من معالم النظرية النحوية عند ابن هشام

يقول ابن هشام في مغني اللبيب في باب الجهات التي يدخل منها الاعتراض على المعرب : " الجهة التاسعة : أن لا يتأمل عند وجود المشتبهات ، و لذلك أمثلة ، أحدها : نحو " زيد أحصى ذهنا " ، و " عمرو أحصى مالا " ، فإن الأول على أن أحصى اسم تفضيل ، و المنصوب تمييز مثل " حسن وجها " و الثاني على أن أحصى فعل ماض ، و المنصوب مفعول مثل ( و أحصى كل شئ عددا ) الجن : 28
ومن الوهم قول بعضهم في ( أحصى لما لبثوا أمدا ) الكهف : 12 إنه من الأول ، فإن الأمد ليس محصيا بل محص ، و شرط التمييز المنصوب بعد أفعل كونه فاعلا في المعنى كزيد أكثر مالا بخلاف " مال زيد أكثر مال ..... "
أشتمل نص ابن هشام السابق على جملتي ( زيد أحصى ذهنا ) و ( عمرو أحصى مالا ) و عدم تأمل المشتبهات بينها يدخل في الجهات التي يقع الاعتراض فيها على المعرب .
و في تحليله للاختلاف بينها أرجع كون الذهن فاعل الإحصاء بينما المال مفعول لما يحصى ، و يتطلب هذا تحويلا لنمط الجملتين السابقتين - في ذهن
المعرب - حتى يتبين له ما تشابه عليه ومن ثم تكون :
( زيد أحصى ذهنا ) = ( زيد أحصى ذهنه + ( مكمل التفضيل من السياق ) ،
و تكون : ( عمرو أحصى مالا ) = ( أحصى عمرو مالا ) .
كذلك لا يستقيم : ( أحصى زيد ذهنا ) و لا ( أحصى عمروا مالا ) ؛ لعدم استقامة المكونات الدلالية و ذلك تبعا لما ذكره ابن هشام : " فإن الأمد ليس محصيا بل محص ، و شرط التمييز المنصوب بعد أفعل كونه فاعلا في المعنى " .
و يمكن تحليل الجملتين السابقتين في ضوء التحويلية التوليدية ؛ فنرى مدى التقارب الشديد في المنهجية :
- ( زيد أحصى ذهنا ) = اسم + " اسم + صيغة " + اسم .
- ( عمرو أحصى مالا ) = اسم + مركب فعلي + اسم = اسم + " فعل + ضمير " + اسم .
و إنما يزيل إشكال المتشابه ( المكون الدلالي ) لانتقاء الفعل ؛ فالمثال الأول محول من ( زيد أحصى ذهنه + " مكمل التفضيل من السياق " ) ؛ فدلالة الإحصاء من خصائص الذهن .
وتطبيق نفس النمط على الجملة الثانية يجعلها من المحال فـ ( عمرو أحصى ماله + " مكمل التفضيل افتراضا " ) فدلالة الإحصاء ليست من خصائص المال ، و هو ما عبرعنه ابن هشام بقوله : " فإن الأمد ليس محصيا بل محص ، و شرط التمييز المنصوب بعد أفعل كونه فاعلا في المعنى " .
فالمركب الفعلي يقبله المكون الدلالي في الجملة الاولى في حين يكون من المحال في الجملة الثانية .
هذا و قد ذكر ابن هشام في شرح شذور الذهب في باب أنواع الفعل : " و الفعل إما ماض ، وهو ما يقبل تاء التأنيث الساكنة .... "
و المنهج السابق منهج عام في الفكر العربي و هو شديد الاقتراب بمنهج المدرسة البلومفليدية في الاستبدال و التوزيع للتصنيف و التحويل للبناء الجملي ؛ و يمكن إجراء المنهج ذاته لبيان المشتبهات ؛ فيمكن استبدال ( زيد ) بـ ( هند ) لأنهما من جنس الإسماء و بالتالي توزع ( تاء التأنيث ) على الفعل الماضي ، ثم يأتي دور المكون الدلالي و الذي أغفلته البنيوية السلوكية لبيان المستقيم من المحال في البناء الجملي .

و جملة الأمر ، فما ذكرته يعد خطوة أولى في درب طويل يمكن بالبحث المطول فيه تأكيد التكامل الوصفي لنظرية النحو العربي و لا سيما عند (ابن هشام العالم الجليل ) .