تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 22

الموضوع: مغبة الافتراء على الله ورسوله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb مغبة الافتراء على الله ورسوله

    مغبة الافتراء على الله ورسوله
    المبحث اللغوي

    في مادة " فرا " (جذر) من معجم لسان العرب لابن منظور: ... الفِرْيةُ: الكذب. فَرَى كذباً فَرْياً وافْتَراه: اختلقه. ورجل فَرِيٌّ ومِفْرىً وإِنه لقَبِيح الفِرْية؛ عن اللحياني. الليث: يقال فَرَى فلان الكذب يَفْريه إذا اختلقه، والفِرْية من الكذب. وقال غيره: افْتَرَى الكذب يَفْترِيه اختلقه. وفي التنزيل العزيز:
    ﴿ أَم يقولون افْتَراه ؛ أَي اختلقه. وفَرَى فلان كذا إذا خلَقَه، وافتراه: اختلقه، والاسم الفِرْيَة. وفي الحديث: مِن أَفْرَى الفِرَى أَن يُرِيَ الرَّجلُ عَيْنَيْهِ ما لم تَرَيا؛ الفِرَى: جمع فِرْية وهي الكذبة، وأَفْرَى أَفعل منه للتفضيل أَي أَكْذَب الكذبات أَن يقول: رأَيت في النوم كذا وكذا، ولم يكن رأَى شيئاً، لأَنه كَذِبٌ على الله تعالى، فإِنه هو الذي يُرْسِل ملَك الرؤيا ليريه المنام. وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: فقد أَعظم الفِرْيةَ على الله أَي الكَذِب. وفي حديث بَيْعة النساء: ولا يأْتِين ببُهتانٍ يَفْتَرِينه؛ هو افتعال من الكذب... والفَرِيُّ: الأمر العظيم. وفي التنزيل العزيز في قصة مريم: ﴿ لقد جِئتِ شيئاً فَرِيّاً ؛ قال الفراء: الفَرِيُّ الأَمر العظيم أَي جئت شيئاً عظيماً، وقيل: جئت شيئاً فَرِيّاً أَي مصنوعاً مخْتلَقاً،...

    البحث الموضوعي في القرآن الكريم


    يطلعنا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (محمد فؤاد عبد الباقي) على 60 آية من القرآن الكريم وردت فيها مادة "فرا" بمختلف صيغها (موزعة على عدة سور): افترى، أفترى، افتراه، افتريته، افترينا، تفتروا، تفترون، تفتري، يفترون، يفتري، يفترينه، يفترى، افتراء، مفتري، مفتريات، مفتر، مفترون، مفترين، فريا.


    أقترح في هذا المبحث جمع تلك الآيات وتصنيفها تصنيفا موضوعيا وفرز بعضها لاستخلاص مبحث موضوعي تحت عنوان "مغبة الافتراء على الله ورسوله" وعلى الله أتوكل وأستمد كل العون ومنه التوفيق إن شاء الله... "يتبع" بإذن الله


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    من سورة آل عمران: الآيات 93-95

    ﴿ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} * { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ} * { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِين َ (آل عمران: 93-95)

    الشرح[1]
    : قال تعالى: { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَٰءِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } أي: كان حلاً لهم جميع الأطعمة قبل نزول التوراة، إلا ما حرمه إسرائيل، ثم قال تعالى: { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فإنها ناطقة بما قلناه ﴿فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُون أي: فمن كذب على الله، وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائماً، وأنه لم يبعث نبياً آخر يدعو إلى الله تعالى بالبراهين والحجج، بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرناه { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُون } ثم قال تعالى: { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ } أي: قل يا محمد: صدق الله فيما أخبر به، وفيما شرعه في القرآن، { فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِين َ } أي: اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها، ولا أبين ولا أوضح ولا أتم، كما قال تعالى:﴿ قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِين َ]الأنعام: [161 وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِين َ.
    [1] - تفسير ابن كثير



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    2) من سورة النساء: 49-50

    قال تعالى:
    ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} * {ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً(النساء: 49-50)

