تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من مشاهد الصورة الفنية في أسلوب الحديث النبوي الشريف/ محفوظ فرج

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    40

    افتراضي من مشاهد الصورة الفنية في أسلوب الحديث النبوي الشريف/ محفوظ فرج

    من مشاهد الصورة الفنية في أسلوب الحديث النبوي الشريف/ بقلم محفوظ فرج إبراهيم


    ـــــــــــــــ




    عن أبي ذر رضي الله عنه


    قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم


    ( إني أرى ما لا ترون ، أطّتْ السماء وحُقّ لها أن تَئِط،


    ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى


    والله لو تعلمون ما أعلم


    لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا


    وما تلذذتم بالنساء على الفرش


    ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى )


    رواه الترمذي في الجامع وقال حديث حسن 2312


    ــــــــــــــ




    إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشاه، بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام مع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعاً، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم ( البيان والتبيين / الجاحظ )

    في الحديث الشريف صورة غيبية ليست محسوسة صوّرها النبي صلى الله عليه وسلم كما لو أن الذي يقرأ الصورة قد شاهدها معه حقيقة؛ لقد نقلها مجسدة تعج بالصوت، والحركة وإذا كانت الرؤيا في (زمن) ماضٍ فانه يمتد إلى جميع الأزمان.
    فالسماء (المكان) المترامي الأطراف قد استوعب الأزمان وهو مسرح الصورة.



    والصورة الفنية[1] الأولى تتحرك من خلال الأفعال ( أرى، ترون، أطّت، تأط) ولعل(واضعٌ، وساجداً) بين الثبات والتحول هما مركز الصورة التي وردت على صيغة اسم الفاعل[2] لكي لا يتحدد الزمن؛ ولذالك لم يقل (يضع، يسجد )أو(وضع ، سجد ).

    لقد افتتحت الرؤيا بالطباق[3] الذي يدلل من الناحية النفسية على انفعاله (صلى الله عليه وسلم) ، وقلقه على أمته.[4]
    وهذا الطباق السلبي قد أفضى إلى تراسل الحواس[5] المدهش. فأول ما رأى صوت الأطيط ( الرِحْلَ ،والقُتْبَ ) ذلك ما يدلل على توحد الحواس، واشتراكها في الرؤيا فلم يقل أسمع الأطيط، وأرى الملائكة.

    وهذا التراسل مما يساهم في تكثيف المشهد، وتزاحم الصورة، وتراكمها، وإبعادها عن الميوعة، والترهل.

    ثم لا تلبث أن تدخل إلى المشهد المترامي الذي لا تحده حدود إلا وهو محصور في مخيلتك ليتحول إلى حقيقة ( ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى ).
    فإذا كان الأطيط صوت رِحْلٍ على دابة في الأرض؛ وهي آية من آيات الله فإن أطيط السماء قد تحول إلى ملك استوعب الملائكة كلهم، وهم يضعون جباههم ساجدين لله تعالى.
    ويمكن للمخيلة أن ترى من خلال ( المفرد ) (الملك ) أعداداً لا تحصى من الملائكة الساجدين لله.

    ولو تساءلنا عما أطّرَ هذا المشهد، وحصره بهذا الشكل لوجدنا إن القصر، وهو توكيد بنفس الوقت ( ما و إلاّ ) فقد قصر (صلى الله عليه وسلم ) المكان (السماء) على الملائكة الساجدين .

    ولو تتبعنا الصورة من وجه آخر، وتعمقنا فيها، وكيف ترامت بهذا الشكل سنجد الألف، وهو حرف مد يفضي إلى امتدادها إيقاعاً، وتصوراً ( فيها ، أصابع ، واضع ، ساجدا ، تعالى ) ثم إن تكرار العين في المشهد ( وهي لم تدخل في كلام إلا وَحسنته ) لأنها أبعد مخرج فكأنها جاء ت لتساهم من طرف خفي في عمق الصورة (موضع، أربع، أصابع، واضع ).
    في المشهد الثاني المقابل للصورة الفنية الأولى تقدم عدم علم البشر على علمه (صلى الله عليه وسلم) في حين إنه (صلى الله عليه وسلم) قدم في المشهد الأول رؤياه على عدم رؤيتهم ( إني أرى مالا ترون) ( والله لو تعلمون ما أعلم ).
    فمن خلال المشهد الأول تبين علمه ( صلى الله عليه وسلم) ولابد أن يكون المشهد الثاني مركزاً على عدم علمهم؛ ولكن نفي العلم عنهم كان بواسطة الشرط المتضمن معنى النفي لأن عدم علمهم لم يعد غامضاً، ولهذا كان النفي تلميحاً دقيقا فكان ( لو تعلمون ) يقابل ( لا ترون )، وقد سبق ذلك بالتوكيد القسم ( والله ).

    إن ذلك القسم المتتالي في لامات التوكيد التي هي أجوبة الشرط المعطوفة أعمق من أرى إلى أعلم؛ وإذا كانت الصورة الأولى مدهشة فإن حذف المفعول به الذي كان خبراً في ( أطّت السماء ) تشير من خلال الرؤيا الأولى إن المفعول به سيكون أفظع هولاً، وإن حذفه أبلغ[6] من ذكره فوقْعُ الحذف في النفس سيترك السامع تتداعى لديه أفنان من العلم لا تحده حدود فيكون حذفه أوقع من ذكره .

    إن وقعه في الرؤيا التي حدثت في المشهد الأول يمكن أن تكون تمهيداً يبنى عليه علم ما لا يمكن ذكره من شدة رهبته التي ستكون نتيجته ضحك، وبكاء، وهجر النساء في الفرش على الرغم من أنه غريزة لدى الإنسان.

    المشهد الثاني هو التحول من مشهد( الرؤية ) إلى مشهد (العلم)، وقد تراكمت أساليب التوكيد لتلتحم بالصورة الأولى القسم (والله)، و( لام ) التوكيد تكررت ثلاث مرات، وما تراكم التوكيد إلا لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) يعلم أن الاقتناع بمثل هذه الصور المدهشة التي لا يطيقها بنو البشر تحتاج إلى ما يؤكدها لاسيما، وإن الدعوة الإسلامية ما زالت في بدايتها، ومثلما كان المشهد الأول قد تراكمت فيه الحركة والصوت؛ فإن الصورة الفنية الثانية قد تداعت فيها الأفعال لتصور سرعة التغير في الحركة، والانفعال ( تعلم، أعلم، ضحكتم، بكيتم، تلذذتم، خرجتم، تجأرون ).
    إنها صورة الأرض كلها تقابل صورة السماء كلها في المشهد الأول السماء ( ما فيها
    موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى ) أهـل الأرض حين يبلغهم العلـم ( يضحكون، يبكون، يتركون التلذذ بالنساء، يخرجون إلى الصعدات، يجأرون ).

    وهذه الصورة تتحقق بالمقابلة بين جملة( لضحكتم قليلاً ) وضدها ( لبكيتم كثيراً ) إن هذا التناقض بين الحالتين يبعث على القلق والتوتر.

    لعل انفعاله، وقلقه على حال أمته (صلى الله عليه وسلم) كان له أثره في إيصاله الصورة الحية الداعية إلى عبادة الواحد الأحد.

    إن اسم الموصول (ما) لم يبق مجهولا في المشهد الأول فقد اتضح في الخبر ( أطت السماء وحق لها أن تئط )، ولكنه في المشهد الثاني المقابل (ما أعلم) للأول ظل مجهولا، ولكن الخبر وصف لنا ( أثره في حال أهل الأرض )، والحذف الذي حصل له أثر كبير إذ يدع المتلقي يتفكر، ويتملى صوراً متعددة يرتفع أثرها إلى مستوى يكون الحال فيه الضحك والبكاء وهجر النساء والخروج إلى الطرقات واستغاثة البشر بصوت مرتفع إلى الله.

    إن وضوح الصورة وتناغمها الإيقاعي في التوازي الصرفي[7] (ضحكتم، بكيتم، خرجتم ) ( قليلا، كثيرا ) وتكرار (ما) أربع مرات كان يمثل انسجاما رائعا يمد الصور المتلاحقة وقعا نفسيا معبرا، وتنتهي الصورة بالصوت ( تجأرون ).

    فإذا كان صوت صورة السماء يبتدأ بالأط؛ فإن صورة الأرض ستنتهي بصوت عالٍ يستغيث.
    ولا بد لنا من أن نذكر البناء الذي اعتمد عليه ( صلى الله عليه وسلم) فارتفع بالصورة كلياً إلى هذا المستوى ببيانه النافد.
    محفوظ فرج /سامراء 1421هـ





    [1]الصورة الفنية وهي ما يستعمل عادة للدلالة على كل ماله صلة بالتعبير الحسي وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات / الصورة الفنية معيارا نقديا د . عبد الاله الصائغ ص 132 وينظر الصورة الادبية د. مصطفى ناصف ص 3
    [2]ان اسم الفاعل كما يقول يدل على الحدث والحدوث وفاعله / اسم الفاعل يدل على الحدث ويقصد به معنى المصدر وعلى الحدوث :أي التغير / معاني الأبنية في العربية د. فاضل صالح السامرائي ص46
    [3]الطباق هو الجمع بين الشيء وضده ينظر حسن التوسل الى صناعة الترسل الحبي شهاب الدين تحقيق أكرم عثمان
    يوسف ص199
    [4]ينظر الطباق دلالة نفسية في شعر المتنبي د . علي كمال / مجلة المورد العراقية
    المجلد /11 العدد 2 سنة 1982 م ص52
    [5]تراسل الحواس : هو وصف مدركات كل حاسة من الحواس بصفات مدركات الحاسة الاخرى . فتعطي المسموعات ألوانا وتصير المشمومات انغاما وتصبح المرئيات عاطرة / النقد الأدبي الحديث د. محمد غنيمي هلال ص419
    [6]قال عبد القاهر الجرجاني : وان اردت ان تزداد تبينا وجب اسقاط المفعول به لتتوفر العناية على اثبات الفعل لفاعله / ينظر دلاثل الاعجاز صححه وشرحة أحمد مصطفى المراغي المطبعة العربية ص 115
    [7]التوازن في الايقاع القولي العربي هو تعادل فقرات الكلام وجمله . أما التوازي فهو استمرار التوازن
    الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية د. مجيد عبد الحميد ناجي ص 59

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
    درس تطبيقي في تحليل النص/ من كتاب (من ملامح الصورة الفنية في الأحاديث النبوية)تأليف محفوظ فرج ابراهيم ،مطبعة النحلة، مجمع باب المعظم، بغداد، 2006م

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي رد: من مشاهد الصورة الفنية في أسلوب الحديث النبوي الشريف/ محفوظ فرج

    رااائع
    إلا أنَّ الحديث لا يصح
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •