تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الحويني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الحويني

    http://www.islamup.com/download.php?id=136414
    تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد من الدرس الأول للعاشر لمعهد ابن تيمية الشرعي الفرقة الأولي تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله تابعونا في باقي الكتاب في نفس الصفحة إن شاء الله
    الرابط الصوتي للكتاب
    http://iti.s146.com/catplay.php?catsmktba=56
    تقبل الله منا ومنكم صالح العمل
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    شكرا الله لكم
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    ولكم ولكل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي تفريغ الدرس الحادي عشر

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد..
    مع الباب السادس من أبواب كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تبارك وتعالى: (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله) وأورد في هذا الباب أربعة آيات وحديثاً واحداً، فقال: (وقول الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57].
    وقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 26- 28].وقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا.. الآية﴾ [التوبة: 31].
    وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165]) هؤلاء هم الآيات الأربع.
    الحديث: (قال في الصحيح عن النبي r أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله U») ثم قال رحمه الله: (وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب).
    ثم شرع في ذكر المسائل التي استنبطها من هذه الأدلة.
    هذا الباب ذكرنا أن الشيخ رحمه الله جعل الأبواب الأولى من كتابه كمقدمة لهذا الكتاب، وهذا الباب السادس يصح أن يقال فيه أنه فهرس لبقية الكتاب، لذلك الشيخ رحمه الله قال في أول ما انتهى من ذكر الأدلة قال: (وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب).
    من الأدلة التي ذكرها الشيخ رحمه الله الأربع آيات هذه تضمنت ذكر أكثر أنواع الشرك انتشارا على ظهر الأرض، فكل آية من هذه الآيات تضمنت نوعاً من أنواع الشرك، فمعرفة هذه الأنواع وضبطها جيداً هو من تفسير التوحيد، فتفسير التوحيد معنى شرح ومعرفة التوحيد وهذا لا يكون إلا بمعرفة ضد التوحيد.
    مرة أخرى: هذا الباب الشيخ يذكر فيه الأنواع الرئيسة من الشرك، أشهر أنواع الشرك المنتشرة بين الناس، فالآية الأولى ذكر فيها الشرك في الدعاء، والآية الثانية ذكر فيها،الشرك الناشئ عن الولاء والبراء، والآية الثالثة ذكر فيها الشرك في الحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى، والآية الرابعة ذكر فيها الشرك في المحبة وهذه أكثر أنواع الشرك انتشارا، الشرك في الدعاء، وهذا سيتضمن كثيرًا من أبواب هذا الكتاب،لعل الباب كله أو الكتاب معظمه، كتاب التوحيد في تفصيل هذا الشرك، الذي هو دعاء غير الله تبارك وتعالى من الاستعانة بغير الله، والاستعاذة والاستغاثة بغير الله تبارك وتعالى إلى آخره.
    وهذا الباب إن شاء الله من خلال شرحه هو من أطول أبواب الكتاب بمعنى أننا سوف نقف معه وقفات طويلة، بالنسبة للآية الأولى التي تكلمت عن الشرك في دعاء غير الله تبارك وتعالى، يعني هذا سيأتي تفصيله في بقية الكتاب، ولكن سنشير هنا وسنقف مع كلمة يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ونتكلم عن التوسل في موضعه إن شاء الله، ثم نقف وقفة طويلة نوعاً ما مع الكلام على الولاء والبراء، ثم نقف بعد ذلك على الحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى، وفي نهاية الباب أو ممكن نبدأ بها إن شاء الله بعد ذلك، ما يثبت به حكم الإسلام، لأن الشيخ محمد له هنا كلام موهم ملتبس يلتبس على كثير من الناس، يتخذه البعض من أصحاب الغلو في التكفير أو التوقف في الحكم بالإسلام لمن استحق الحكم معتمدين على بعض الكلام الذي قاله الشيخ في هذا الباب. هذه قضايا رئيسية سنقف معها في هذا الباب، ولكن قبل أن نشرع في ذكر ذلك ننتهي الأول من شرح هذا الباب من كتاب فتح المجيد، يعني نأتي عليه إن شاء الله وبعد ذلك سنقف مع كل قضية مع حدة.
    الشيخ عبد الرحمن بن حسن يشرح هذا الباب قد تظن لأول وهلة أن الشيخ كرر الكلام أكثر من مرة، يعني عندنا أربع آيات تكلم عليهم الأول كلام مختصر ثم عاد مرة أخرى فتكلم عليها مرة أخرى، وبعد ذلك شرع في ذكر الحديث والفوائد منه، ولكن طبعاً هو كان لا يقصد التكرار، ولكن هي خطة الشرح كالتالي: أنه تصور إشكالا،هذا الإشكال بدأ يحل هذا الإشكال، فاستطرد في حل هذا الإشكال بأن أتى على ذكر الآيات، وبعد أن انتهى من حل الإشكال شرع يشرح الآيات كما هي العادة، فيقول: (قوله: باب - تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، قلت: هذا من عطف الدال على المدلول) يعني من عطف المترادف، أي أن التوحيد مرادف لشهادة أن لا إله إلا الله الاثنين يساويا بعض في المعنى.(فعطف الدال على المدلول) الدال هو شهادة أن لا إله إلا الله ومدلوله التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله تدل على التوحيد (فإن قيل) هذا هو الإشكال، خلاصة هذا الإشكال يعني هذا الباب فيه تفسير للتوحيد، إذن ماذا كنا نقول من خمسة أبواب؟ هذا هو الإشكال؟ ما فائدة هذا الباب في ذكر تفسير التوحيد وقد مر معنا قبل ذلك ما يدل على هذه المعاني؟ أنه فسر التوحيد قبل ذلك، فبدأ يحل هذا الإشكال ، فيقول أول الأمر أن هذا الباب أو هذه الآيات في هذا الباب فيها مزيد بيان بخصوصها لمعنى كلمة الإخلاص وما دلت عليه من توحيد العبادة يعني هذه الآيات فيها مزيد بيان ستوضح أكثر مما مضى، كأنك تقول الأبواب السابقة كان الغرض الأساسي من إيرادها هو بيان فضل التوحيد، وكان التعرض لتفسير التوحيد كان تعرض عرضي، ليس أساسياً، هذا الباب مختص بتفسير التوحيد.
    ثم قال: (وفيها الحجة على من تعلق على الأنبياء والصالحين يدعوهم ويسألهم) فيه طبعة هذا الكلام كله محذوف منها؛ لأن الذي يحقق ظن أن هذا كلام مكرر فحذفه، فيه طبعاً هكذا فعلاً، إنما الطبعات التي معنا معظمها فيه نفس الكلام، فيه طبعة محذوف منها هذه المقدمة كلها، هو طبعاً ليس تكرار، نحن سنحاول نجمع الكلام بعضه إلى بعض، يعني لما نأتي على الآية نذكر الكلام الذي ذكره الشيخ هنا، والكلام الذي ذكره بعد ذلك بحيث أننا لا نعيد الكلام.
    هذا فيه بيان توضيح أو مزيد بيان في بيان تفسير التوحيد، كيف؟ يريد أن يقول أن التوحيد أو كلمة لا إله إلا الله كلمة الإخلاص دلت على معاني كثيرة، من هذه المعاني هو أنك لا تتعلق بغير الله تبارك وتعالى، فلا تدعو غير الله U، وهذا تجده في الآية الأولى، من المعاني التي تدل عليها كلمة لا إله إلا الله هو أن يكون ولاؤك وبراؤك على هذه الكلمة، وهذه الآية الثانية، من معاني هذه الكلمة هو أنه لا يُشّرِّع ولا يأمر ولا ينهى إلا الله تبارك وتعالى، وهذه الآية الثالثة، من معاني هذه الكلمة أنك تحبها وتحب فيها وتبغض فيها، وهذه الآية الرابعة، فسيذكر كل آية من هذه الآيات الأربع ويذكر نبذة مختصرة عن تعلقها بمعنى لا إله إلا الله، فهذه المقدمة يذكر الآية ويذكر تعلقها بمعنى لا إله إلا الله.
    يقول: (وفيها الحجة على من تعلق الحجة على من تعلق من الأنبياء والصالحين يدعوهم ويسألهم. لأن ذلك هو سبب نزول بعض هذه الآيات، كالآية الأولى) التوحيد وكلمة الإخلاص تمنع التعلق بغير الله تبارك وتعالى، دعاءً ومسألة إما على سبيل الاستقلال، أو على سبيل التوسل، على سبيل الاستقلال أن العبد يدعو غير الله يسأله ويرجوه ويطلب منه، هذا استقلالا، أو على سبيل التوسل أنه يجعل بينه وبين الله تبارك وتعالى واسطة أو وسيلة يطلب منها ويسألها بحيث أنه تتوسط له عند الله تبارك وتعالى، فالتوحيد أو كلمة الإخلاص تعارض أو تضاد هذا المعنى.
    (كالآية الأولى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ ولَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 56، 57]) فيقول: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ فهاتان الآيتان فيهما الرد على المشركين، وخلاصة الكلام في الآيتين : أن المشركين على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وقد يكون في كل وقت يعبدون غير الله، يدعون غير الله، سواء كان يدعون الملائكة يدعون الأنبياء أو الصالحين أو المسيح عيسى u أو غير ذلك، وهؤلاء الذين يُعبدون من دون الله هم يعبدون الله -تبارك وتعالى-، فهذه المعبودات تتقرب إلى الله -تبارك وتعالى-، فالله U ينكر عليهم ذلك أو يوبخهم على هذا الأمر ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ ادعوا الذين زعمتم من دون الله -تبارك وتعالى- سواء كانت أصناما أو آلهة أخرى، قل ادعوهم حينما ينزل بكم الضر، ﴿فلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ ولَا تَحْوِيلًا﴾ لما ينزل الضر بالإنسان فالله U يقول ادعوا من تدعوه من دون الله -تبارك وتعالى- فلا يملك كشف الضر لا يرفعه ولا يحوله، يعني لا يحوله من العبد إلى غيره، أو لا يحوله من حال إلى حال ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ أي هؤلاء الذين يدعونهم المشركون هؤلاء ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ يتقربون إلى الله -تبارك وتعالى- ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾.
    يقول: (أكثر المفسرين على أنها نزلت فيمن يعبد المسيح وأمه، والعزير والملائكة، وقد نهى الله عن ذلك أشد النهى، كما في هذه الآية من التهديد والوعيد على ذلك. وهذا يدل على أن دعاءهم من دون الله شرك بالله، ينافي التوحيد وينافي شهادة أن لا إله إلا الله، فإن التوحيد أن لا يدعى إلا الله وحده. وكلمة الإخلاص نفت هذا الشرك، لأن دعوة غير الله تأليه وعبادة له. و الدعاء مخ العبادة) الدعاء مخ العبادة في حديث لا يصح، ضعفه الشيخ الألباني، إنما الذي صح وصححه الشيخ الألباني أو حسنه هو «الدعاء هو العبادة» قال: (وفى هذه الآية: أن المدعو من دون الله لا يملك لداعيه كشف ضرر ولا تحويله من مكان إلى مكان، ولا من صفة إلى صفة. ولو كان المدعو نبياً أو ملكاً. وهذا يقرر بطلان دعوة كل مدعو من دون الله كائناً من كان، لأن دعوته تخون داعيه أحوج ما كان إليها، لأنه أشرك مع الله من لا ينفعه ولا يضره. وهذه الآية تقرر التوحيد، ومعنى لا إله إلا الله) ما علاقة هذه الآية بتفسير التوحيد؟ أن هذه الآية دلت على بطلان دعاء غير الله تبارك وتعالى ، إذ أن دعاء الله U وإفراده بهذا الدعاء هو من معاني لا إله إلا الله.