    قال الحسن وقتادة: نزلت هذه الآية، وهي قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } في اليهود والنصارى حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه. وقال ابن زيد: نزلت في قولهم:
    { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [البقرة: 111]، وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة، يؤمونهم، ويزعمون أنهم لا ذنب لهم، وكذا قال عكرمة وأبو مالك، وروى ذلك ابن جرير، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } وذلك أن اليهود قالوا: إن أبناءنا توفوا، وهم لنا قربة، وسيشفعون لنا ويزكوننا، فأنزل الله على محمد: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } الآية، رواه ابن جرير. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا ابن حمير عن ابن لهيعة، عن بشير بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم، ويقربون قربانهم، ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب، وكذبوا، قال الله: إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له، وأنزل الله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } ثم قال: وروي عن مجاهد وأبي مالك والسدي وعكرمة والضحاك، نحو ذلك، وقال الضحاك: قالوا: ليس لنا ذنوب كما ليس لأبنائنا ذنوب، فأنزل الله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } فيهم، وقيل: نزلت في ذم التمادح والتزكية، وقد جاء في الحديث الصحيح عند مسلم عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب، وفي الحديث الآخر المخرج في الصحيحين من طريق خالد الحذاء عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع رجلاً يثني على رجل، فقال: " ويحك قطعت عنق صاحبك " ، ثم قال: " إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا، ولا يزكي على الله أحداً " وقال الإمام أحمد: حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر بن الخطاب: من قال: أنا مؤمن، فهو كافر، ومن قال: هو عالم، فهو جاهل، ومن قال: هو في الجنة، فهو في النار. ورواه ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنه مؤمن، فهو كافر، ومن قال: هو عالم، فهو جاهل، ومن قال: إنه في الجنة، فهو في النار. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة وحجاج، أنبأنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن معبد الجهني، قال: كان معاوية قلما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكان قلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات؛ أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر، فمن يأخذه بحقه، يبارك له فيه، وإياكم والتمادح؛ فإنه الذبح " وروى ابن ماجه منه: " إياكم والتمادح؛ فإنه الذبح " عن أبي بكر بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة به، ومعبد هذا هو ابن عبد الله بن عويم البصري القدري. وقال ابن جرير: حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي، حدثنا أبي عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليغدو بدينه، ثم يرجع وما معه منه شيء، يلقى الرجل ليس يملك له نفعاً ولا ضراً، فيقول له: إنك والله كيت وكيت، فلعله أن يرجع ولم يَحْظَ من حاجته بشيء، وقد أسخط الله، ثم قرأ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } الآية، وسيأتي الكلام على ذلك مطولاً عند قوله تعالى: { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } ]النجم: [32 ، ولهذا قال تعالى: { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ } أي: المرجع في ذلك إلى الله عز وجل؛ لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها، ثم قال تعالى: { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي: ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: هو ما يكون في شق النواة. وعن ابن عباس أيضاً: هو ما فتلت بين أصابعك، وكلا القولين متقارب. وقوله: { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } أي: في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: } لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } ]البقرة: 111]، وقولهم: } لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَ أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ } ]آل عمران: 24] واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة، وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئاً في قوله: } تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم }
    ]البقرة: 134] الآية، ثم قال { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي: وكفى بصنيعهم هذا كذباً وافتراء ظاهراً.[1]


    [1] - من تفسير ابن كثير



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    3) من سورة المائدة: 103-104

    قال تعالى:} مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} * {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ{(المائدة: 103-104)

    وقوله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ، أي: ما شرع الله هذه الأشياء، ولا هي عنده قربة، ولكن المشركين افتروا ذلك، وجعلوه شرعاً لهم، وقربة يتقربون بها إليه، وليس ذلك بحاصل لهم، بل هو وبال عليهم. { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَآ } أي: إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك. قال الله تعالى: { أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً } أي: لا يفهمون حقاً، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟ لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلاً.[1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    4) من سورة الأنعام: 17-21

    قال تعالى:
    {وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} * {وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ} * {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} * {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ} (الأنعام: 17-21)

    يقول تعالى مخبراً: أنه مالك الضر والنفع، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدُيرٌ } كقوله تعالى:
    { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2]، وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ولهذا قال تعالى: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أي: وهو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه، وعظمته وعلوه، وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه، وتحت قهره وحكمه، { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } أي في جميع أفعاله { ٱلْخَبِيرُ } بمواضع الأشياء ومحالها، فلا يعطي إلا من يستحق، ولا يمنع إلا من يستحق، ثم قال: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } أي: من أعظم الأشياء شهادة؟ { قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي: هو العالم بما جئتكم به، وما أنتم قائلون لي، { وَأُوحِيَ إِلَىَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ لأنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } أي: وهو نذير لكل من بلغه، كقوله تعالى: { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ }
    [هود: 17] قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع وأبو أسامة، وأبو خالد، عن موسى ابن عبيدة، عن محمد بن كعب، في قوله: { وَمَن بَلَغَ } من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، زاد أبو خالد: وكلمه، ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر: عن محمد بن كعب، قال: من بلغه القرآن، فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة، في قوله تعالى: { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بلغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله " وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذي أنذر، وقوله: { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ } أيها المشركون أي { أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ } كقوله: { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } [الأنعام: 150] { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } ثم قال تعالى مخبراً عن أهل الكتاب: أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به، كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء، فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته، وبلده ومهاجره وصفة أمته، ولهذا قال بعده: { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } أي: خسروا كل الخسارة { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء، ونوهت به في قديم الزمان وحديثه ثم قال: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ } أي: لا أظلم ممن تقوَّل على الله، فادعى أن الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله، وحججه وبراهينه ودلالاته، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُون } أي لا يفلح هذا ولا هذا، لا المفتري ولا المكذب. [1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    5) من سورة الأنعام: الآية 93

    قال تعالى
    : }وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَة بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} * {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (الأنعام: 93)

    يقول تعالى: {
    وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله، فجعل له شركاء أو ولداً، أو ادعى أن الله أرسله إلى الناس ولم يرسله، ولهذا قال تعالى: { أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ } قال عكرمة وقتادة: نزلت في مسيلمة الكذاب { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي: ومن ادعى أنه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي؛ مما يفتريه من القول؛ كقوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَآ } [الأنفال: 31] الآية، قال الله تعالى: { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُون فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } أي: في سكراته، وغمراته، وكرباته، { وَٱلْمَلَـٰئِكَة ُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } أي: بالضرب، كقوله: { لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى } [المائدة: 28] الآية، وقوله: { وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم ْ بِٱلسُّوۤءِ } [الممتحنة:2] الآية، وقال الضحاك وأبو صالح: باسطو أيديهم، أي: بالعذاب؛ كقوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَ ُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُم } [الأنفال: 50] ولهذا قال: { وَٱلْمَلَـٰئِكَة ُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } أي: بالضرب لهم، حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم، ولهذا يقولون لهم: { أَخْرِجُوۤاْ أَنفُسَكُمُ } وذلك أن الكافر إذا احتضر، بشرته الملائكة بالعذاب، والنكال، والأغلال، والسلاسل، والجحيم، والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصي، وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة، حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: { أَخْرِجُوۤاْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } الآية، أي: اليوم تهانون غاية الإهانة؛ كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله. وقد وردت الأحاديث المتواترة في كيفية احتضار المؤمن والكافر عند الموت، وهي مقررة عند قوله تعالى: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ } [إبراهيم: 27] وقد ذكر ابن مردويه ههنا حديثاً مطولاً جداً من طريق غريبة، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعاً، فالله أعلم، وقوله: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي: يقال لهم يوم معادهم هذا؛ كما قال: { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الكهف: 48] أي: كما بدأناكم أعدناكم، وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه، فهذا يوم البعث، وقوله: { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } أي: من النعم والأموال التي اقتنيتموها في الدار الدنيا وراء ظهوركم، وثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ وما سوى ذلك فذاهب، وتاركه للناس "وقال الحسن البصري: يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بَذَخٌ، فيقول الله عز وجل: أين ما جمعت؟ فيقول: يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان، فيقول له: يا بن آدم أين ما قدمت لنفسك؟ فلا يراه قدم شيئاً، وتلا هذه الآية: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } الآية، رواه ابن أبي حاتم، وقوله: { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان، ظانين أنها تنفعهم في معاشهم ومعادهم، إن كان ثم معاد، فإذا كان يوم القيامة، تقطعت بهم الأسباب، وانزاح الضلال، وضل عنهم ما كانوا يفترون، ويناديهم الرب جل جلاله على رؤوس الخلائق: }أَيْنَ شُرَكَآئِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ { ]القصص: 74] وقيل لهم: }أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ { ]الشعراء: 92-93[ ولهذا قال ههنا: { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ} أي: في العبادة لهم، فيكم قسط في استحقاق العبادة لهم. ثم قال تعالى: { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قرىء بالرفع، أي: شملكم، وبالنصب، أي: لقد تقطع ما بينكم من الأسباب والوصلات والوسائل: { وَضَلَّ عَنكُم } أي: ذهب عنكم { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } من رجاء الأصنام والأنداد؛ كقوله تعالى: { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ حَسَرَٰتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ { ]البقرة: 166 - 167] وقال تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ {]المؤمنون: 101] وقال تعالى: { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ { ]العنكبوت: 25] وقال:
    {وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ { ]القصص: 64] الآية، وقال: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ { ]الأنعام: 22] إلى قوله: { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ{ ]الأنعام: 24] والآيات في هذا كثيرة جداً. [1]


    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    6) من سورة الأنعام: 143-144

    قال تعالى:
    } ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ} * {وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْن ِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْن ِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَافَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ{ (الأنعام: 143-144)

