّة النَّبويَّة؟ وإذا أنكرَ عليهم مُنكِرٌ هذا القولَ الَّذي يقولونه والبدعَ الَّتي يرتكبونها: هل يُثابُ على ذلك أم لا؟ وهل يجب على من ولاَّه الله عزَّ وجلَّ شيئًا من أمور المسلمين من النُّوَّاب بالثُّغور المحروسة والقُضاةِ والولاةِ - وفَّقهم الله لما يحبُّه ويرضاه - مساعدةُ من أنكر عليهم بكلِّ طريق، ورَدْعُ من يقولُ شيئًا ممَّا ذُكر أعلاه، هل يجب عليه ذلك ويُثابُ عليه أم لا؟
أجاب - رحمه الله تعالى -:
لم يثبُتْ أنَّ لأحدٍ لواءً يومَ القيامة؛ إلاَّ لمحمَّد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فإنَّه يأتي يومَ القيامة ومعه لواءُ الحمد تحته آدمُ ومن دونه[2].
فإنْ كان هؤلاء لهم أَلْوِيَةٌ ليست تحت لواء محمَّد، فقد خرجوا عن هذا الحديث وتَبَعِيَّة محمَّد، وإن كانوا من أتباعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهم تحت لوائه، وكفاهم ذلك شَرَفًا وفخرًا إذا ساووا الأنبياء في دخولهم تحت لواء الحمد الَّذي بيد محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
وأمَّا قولُهم: الشَّخصُ يَضْرِبُ الإنسانَ بخاطره فيقتلُه، فهذا إن ذكروه على وجهٍ فلا بأس، قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ»[3]، وإذا كان من يُؤذي الوليَّ يحاربُ اللهَ فقد هلك، فإنه لا يقومُ أحدٌ بحرب الله، وقد وُجد كثيرٌ من النَّاس آذوا أولياءَ فهَلَكوا، لكن لا يقولُ إنَّ الوليَّ تصرَّفَ بأمره واختياره؛ بل اللهُ - عزَّ وجلَّ - أهلك ذلك الشَّخصَ، ثمَّ هذا لا يكونُ إلاَّ إذا كان ذلك الَّذي وقعتْ به العقوبةُ مستحقًّا لها عند الله، حيث يُعذِّبُه أو يُهلِكُه بسبب وليِّه، فأمَّا ما يَعرضُ من هلاك الشَّخص ويكونُ بينه وبين آخر عداوةٌ أو مُضارَّةٌ بغير استحقاق هلاكِ تلك الجهة ولا عقوبة، فهو اتِّفاقٌ حصل من القدر في ذلك الوقت، فما كلُّ مَن هلك عند غضب آخرَ يكونُ بسببه، وكم من مُدَّعٍ يتبهرجُ بدعواه فيُظهرُ الحقَّ زينةً، تُعرضُ أحوالُه على كتاب الله وسنَّة رسوله وشريعة الإسلام الَّتي هي الصِّراط المستقيم، الَّذي من سلكه نجا، ومن زاغ عنه هلك، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.
وأمَّا قصُّ الشَّيخ شعراتِ المريد وأخذُ العُهْدَة عليه أن يكون تبَعًا له ومنسوبًا إليه، فأمرٌ مُبْتَدَعٌ لم يأت به كتابٌ ولا سنَّةٌ، والمشروعُ: الحَلْقُ والتَّقصيرُ في الحجِّ، فأمَّا التَّوبةُ أو الإرادةُ فلم يُشرَعْ حلقٌ ولا قصٌّ، وإنَّما هذه عوائدُ وبدعٌ جمعتْ عليها طوائفُ هربوا من اتِّباع الكتاب والسُّنَّة والسُّلوك على سبيل الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فاتَّخذوا هذه العوائدَ والشِّعارَ، وجمعوا عليهم الأهواءَ بذلك كلّه، والخيرُ كلُّه في كتاب الله وسنَّة رسوله.
وأمَّا قولهم: إنَّ من لم يقصَّ الشَّيخُ شعراتٍ بجبهته يكونُ كالشَّاة التَّائهة بين الأغنام، فليت شعري! أيقولون إنَّه يخرج بذلك عن تبعيَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان مسلمًا؟ إن قالوا ذلك فقد مرقوا من الدِّين، وإن قالوا: بل هو على تبعيَّة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كفاه ذلك الشِّعارُ وتلك السِّمةُ الَّتي ائتمَّ بها، فعُرفَ بين الخلائق يوم القيامة بأنَّه من أمَّة هذا النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - العظيم الَّذي هم خيرُ أمَّة أُخرِجتْ للنَّاس، الَّذين هم الوسطُ الشُّهداءُ على النَّاس، الَّذين يأتون يومَ القيامة غُرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء[4]، حتَّى إنَّ عصاتَهم إذا دخلوا النَّارَ بذنوبهم لِيَطَّهَّروا منها يُعرَفون في النَّار بسيماهم وهو أثرُ السُّجود، قد حرَّمَ الله على النَّار أن تأكلَ أثرَ السُّجود[5]، فأين سيما مشايخِهم في ذلك الوقت وقصِّهم شعراتِ الجبين؟!
وأمَّا قولُهم: إنَّ السَّماعَ والرَّقصَ عبادةٌ، فهذا مُكابَرَةٌ في دين الإسلام، لم يقلْ أحدٌ من المسلمين إنَّ السَّماعَ والرَّقصَ عبادةٌ، وقد أكمل الله الدِّينَ في حياة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -، ولم يجعلْ في عبادته رقصًا ولا سماعًا، وهذا القولُ خارقٌ لإجماع الأمَّة.
وفي السَّماع ما أجمعت الأمَّةُ على تحريمه، وفيه نوعٌ بين الأمَّة خلافٌ في تحريمه، والقائلون بالتَّحريم أكثرُ، والقائلون بالتَّحليل يُحِلُّونه بشروط، مع أنَّ تعاطيَه خلافُ الأَوْلى، والانهماكَ عليه يُسقِطُ العدالةَ.
وأمَّا الرَّقصُ فلا أصلَ له، ومُتَعاطيه خارمٌ لمروءته، والمُدمِنُ عليه مردودُ الشَّهادة، وقولهم: إنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رقص مع أهل الصُّفَّة افتراءٌ على الله ورسوله قد نزَّه اللهُ نبيَّه من ذلك، وكفى بقائل هذا القول أنَّه داخلٌ في قول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[6]، وإن استحلَّ هذا الكذبَ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كفرَ، وإن كان جاهلًا عُلِّمَ، فإن أصرَّ بعدَ التَّعليم أُدِّبَ وزُجِرَ؛ وهذا قولُ من لم يعرفْ نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا قدَّرَه، قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لَسْتُ مِنْ دَدٍ وَلاَ دَدٌ مِنِّي»[7]، يعني به اللَّعبَ واللَّهوَ.
وقولُهم: إنَّ المرأةَ إذا حاضتْ يكونُ الأكلُ والشُّربُ من يدها حرامًا، شُعبةٌ يهوديَّةٌ؛ فإنَّ هذا من قول اليهود، وبيَّنَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ هذا الإصرَ رُفعَ عن هذه الأمَّة[8]، وقال لعائشة - رضي الله عنها -: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ»[9]، وكان يأكلُ مع نسائه ويشربُ وهنَّ في المحيض ويُضاجعُهُنَّ[10]، لكنْ جماعُ الحائض مُحَرَّمٌ حتَّى تغتسلَ بعد الطُّهْر.
وقولُهم: إنَّ الزَّكاةَ لا تُصرفُ إلاَّ إلى مشايخهم وإن كانوا أغنياءَ، كذبٌ؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «وأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»[11]، وقال: «لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سويٍّ»[12]؛ فقولُ هؤلاء مُصادمٌ لكتاب الله ولقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
وأمَّا قولُهم: إنَّ رؤيةَ الله جائزةٌ في الدُّنيا، فإنْ أرادوا أنَّ العقلَ لا يُحيلُ ذلك فصحيحٌ رؤيةُ الله ممكنةٌ في الدُّنيا، والصَّحيحُ من قوليْ أهل السُّنَّة أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى الله في إسرائه، ولم يحصُلْ ذلك لأحدٍ غيرِه، وثبت المنعُ من ذلك لغيره شرعًا، قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم -: «وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ فِي حَيَاتِكُم الدُّنْيَا»[13]، فلا يُرى في الدُّنيا، ومن زعم أنَّه رأى اللهَ يقظةً في الدُّنيا بعينه فقد كذبَ على الله، وإن كان من أهل الصّدقة والصحَّة، فقد يُخَيَّلُ له خيالٌ، أو رأى شيئًا فلبَّس عليه، وأمَّا في الآخرة فإنَّ المؤمنين يرونَ اللهَ عزَّ وجلَّ بأبصارهم، لا يُضامُّون في رؤيته، كما يُرى القمرُ ليلةَ البدر، ثبت بذلك الأحاديثُ الصحيحةُ[14]، ودلَّ عليه القرآنُ العظيمُ[15].
وبالجملة؛ هؤلاء المسؤولُ عنهم مُبْتَدِعون ضالُّون، وقد يكفُرون ببعض ذلك بطريق التكفُّر[16].
والمُنكِرُ عليهم مُثابٌ مأجورٌ عند الله إذا قصدَ بإنكاره وجهَ الله، مُصيبٌ في إنكاره.
ويجبُ على من علِمَ حالَهم أن يُنكِرَ عليهم.
ويجبُ على وُلاة أمور الإسلام وقُضاتهم وعلمائهم وعامَّةِ المسلمين إذا علموا حالَ هؤلاء أن يُنكروه، ويأخذوا على أيديهم ويمنعوهم منه، ومن تقاعد عن ذلك أَثِمَ.
ويُثابُ المُنكِرُ والسَّاعي في إزالة هذه البدع وقمعِها ورَدْعِ أهلِها، وكُلُّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكُلُّ مُحْدَثَةٍ[17] ضلالةٌ، والله أعلم.

[1]التقطتُ ترجمتَه من: «طبقات السُّبكي» (9/190 - 206)، و«الوافي بالوفيات» (4/151 - 156)، و«البداية والنهاية» (18/286 - 288)، و«الدُّرر الكامنة» (4/74 - 76).

[2]أخرجه ابنُ حبان (6478) من حديث عبد الله بن سلاَم، وله شواهد يصحُّ بها.

[3]الحديث بهذا اللَّفظ عند أبي نعيم في «حلية الأولياء» (1/4)، وهو عند البخاري (6502) وغيره بلفظ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا».

[4]ثبت الحديث في هذا عند البخاري (136)، ومسلم (246) وغيرهما.

[5]ثبت الحديث في هذا عند البخاري (773)، ومسلم (182) وغيرهما.

[6]الحديث في «صحيح البخاري» (110) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

[7]أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (785)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (413)، وغيرهما من حديث أنس - رضي الله عنه -، وقد ضعَّفه الشيخُ الألباني في «السِّلسلة الضَّعيفة» (2453).

[8]هو معنى الحديث الوارد في سبب نزول آية الحيض، وهو عند مسلم (302) وغيره.

[9]أخرجه مسلم (298) وغيره.

[10]في هذا المعنى أحاديث في «صحيح مسلم» (295) وغيره.

[11]أخرجه البخاري (1331)، ومسلم (19) ضمن حديث بعث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذ - رضي الله عنه - إلى اليمن.

[12]الحديث ورد عن عدد من الصحابة، منهم عبد الله ابن عمرو عند الإمام أحمد (6530)، وأبي داود (1634) وغيرهما، وقد استقصى تخريجه بشواهده الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (3/ 381 - 385) وصحَّحه.

[13]وجدته بلفظ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا»، أخرجه الإمام أحمد (22864)، وأبو داود (4320) وغيرهما، من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، وله شواهد.

[14] بل الأحاديث الواردة في ذلك متواترةٌ، بعضُها في «الصحيحين»: البخاري ومسلم.

[15]كقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) [القيامة: 22 - 23].

[16]كذا بالأصل.

[17]كذا في النسخة، والوارد: «وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة».