البناء التركيبي في أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم / بقلم محفوظ فرج إبراهيم


عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أكرمَ شابٌ شيخاً لسنِّه إلا قَيَّضَ اللهُ له من يكرِمُهُ في سِنِّه) رياض الصالحين 359 أخرجه الترمذي في الجامع 2022 والطبراني في الأوسط 5093 والبيهقي في الشعب 10993





هذا هو النفي عند الرسول صلى الله عليه وسلم يتحول في الغالب في أسلوبه إثباتا بالاستثناء .
والحديث يقع ضمن أسلوب الخبر وكانت اللغة فيه لها دور مؤثر ليس فقط في إيصال المعنى الذي هو على أبين ما يكون، ولكنها الدقة في اختيار المفردة المناسبة التي تترك البهاء، والجمال على مستوى الإيحاء والموسيقى في توالي المعاني المتداعية الأخرى .
وكما اشرنا أن الحديث الشريف نفي واستثناء توكيد بالقصر احتوى معنى ساميا أحاط به من خلال جملة واحدة فيها حصل العمل الحسن فيه فقوبل بمثله (ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض[1][1] الله له من يكرمه في سنه) وهو ما ينسجم في مضمونه مع جملة الشرط ( إذا أكرم شاب شيخا لسنه قيض الله له من يكرمه في سنه) ولكن أسلوب القصر أكثر توكيدا من الشرط .
ثم إن أسلوب الخبر الذي حدّث به صلى الله عليه وسلم قد تبدى الإنشاء بين مفرداته انه خبر خارج إلى الطلب يطلب فيه أو يأمر الشباب بإكرام الطاعنين في السن وذلك الأسلوب فيه من الرفق والسماحة والترغيب في العمل الصالح أفضل من الأمر المباشر .
أما ما يخص الخطاب النبوي الشريف فانه جاء دعوة للشباب كل الشباب من أي عرق وأية ديانة وملة لأنه الرحمة للعالمين.
إن ورود الخبر الخارج إلى الطلب كما أسلفنا هو جملتان فعليتان تفصل بينهما إلا في استثناء مفرغ وكل جملة جاء النظام فيها خاليا من العدول[2][2] عن التركيب فكلٌ وقع حسب رتبته .
الفعل (ما أكرم) والفاعل (شاب) والمفعول به( شيخا) ، لسنه جار ومجرور[3][3]
الفعل (قيض) والفاعل (الله) والمفعول به (من)
إن ذلك النظام المرتب حسب ما يقتضيه النظام يتوافق في دلالته مع فعل الشاب إذا أحسن في إكرام الشيخ سيترتب على ذلك ترتيب مشابه ليس فيه عدول فالشاب حين يصبح شيخا سيجازى بنفس الترتيب الذي عمل به. ووفق ذلك البناء التركيبي الذي لم يكن فيه عدول فالمستوى الصوتي المبثوث في نسيج الجملة مما نلاحظه من تكرار في المفردة والحرف (ما أكرم ، يكرمه) (شاب ، شيخا) ( لسنه ، في سنه) بهذه الموسيقى المنبعثة من تداعي الحروف في هذا الرقي الجلي له وقع محبب في النفس ويرقق القلوب إلى رعاية الشيوخ وتأنس له الذاكرة

محفوظ فرج / سامراء 1431هـ















[1][1] قيض الله تعالى فلانا لفلان أي جاء به وأتاحه له ومنه قوله تعالى ( وقيّضنا له قرناء) مختار الصحاح محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر 1369هـ 1950م ص585 وفي التنزيل : ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نُقَيّض له شيطانا ؛ قال الزجاج أي نسبب له شيطانا يجعل الله ذلك جزاءهُ وقال بعضهم لا يكون قيَّض إلا في الشر ،قال ابن بري : ليس ذلك بصحيح بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيَّض الله له من يكرمه عند سنه / لسان العرب 12: 235 وفي رياض الصالحين تعليق رضوان محمد رضوان أن قيَّض معناه : قدَّر

[2][2] العدول في اللغة بمعنى الميل والانصراف، فقد جاء في لسان العرب ( عدَلَ عن الشيء يعدِل عدْلاً وعدولاً : حاد وعن الطريق : جار وعدل إليه عدولا : رجع وماله مَعدِل ولا معدول أي مصرف ، وعدل الطريق :مال ، لسان العرب 10 : 63 وهذا المعنى اللغوي يظهر في المفهوم الذي أعطاه النقد المعاصر للعدول ، ذلك ان هناك شبه اتفاق على أن في العدول ميلا من صياغة الى أخرى ، فالعدول أو الانزياح كما يسميه النقد المعاصر من أكثر المفهومات بروزا في الخطاب النقدي المعاصر .
أما التعريف الاصطلاحي فهو ( مجاوزة السنن المألوف بين الناس في محاوراتهم ، وضروب معاملاتهم ، لتحقيق سمة جمالية في القول تمتع القارئ ، وتطرب السامع ، وبها يصير نصا أدبياً) وهذا التعريف يوسع دائرة العدول ليشمل كل صور الصياغة الأدبية فهو يشمل الوزن، والإيقاع الشعري، والملحمة ولكن الذي نقصده في العدول هو خاص بالبناء اللغوي والشكل الأسلوبي الذي يأتي 7عليه الكلام لذلك اقتصر البحث في الحديث على لغة النص فحسب وهو ما يتعلق بعلم المعاني في البلاغة العربية انه مخالفة الكلام لصياغته اللغوية الأصلية المفترضة لتحقيق قيمة جمالية أو دلالة بلاغية / ينظر مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها الجزء 19 العدد 40 ربيع الأول 1428 هـ العدول في البنية التركيبية قراءة في التراث البلاغي ، د. إبراهيم منصور التركي ص 549 وتنظر مجلة فصول المجلد 11 العدد 4 دراسة بعنوان : مقولة النوع وموقع الرواية في الدراسات الأدبية الحديثة ، محمد مشبال الهيئة المصرية للكتاب 1993 م ص 29

[3][3] ( لسنه ) اللام حرف جر ورد هنا يفيد التعليل أي لأجل سنه و (له من يكرمه ) اللام حرف جر للتمليك والاختصاص