    الشرح
    : هذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام؛ فيما كانوا حرموا من الأنعام، وجعلوها أجزاء وأنواعاً: بحيرة وسائبة ووصيلة وحاماً، وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام والزروع والثمار، فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشاً، ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم، وهو بياض، وهو الضأن، وسواد، وهو المعز، ذكره وأنثاه، وإلى إبل؛ ذكورها وإناثها، وبقر كذلك، وأنه تعالى لم يحرم شيئاً من ذلك، ولا شيئاً من أولادها، بل كلها مخلوقة لبني آدم؛ أكلاً وركوباً وحمولة وحلباً، وغير ذلك من وجوه المنافع، كما قال: { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر: 6] الآية. وقوله تعالى: { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } رد عليهم في قولهم: { مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [الأنعام: 139] الآية. وقوله تعالى: { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي: أخبروني عن يقين، كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك؟ وقال العوفي عن ابن عباس: قوله: { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مِّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ } فهذه أربعة أزواج { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْن ِ } يقول: لم أحرم شيئاً من ذلك { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } يعني: هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فلم تحرمون بعضاً وتحلون بعضاً؟ { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يقول تعالى: كله حلال. وقوله تعالى: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله؛ من تحريم ما حرموه من ذلك، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: لا أحد أظلم منهم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِين } وأول من دخل في هذه الآية عمرو بن لحي ابن قمعة؛ لأنه أول من غير دين الأنبياء، وأول من سيب السوائب، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي؛ كما ثبت ذلك في الصحيح.[1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    7) من سورة الأعراف: 37

    قال تعالى:
    { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُ مْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} (الأعراف: 37)

    الشرح
    : يقول: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـآيَـٰتِهِ } أي: لا أحد أظلم ممن افترى الكذب على الله، أو كذب بآياته المنزلة { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } اختلف المفسرون في معناه، فقال العوفي عن ابن عباس: ينالهم ما كتب عليهم، وكتب لمن كذب على الله أن وجهه مسود، وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس يقول: نصيبهم من الأعمال؛ من عمل خيراً جزي به، ومن عمل شراً جزي به، وقال مجاهد: ما وعدوا به من خير وشر، وكذا قال قتادة والضحاك وغير واحد. واختاره ابن جرير. وقال محمد بن كعب القرظي: { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } قال: عمله ورزقه وعمره، وكذا قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهذا القول قوي في المعنى، والسياق يدل عليه، وهو قوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُ مْ } ونظير المعنى في هذه الآية كقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النحل: 116-117] وقوله: { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً } [لقمان: 23-24] الآية، وقوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُ مْ } الآية، يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم إلى النار { قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ} يقولون لهم: أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا، وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله، ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه { قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا } أي: ذهبوا عنا، فلا نرجو نفعهم ولا خيرهم { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي: أقروا واعترفوا على أنفسهم { أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ }. [1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    8) من سورة الأعراف: 152

    قال تعالى: {
    إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِين َ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } (الأعراف: 152)

    الشرح
    : أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضاً؛ كما تقدم في سورة البقرة: { فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [البقرة: 54] وأما الذلة، فأعقبهم ذلك ذلاً وصغاراً في الحياة الدنيا، وقوله: { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِين َ } نائلة لكل من افترى بدعة؛ فإن ذل البدعة ومخالفة الرشاد متصلة من قلبه على كتفيه؛ كما قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هم لجت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين. وهكذا روى أيوب السختياني عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الآية: { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِين َ } فقال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة، وقال سفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل، ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عباده من أي ذنب كان، حتى ولو كان من كفر أو شرك أونفاق أو شقاق، ولهذا عقب هذه القصة بقوله: { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ } أي: يا محمد يا رسول التوبة ونبي الرحمة { مِن بَعْدِهَا } أي: من بعد تلك الفعلة { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبان، حدثنا قتادة عن عزرة عن الحسن العرني عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أنه سئل عن ذلك، يعني: عن الرجل يزني بالمرأة، ثم يتزوجها، فتلا هذه الآية: { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } فتلاها عبد الله عشر مرات، فلم يأمرهم بها، ولم ينههم عنها. [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    9) من سورة يونس: 17

    قال تعالى:
    }فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُون َ{ (يونس:17)

    الشرح
    : يقول تعالى: لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إِجراماً { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } وتقول على الله، وزعم أن الله أرسله، ولم يكن كذلك، فليس أحد أكبر جرماً ولا أعظم ظلماً من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء، فإن من قال هذه المقالة صادقاً أو كاذباً، فلا بد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس، فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى وبين نصف الليل في حندس الظلماء، فمن شيم كل منهما وأفعاله وكلامه يستدل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة الكذاب وسَجاح والأسود العَنْسي.
    قال عبد الله بن سلام: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس، فكنت فيمن انجـفل، فلما رأيته، عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب، قال: فكان أول ما سمعته يقول: " يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " ولما قدم وفد ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه بني سعد بن بكر، قال لرسول الله فيما قال له: من رفع هذه السماء؟ قال: " الله " قال: ومن نصب هذه الجبال؟ قال: " الله " قال: ومن سطح هذه الأرض؟ قال: " الله " قال: فبالذي رفع السماء، ونصب هذه الجبال، وسطح هذه الأرض، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: " اللهم نعم " ثم سأله عن الصلاة والزكاة والحج والصيام، ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين، ويحلف له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقت، والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص، فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا، وقد أيقن بصدقه صلوات الله وسلامه عليه بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه. وقال حسان بن ثابت:
    لَوْ لَمْ تَكُنْ فيه آياتٌ مُبَيِّنَةٌ
    كانَتْ بَديهَتُهُ تأتيكَ بالخَبَرِ
    وأما مسيلمة، فمن شاهده من ذوي البصائر، علم أمره لا محالة بأقواله الركيكة التي ليست فصيحة، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة، وقرآنه الذي يخلد به في النار يوم الحسرة والفضيحة، وكم من فرق بين قوله تعالى: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } [البقرة: 255] إِلى آخرها.
    وبين قول مسيلمة قبحه الله ولعنه: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين. وقوله قبحه الله: لقد أنعم الله على الحبلى، إِذ أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى.
    وقوله خلده الله في نار جهنم، وقد فعل: الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، وقوله أبعده الله عن رحمته: والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، واللاقمات لقماً، إِهالة وسمناً، إِن قريشاً قوم يعتدون، إلى غير ذلك من الخرافات والهذيانات التي يأنف الصبيان أن يلفظوا بها إلا على وجه السخرية والاستهزاء، ولهذا أرغم الله أنفَه، وشرب يوم حديقة الموت حتفَه، ومزق شملَه. ولعنه صحبُه وأهلُه.
    وقدموا على الصديق تائبين، وجاؤوا في دين الله راغبين، فسألهم الصديق خليفة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنه أن يقرؤوا عليه شيئاً من قرآن مسيلمة لعنه الله، فسألوه أن يعفيهم من ذلك، فأبى عليهم إلا أن يقرؤوا شيئاً منه؛ ليسمعه من لم يسمعه من الناس، فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم، فقرؤوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه، فلما فرغوا، قال لهم الصديق رضي الله عنه: ويحكم أين كان يذهب بعقولكم؟ والله إن هذا لم يخرج من إِلَ
    .
    وذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة، وكان صديقاً له في الجاهلية، وكان عمرو لم يسلم بعد، فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو ماذا أنزل على صاحبكم؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدة، فقال: لقد سمعت أصحابه يقرؤون سورة عظيمة قصيرة، فقال: وما هي؟ فقال: { وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر:1-2] إِلى آخر السورة، ففكر مسيلمة ساعة، ثم قال: وأنا قد أنزل عليَّ مثله، فقال: وما هو؟ فقال: يا وَبْر يا وبر، إِنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر. كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إِنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب. فإذا كان هذا من مشرك في حال شركه لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه، وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه، فكيف بأولي البصائر والنهى، وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجا؟ ولهذا قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ }
    [الأنعام: 93] وقال في هذه الآية الكريمة: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُون َ } وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل، وقامت عليه الحجج، لا أحد أظلم منه؛ كما جاء في الحديث: " أعتى الناس على الله رجل قتل نبياً، أو قتله نبي." [1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    10) من سورة يونس: 59-60

    قال تعالى:
    }قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ} * {وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ{(يونس: 59-60)

    الشرح
    : قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم: نزلت إنكاراً على المشركين في ما كانوا يحللون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصايل؛ كقوله تعالى: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } [الأنعام: 136] الآيات، وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، سمعت أبا الأحوص - وهو عوف بن مالك بن نضلة - يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رث الهيئة، فقال: " هل لك مال؟ " قلت: نعم. قال: " من أي المال؟ " قال: قلت: من كل المال من الإِبل والرقيق والخيل والغنم، فقال: " إِذا آتاك الله مالاً فَلْيُرَ عليك - وقال: - هل تنتج إِبلك صحاحاً آذانها، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها، فتقول: هذه بحر، وتشق جلودها، وتقول هذه صرم، وتحرمها عليك وعلى أهلك " قال: نعم، قال: " فإن ما آتاك الله لك حل، ساعدُ الله أشدُّ من ساعدك، وموسى الله أحدّ من موساك " وذكر تمام الحديث. ثم رواه عن سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو عن عمه أبي الأحوص، وعن بهز بن أسد عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص به، وهذا حديث جيد قوي الإسناد، وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله، أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها، ولا دليل عليها، ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة فقال: { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي: ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة؟ وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } قال ابن جرير: في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا (قلت): ويحتمل أن يكون المراد: لذو فضل على الناس؛ فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا، ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } بل يحرمون ما أنعم الله به عليهم، ويضيقون على أنفسهم، فيجعلون بعضاً حلالاً، وبعضاً حراماً. وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم.
    وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا رباح: حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا موسى بن الصباح في قوله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } قال: إذا كان يوم القيامة، يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل، فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف، قال: فيؤتى برجل من الصنف الأول، فيقول: عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها، وما أعددت لأهل طاعتك فيها، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري شوقاً إليها - قال: - فيقول الله تعالى: عبدي إنما عملت للجنة هذه الجنة فادخلها، ومن فضلي عليك قد أعتقتك من النار، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي، فيدخل هو ومن معه الجنة - قال: - ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني، فيقول: عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا رب خلقت ناراً، وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفاً منها، فيقول: عبدي إنما عملت ذلك خوفاً من ناري، فإني قد أعتقتك من النار، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي، فيدخل هو ومن معه الجنة.ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث، فيقول: عبدي لماذا عملت؟ فيقول: رب حباً لك، وشوقاً إليك، وعزتك لقد أسهرت ليلي، وأظمأت نهاري شوقاً إليك، وحباً لك. فيقول تبارك وتعالى: عبدي إنما عملت حباً لي، وشوقاً إلي، فيتجلى له الرب جل جلاله، ويقول: ها أنا ذا، فانظر إليّ، ثم يقول: من فضلي عليك أن أعتقك من النار، وأبيحك جنتي، وأزيرك ملائكتي، وأسلم عليك بنفسي، فيدخل هو ومن معه الجنة. [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    11) من سورة يونس: 68-70

    قال تعالى:{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} * {قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} * {مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}(يونس: 68-70)

    الشرح: يقول تعالى منكراً على من ادعى أن له { وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } أي: تقدس عن ذلك، هو الغني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي: فكيف يكون له ولد مما خلق، وكل شيء مملوك له، عبد له؟ { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ } أي: ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } إنكار ووعيد أكيد وتهديد شديد؛ كقوله تعالى:{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً اِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً }[مريم:88-90] ثم توعد تعالى الكاذبين عليه المفترين؛ ممن زعم أن له ولداً بأنهم لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة، فأما في الدنيا، فإنهم إذا استدرجهم وأملى لهم متعهم قليلاً،{ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [لقمان: 24] كما قال تعالى ههنا: { مَتَـٰعٌ فِى ٱلدُّنْيَا } أي: مدة قريبة { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } أي: يوم القيامة { ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ } أي: الموجع المؤلم { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } أي: بسبب كفرهم وافترائهم، وكذبهم على الله فيما ادعوا من الإفك والزور.[1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    12) من سورة هود : 18-22

    قال تعالى:
    {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ} * {ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} * {أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} * {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} * {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ} (هود: 18-22)

    الشرح
    : يبين تعالى حال المفترين عليه، وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق؛ من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان؛ كما قال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان، أخبرنا همام، حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر، إذ عرض له رجل قال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعته يقول: " إن الله عز وجل يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم " ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فيقول: { ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِين } الآية، أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة به. وقوله: { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي: يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل، ويجنبونهم الجنة { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي: ويريدون أن يكون طريقهم عوجاً غير معتدلة { وَهُمْ بِٱلأَخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } أي: جاحدون بها، مكذبون بوقوعها وكونها { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } أي: بل كانوا تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } [إبراهيم: 42].
    وفي الصحيحين: " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ولهذا قال تعالى: { يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ } الآية، أي: يضاعف عليهم العذاب، وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم، بل كانوا صماً عن سماع الحق، عمياً عن اتباعه؛ كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله: { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىۤ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } [الملك: 10] وقال تعالى: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } [النحل: 88] الآية، ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه، وعلى كل نهي ارتكبوه، ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع؛ أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة. وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي: خسروا أنفسهم؛ لأنهم أدخلوا ناراً حامية، فهم معذبون فيها، لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين؛ كما قال تعالى: { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [الإسراء: 97] { وَضَلَّ عَنْهُمْ } أي: ذهب عنهم { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من دون الله من الأنداد والأصنام، فلم تجد عنهم شيئاً، بل ضرتهم كل الضرر؛ كما قال تعالى: { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } [الأحقاف: 6]. وقال تعالى: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم:81-82] وقال الخليل لقومه: { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [العنكبوت: 25] وقوله: { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ } [البقرة: 166] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم، ولهذا قال: { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى ٱلأَخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة؛ لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون. [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    13) من سورة النحل: 56-60

    قال تعالى:
    {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} * {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} * {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} * {يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} * {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} (النحل: 56-60)

    الشرح
    : يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم، وجعلوا للأوثان نصيباً مما رزقهم الله، فقالوا: { هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الأنعام: 136] أي: جعلوا لآلهتهم نصيباً مع الله، وفضلوها على جانبه، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه، وليقابلنهم عليه، وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم، فقال: { تَٱللَّهِ لَتُسْـئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، وجعلوها بنات الله، فعبدوها معه، فأخطؤوا خطأ كبيراً في كل مقام من هذه المقامات الثلاث، فنسبوا إليه تعالى أن له ولداً، ولا ولد له، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد، وهو البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، كما قال: { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [النجم:21-22].
    وقوله ههنا: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ سُبْحَانَهُ } أي: عن قولهم وإفكهم
    { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [الصافات:151-154]. وقوله: { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } أي: يختارون لأنفسهم الذكور، ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فإنه { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا } أي: كئيباً من الهم { وَهُوَ كَظِيمٌ } ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن، { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ } أي: يكره أن يراه الناس { مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ } أي: إن أبقاها، أبقاها مهانة، لا يورثها، ولا يعتني بها، ويفضل أولاده الذكور عليها { أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ } أي: يئدها، وهو أن يدفنها فيه حية؛ كما كانوا يصنعون في الجاهلية، أفمن يكرهونه هذه الكراهة، ويأنفون لأنفسهم عنه، يجعلونه لله؟ { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي: بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه؛ كقوله تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [الزخرف: 17]. وقوله ههنا: { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } أي: النقص إنما ينسب إليهم { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } أي الكمال المطلق من كل وجه، وهو منسوب إليه { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }. [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    14) من سورة النحل: 104-105

    قال تعالى:
    {إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} * {إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ}(النحل: 104-105)

    الشرح: يخبر تعالى أنه لا يهدي من أعرض عن ذكره، وتغافل عما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له قصد إلى الإيمان بما جاء من عند الله، فهذا الجنس من الناس لا يهديهم الله إلى الإيمان بآياته، وما أرسل به رسله في الدنيا، ولهم عذاب أليم موجع في الآخرة، ثم أخبر تعالى: أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذاب؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرار الخلق، { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس، وأبرهم وأكملهم علماً وعملاً، وإيماناً وإيقاناً، معروفاً بالصدق في قومه، لا يشك في ذلك أحد منهم، بحيث لا يدعى بينهم إلا بالأمين محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما قال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس، ويذهب فيكذب على الله عز وجل. [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    15) من سورة النحل: 114-117

    قال تعالى:
    {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} * {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} * {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} * {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النحل: 114-117)

    الشرح
    : يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال الطيب، وبشكره على ذلك، فإنه المنعم المتفضل به ابتداء، الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، ثم ذكر تعالى ما حرمه عليهم مما فيه مضرة لهم في دينهم ودنياهم؛ من الميتة والدم ولحم الخنزير { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي: ذبح على غير اسم الله، ومع هذا { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } إليه، أي: احتاج من غير بغي ولا عدوان، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وقد تقدم الكلام على مثل هذه الآية في سورة البقرة بما فيه كفاية عن إعادته، ولله الحمد.
    ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم؛ من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك؛ مما كان شرعاً لهم ابتدعوه في جاهليتهم، فقال: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئاً مما حرم الله، أو حرم شيئاً مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه، و(ما) في قوله: { لِمَا تَصِفُ } مصدرية، أي: ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم، ثم توعد على ذلك فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } أي: في الدنيا، ولا في الآخرة، أما في الدنيا، فمتاع قليل، وأما في الآخرة، فلهم عذاب أليم؛ كما قال: { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ }
    [لقمان: 24] وقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَـٰعٌ فِى ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [يونس:69-70]. [1]

    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    16) من سورة الكهف: 15-16

    قال تعالى: {هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً} * {وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوه مْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} (الكهف: 15-16)

    الشرح: قال تعالى:{ هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَـٰنٍ بَيِّنٍ } أي: هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلاً واضحاً صحيحاً { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } يقولون: بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك، فيقال: إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله، أبى عليهم، وتهددهم وتوعدهم، وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم، وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه، وكان هذا من لطف الله بهم، فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة، وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفاً على دينه، كما جاء في الحديث: " يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن " ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها؛ لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع، فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم، واختار الله تعالى لهم ذلك، وأخبر عنهم بذلك في قوله: { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوه مْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ } أي: وإذا فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله، ففارقوهم أيضاً بأبدانكم، { فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم { وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ } الذي أنتم فيه { مِّرْفَقًا } أي: أمراً ترتفقون به، فعند ذلك خرجوا هِراباً إلى الكهف، فأووا إليه، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم، وتطلبهم الملك، فيقال: إنه لم يظفر بهم، وعمى الله عليه خبرهم؛ كما فعل بنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق حين لجآ إلى غار ثور، وجاء المشركون من قريش في الطلب، فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه، وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال:" يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ "... [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    17) من سورة طه: 61

    قال تعالى: { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ { (طه: 60-61)

    الشرح
    : يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه لما تواعد هو وموسى عليه السلام إلى وقت ومكان معلومين، تولى، أي: شرع في جمع السحرة من مدائن مملكته، كل من ينسب إلى السحر في ذلك الزمان، وقد كان السحر فيهم كثيراً نافقاً جداً؛ كما قال تعالى: { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِى بِكُلِّ سَـٰحِرٍ عَلِيمٍ } [يونس: 79] ثم أتى: أي اجتمع الناس لميقات يوم معلوم، وهو يوم الزينة، وجلس فرعون على سرير مملكته، واصطف له أكابر دولته، ووقفت الرعايا يمنة ويسرة، وأقبل موسى عليه الصلاة والسلام متوكئاً على عصاه، ومعه أخوه هارون، ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفاً، وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم، ويتمنون عليه، وهو يعدهم ويمنيهم، يقولون: { أَئِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِين قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِي نَ } [الشعراء: 41 - 42] { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي: لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها، وأنها مخلوقة، وليست مخلوقة، فتكونون قد كذبتم على الله { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } أي: يهلككم بعقوبة هلاكاً لا بقية له { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ }. [1]
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    18) من سورة العنكبوت: 12-13

    قال تعالى:{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} * {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} (العنكبوت: 12-13)

    الشرح
    [1] : يقول تعالى مخبراً عن كفار قريش: أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتبعوا سبيلنا، { وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } أي: وآثامكم إن كانت لكم آثام في ذلك علينا وفي رقابنا؛ كما يقول القائل: افعل هذا، وخطيئتك في رقبتي، قال الله تعالى تكذيباً لهم: { وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مِّن شَىْءٍ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } أي: فيما قالوه: إنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم، فإنه لا يحمل أحد وزر أحد، قال الله تعالى: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [فاطر: 18] وقال تعالى: { وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُم ْ } [المعارج: 10 ــــ 11].
    وقوله تعالى: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة: أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم، وأوزاراً أخر بسبب ما أضلوا من الناس، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئاً؛ كما قال تعالى: { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل: 25] الآية، وفي الصحيح: " من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً " وفي الصحيح " ما قتلت نفس ظلماً، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل ".
    وقوله تعالى: { وَلَيُسْـأَلُنّ َ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي: يكذبون ويختلقون من البهتان، وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثاً فقال: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا عثمان بن حفص ابن أبي العالية، حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ ما أرسل به، ثم قال: " إياكم والظلم، فإن الله يعزم يوم القيامة فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم، ثم ينادي مناد فيقول: أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص الناس إليها أبصارهم، حتى يقوم بين يدي الرحمن عز وجل، ثم يأمر المنادي فينادي: من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان، فهلم، فيقبلون حتى يجتمعوا قياماً بين يدي الرحمن، فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي، فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول: خذوا لهم من حسناته، فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى منها حسنة، وقد بقي من أصحاب الظلامات، فيقول: اقضوا عن عبدي، فيقولون: لم يبق له حسنة، فيقول خذوا من سيئاتهم، فاحملوها عليه "
    ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية الكريمة: { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْـأَلُنّ َ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }. وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه: " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، وقد ظلم هذا، وأخذ من مال هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا لم تبق له حسنة، أخذ من سيئاتهم فطرح عليه " وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا أبو بشر الحذاء عن أبي حمزة الثمالي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتى عن كحل عينيه، وعن فتات الطينة بإصبعيه، فلا ألفينك تأتي يوم القيامة، وأحد أسعد بما آتاك الله منك ".
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: مغبة الافتراء على الله ورسوله

    19) من سورة العنكبوت: 67-69

    قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ} * {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} * {وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِين َ} (العنكبوت: 67-69)

    الشرح
    [1] : يقول تعالى ممتناً على قريش فيما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، ومن دخله كان آمناً فهم في أمن عظيم، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً، كما قال تعالى: { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش: 1 ــــ 4] وقوله تعالى: { أَفَبِٱلْبَـٰطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } أي أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد و { بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }
    [إبراهيم: 28] فكفروا بنبي الله وعبده ورسوله، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله، وأن لا يشركوا به، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره، فكذبوه وقاتلوه، وأخرجوه من بين ظهرهم، ولهذا سلبهم الله تعالى ما كان أنعم به عليهم، وقتل من قتل منهم ببدر، ثم صارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين، ففتح الله على رسوله مكة، وأرغم آنافهم وأذل رقابهم.

    ثم قال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ } أي لا احد أشد عقوبة ممن كذب على الله، فقال: إن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه، فالأول مفتر والثاني مكذب، ولهذا قال تعالى: { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـٰفِرِين }
    ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا } يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين { لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا } أي لنبصرنهم سبلنا، أي طرقنا في الدنيا والآخرة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد من أهل عكا في قول الله تعالى: { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِين َ } قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به أبا سليمان الداراني، فأعجبه وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به، وحمد الله حتى وافق ما في قلبه. وقوله { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِين َ } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن جعفر قاضي الري، حدثنا أبو جعفر الرازي عن المغيرة عن الشعبي قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، والله أعلم.
    [1] - تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •