}رثاءُ الشَّهيدِ البطلِ معتزِّ بنِ عبدِ الحميدِ الذيب{
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي اصطفى من شاء مِنْ خلقه لنيل الشهادة ، وجعل لهم جزاءً لذلك الحسنى وزيادة ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ صاحب ِالقيادة ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أصحابِ الفضْل والريادة.
وبعد
ألا فلتبك معتزَّ(1) البواكي ... على فقد الشهيد القلبُ باكي
ألا فلتبك معتزَّ البرايا ... على وطن ٍسليبٍ(2) ماتَ شاكي
ألا قد مُتَّ معـتزًا بدينٍ ... فكان لإسمكم وصفٌ محاكي *
عليك ستذرف العينان دمعًا ... وإن جفت مآقيَّ البواكي
على معتزَّ فلتبك البواكي ... على معتزَّ فلتحك الحواكي !
نعم! ستبكي عيني وحُقّ لها أن تبكي على بطل من الأبطال البواسل الذين ضحوا بدمائهم الزكية وأنفاسهم الطاهرة من أجل دين الله ثم من أجل تحرير البلاد من مغتصبيها الظلمة الكفرة ! .
ما أصعب فراقك يا معتز ، فقد كنت كبير القلب والعقل ، حنونا على إخوانك وبني عمك ، مرهف الحس ، دائم الحزن الذي تحاول أن تحفيَه إلا أنه يظل ظاهرا عليك وكأنك كنت تعدّ نفسك ليوم عظيم وشرفٍ كبير ، وقد وصلت إلى ذلك اليوم ونلت ذلك الشرف و وُسّمت وسامًا لعمري أنت به حقيق وله خليق؛ ألا وهو وسام الشهادة في سبيل الله ، وتضرجت بدمائك شهيدًا مسجىً على أرض ليبيا الطاهرة في عاصمتها الأبيّة .
مذ كنّا صغارًا كنت فارسا شجاعا وبطلا مغوارا ، وكنا نحتمى بك عند اشتداد الخطوب وكنت خير رجل وخير فارس ، ما أذكر أنك جبنت في يوم من الأيام أو تخاذلت في موقف من المواقف .
وفي يوم أن احتاجك الوطن ما تأخرت وما ترددت ، وما أحجمت ولا جمجمت ؛ بل جُدت بنفسك وروحك الطاهرة فداءً من أجل الله ودينك ووطنك ، شهدت معركة بنغازي في يوم سبتها المجيد(3) ، ودحرت مع فرسانها جحافل الطاغية العنيد ، وورددتموها على أعقابها خاسئة حاسرة ، ثم ما رضيت بذلك ، بل عدت لمدينتك الأصيلة التي فيها نشأت وعلى تربها ترعرت مدينة أجدابيّة ، والتحقت بكتائب الأبطال البواسل من بني عمك بشارع "اسطنبول*" ، وما قدرت جحافل الطاغية الاقتراب نحوكم لشدة بأسكم وعظيم صولكم ، ثم كونت سريةً مع إخوانك وانطلقتم لمدينة الصمود والبطولة مدينة مصراتة وخضتم فيها أشرس المعارك وأبنتم عن أشرف البطولات وأعظم الجولات حتى دحرتم جحافل الطاغية عنها ثم دخلت زليتن مع الداخلين وفتحتها مع الفاتحين ، ثم عدت إلينا بعد ثلاثة أشهر من الغياب لتطمئن على أحوالنا وتسأل عن حاجتنا ، وقد قلت لك لا تذهب وابق معنا فقلت لي : أريد أن أموت ، وكأنك كنت تحس بذلك وتُعدُّ له أيها الشهيد البطل ، وذهبت إلى طرابلُس العاصمة وحضرت فيها معركة التحرير وكنت من أول من دخل إلى باب العزيزية فدككته على الطاغية ومن معك دكا ودحرتموه عنه دحرا ، ثم جاء يوم العيد السعيد وخرجت لتؤمن المصلين ، وهم يصلون صلاةَ العيدِ آمنين مطمئنين ، فتناولتك أيدي الخسة والغدر وضُربت بقاذف مضاد للمدرعات ، وسقطت قتيلا شهيدا بإذن الله ، وعفَّرْت بدمائك الزكية وأنفاسك الطاهرة تراب الوطن ، لتكتب اسمك بحروف من ذوب التبر لا من الحبر في صفحات تاريخ الوطن .
رحمك الله يابن عمي ما أعظم مصابنا بك وما أشدّ فقدنا لك ، وكيف نجد قلبا حنونا مثل قلبك ، وفارسا بطلا شجاعا يمتلك شجاعتك ، ولكن يظل عزائنا أن نحتبسك شهيدا عند الله تشفع لنا عنده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ويظل عزائنا فيك أن نذكر مصابنا في نبينا وحبيب قلوبنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال أبو العتاهية رحمه الله ـ يعزي صاحبا له في فقد ابنه :
اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد
أو ما ترى أن الحوادث جمة ... وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة ... هذا سبيل لست فيه بأوحد
وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
نعم هذا المجال لسنا فيه بوحيدين ولا فريدين ، فكم من الشهداء قد فقدنا على تراب هذا الوطن ، إذا التفت يمينا وجدت باكيا أو شمالا وجدت شاكيا كما قالت الخنساء :
فلولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزى النفس عنه بالتأسي
يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل طلوع شمس
نسأل الله أن يرحم جميع شهدائنا الأبرار وأن يرزق أهلهم الصبر والسلوان ، وأن يجعل الجنة مثوى لهم والنعيم ملازما لهم في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
هامش :
1. هو معتزُّ، ابنُ عبد الحميد الذيب ، البطل الشهيد الذي قضى نحبه واستشهد في صبيحة يوم عيد الفطر المبارك في طرابلس الغرب الموافق 1 شوال 1432 من هجرة خير من وطئت قدماه الحصى .
2. سليب هنا بمعنى مسلوب ، وهي "فعيل" ضمنتها معنى "مفعول" ، كقولك : رجيم بمعنى مرجوم ، وكقولك : القذافي لعين بمعنى ملعون ، لعنه الله لعنا كبيرا ! .
3. هو يوم السبت الموافق 19/3 /2011 ، يوم أن اجتاح جيش ُ الطاغية الجرار مدينة بنغازي منشأ الثوار ، فرُدَّت على أعقابها تجر ذيول الخيبة والخسران والندامة والحرمان .
* همزة اسم همزة وصل إلا أني قطعتها ضرورة لاستقامة الوزن ومعنى هذا البيت أن أباه سماه المعتز بالله ، فطابق الاسم المسمى فمات معتزا بالله وفي الله ومن أجل الله ، وليس كمن كان اسمه فارس وهو رعديد ، أو اسمه حليم وهو جهول أو اسمه معمر وهو مدمر ! ، دمّر الله عليه الأرض وكساه الخزى يوم العرض ! .
* اسطنبول هي عاصمة تركيا وأصل اسمها "إسلام بول" أي : مدينة الإسلام ! .
وكتب ابنُ عمَّه وصاحبُ همَّه !
أبوبكر الذيب .