    قال: (وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57] يبين أن هذا سبيل الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين) ما هو سبيل الأنبياء؟ أنهم يبتغون إلى الله الوسيلة، دأب الأنبياء والصالحين هو التقرب إلى الله تبارك وتعالى.(قال قتادة: تقربوا إليه بطاعته والعمل فيما يرضيه وقرأ ابن زيد: ﴿أولئك الذين تدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب﴾) في معظم النسخ موجودة ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾صوبوها ﴿أولئك الذين تدعون﴾ بالتاء، فهذه قراءة ابن زيد وقراءة ابن مسعود وقراءة ابن عباس كما ذكره ابن الجوزي والقرطبي، والمعنى واحد، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ أو ﴿أولئك الذين تدعون﴾ المعنى قريب. (قال العماد ابن كثير: وهذا لا خلاف فيه بين المفسرين) الذي يقصده ابن كثير لا خلاف فيه هو أن معنى الوسيلة هي القربة، وما يوصلك إلى الله تبارك وتعالى، فهذا الذي يقصده ابن كثير، وهذا لا خلاف فيه بين المفسرين أن الوسيلة بمعنى القربة وما يتوسل به إلى الله تبارك وتعالى أي بقربه.
    (قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: في هذه الآية ذكر المقامات الثلاث: الحب) أول مقام الحب (وهو ابتغاء التقرب إليه) ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57]) أول مقام مقام الحب، أنهم أحبوا الله تبارك وتعالى (والتوسل إليه بالأعمال الصالحة) هذا هو المقام الثاني وهو التوسل إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة، ثم المقام الثالث (والرجاء والخوف) ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57] المقام الأول مقام المحبة، حب الله تبارك وتعالى الذي دل عليه التقرب والتوسل إلى الله U، المقام الثاني: مقام الرجاء، المقام الثالث: مقام الخوف.
    قال: (وهذا هو حقيقة التوحيد وحقيقة دين الإسلام كما في المسند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال للنبي r «والله يا رسول الله ما أتيتك إلا بعد ما حلفت عدد أصابعي هذه: أن لا آتيك. فبالذي بعثك بالحق، ما بعثك به؟ قال: الإسلام. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك وأن توجه وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلوات المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة») حسنه الشيخ الألباني في تحقيقه على كتاب الإيمان لابن تيمية(وأخرج محمد بن نصر المروزى عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق») صوى مفردها صوة كقوة جمعها قوى، والصوة هذه حجارة موضوعة في الصحراء على هيئة معينة يستدل بها السائر في الصحراء... يعني أعلام منصوبة من حجارة وغيرها في المفازة يستدل بها على الطريق، المقصود: «إن للإسلام صوى ومنارا» بمعنى أن للإسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها، الإسلام له أعلام وله طرائق يهتدى بها، له أصول «من ذلك أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 22]») هذا الحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 333.
    هذه الآية الأولى وعلاقتها ببيان معنى التوحيد، نقفز عدة صفحات، بحيث نستكمل الكلام على الآية.
    قال: (وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ قال: يتبين معنى هذه الآية بذكر ما قبلها، وهو قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ ولَا تَحْوِيلًا﴾) قال ابن كثير رحمه الله يقول تعالى قل يا محمد r قل للمشركين الذين عبدوا غير الله ادعوا الذين زعمتم من دونه من الأصنام والأنداد وغيرها، فإنهم لا يملكون كشف الضر عنكم أي بالكلية، لا يستطيع أن يرفع الضرر الذي وقع بالكلية، ولا تحويلا أي ولا أن يحولوه إلى غيركم، أن ينقل هذا الضر من إنسان إلى آخر، والمعنى أن الذي يقدر على ذكر هو الله I لا شريك له.
    (قال العوفي عن ابن عباس في الآية: كان أهل الشرك يقولون: نعبد الملائكة والمسيح وعزيراً، وهم الذين يدعون. يعنى الملائكة والمسيح وعزيراً.)
    وروى البخاري في الآية عن ابن مسعود t قال: «ناس من الجن كانوا يعبدون فأسلموا» وفى رواية: «كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم».
    وقول ابن مسعود هذا يدل على أن الوسيلة هي الإسلام، وهو كذلك على كلا القولين) ثم ذكر ابن عباس أن المقصود أن الذين يدعون من دون الله هو عيسى أو أمه أو عزير، وقيل الشمس والقمر، وقيل غير ذلك.
    قال: وقوله: ﴿َيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57] لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فكل داع دعا دعاء عبادة أو استغاثة لابد له من ذلك، فإما أن يكون خائفاً وإما أن يكون راجيا وإما أن يجتمع فيه الوصفين، والخوف والرجاء سيأتي معنا إن شاء الله تفصيلاً بعد ذلك، فيه باب خاص بالخوف من الله تبارك وتعالى والشرك في عبادة الخوف، وفيه باب خاص بالرجاء سيأتي تفصيله إن شاء الله في نهاية الكتاب.
    تحصل عندنا معنى الآية ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ [الإسراء: 57] أي أولئك الذين يدعو المشركون، قيل هم الملائكة وقيل الجن وقيل عيسى وقيل أمه وقيل عزير قيل الشمس وقيل القمر، وهذه الأقوال كلها صحيحة، لا تعارض بينها، وأورد هنا كلام شيخ الإسلام لبيان هذا المعنى أن كل هذه الأقوال صحيحة، وأن الذي ذكر أحد هذه المعبودات إنما يذكره من باب ضرب المثال، التفسير بذكر المثال، يقول لك ما هو الخبز؟ فبدل ما تتكلم كلام كثير تقول له تأتي له برغيف خبز تقول له هذا هو الخبز، طبعاً الخبز ليس هذا الرغيف فقط، إنما هذا جنس الخبز، هذا يسمى التفسير بالمثال.
    فيقول رحمه الله لما ذكر قول المفسرين: (وهذه الأقوال كلها حق) كلها حق لماذا؟ لأن هذا من باب التفسير بالمثال (فإن الآية تعم من كان معبودا عابدا لله) الآية تعم لمن كان يعبد يعني يعبده الناس وهو في نفسه يعبد الله U، وهذا ينطبق على المسيح ينطبق على مريم عليها السلام، ينطبق على عزير، ينطبق على الجن الذين أسلموا، سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر (والسلف في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل كما يقول الترجمان لمن سأله: ما معنى الخبز فيريه رغيفا، فيقول هذا، فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه) يبقى نوع الخبز، فهو يريد أن يقول نوع الذين يعبدون ويعبدون، يعبدون من البشر، وهم يعبدون الله تبارك وتعالى (وليس مرادهم بذلك تخصيص نوع من شمول الآية) لا يقصد أن الآية لا تعني إلا هذا المعنى فقط (فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعوا، وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه) ما فائدة هذا الكلام؟ هل هذا الكلام كلام فضل؟ أو طرف؟ لا، الكلام الفائدة هو الكلام القادم، وينبغي أن يُحفظ، قال: (فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية الكريمة) هذه الآية دلت بعمومها على أن من الشرك دعاء غير الله تبارك وتعالى، سواءً كان هذا المدعو نبيًّا أو ملكاً أو صالحاً سواءً كان ميتاً أو غائباً، الآية عامة (كما تتناول من دعا الملائكة والجن، فقد نهى الله تعالى من دعائهم، وبين أنهم لا يملكون كشف الضر) إلى آخر هذا الكلام.
    إلى أن قال: (فكل من دعا ميتاً أو غائباً من الأنبياء والصالحين أو دعا الملائكة فقد دعا من لا يغيثه، ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويلاً) الله U فطر الناس الفطر والعقول تقول أن الذي يدعى أو يعبد ينبغي أن تكون عنده القدرة المطلقة على كشف الضر وعلى تحويل الضر وعلى النفع والضر، فإذا كان المعبود لا يملك هذه الأمور فهو لا يستحق العبادة.
    قال: (وفي هذه الآية رد على من يدعو صالحاً) يعني يدعو رجلاً صالحاً (ويقول: أنا لا أشرك بالله شيئاً، الشرك عبادة الأصنام) وهذه أيضاً فائدة أخرى، وبها تفصيل لهذا الكلام، لأن أحيانًا بعض الناس يتصور أن الشرك فقط أن الإنسان يعبد الصنم أو الحجر، وأن غير ذلك لا يسمى شركاً فالآية بعمومها دلت على أن من دعا غير الله وغير الله هذه تشمل الصنم تشمل الحجر تشمل القبر النبي الصالح الملائكة فكل ما دعي من دون الله فهذا من الشرك، فالذي يعبد المسيح u هو مشرك، ولكنه مشرك له أحكام خاصة، النصارى وكذلك اليهود يعبدون غير الله هذا شرك، هم مشركون في الأصل، ولكن الشريعة خصتهم بأنواع من الأحكام الشرعية.
    بهذا انتهى الكلام على الآية الأولى، مرة أخرى نقول: علاقة الآية بالباب أن الآية دلت على أن دعاء غير الله شرك، وبالتالي دعاء الله تبارك وتعالى وحده من التوحيد، وعنوان الباب عندنا باب تفسير التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله.
    نحن قلنا أن فيه تكرار في الكلام، هو طرح إشكال في الأول أن هذا الباب خاص بتفسير التوحيد، وقد يكون هذا تكرار لما سبق من الأبواب، فرد على هذا الإشكال وقال لا إن هذا الباب وما فيه من الآيات دلت على مزيد بيان لمعنى التوحيد، وشرع يذكر الآيات الأربع، ويذكر ما فيها من معاني لا إله إلا الله ومن معاني التوحيد، وبعدما انتهى من هذه الجزئية رجع مرة أخرى إلى الآيات آية آية يفسرها ويذكر معانيها.
    الآية الثانية قال: (وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾) قبل أن ننتقل من الآية الأولى، الآية الأولى دلت على أن الشرك دعاء غير الله، ونحن قلنا أن دعاء غير الله قد يكون دعاء استقلالا، أو على سبيل التوسع، فالنوع الأول واضح، وسيأتي تفصيله إن شاء الله بعد ذلك، الأمر الثاني أو النوع الثاني وهو دعاء غير الله على سبيل الشفاعة، أو على سبيل التوسل، هذا إن شاء الله نقف معه بعدما ننتهي من ذكر هذا الباب في قضية التوسل، نحن نعرف أن المشرك ممكن يدعو غير الله مباشرة، يدعو ويطلب منه يسأله ، أو أنه قد يدعو غير الله على سبيل الواسطة، بحيث أنه يقربه إلى الله تبارك وتعالى، وهذا المقصود فيما يسمى بقضية التوسل، وسنقف معها إن شاء الله بعد ذلك.
    الآية الثانية قال: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ...﴾ إلى آخر الآية، قال: (فتدبر ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾) أي لا إله إلا الله، الكلمة هي كلمة لا إله إلا الله، قال: (فتدبر كيف عبر الخليل u عن هذه الكلمة العظيمة بمعناها الذي دلت عليه ووضعت له)من معاني التوحيد أو من تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله هو البراءة من كل ما يُعبد من دون الله تبارك وتعالى، هذه مناسبة الآية للباب، أن من معاني التوحيد هو البراءة مما يعبد من دون الله تبارك وتعالى، أو الذي نسميه الولاء والبراء، وهذا أيضاً سنقف معها بعد الانتهاء من هذا الباب بنوع من التفصيل أحكام الولاء والبراء ما يحل وما يحرم، وما هو كفر وما ليس بكفر بعد ذلك.
    قال: (ووضعت له من البراءة من كل ما يعبد من دون الله من المعبودات الموجودة في الخارج كالكواكب والهياكل والأصنام التي صورها قوم نوح على صور الصالحين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وغيرها من الأوثان والأنداد التي كان يعبدها المشركون بأعيانهم، ولم يستثن من جميع المعبودات ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾) إنني براء مما تعبدن إلا الذين فطرني،ولاءه فقط كان لله تبارك وتعالى، وتبرأ من كل ما يُعبد من دون الله.
    ثم قال: (وهذا الذي دلت عليه كلمة الإخلاص كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62]) فالله هو الحق بمعنى الثابت I، متحقق وجوده، والأصنام التي تدعى من دون الله تبارك وتعالى وما يعبد من دون الله زائلة، وعبادتها زائلة.
    (فكل عبادة يقصد بها غير الله من دعاء وغيره فهي باطلة وهي الشرك الذي لا يغفره الله قال تعالى: ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾ [غافر: 73، 74] أي غابوا، بل ﴿بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا﴾ [غافر: 74] أي أنكروا عبادة هذه المعبودات ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾).
    ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ وقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ﴾ سنقفز عدة صفحات ونذكر ما ذكره.
    نحن قلنا أن فيه بعض الطبعات ظنت أن فيه تكرار فحذفت الكلام الأول، واكتفت بالكلام الثاني، وطبعتنا هذه في الغالب هو ذكر الكلام كله، فنحن قلنا أن المشكلة عنده أنه قال لك هذا تكرار للكلام، قال لا ليس تكرار، هذا الباب فيه مزيد بيان، كيف؟ قال لك الآية الأولى تدل على كذا والثانية تدل على كذا والثالثة تدل على كذا والرابعة تدل على كذا، بعدما انتهى من هذه النقطة رجع مرة ثانية يشرح الآيات، فنحن قلنا بدلاً من التكرار نذكر الكلام الذي ذكره في البداية، وبعد ذلك التفسير الذي قاله بعد ذلك، نحن لازلنا في الآية الثانية ولذلك بعض المحققين نفسه ظن أن الكلام فيه تكرار فحذف.
    الآية الثانية قلنا بداية الكلام خلاصة الكلام أن الآية دلت على أن من معاني لا إله إلا الله البراءة مما يُعبد من دون الله ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ فذكر هذا المعنى وبعد عدة صفحات رجع مرة أخرى يذكر تفسير الآية، ونحن عموماً ننتهي من الباب على ما هو موجود، فتح المجيد وبعد ذلك سنمسك آية آية نتكلم عليها بالتفصيل، يعني هذه الآية على ماذا تدل؟ على قضية الولاء والبراء، أحكام الولاء والبراء سنتكلم عليها بنوع من التفصيل.
    الآية الأولى هي دلت على أنواع الشرك في الدعاء الاستغاثة والاستعانة و.. و.. وهذا كله سيأتي تفصيله إن شاء الله في الكتاب، أو أحيانًا دعاء غير الله ويسميه المشركون توسلا أو شفاعة وهي في حقيقة الأمر شرك، فسنفصل في قضية التوسل، هل التوسل كله شرك؟ هل التوسل كله مشروع؟ فسنفصل فيه ونعرف الممنوع، ونعرف المشروع.
    الآية الثالثة تكلم فيها عن الحكم بغير ما أنزل الله:
    قال: (وقوله: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ الآية. قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله إمام الحنفاء، ووالد من بعث بعده من الأنبياء، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها: أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان فقال) وذكر الآية (﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي هذه الكلمة وهي عبادة الله وحده لا شريك له. وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله جعلها في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم u ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي إليها) يبقى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا﴾ ما الذي جعلها؟ جعلها هذه عائدة على ﴿بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ وهي التي تساوي لا إله إلا الله، تساوي الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، تساوي النفي والإثبات (﴿وَجَعَلَهَا﴾ أي جعل كلمة الإخلاص التي دلت عليه ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾) يعني لا يزال في عقب أي في نسل إبراهيم u من يقول هذه الكلمة، جعلها من الذي جعلها؟ المعنى الفاعل إما أن يكون عائد على إبراهيم u وجعلها أي وجعل إبراهيم هذه الكلمة باقية في عقبه بمعنى أنه وصى به بنيه ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ [البقرة: 132] وجعل إبراهيم هذه الكلمة على معنى الوصية، المعنى الثاني: وجعلها أي: وجعل الله هذه الكلمة باقية في عقب إبراهيم u، فلا يزال من نسل إبراهيم من يقول هذه الكلمة.
    وبعد ذلك ذكر عكرمة ومجاهد والضحاك وغيره، وذكر كلام ابن جرير نفس المعنى ليس هناك تغيير.
    ثم قال: (قلت: فتبين أن معنى لا إله إلا الله توحيد الله بإخلاص العبادة له والبراءة من كل ما سواه) هذه خلاصة الكلام في الآية، ما فائدة ذكر الآية؟ هو أن معنى لا إله إلا الله أو توحيد الله تبارك وتعالى إخلاص العبادة لله، والبراءة من كل ما يعبد من دون الله تبارك وتعالى.
    قال المصنف: (وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة، هي شهادة أن لا إله إلا الله. وفى هذا المعنى يقول العلامة الحافظ ابن القيم رحمه الله:
    وإذا تولاه امرؤ دون الورى *** طرا تولاه العظيم الشان
    تولاه أي تولى الله امرؤ أي إنسان دون الورى أي دون الخلق طرا أي جميعاً تولاه العظيم الشان فالعبد إذا تولى الله تبارك وتعالى من دون الناس الله U يتولاه، تولاه العظيم الشان الله تبارك وتعالى عظيم الشأن والقدر I. بهذا انتهينا من الكلام عن الآية الثانية.
    الآية الثالثة قال: (وقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ إلى آخر الآية).
    قال: (وفي الحديث) يعني أيضاً مناسبة الآية للباب (أن من معاني لا إله إلا الله هو عدم طاعة غير الله تبارك وتعالى في التحليل والتحريم)قال: (وفي الحديث الصحيح النبي r تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي) طبعاً عدي بن حاتم كان نصرانيًّا قبل أن يُسلم، فقال يا رسول الله لما سمع الآية ظن أن ظاهر الآية كما يظن كثير من الناس ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا﴾ يبقى اتخذ الأحبار والرهبان أرباباً فظن أن اتخاذهم أرباب بمعنى السجود والركوع لهم (فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم، قال: «أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟» قال: بلى، قال النبي r: «فتلك عبادتهم»).
    واضح من الحديث أن هناك أنواع من العبادة يغفل عنها كثير من الناس، وهي طاعة غير الله في التحليل والتحريم، في لفظ آخر لهذا الحديث النبي r قال: «أما أنهم لم يكونوا يعبدونهم» لم يكونوا يعبدونهم العبادة المعروفة «ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه فتلك عبادتهم» الحديث الشيخ الألباني ذكره في السلسلة الصحيحة رقم 3293.
    قال الشيخ عبد الرحمن: (فصارت طاعتهم في المعصية عبادة لغير الله وبها اتخذوهم أرباباً) فالطاعة في المعصية عبادة لغير الله، هذا الكلام لابد فيه من التفصيل؛ لأن هذا الكلام على ظاهره ستكفر أصحاب الذنوب والمعاصي. تفصيل هذا الكلام سيذكره بعد ذلك من كلام شيخ الإسلام، يعني لما نأتي لمرحلة القفز سآتي بكلام شيخ الإسلام، لكن نعرف مبدئياً أن هذا الكلام فيه تفصيل غير صحيح على إطلاقه، بل لو شئت أنك تقول ممكن تقول غير صحيح مثلاً.
    (كما هو الواقع في هذه الأمة، وهذا من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد الذي هو مدلول شهادة لا إله إلا الله) وعموما خلاصة القضية أو خلاصة هذه المسألة أن الطاعة في الكفر كفر والطاعة في المعصية معصية، مع شرط اعتقاد أنها معصية، بشرط عدم الاستحلال، لو سمع كلام أحد آخر تبع آخراً في الكفر هذا كفر، لو تبع آخر في المعصية هذه معصية، بشرط ألا يستحل هذه المعصية، يعني لا يظن أن هذا ا لآخر له حق أن يحل ويحرم من دون الله تبارك وتعالى، الذي نسميه الاستحلال.
    قال: (فتبين بهذه الآية أن كلمة الإخلاص نفت هذا كله لمنافاته لمدلول هذه الكلمة. فأثبتوا ما نفته من الشرك وتركوا ما أثبتته من التوحيد) خلاصة هذا الكلام علاقة الآية بالباب: أن معنى الآية هو طاعة الله تبارك وتعالى في التحليل والتحريم من آكد معاني لا إله إلا الله، أو الذي نسميها بين قوسين الحكم بما أنزل الله، أو ممكن تقول تطبيق الشرع، هذه كلها معاني قريبة من بعضها.
    قال: (وقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ يقول أن الأحبار هم العلماء، والرهبان هم العباد، وهذه الآية قد فسرها رسول الله r لعدي بن حاتم) وذكر الحديث الذي ذكرناه قبل قليل.
    (قال السدي: استنصحوا الرجال) هو طبعاً مذكور عندك في فتح المجيد يقول رواه أحمد والترمذي وحسنه، رواه أحمد هذه لعله في غير المسند، هذا الحديث لا يوجد في المسند، لعله في غير المسند.
    (قال السدي: استنصحوا الرجال) يعني طلبوا النصح من الرجال اتبعوا الرجال (ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم. ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31] فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله.
    فتبين بهذا أن الآية دلت على أن من أطاع غير الله ورسوله، وأعرض عن الأخذ بالكتاب والسنة في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحله الله، وأطاعه في معصية الله، واتبعه فيما لم يأذن به الله، فقد اتخذه رباً ومعبوداً وجعله لله شريكاً) هذا الكلام أيضاً تفصيله سنذكره من كلام ابن تيمية بعد قليل، يعني هذا الكلام على ظاهره غير صحيح.
    (وذلك ينافي التوحيد الذي هو دين الله الذي دلت عليه كلمة الإخلاص لا إله إلا الله فإن الإله هو المعبود، وقد سمى الله تعالى طاعتهم عبادة لهم، وسماهم أرباباً كما قال تعالى) وذكر الآية (أرباباً قال: أي شركاء لله تعالى في العبادة ﴿أَيَأْمُرُك م بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 30] وهذا هو الشرك. فكل معبود رب، وكل مطاع ومتبع على غير ما شرعه الله ورسوله فقد اتخذه المطيع المتبع رباً ومعبوداً) الذي يُطاع أو يُتبع على غير شرع الله U ففيه معنى من معاني الربوبية، وفيه معنى من معاني العبادة، قد يكون هذا المعنى معنى جزئي، فيه معنى المشابهة لا يكفر به العبد، وقد يكون المعنى معنى كلي بتفصيل لا نذكره الآن (كما قال تعالى في آية الأنعام: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 121] وهذا هو وجه مطابقة الآية للترجمة، ويشبه هذه الآية في المعنى قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21] والله أعلم.
    قال شيخ الإسلام في معنى قوله ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾) هذا نقل في غاية الأهمية لكلام ابن تيمية، الذي فيه التفصيل الذي نذكره، فيه تفصيل متى تكون الطاعة كفراً، ومتى لا تكون كفراً، وما يتبع ذلك من بعض الشبهات في مسألة الإتباع والطاعة، طاعة العلماء في الزلات أو في الخطأ، وحكم ذلك.
    قال: (وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين) 1- المعنى الأول أو الحالة الأولى: (أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على هذا التبديل) هو عارف أنه يبدل الدين والشرع، يتبعه ويعتقد تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو بمعنى آخر يعتقد أن هذا المتبوع أو المطاع له حق التحليل والتحريم، هذا المعنى الأول، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ بمعنى أنه اعتقد أنهم يحلون ويحرمون مع الله تبارك وتعالى، اعتقد لهم هذا الحق.
    (اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل. فهذا كفر) هذا الذي نسميه استحلال، من معاني الاستحلال (وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم. فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف للدين، واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله، مشركاً مثل هؤلاء) هذا المعنى الأول: الطاعة والإتباع مع الاعتقاد أن هذا من المتبوع أو المطاع له حق التحليل والتحريم، هل تتذكرون عندما قلنا سابقًا معنى الربوبية، من جملة معاني الربوبية أنه السيد الذي يأمر وينهى ليشرع، فالذي يعتقد هذا المعنى لغير الله تبارك وتعالى اتخذه ربا بنص الآية.
    المعنى الثاني أو الحالة الثانية: (أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلال ثابتاً) هو يعتقد أن الحلال ما أحله الله والحرام ما حرم الله تبارك وتعالى، وأن هذا من حق الله U، وليس من حق أحد، ولكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنما الطاعة في المعروف» وهذا الغالب على أهل المعاصي والذنوب، أنه يتبع غيره في المعصية والذنب، ولكنه يعرف أن الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله تبارك وتعالى، ويعلم أنه مقصر ومذنب، يبقى هذه معصية فقط، لو اعتقد أن غير الله له حق التحليل والتحريم يبقى هذا كفر والعياذ بالله كما فعل الأحبار والرهبان ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾.
    (ثم ذلك المحرم للحلال أو المحلل للحرام إن كان مجتهداً) يبقى هو تبع غيره في معصية الله، هذا الغير المتبوع أو المطاع قد يكون إماماً من أئمة المسلمين، ولكنه أخطأ، فالذي تبعه على ذلك ويعرف أن هذا مخالف للحق، ومخالف لله تبارك وتعالى اقترف معصية، ولكن هذا الإمام الذي أخطأ ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر».
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
    سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك.
    انتهى الدرس الحادي عشر أختكم أم محمد الظن

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    http://www.islamup.com/download.php?id=137484
    رابط تحميل الدرس الحادي عشر كملف ورد
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي تفريغ الثاني عشر

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد..
    فلازلنا مع الباب السادس من كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، الباب السادس قال فيه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله) وقلنا أن هذا الباب يعد بمثابة فهرس لهذا الكتاب، هذا الكتاب فهرس لبقية أبواب الكتاب، وذكر في هذا الباب أربع آيات وحديثان.
    الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57].الآية الثانية: قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 28].الآية الثالثة: قول الله تبارك وتعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ...﴾ [التوبة: 31] الآية.
    وكنا توقفنا عند هذه الآية، عند كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال شيخ الإسلام في معنى قول الله تبارك وتعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تبارك وتعالى يكون على وجهين: الوجه الأول: الطاعة في تبديل الشرع مع اعتقاد التحليل والتحريم لغير الله تبارك وتعالى. الوجه الثاني: إتباع المتبوعين في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، مع اعتقاد أن هذا حق لله تبارك وتعالى، وإنهم بهذا يكونون عصاة، فهذا لا يكون كفراً مخرجاً من الملة، ولكنه يكون معصية من المعاصي.
    المطلوب من العبد تجاه الأوامر والنواهي لله تبارك وتعالى عدة أمور:
    الأمر الأول: الاعتقاد، أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى أمر أو نهى،.
    الأمر الثاني: أن يعتقد أنه يلزمه امتثال ذلك، أن يمتثل الأمر فعلاً أو يمتثل النهي تركه، أي طاعة أو أي معصية يلزمك هذان الأمران أنك تعتقد أن الله تبارك وتعالى أحل أو حرم، الأمر الثاني أن تعتقد أنك ملزم بهذا الأمر، يعني يلزمك أن تفعل أو تترك، إذا تخلف أحد هذين الأمر يكون كفراً، نسميه الاستحلال، فالإنسان لو اعتقد تحريم الحلال واعتقد أن هذا حق لغير الله تبارك وتعالى، أو جحد ذلك، فإن هذه درجة من درجات الاستحلال، الدرجة الأخرى أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى حلل أو حرم هذا الأمر وأن هذا حق لله تبارك وتعالى ولكن يعتقد في نفسه أنه لا يلزمه الفعل أو الترك، هذا أيضاً كفر هذا استحلال، دل على ذلك فعل أو قول إبليس لما قال ردا على الله تبارك وتعالى قال: ﴿لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ [الحجر: 33] قال ﴿لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ﴾ فرأى مع أنه قال "ربي" فاعتقد أن الله تبارك وتعالى هو ربه، وأن الله U هو الذي يأمر وينهى، وهو الذي أمره بذلك، ولكن اعتقد أن هذا الأمر يسعه الخروج عنه.
    عندما نأتي نطبق هذا الكلام على مسألة اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تبارك وتعالى يلزمك الأمران: اعتقاد أن هذا حق لله تبارك وتعالى، الأمر الثاني: أن تعتقد أنك ملزم بإتباع ذلك.
    ثم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، سيفصل بعض التفصيل في مسألة الاتباع واتباع أهل العلم في زلاتهم التي خالفوا فيها الكتاب والسنة.
    قال: (ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهداً قصده إتباع الرسل لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه) فهذه حالة أن الإنسان يخطئ في إصابة مراد الله تبارك وتعالى، أنه اعتقد أو فعل أمراً اعتقده حلالا، وكان الله تبارك وتعالى حرمه، ولا يعلم ذلك، ولكنه اجتهد وكان من أهل الاجتهاد، فهذا يؤجر على اجتهاده كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر واحد». إن أصاب مراد الله واجتهد ، يناله الأجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، إن أخطأ في إصابة مراد الله تبارك وتعالى يناله أجراً واحداً هو أجر الاجتهاد، أما كونه أخطأ ولم يصب مراد الله تبارك وتعالى فهذا يعفو الله U عنه، هذا في حالة الذي يجتهد نفسه، أتباعه؟ قال: (ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول. فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله) المتبع المقلد إذا علم أن من يقلده إذا علم أن متبوعه أو العالم الذي يتبعه أنه قد أخطأه لا يحل له أن يتبعه ويترك قول النبي r، وهذا له نصيب من الشرك، يعني داخل في عموم الشرك، لا يشترط أن يأخذ أحكام المشركين.
    (لاسيما إن اتبع ذلك هواه ونصره باليد واللسان مع علمه أنه مخالف للرسول. فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه، ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه) وهذا اتفاق نقله غير واحد كالإمام الشافعي رحمه الله نقل الإجماع على ذلك، أو اتفاق أهل العلم أن من استبان له سنة النبي r لا يحل له تركها إلى قول أحد كائنا من كان، وحكى على ذلك إجماع أهل العلم.
    (وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال. وإن كان عاجز عن إظهار الحق الذي يعلمه) المقلد لو علم أن العالم الذي يقلده أخطأ في هذه المسألة لا يحل له إتباعه في ذلك لماذا؟ لأنه استبانت له سنة النبي r، النزاع أو الخلاف الواقع بين أهل العلم القادر الذي يستطيع أنه يستدل أن يجتهد أن ينظر في الأدلة هل يجوز له أن يقلد؟ طالما أنه قادر على الاستدلال؟ اختلفوا في ذلك.
    (فهذا يكون كمن عرف أن الدين الإسلام حق وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق لا يؤاخذ بما عجز عنه، وهؤلاء كالنجاشي وغيره. وقد أنزل الله في هؤلاء الآيات من كتابه كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: 199]) إلى آخر الآيات، فالمقصود أن النجاشي كان آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام.
    نحن قلنا أن الشرك أو التوحيد عموماً التوحيد بصفة عامة هو أن تفرد الله تبارك وتعالى بالعبادة وبالطاعة، وتفرد النبي عليه الصلاة والسلام بالإتباع، فأي مخالفة في هذه المعاني جملة داخلة في معنى الشرك، يعني فيها شرك.
    النجاشي كان آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام ولكن كان عاجزا عن إظهار كل ما يعتقد، فكان يظهر ما يستطيع والله تبارك وتعالى يعفو عن ما عجز عنه.
    قال: (وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزاً عن معرفة الحق على التفضيل وقد فعل ما يقدر عليه مثله) يبقى كان عاجز وفعل ما يقدر عليه، يعني ما يستطيعه(فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ كما في القبلة) يعني واحد دخل يصلي في بلد لا يعرفها ولا يعرف القبلة فيها فسأل فدله واحد على اتجاه القبلة، و في النهاية أنه اتجاه خاطئ، فهو كان عاجز لا يعرف القبلة وفعل ما يلزمه، ما الذي يلزمه؟ أنه سأل، فدل خطئا على اتجاه القبلة فهذا لا يؤاخذ على ذلك (وأما من قلد شخصاً دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق، فهذا من أهل الجاهلية) هذا حكم عام؛ لأن هذا فعل من أفعال الجاهلية (وإن كان متبوعه مصيباً لم يكن عمله صالحاً، وإن كان متبوعه مخطئاً كان آثماً. كمن قال في القرآن برأيه، فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار) هل تفهمون هذه القصة؟ يعني واحد سئل عن آية ماذا تقول في الآية الفلانية؟ فشغل عقله ولم يكن عنده علم، وقال قولاً، فنقول لو أصاب فقد أخطأ، لأن أخطأ أنه لم يتوقف في مسألة لا يعلمها، تكلم برأيه في كتاب الله تبارك وتعالى، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار، النبي r قال: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» إلى آخر ما قال رحمه الله تبارك وتعالى.
    وقال في النهاية: (وفي الحديث: «إن يسير الرياء شرك») يقول أن هذا الحديث حديث إسناده ضعيف.
    الآية الرابعة: قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165] مناسبة الآية للباب أن من معاني لا إله إلا الله هي إفراد الله بالعبادة، ومن أجل العبادات محبة الله تبارك وتعالى، فمن معاني لا إله إلا الله إفراد الله تبارك وتعالى بالحب، والحب لا يكون إلا لله تبارك وتعالى، أو في الله،.
    من تفسير الشهادة، لما نحب نفسر الشهادة نفسرها بالمعاني التفصيلية للعبادة، ومن جملة المعاني التفصيلية للعبادة هي عبادة الله تبارك وتعالى.
    قال الشيخ عبد الرحمن: (فكل من اتخذ نداً لله يدعوه من دون الله ويرغب إليه ويرجوه لما يؤمله منه من قضاء حاجاته وتفريج كرباته -كحال عباد القبور والطواغيت والأصنام - فلا بد أن يعظموهم ويحبوهم لذلك، فإنهم أحبوهم مع الله وإن كانوا يحبون الله تعالى. ويقولون لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، فقد أشركوا بالله في المحبة بمحبة غيره وعبادة غيره فاتخاذهم الأنداد يحبونهم كحب الله يبطل كل قول يقولونه وكل عمل يعملونه. لأن المشرك لا يقبل منه عمل، ولا يصح منه. وهؤلاء وإن قالوا لا إله إلا الله فقد تركوا كل قيد قيدت به هذه الكلمة العظيمة) القيود التي قيدت بها الكلمة والتي شرحناها قبل ذلك وهي شروط لا إله إلا الله، وإن قال لا إله إلا الله ولكنه فرط في شروطها الصورة التي معنا الآن يتكلم عن واحد قال لا إله إلا الله،فبهذا دخل في الإسلام ولكنه أحب غير الله تبارك وتعالى كمحبة الله، بحيث أن هذه المحبة دفعته إلى فعل المحرم أو ترك الواجبات مثلاً،فهذا فيه معنى من معاني شرك المحبة، فيقول مع أنه قال لا إله إلا الله ولكنه فرط في قيودها، فرط في شروطها، وسيضرب على ذلك بعض الأمثلة، قال: ( من العلم بمدلولها) هذا أول شرط الذي ذكرناه قبل ذلك (لأن المشرك جاهل بمعناها) يقصد أن المشرك جاهل بالمعنى التفصيلي بلا إله إلا الله، ونحن قلنا في المرة السابقة.. هو طرح سؤال في بداية الباب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، مع أنه قبل ذلك في الأبواب فسرها، فما فائدة هذا التكرار؟ فقال هذا التكرار فيه زيادة معنى كيف؟ الآية الأولى فيها المعنى الفلاني، والآية الثاني فيها المعنى الفلاني، والآية الثالثة فيها المعنى الفلاني، والآية الرابعة فيها المعنى الفلاني، فلما انتهى من الإجابة على هذا السؤال وهذا أخذ قدر طويل جداً، عاد وآتى بالآيات مرة ثانية يشرحها ويفسرها...
    يقول: (أن المشرك جاهل بمعناها، ومن جهله بمعناها جعل الله شريكاً في المحبة وغيرها) معنى أنه جاهل بمعنى لا إله إلا الله أنه جاهل بمعناها التفصيلي ببعض جزئيات الدين، لذلك قال من جهله بمعناها جعل لله شريكاً في المحبة وغيرها (وهذا هو الجهل المنافي للعلم بما دلت عليه من الإخلاص: ولم يكن صادقاً في قولها) تخلف عنده أو حصل خلل في الشرط الأول الذي هو شرط العلم، ولا يلزم من ذلك أن كل مشرك جاهل بلا إله إلا الله، المشركون لاسيما المشركون القدامى مشركوا العرب، كانوا يعرفون لا إله إلا الله والمعنى الإجمالي، ولكن كانوا يجهلون بعض تفاصيل الدين.
    الشرط الثاني الذي حدث فيه خلل شرط الإخلاص أو الصدق، قال: (ولم يكن صادقاً في قولها؛ لأنه لم ينف ما نفته من الشرك، ولم يثبت ما أثبتته من الإخلاص وترك اليقين أيضاً، لأنه لو عرف معناها وما دلت عليه لأنكره أو شك فيه، ولم يقبله وهو الحق، ولم يكفر بما يعبد من دون الله، كما في الحديث، بل آمن بما يعبد من دون الله باتخاذه الند ومحبته له وعبادته إياه من دون الله كما قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ لأنهم أخلصوا له الحب فلم يحبوا إلا إياه).
    قال: (كما قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ لأنهم اخلصوا له الحب فلم يحبوا إلا إياه، ويحبون من أحب ويخلصون أعمالهم جميعاً لله، ويكفرون بما عبد من دون الله. فبهذا يتبين لمن وفقه الله تعالى لمعرفة الحق وقبوله دلالة هذه الآيات العظيمة على معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى التوحيد الذي هو معناها الذي دعا إليه جميع المرسلين. فتدبر) هذا خلاصة الأمر. دلالة هذه الآيات على معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
    تنبيه أيضاً على هذا الكلام الذي قلناه: هذا كله في الغالب تبقى لوازم، يعني مثلاً واحد فعل معصية معينة أكل مالاً حراما مثلاً، فهنا أحب هذا المال بحيث أن هذه المحبة دفعته إلى فعل الحرام، فهو عنده خلل مثلاً في العلم التفصيلي بلا إله إلا الله، عند خلل في اليقين عنده خلل في الصدق، هذه في الغالب عبارة عن لوازم قد تلزم وقد لا تلزم.
    قال: (وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: 165] قال ابن كثير رحمه الله: يذكر الله حال المشركين به في الدنيا ومآلهم في الدار الآخرة، حيث جعلوا لله أنداداً، أي أمثالاً ونظراء) الند بمعنى المثيل والنظير (يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه، وهو الله لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ند له، ولا شريك معه. وفي حديث ابن مسعود t قال: «قلت: يا رسول الله ؟ أي الذنب أعظم ؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك».
    قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165] ولحبهم لله تعالى وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم لا يشركون به شيئاً. بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه، ويلجئون في جميع أمورهم إليه. ثم توعد تعالى المشركين به، الظالمين لأنفسهم بذلك. فقال تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 165]..)إلى آخر الآيات، هذا كله تفسير للآية التي بعد الآية التي ذكرها هنا، ثم قال: (روى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى ﴿يُحِبُّونَه مْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: 165] مباهاة ومضاهاة للحق سبحانه بالأنداد ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165]من الكفار لأوثانهم).
    يحبونهم كحب الله يعني إما أن يكون المعنى يحبونهم ويحبون الله تبارك وتعالى، ولكن محبتهم للأوثان أشد من محبة الله، أو المعنى الآخر: يحبونهم محبة من جنس محبة الصالحين لله،يحبونهم كحب الله إما كجنس محبة الصالحين لله، أو أنهم يحبون الله ويحبون غيره ولكن محبتهم لغير الله أشد من محبتهم لله تبارك وتعالى.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: (ومن الأمور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله: آية البقرة في الكفار الذين قال تعالى فيهم ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: 167]) المصنف هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ذكر هذا الأمر في مسائله على هذا الباب.
    ثم قال الشيخ عبد الرحمن: (ففي الآية بيان أن من أشرك مع الله تعالى غيره في المحبة فقد جعله شريكاً لله في العبادة واتخذه نداً من دون الله، وأن ذلك هو الشرك الذي لا يغفره الله، كما قال تعالى في أولئك ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: 167] وقوله: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ [البقرة: 165]) إلى آخر الآيات.
    ثم قال: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما معناه: فمن رغب إلى غير الله في قضاء حاجة أو تفريج كربة: لزم أن يكون محباً له ومحبته هي الأصل في ذلك) وحتى يقول لك فمن رغب إلى غير الله لزم أن يكون محبا، كلها أمور اللوازم.
    ثم قال: (فكلمة الإخلاص لا إله إلا الله تنفى كل شرك. في أي نوع كان من أنواع العبادة، وتثبت العبادة بجميع أفرادها لله تعالى)
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: (فتوحيد المحبوب أن لا يتعدد محبوبه، أي مع الله تعالى بعبادته له، وتوحيد الحب: أن لا يبقى في قلبه بقية حب حتى يبذلها له، فهذا الحب -وإن سمي عشقاً- فهو غاية صلاح العبد ونعيمه وقرة عينه) فيه عندنا توحيد المحبوب، هو لا تحب إلا الله تبارك وتعالى، وفيه توحيد الحب الذي هو تبذل كل حبك لله تبارك وتعالى، الذي هو الصدق، توحيد المحبوب فيه معنى الإخلاص، توحيد الحب والمحبة هو معنى الصدق، فكل حب يستطيعه يبذله لله تبارك وتعالى.
    (فهذا الحب وإن سمي عشقاً) يبقى في حق الله تبارك وتعالى لا ينفع أن تقول أننا نعشق الله، هذا فيه تجاوز أدب مع الله تبارك وتعالى، يبقى لا يطلق على حب الله تبارك وتعالى لا تسمى عشقا، وفي المقابل لا ينفع أن تقول أن الله U يعشق أمراً معيناً، يعني هذا أيضاً لا يجوز، وذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله، يبقى لا يطلق العشق على الله U، لا يُعشق ولا يَعشق..
    العشق هو الحب.. والعشق في الغالب مرتبط في ذهن الناس بالمعنى الباطل المحبة مع الوصول إلى المحرم وما شابه ذلك، فينزه الله تبارك وتعالى عن ذلك، أضف لذلك أنها لم ترد في آية أو حديث هذا اللفظ، ولو قلنا من باب الإخبار هذا في الغالب لا يكون إلا في الأمور المحرمة.
    وبعد ذلك ذكر توحيد المحبة أو توحيد النبي عليه الصلاة والسلام بالإتباع.
    قال ابن القيم رحمه الله: (ومحبة رسول الله r هي من محبة الله، ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبته، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها) يريد أن يقول أن الله U يفرد بالمحبة، لا يحب إلا الله تبارك وتعالى، طيب محبة النبي عليه الصلاة والسلام، محبة العباد كيف نصفها؟ أو تدخل تحت ماذا؟ محبة النبي عليه الصلاة والسلام إنما أحببناه في الله، فهي داخلة في محبة الله تبارك وتعالى، محبة العباد إن كانت لله فهي داخلة في محبة الله تبارك وتعالى، إن كانت لغير الله U فهي تكون منقصة أو نقيصة في حق العبد.
    (فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها، ويصدق هذه المحبة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى الله محبوبه وهو الكفر -بمنزلة كراهيته لإلقائه في النار أو أشد) فمحبة الله تبارك وتعالى جعل الله لها علامة وبرهان، ما هي هذه العلامة؟ أنه أبغض شيء إلى الله تبارك وتعالى هو الكفر، يكرهه الله تبارك وتعالى، فالعبد يكره هذا الأمر لدرجة أنه يلقى في النار ولا يدخل في الكفر.
    (ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة، فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئاً، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وبين إلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر، كان أحب إليه من نفسه، وهذه المحبة هي فوق ما يجده العشاق المحبون من محبة محبوبهم، بل لا نظير لهذه المحبة. كما لا مثل لمن تعلقت به) فهذه محبة لا نظير لها، المحبة تساوي أنه يلقى في النار ولا يتركها، كما أن المحبوب أيضاً لا نظير له وهو الله تبارك وتعالى.
    ثم قال: (ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان مشركاً شركاً لا يغفره الله) المحبة محبة غير الله تبارك وتعالى من الشرك، فإن أحب غير الله تبارك وتعالى محبة من جنس المحبة التي هي الطاعة والعبادة فهذا شرك أكبر، والمحبة التي هي من جنس العبادة المحبة التي يكون معها خضوع وتعظيم وذل، هذه محبة هي جنس محبة العبادة، لا تصرف إلا لله تبارك وتعالى فلو العبد صرفها لغير الله U يكون قد وقت في الشرك الأكبر (كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ﴾ [البقرة: 165] والصحيح: أن معنى الآية: أن الذين آمنوا أشد حباً من الله أهل الأنداد لأندادهم) يعني هو يرجح المعنى الثاني الذي ذكرناه، أنهم يحبون الأصنام محبة من جنس محبة الصالحين لله تبارك وتعالى (كما تقدم أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلاً، كما لا يماثل محبوبهم غيره، وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته. وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عين محبته. ومن ضرب لمحبته الأمثال التي في محبة المخلوق للمخلوق: كالوصل، والهجر والتجنى بلا سبب من المحب، وأمثال ذلك مما يتعالى الله عنه علواً كبيراً. فهو مخطئ أقبح الخطأ وأفحشه، وهو حقيق بالإبعاد والمقت).
    يريد أن يقول أن كل الأوصاف التي توصف بها المحبة في الدنيا من العشق والوصل والهجر وغير ذلك هذه كلها أوصاف لا ترقى إلى محبة الله تبارك وتعالى، فمحبة الله U أعظم من كل هذه الأوصاف.
    بذلك نكون قد انتهينا من ذكر الأربع آيات في هذا الباب، يتبقى لنا الحديث قال: (في الصحيح عن النبي r أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله»).
    ونكمل المرة القادمة إن شاء الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    انتهى الدرس الثاني عشر أختكم أم محمد الظن
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    http://www.islamup.com/download.php?id=137504
    الدرس الثاني عشر ملف ورد
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    بسم الله الرحمن الرحيم
    فتح المجيد شرح كتاب التوحيد
    الدرس الرابع عشر
    الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
    أما بعد..
    نستكمل الكلام على كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، وكنا قد انتهينا إلى الكلام عن الباب السادس، باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وفي هذا الباب جملة من الآيات والأحاديث من هذه الآيات المذكورة في هذا الباب قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 26- 28] هذا الباب تضمن أربعة آيات فقط، هذه الآية ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ وقلنا سنقف مع هذه الآية وقفة طويلة نسبياً نذكر فيها الشرك الذي انتشر بين كثير من الناس في مسألة الولاء والبراء، الولاء والبراء من الكفار ومع المؤمنين.
    وذكرنا المرة السابقة بعض الأدلة العامة في إثبات هذا الأصل الولاء والبراء أو تولي المؤمنين، تولي دين الله تبارك وتعالى والمؤمنين والتبرؤ من الكفر والشرك وأهله، فهذا من آكد أصول الدين، لذلك كثرة الأدلة في الكتاب والسنة التي تدل على هذا المعنى.
    وقلنا أن الناس في هذا الباب باب الولاء والبراء بين طرفي نقيض، فيه هناك من يغلو في هذا الباب، فيعد كل الصور المحرمة في التعامل مع الكفار يعدها من الموالاة الكفرية، ويجعلها من باب الكفر، وهناك من يقصر، فيدخل صورا حرمها الله تبارك وتعالى أو صورا هي من الكفر والعياذ بالله، ويجعلها مما أبيح في الشرع من التعامل مع هؤلاء، والحق وسط بين طرفي نقيض، فلذلك نفصل نوعاً ما في هذا الباب، باب الولاء والبراء، فالولاء والبراء ليس بالضرورة أن كل صورة من صور موالاة الكافر تكون كفراً، وذكرنا في المرة السابقة قصة حاطب بن أبي بلتعة التي أرسل فيها لقريش يخبربهم بخبر النبي r في فتح مكة، وقلنا أن النبي r لم يكفر حاطبا بهذا الفعل، وإن كان هو فعل محرم بل من الكبائر وتجسس للمسلمين لصالح الكافرين، وحاطب قال: يا رسول الله تعجل علي، فإني لم أفعل ذلك رضا بالكفر بعد الإيمان، ولا ردة عن دينه إلى غير ذلك، ثم ذكر السبب الذي جعله يفعل هذا الفعل، فدل على أن هناك من يفعل هذا الفعل رضا بالكفر، وردة عن الدين، وهناك من يفعله ولا يرضى بالكفر، ولا يرتد عن دينه.
    المهم أننا سنفصل في هذا الباب؛ لأن هناك بعض صور هي من الموالاة المحرمة للكافرين، وهناك صور أخرى وأنواع من المعاملات أباحها الشرع وأجازها، بل أحيانًا تكون هناك أمور من المستحبات بل من الواجبات التي ينبغي أو يجب أو يجب أن تصرف لهؤلاء.
    سنبدأ في الأول في ذكر بعض صور الولاء المحرم، والموالاة المحرمة للكافرين.
    الصورة الأولى من صور الموالاة هي المحبة والمودة : قال الله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [المجادلة: 22] إلى آخر الآية، إذن موادة من حاد الله ورسوله، وهؤلاء هم الكفار والمشركين، فكل كافر وكل مشرك فقد حاد الله تبارك وتعالى، بمعنى أنه يعادي الله عز وجل وبارزه بالعداوة، فالذي يواد هؤلاء وكأنه لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وهذا فيه تفصيل نذكره.
    قال r: «المرء مع من أحب» فمن أحب الكافرين وود الكافرين فهو معهم، فهل يا ترى هذا يدل على الكفر يعني كل محبة الكافرين تكون كفراً؟ كلا، هنا تفصيل التفصيل كالتالي: نقول من أحب الكافرين على كفرهم، يعني أحب الكافر لأجل كفره فهذا كفر والعياذ بالله، والسبب هو محبة الكفر، بل الرضا بالكفر مع عدم محبة الكافر هذا في حد ذاته كفر، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19] وحاطب لما ذكرناه قصته قال: أنه ما فعل ذلك رضا بالكفر بعد الإسلام، وهذا من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، يعني هذا معلوم قطعاً من دين الإسلام أن محبة الكفر أو الرضا بالكفر ، من الكفر والعياذ بالله.
    إذن محبة الكافر لكفره أو رضا بالكفر الذي هو عليه هذا كفر، أما محبة الكافر مع عدم الرضا بالكفر وعدم محبة الكفر فهذا محرم، بناءً على ذلك فيه بعض الدعاوى المعاصرة التي ينادي بها البعض مثل مناداة بعضهم بمحبة أهل الأديان، أو المساواة بين أهل الأديان، أو تعانق الهلال والصليب، أو أن البعض يسمي أتباع الملل المختلفة يسميهم مؤمنين، يقول مثلاً المؤمنين من اليهود، المؤمنين من النصارى، ويسميهم مؤمنين، وهؤلاء لا شك أنهم كفار عند الله تبارك وتعالى.
    أول صورة من صور الموالاة هي المحبة والمودة، وقلنا تفصيلها، تكون محرمة وتكون كفراً، وتكون واجبة، المحبة المودة الواجبة تكون للمؤمنين، والبغض والكره للمؤمنين هذا محرم، وإن كان يبغض ويكره المؤمنين بسبب الإيمان وبسبب الإسلام فهذا أيضاً من الكفر.
    الصورة الثانية من صور الموالاة المحرمة هي النصرة: من معاني الولاء هي النصرة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: 11] الله مولى الذين آمنوا يعني ناصر الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم أي: لا ناصر لهم، ففيه عندنا في النصرة فيه نصرة واجبة، يجب أن تصرف إلى المسلمين، تجب النصرة على المسلم لأخيه المسلم في الدين قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72] أي: إن استنصروكم في الدين أي استنصروكم بسبب الدين.
    وقال عليه الصلاة والسلام: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل يا رسول الله: أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما؟ فكيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره».
    فالنصرة الواجبة تكون على المسلم للمسلم في الدين، أما نصرة الكافرين على المؤمنين فهذه من الموالاة المحرمة، وقد تكون كفراً وقد تكون محرمة دون كفر.
    نحن نتكلم عن صور واضحة، فيه عندنا كفر واضح، يعني فيه معسكر كفر ومعسكر إيمان، هذا متميز وهذا متميز، فهذا ينصر المؤمن على الكافر.
    فمن أخطر صور الموالاة المحرمة هي نصرة الكافرين على المؤمنين، والصورة التي تدل على هذا المعنى في أوضح صورها أن العبد المسلم المنتسب إلى الإسلام يخرج في جيش كافر معلن بكفره يدخل ويقاتل مع هذه الجيوش يقاتل جيوش المؤمنين، هذا الفعل يعده أهل العلم من الردة والعياذ بالله، أن يخرج في جيش كافر ينصره على المؤمنين، هذا لا يتصور صدوره من مسلم، يعني لا يفعل هذا الفعل لاسيما وإلا الإكراه، يعني قد لا يكون متصورا في مثل ذلك، لأن هذه ساحة قتال ومقاتلة والفرار والهرب الأمر فيها يكون متاح لمن أراد.
    فمن صور الموالاة المحرمة للكافرين هي نصرهم على المؤمنين، بمعنى أن يخرج في جيش الكافر المتميز المعلن بكفره ينصره على المؤمنين، طبعاً هذه صورة وهناك صورة أخرى أن الجيش المسلم يستعين بالكفار في مقاتلة المسلمين، هذه صورة أخرى يسموها أهل العلم الاستعانة بالكافر على قتال المؤمنين، وهذه إن شاء الله نذكرها أو تذكر في الصور التي تذكر بعد ذلك إن شاء الله.
    الأدلة على ذلك: على كفر من خرج في جيوش الكفار ينصرهم على المؤمنين عدة آيات منها قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]هذه الآيات كما يذكر أهل التفسير نزلت فيمن تخلف عن الهجرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ثم خرج في جيوش مع الكفار يوم بدر يقاتل المسلمين مع المشركين، فظالمي أنفسهم بمعنى أنهم تركوا الهجرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام مع القدرة على ذلك.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على أمر رسول الله r يأتي السهم فيرمي أحدهم فيقتله أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل الله عز وجل هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾.
    من الأدلة أيضاً: قوله تبارك وتعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88] ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ أي: الله تبارك وتعالى ينكر على المؤمنين اختلافهم في المنافقين، فما لكم في المنافقين فئتين أي ما الذي سبب انقسامكم حيال هؤلاء المنافقين ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ قال أهل التفسير: أن قوماً كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم، فقالوا إن لقينا أصحاب محمد r فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة، قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله، أو كما قالوا أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجرون ويتركوا ديارهم ونستحل دماءهم وأموالهم لذلك؟! فكانوا فئتين والرسول r عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء فنزلت ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾.
    هذه الأدلة على أن من نصر الكافرين على المؤمنين أو خرج في جيوشهم مقاتلا لهم أن هذا من الكفر الأكبر والعياذ بالله، وظاهر الآية التي ذكرناها قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ﴾ وأن الظاهر أن هذا كفر وهذه ردة، يعني في أحكام الدنيا، وأيضاً الظاهر أنها كذلك في أحكام الآخرة.
    من كلام أهل العلم في هذا الباب: ما ذكره ابن حزم رحمه الله، قال في كتاب المحلى: قال: من لحق بدار الكفر والحرب محاربا لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد، له أحكام المرتد كلها، من وجوب القتل عليه متى قدر عليه، وإباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك.
    يذكر في هذا الباب أحيانًا لابد من التفريق في دار الكفر هذه أو دار الكفار بين الديار التي يعلن فيها الكفر صراحة، وبين الديار التي شعائر الإسلام فيها ظاهرة، وإن كان الحاكمون فيها يبطنون غير ذلك، يعني أحيانًا مثلاً في بعض البلاد تجد أن شعائر الإسلام هي الظاهرة، واحترام شعائر الإسلام هي الظاهرة للناس، ولكن الحكام يحكمون بغير الشرع، أو يبطنون النفاق والزندقة والعياذ بالله، طبعاً حكم هذه الديار ليست كالديار التي فيها الكفر معلن وصريح، فقال ابن حزم: وليس كذلك من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالين، وكان يتكلم في هذا العهد التي هي الدولة الفاطمية كانوا روافض كانوا مستولين على مصر وشمال إفريقيا والشام والحجاز وكانوا هم مستولين على هذه الديار، وعارفين أن الروافض لاسيما هؤلاء المسمون بالدولة الفاطمية كانوا من الباطنية، يعني يبطنون الكفر والعياذ بالله، ولكن الذي يظهر للناس أن الصلوات تقام والأذان يرفع، وشعائر الإسلام ظاهرة، فابن حزم يقول: وليس كذلك من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية ومن جرى مجراهم، كأهل مصر والقيروان وغيرهم، فالإسلام هو الظاهر، وولاتهم على ذلك لا يجاهرون بالبراءة من الإسلام، بل إلى الإسلام ينتسبون، وإن كانوا في حقيقة أمرهم كفارا.
    فالسكنى في الديار التي تظهر فيها الأهواء المضلة ولكن لا يعلن أهلها بالكفر فهذا ليس حكمه كحكم من سكن في الديار التي فيها الكفر معلن، وينصر الكفار على المسلمين.
    الصورة الثالثة من صور الموالاة المحرمة:
    الصورة الثالثة: من صور الموالاة المحرمة الطاعة والمتابعة، من جملة معاني الولاء أو الموالاة في اللغة وفي الشرع هي الطاعة والمتابعة، طبعاً المؤمن طاعته تكون لله تبارك وتعالى ولرسوله r ولأولي الأمر من المؤمنين، قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59] قلنا الطاعة طاعة المؤمن تكون لله ولرسوله ولأولي الأمر، وأولي الأمر من المؤمنين، وأولي الأمر إما أن يكونوا العلماء أو الأمراء الذين يحكمون بشرع الله تبارك وتعالى، والإتباع المؤمن يتبع ما أنزل الله عز وجل، يتبع الوحي الذي نزل من عند الله تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 3] والذي أنزل من الله تبارك وتعالى هو الكتاب والسنة، فالمؤمن يتبع كتاب الله تبارك وتعالى ويتبع سنة النبي r ويتبع سبيل المؤمنين ومنهجهم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115] إذن من صور الولاء والبراء إتباع المنهج، منهج أهل السنة والجماعة، إتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، هذا من أوجب معاني الولاء التي تصرف للمؤمنين.
    أما طاعة الكافرين وإتباعهم فهذه موالاة لهم، فمن موالاة الكافرين طاعة الكافر واتباع الكفار، الأدلة على ذلك،: قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ [محمد: 25، 26] هؤلاء اتبعوا أو قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر، فتخيل كل هذا الوعيد على أنهم أطاعوهم في بعض الأمر وليس في كل الأمر، وقال الله تبارك وتعالى مخاطبا النبي عليه الصلاة والسلام: ﴿ولَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: 24] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الأحزاب: 1] ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 2].
    قال عليه الصلاة والسلام: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جرح ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن» هذه الأدلة كلها فيها النهي عن طاعة الكافرين واتباع الكافرين.
    ما هو حكم طاعتهم وإتباعهم؟ هل هي محرمة فقط؟ أم هي كفر فقط؟ أم فيها تفصيل؟ فيها تفصيل أيضاً، لو تذكرون قول ابن تيمية الذي مر معنا، اتخذوا أحباهم ورهبانهم أربابا، وابن تيمية قال لها حالتان: الحالة الأولى: أنه يطيعه في تبديل شرع الله تبارك وتعالى، يطيعه ويعتقد أن هذا الشخص له حق التحريم والتحليل، فنقول أن الطاعة في الكفر كفر والطاعة في المعصية معصية، لا بد من هذا التأصيل، الطاعة في الكفر كفر، يعني لو الكافر أمر شخصاً يمتثل للإسلام بأمر هو كفر فأطاعه في هذا الأمر فهكذا قد أتى بأمر هو ردة، أما لو أطاعه في المعصية واعتقد أنها معصية فهذه معصية.
    الطاعة في الكفر كفر، الطاعة في المعصية مع اعتقاد أنها معصية معصية، الطاعة في المعصية مع اعتقاد أنه له حق أنه يحلل ويحرم هذا كفر، وهذا التفصيل استفدناه من كلام ابن تيمية على قوله تبارك وتعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 31]. أنه يطيعه أو يعلم أنه بدل الدين والشرع فيتبعه على هذا التبديل، يعتقد أن له التحليل والتحريم.
    الحالة الثانية: أنه يعتقد أن التحريم والتحليل لله تبارك وتعالى ولكن اتبعه أو أطاعه لسبب ما لشهوة أو لمثل ذلك.
    من أخطر صور الطاعة والمتابعة للكافرين والمنافقين: لاسيما في مثل هذه الأيام هو أن ينخرط الإنسان تحت رياستهم في الأحزاب العلمانية أو الإلحادية كالشيوعية والاشتراكية والقومية والماسونية ويبذل لهم الولاء والحب والنصرة.
    من الصور التي يصدق عليها أنها من الطاعة والإتباع للكافرين أو للمنافقين أن ينخرط الإنسان معهم أو يدخل معهم في أحزاب وتكون الكلمة لهم والسيادة لهم، بحيث أنهم يعلنوا بمبادئهم التي تخالف كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويندرج معهم تحت هذا، فمثل هذا الظاهر منه أنه يرضى بمثل ذلك، أو أنه لا يسوؤه هذا الكلام، فالإنسان يشترك معهم في أحزاب لا تقوم على شرع الله تبارك وتعالى أو تقوم على مبادئ مخالفة للإسلام كمساواة الأديان، كمحبة الكافرين، كتعانق الهلال والصليب إلى غير ذلك من هذه الأمور، هذا كله داخلة في الموالاة والمتابعة المحرمة، والأدلة على ذلك: قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2] يعني أقل أحوال مثل هذا أنه داخل يتعاون معه على الإثم والعدوان، فضلاً عن أنه لو كان رضي بهذا الأمر أو معتقد هذا الأمر يكون له أحكام أخرى.
    مع انتشار الأحزاب فالذي يريد أن يشترك يبحث عن أحزاب لها مرجعية إسلامية تقوم على شرع الله تبارك وتعالى، ولا يحل له أن ينتسب لغيرها بحيث أنه يشترك لا يكون له تأثير ولا مدخل في أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ويكون فقط أنه يكثر سواد هؤلاء.
    نحن نقول طاعة الكافر دائرة بين التحريم وبين الكفر، الطاعة والإتباع دائرة بين التحريم وبين الكفر، فيه تنبيه يستثنى من ذلك وهو الإجابة إلى الحق، هذا لا يدخل في الموالاة المحرمة، الإجابة إلى الحق ليست من الموالاة المحرمة، والمسائل الشاهدة على ذلك ما حدث مع النبي عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية.
    قال: «لا يسألوني خطة رشد يعظمون بها حرمات الله تبارك وتعالى إلا أجبتهم إليها» فالكافر لما يأمر مسلماً بطاعة سواء كان هو ناوي طاعة أو غير ناوي يجب أو يشرع له الاستجابة لهذه الطاعة حسب درجتها، يعني فرضنا أن واحد كافر أمر مسلماً بالصلاة، قال له ادخل صل، فيجب عليه إجابة هذا الأمر، ليس طاعة لهذا الكافر، ولكن استجابة لأمر الله تبارك وتعالى، لو نهاه عن محرم عن فاحشة مثلاً شرب دخان أو ما شابه ذلك يلزمه الإجابة، هذا لا يدخل في الموالاة المحرمة.
    الإجابة إلى الحق، إجابة غير المسلم إلى الحق، الإجابة إلى الحق تلزم المسلم مع كل أحد، سواء دعاه إلى هذا الحق مسلم كان أو غير مسلم، فيلزمه إجابة الحق.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    الصورة الرابعة من صور الموالاة المحرمة: المعاونة والقيام بالأمر والنصح:، هذه من جملة معاني الموالاة كمعنى في اللغة، وأيضاً من المعاني التي أتت في الكتاب والسنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة، قيل: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» فالدين النصيحة، يبقى النصح أو المعاونة للقيام بالأمر يعني هذا يكون من المؤمن للمؤمن، أما النصح للكافرين نصحهم أو معاونتهم ونصرتهم على باطلهم فهذا من الموالاة المحرمة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَتَعَاوَنُ ا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ وقصة امرأة نوح وامرأة لوط ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10] الخيانة هنا هي الخيانة في الدين، أنهم أعانوا قومهم على المنكر، ورضوا بهذا المنكر، لأن قومهم كانوا يأتون الفواحش فكانوا يدلونهم على الضيفان ضيفان لوط، ورضوا بهذا المنكر، هذا داخل في المعاونة والنصح للكافر على باطلهم.
    ويدخل في جملة ذلك الثناء على الكافرين والمنافقين، الثناء بدون وجه حق على الكافر والمنافق، ونشرا لفضائل والمحاسن وإضفاء الألقاب الفخمة على هؤلاء وفي نفس الوقت يحقر المسلم والمسلمين، بوصفهم مثلاً بأنهم أصحاب الحضارة ناس متقدمين ناس راقية، وفي نفس الوقت يصف المسلم بالتخلف والرجعية إلى غير ذلك من الأوصاف، فهذا كله من المحرم، بدون وجه حق يعني لو واحد مميز مثلاً في باب معين أقول أن فلان هذا مميز في هذا الباب، إنما الثناء المطلق والمدح المطلق للكافرين لا يجوز، يعني حتى في مسألة العلم مثلاً بلغوا من العلم مبلغاً عظيماً في العلوم المادية الدنيوية، فالله تبارك وتعالى قال في أمثال هؤلاء: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 6،7]فوصفهم بالعلم إطلاقاً لا يجوز، إنما تقول مثلاً هذا عالم في الكيمياء في الفيزياء في الرياضة، يبقى حتى لما يوصف بالعلم يقيد بالعلم؛ لأن الوصف بالعلم المطلق لأنه لم يحصل العلم النافع العلم الشرعي، وهذا الكلام تجده في الفضائيات المنافقة والصحف والمجلات التي دائماً يمدحون الكافرين والمنافقين وفي نفس الوقت يذمون المسلمين، تجد دائماً وصف الإرهاب يلتصق أو لا ينفك عن المسلم، ولا يلتمسون لهم أي عذر، إذا أخطأ أحد الإسلاميين مثلاً وفعل فعل لا يلتمس له أي عذر، على الجانب المقابل تجد غير المسلم يرتكب موبقات من التحريض على القتل والعنف، وسفك الدماء، ومع ذلك يلتمسون لهم الأعذار؛ لأن القاعدة عندهم دائماً المسلم إرهابي متطرف متخلف، ودائماً غير المسلم يهودي أو نصراني دائماً رجل راقي أهل محبة وسلام ومودة، وهذه الأشياء كلها استثنائية هم أيضاً معذورون فيها، نحن استفززناهم وهم معذورون في هذا الأمر.
    الصورة الخامسة من صور الموالاة المحرمة وهي التشبه بالكافرين والركون إليهم،:قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من تشبه بقوم فهو منهم» قال ابن تيمية رحمه الله شارحا هذا الحديث، هذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، فمن تشبه بقوم فهو منهم يعني على كل تفسير وعلى كل المعاني يلزم منه تحريم التشبه بالكافرين، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، يعني ظاهر هذا الحديث أنه منهم يعني مثلهم، يعني كافر مثلهم، كمثل قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51] ظاهر الكلام أنه يأخذ حكمهم، ولكن نقول دائماً في مثل هذه الآيات والأحاديث يكون هناك تفصيل.. يقول: فقد يحمل هذا على تشبه المطلق، يعني يكون التشبه كفراً في حالة تشبه المطلق يعني يتشبه بالكافر في كل شيء في الكفر وفي المعاصي، يعني يفعل الفعل الذي يفعله في الكفر والمعاصي هذا لا شك أنه من الكفر لأنه انضم للكفر،التشبه المطلق بهم في كل شيء كفر لأنهم يأتون الكفر والعياذ بالله، وهذا يلزم منه تشبيه أو تحريم التشبه في أبعاض ذلك، التشبيه المطلق كفر ولكن جزئيات هذا التشبيه أقل أحواله التحريم أو ممكن تقول تعبير أدق وأسهل تقول أنه من تشبه بقوم فهو منهم فيما تشبه فيهم يبقى تشبه هو منهم في القدر الذي تشبه بهم فلو تشبه بهم في الكفر فهذا كفر لو تشبه بهم في المعاصي هذه معصية مع اعتقاد أنها معصية.
    إذن التشبه أو التشبه بالكافرين هذا محرم لذاته بل هذه علة من العلل التي تعلل بها الأحكام، تقول مثلاً لماذا أمرنا بإعفاء اللحية؟ من جملة العلة مخالفة اليهود والنصارى وهكذا، فيه عندنا التشبه وفيه عندنا القصد إلى المخالفة وطبعاً التشبه المقصود هنا يأخذ الأحكام هو التشبه بهم فيما هو من خصائص دينهم التي يتميزون بها في أمور الدنيا أو الدين، أما الأمور المشتركة بين المسلم وغير المسلم لا يدخل فيها التشبه وإن كان يشرع للعبد أنه دائماً يخالف غير المسلمين، إنسان يسأل مثلاً حكم لبس بعض الألبسة؟ أو مثلاً ما شابه ذلك، فأحياناً يقول هذا الأمر مثل القميص والبنطلون هذا تشبه بهم، هذا لباس شائع مشترك بين المسلم وغير المسلم وقد يكون الأمر من شرائعهم أو من علاماتهم المميزة لكن مع الزمن صار هذا الأمر مشتركاً بين بني الإنسان كلهم، فنقول من خصائصهم الذي يتميزون بها عن المسلمين هذا يدخله التشبه المحرم أو التشبه الكفري، أما الأمور المشتركة بين المسلم وغير المسلم نقول إجمالا يشرع لنا حاجة أعلى من التشبه من ترك الشبه هي القصد إلى المخالفة فأحياناً المسلم يفعل فعل والكافر يفعل نفس الفعل من باب التوافق يعني فعل اتفاق يعني هذا لا يقصد التشبه ولكن يقال له أيضاً اقصد إلى المخالفة، النبي r يقول: «غيروا الشيب ولا تشبوا باليهود» الشيب هو لما يخرج في اللحية أو الشعر هل للإنسان دخل فيه؟ هو خرج منه بدون قصد الله تبارك وتعالى قدر عليه ذلك، فممكن تجد المسلم يخرج له شيب والكافر يخرج له شيب ،لو تركت هذا الشيب لا يقولون تشبهت بالكافر لكن يشرع لك أنك تخالف الكافرين، أنك تصبغ هذا الشيب، عموماً التشبه المحرم بالكافرين كما ذكر ابن تيمية -رحمه الله-.
    ملخص ما قاله: أن فيه عندنا أفعال الكفار الذي نخالفهم فيها أو لا نتشبه بهم فيها ثلاث أقسام: فيه قسم من الأفعال يفعلونه ونفعله نحن، وفيه قسم هم يفعلونه ونفعله نحن إما هو كان مشروعًا في دينهم أو لم يكن مشروعًا لكن النتيجة النهائية هم يفعلونه ونحن نفعله مثل الصلاة والصوم، هم يصومون ونحن نصوم هم يصلون ونحن نصلي، مثل هذا الفعل نقول ما اتفقنا معهم نفعله نحن وهم فيشرع لنا المخالفة في الصفة مثل الصلاة اليهود لا يصلون في نعالهم شريعة موسى u اخلع نعليك فنقول النبي r أمرنا بالصلاة في النعلين يعني بضوابط الصلاة في النعلين دون تقذير المساجد أو ما شابه ذلك فأنت لما تصلي في النعلين تستحضر نية مخالفة اليهود لأنهم لا يصلون في نعالهم، مثلاً أنت تصوم وهم يصومون تخالفهم في صفة الصيام، مثلاً صيام عاشوراء يبقى أنت تصوم عاشوراء وتصوم تاسعواء مثلاً يبقى أنت صمت وتخالفهم في الصفة، مثلا تعجل الفطر مخالفة لليهود.
    هذا القسم الأول الذي هو مشروع في شريعتنا وشريعتهم، فتشرع المخالفة في الصفة وبناء عليه يكره عدم مخالفتهم في ذلك، فالإنسان يستحب له أن يصوم مع عاشوراء يصوم تاسعواء ولو لم يصوم تاسعواء يبقى خلاف الأولى،.
    الأمر الثاني: ما كان مشروعًا ثم نسخ بالكلية، يبقى كان مشروعًا في دينهم ونسخ، نقول إذا كان هذا الأمر واجباً عليهم نحن لا نفعله تدينا لله تبارك وتعالى، يعني كان واجباً عليهم تعظيم يوم السبت فالمشروع في حقنا عدم تعظيم هذا اليوم وما كانوا ينهون عنه كان فيه أمور محرمة عليهم ثم نسخ هذا الأمر فنقول هذه الأمور متعلقة بالعادات مثل ما كان محرم عليهم أكل الشحوم لكل ذي ظفر على وجه التدين بذلك، حرم الله تبارك وتعالى هذا الأمر فلا يجوز أحد أن يقول أنا أمتنع عن أكل الشحوم لكل ذي ظفر لأن هذا يكون مخالفة لهؤلاء، يبقى التشبه بمثل هذه الأمور محرم -تعظيم يوم السبت محرم- هم يصلوا صلاة معينة لو أحد صلاها يبقى أتى فعلاً محرماً، يبقى القسم الأول قلنا يشرع المخالفة في الكيفية أو في الصفة ويكره الموافقة في هذا، القسم الثاني:يحرم الموافقة في مثل هذه الأمور، القسم الثالث: أمور لم تكن مشروعة قط في دينهم أي بدع هم أحدثوها سواء في العبادات أو العادات فمشبهتهم في ذلك محرمة، وأشهر مثال على ذلك هو الأعياد التي ابتدعوها، التشبه بهم في أعيادهم التي ابتدعوها، قال النبي عليه الصلاة والسلام «إن الله عز وجل قد أبدلكم بهما خير منهم» عندما هاجر إلى المدينة وجد الأنصار يلعبون في يومين فسأل عنهما فقالوا يومين كانوا يتوسعون فيهما في الجاهلية، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الله عز وجل قد أدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر» وقال تبارك وتعالى ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: 72] قال .. أهل التفسير لا يشهدون الزور لا يشهدون أعياد المشركين، وقال عمر t لا تعلموا رطانة الأعاجم، يعني الإنسان لا يتكلم بلغة الأعاجم بدون غرض شرعي صحيح، أحيانًا بعض الناس يتكلم في نصف كلامه كلمات انجليزي أو فرنساوي ليبين أنه من علية القوم مثلاً أو مثقف أو رجل تنوير أو ما شابه ذلك، هذا الأمر يفعل ذلك يدخل تحت دائرة من تشبه بمثل هؤلاء ولكن تعلم اللغة لاسيما لدفع أذى أو ضرر للكافرين هذا أمر مشروع، والكلام باللغة الأجنبية من المباحات ولكن الإكثار منه بدون فائدة أو الإنسان يظهر أنه هو يعلم هذه اللغة هذا يكون مكروها أو خلاف الأولى، لو كان يعظم لغة هذا أمر محرم يعظمها ويفضلها على لغة القرآن اللغة العربية هذا يكون محرم، قال: لا تتعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم » يحرم أن يدخل على المشركين في الكنائس لاسيما في يوم أعيادهم، .
    الصورة السادسة من الصور المحرمة المداهنة على حساب الدين: قال الله تبارك وتعالى ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: 9] قلنا هذه الصور من الموالاة المحرمة قلنا الحب والنصرة، والطاعة والمتابعة والقيام بالأمر والمتابعة والقيام بالأمر والمعاونة والنصح، الأمر الخامس التشبه، الأمر السادس المداهنة بمعنى المجاملة أن يجامله في أمر محرم أو أمر عقدي مجاملة على حساب الدين قال تبارك وتعالى ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ أي تمنوا وأحبوا لو تلاينهم وتصانعهم على بعض ما هم عليه فيلينون لك بذلك ومن صور ذلك الإنسان يجاملهم يقول مثلاً أن دين غير دين الإسلام أمر حسن، يقول مثلاً ليس بكفر أو هم كافرون عندنا ونحن كافرون عندهم ليس على سبيل السب والذم لهم لا، نحن نقول أنهم كفار هذا ذم لهم وهو طبعاً وصف لهم أنهم كافرون لدينهم وفي نفس الوقت هذا ذم لهم، أيضاً يسمى قتل غير المسلمين شهداء مثلاً وضع أكاليل الزهور على الجندي على قبر جندي غير مسلم هذا كله داخل تحت المداهنة بحيث أن بعض الناس يداهن حتى على حساب الدين والعقيدة يقول مثلاً هو مؤمن ليس بكافر فهذه كلها تسمى المداهنة والمصانعة نرافقهم على الباطل مجاملة على حساب الدين.
    الأمر السابع من صور الموالاة المحرمة هي تولية الكافر أمور المسلمين: أن يولي الكافر أمر من أمور المسلمين قال الله تبارك وتعالى ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141] يعني لا يشرع لنا أن نولي الكافر على المسلم ولاية فيها تولية للكافر على المسلم .. أو الولايات العامة التي فيها تسلط للكافر على المسلم لأن الولاية أو تولية هذه المناصب شقيقة الولاية والمحبة كما قال ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى.
    الصورة الثامنة من هذه الصور المحرم هي السكنى معهم في ديارهم :وتكثير سوادهم، نقصد أن العبد يسكن في ديار الكافرين الكفر ظاهر وشعائر الكفر ظاهرة والإسلام ليس بظاهر فيسكن معهم على الدوام فهذا من صور الموالاة المحرمة يعني أقل حالاتها التحريم ونذكر بعض التفصيل، قال r «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله» جامع المشرك بمعنى أنه سكن معه أو مشى معه أو رافقه كل هذه المعاني داخلة في معنى جامع المشرك، وسكن معه فهو مثله أيضاً فيها التفصيل، لو كان ساكن معه كما مر معنا من قول ابن حزم: من لحق بدار الكفر محاربا لمن يليهم من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد لو سكن هناك نصرة للكافرين وتكثير لسوادهم على المؤمنين فهذا من أفعال الكفر، إن سكن معهم ومكث في ديارهم ولا يرضى بالكفر الذي هم عليه ولا يرضى بالكفر الذي هم عليه ولا ينصرهم على المسلمين فهذا يكون محرماً أو فيه تفصيل سنذكره له.
    السكنى معهم في ديارهم يقابلها أنه لابد أن يهاجر من هذه الديار إلى ديار الإسلام، المقصود بالهجرة أن العبد يهاجر من دار أعلن فيها الكفر أو استعلن فيها الكفر أو شعائر العصيان والفسق وما شابه ذلك أن يهاجر منها بمعنى يترك ويذهب إلى ديار الإسلام أو ديار تعلن فيها طاعة الله تعالى وطاعة النبي عليه الصلاة والسلام.
    يقابل ذلك الهجرة من ديار الكفر أو الفسق والمعاصي إلى ديار الإسلام أو الطاعة والقرب من الله تبارك وتعالى، الهجرة لها أحكام نلخصها من كلام ابن قدامة رحمه الله في المغني، قال ابن قدامة رحمه الله: الناس في الهجرة على ثلاثة أدرب عندنا ثلاث حالات في الهجرة ومانحكم بها على حكم الهجرة من شيئين الأمر الأول هو القدرة على الهجرة -القدرة الحسية- الأمر الثاني: هو التمكن من إظهار شعار الدين فهذان الأمران لو قدر على الهجرة ولم يكن متمكنا من إظهار دينه فهذه تجب عليه الهجرة قال الله تبارك وتعالى ﴿ إن الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ﴾ قال ابن كثير أي بترك الهجرة ﴿قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الأمر الأول تجب الهجرة إذا كان قادراً عليها ولم يكن متمكنا من إظهار دينه ويقدر على الهجرة، لو فرضنا أنه غير قادر على إظهار دينه ولكنه عاجز عن الهجرة إذا كانت صغيرة أو كانت امرأة لا تستطيع أو مريض أو غير ذلك فهذا لا توصف الهجرة لا بوجوب ولا بغيره لأنه غير قادر وعاجز فمثل هذا يسمى معذور، الحالة الثالثة: أنه قادر على إظهار دينه -يسمح له أن يظهر دينه وإشعار دينه وفي نفس الوقت هو قادر على الهجرة- فنقول هذا يستحب له الهجرة ولا تجب عليه لأنه المقصود من الهجرة أن يهاجر إلى ديار الإسلام حتى يظهر دينه ويقيم شعائر دينه فإن كان قادراً على إظهارها وقادرا على الهجرة فمثل هذا يستحب له الهجرة.
    الهجرة كمصطلح شرعي هي من دار الكفر إلى دار الإسلام وهي غير مختصة بهذا بل كما قال الشوكاني -رحمه الله- تكون من كل دار استعلن فيها المنكر إلى دار أخرى لا يعلم فيها هذا المنكر، ممكن واحد في ديار الإسلام ولكن المنكر منتشر والفواحش ظاهرة وغير ذلك وفيه دار أخرى من ديار الإسلام المنكر فيها أقل والمعروف أصغر فهذا يستحب له الهجرة أو تجب عليه الهجرة من هذه الدار إلى دار أخرى، وفيه حالة يذكرها الشوكاني -رحمه الله- أيضاً أحيانًا ممكن نقول أن الشخص يكون يترجح مكوثه في هذه الدار -دار الكفر- على هجرته بمعنى أنه يكون في هذه الدار له مدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني مثلاً إنسان على علم أو ما شابه ذلك يستطيع أن يأمر وينهى ويعلم الناس الخير و.. و.. فمثل هذا نقول له إن مكثت هناك تدعو إلى الله تعالى هذا أفضل في حقك، هذه كلها أحكام الهجرة التي ذكرناها، تجب أو يكون الإنسان معذور أو يستحب في حقه وقلنا لو الإنسان له مدخل في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بحيث أن هو لو هاجر وترك البلد يختل هذا الأمر نقول لا مثل هذا يمكث ويدعو إلى الله تبارك وتعالى.
    إقامة الدين ليس الشعائر إقامة الدين كله ليس مجرد صيام وصلاة ويمشي ولا أحد يقول له .. يصوم ويصلي ويغض بصره ويجد قلبه ليس مجرد أن يقيم الشعائر ويعاني في الجوانب الأخرى، ممكن يكون عنده حرية الصلاة وحرية الصوم وحرية الانتقال وحرية الدعوة ولكن مثلاً القوانين التي هناك لا تعطيه السلطة الكافية أن يربي ابنه على الإسلام فطبعاً مثل هذا نقول له هذه الأحكام التي ذكرناها، فإقامة الدين هذا معنى كامل يشمل إقامة الدين بمعنى كامل على نفسه وعلى من ولاه الله تبارك وتعالى أمره، يبقى اليوم ذكرنا الصور من الموالاة المحرمة هذه الصور الثمانية الحب والنصرة، الحب والمودة، النصرة، الطاعة والمتابعة، القيام بالأمر والمعاونة والنصح، والتشبه والمداهنة على حساب الدين، وتولية الكافرين أمور المسلمين والسكنى في ديار الكافرين وتكثير سوادهم، سيتبقى صور أخرى ليست من الموالاة هي صور من الصور المعاملة الجائزة مع غير المسلم مثل البيع والشراء المؤاجرة ، ورد السلام والزواج من الكتابية هذه أمور أجازها الشرع.
    س: هل من البراء إظهار العداوة لهم كما قال تعالى: ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا﴾ [الممتحنة: 4] ما هي الصور لإظهار العداوة؟
    العداوة لهم تكون أولاً عداوة بالقلب بمعنى بغضهم وعدم محبتهم أما العداوة التي تظهر على الجوارح واللسان هذا يراعى فيها المصالح والمفاسد إنما الذي لا يخلو منه المسلم بحال هي بغض وكره الكافرين لابد أن يبغضهم ويكرهم إنما أن يصرح بالعداوة باللسان أو بالجوارح أو ما شابه ذلك لابد فيها من مراعاة المصالح والمفاسد بل أحيانًا يجب عليك إظهار خلاف ذلك مثلاً معاملة الجار غير المسلم يجب عليك معاملة الجار معاملة تليق به، لو فرضنا مثلاً أن أبيه أو أمه غير مسلم يظهر العداوة يبغضهم؟ لا يصاحبهم في الدنيا معروفاً مع وجود العداوة القلبية هي بمعنى البغض، فالمحبة والبغض لابد أن تكون في القلب أما الصور الأخرى من النصرة والمعاونة وهذه الأمور يراعى فيها المصالح والمفاسد ويراعى فيها حال هذا الشخص غير المسلم.
    أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.
    انتهى الدرس الرابع عشر أختكم أم محمد الظن
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: تفريغ فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لمعهد ابن تيمية تحت إشراف الشيخ أبي إسحاق الح

    http://www.islamup.com/download.php?id=140403
    من الدرس الاول للرابع عشر ماعدا الثالث عشر لم يفرغ لسوء المادة الصوتية
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •