بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، حمدًا كثيرًا طــيِّــــبًا مباركًا فيه ، أحمدهُ بجميع محامدهِ وأُثني عليه بما هو أهله سبحانهُ ، والصلاة والسلام على محمدٍ الأمين ، وآله وأصحابهِ وأتباعهِ إلى يومِ الدين ، وبعد :
قد جاء لفظ الجاهلية في مواضع كثيرة مِن القرآن والسنَّة ، وقد ذم الله الجاهلية والجاهليين ، وذمهم نبينا عليه الصلاة والسلام ، فالجاهلية ليست عقيدة أو دينًا يخرج بها الواقع فيها مِن الملة ، بل هي منهجٌ فاسدٌ ونظامٌ سقيمٌ ، قد جاء الإسلامُ لهدمهِ وإبطاله . ومِن الشواهد على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله عن أبي ذر رضي الله عنه أنَّه قال : إني ساببتُ رجلاً فعيَّرتهُ بأمِّه ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : "يا أبا ذر أعيَّرتهُ بأمِّه ؟ إنَّك امرؤٌ فيك جاهليَّة" .
فوجود خصلة مِن خصال الجاهلية في المسلم لا تعني خروجه عن الملة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : "أربعٌ مَن كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا ومَن كانت فيه خصلةٌ مِنهنَّ كانت فيه خصلة مِن النفاق" ، ولكن لاشكَّ أنَّ وجود خصلة مِن هذه الخصال قادحٌ في الإيمان ومِن موجبات حصول الإثم والخذلان .
ونحن قد تقدم بنا الزمان ، ودخلنا في عصرٍ جديد ، أنسى كثيرًا مِن الناس أصول دينهم ، فتغيرت أخلاقهم وطبائعهم ، وتــشــرَّبـــو ا بالجاهلية منهجًا ، أمَّا أداؤهم للعبادات فصار وكأنَّه أداءٌ لبعض الطقوس والشعائر التــقــلـــيــ ديَّـــة ، التي تَــعــوَّدوا على أدائها مِن غير خشوعٍ أو رهبانـــيَّـــة ٍ .
وأنا في هذا المقال أعرض أمورًا مِن الجاهليَّة التي ابتلي بها الناس في مجتمعنا هذا الذي نعيشُ فيه ، ولا تعجب مِن كلامي ، فإنَّ الجاهليَّة قد استفحلت فينا ونصبت خيامها ، ولم يجرؤ إلاَّ القليل على إنكارها ، نظرًا للأذى الحاصل مِن أولئك الشيوخ المتعصبين الذين هم أنفسهم يتصفون بالجاهليَّة ، فأفسدوا الناس ومنعوا غيرهم مِن الإصلاح ، وعارٌ عليهم انتحالُ المشيخة والافتخار بها كما لو كانوا أسياد الدنيا ، وهم أهل جاهليَّة في أخلاقهم وطبائعهم ومناهجهم .
وأنا في هذا المقال سأهجم على هــؤلاء الجاهلــيــين جميعًا هجمةً لا رحمةَ فــيـها ، وأُبيِّن الباطل الذي هم فيه ، فالأمر لا يحتمل الكتمان ، ولا ينبغي أن يُــحَابى في الحق أحدٌ .
وقد ذكرتُ في هذا المقال خصلةً مِن خصال الجاهلية ، وبيَّنتُ فسادها بالأدلة الشرعيَّة ، ثم ذكرتُ الأمثلة مِن واقعنا على هذه الخصلة التي وقع فــيــها هؤلاء الناس ، وبالله أستعين وهو حسبي .
فالخصلة التي يدور عليها هذا المقال هي : الفخر بالأنساب والتعصب الــقَــبَــلي :
فالفخر بالـــنَّـــسب والقبيلة مِن خصال الجاهليَّة ، وقد كان الجاهليون الأوائل مِن أشد الناس تفاخرًا بالأنساب ، وهذه الخصلة الذمــيـــمـــة محرمةٌ في شـــريعــتــنــ ا ، إذ يترتب على الفخر بالنَّسب احتقار الناس والتنزيل مِن مكانتهم ، فالذي يرى نفسه أنَّه أرفع مِن الناس حَسَبًا يرى أنَّه أعلى مِنهم مكانةً وأنَّهم أدنى مِنهُ .
وقد جاء الإسلام بنقض هذا الفخر وإبطالهِ ، وعدَّهُ مِن خصال الجاهلية ، فلم يعد إلاَّ ميزانٌ واحد في التفاضل ، فلا يحل لأحدٍ أن يَـــزنَ الناس بأيِّ ميزانٍ سوى ميزان الإسلام ، فمن عمل بخلاف هذا فقد عصى الله عزَّ وجل ، وتمرَّد على الشريعة وارتكب إثمًا عظيمًا .
أمَّا حقيقة الميزان الشرعي ، فقد بُـــيِّـــنَ في الكتاب والسنَّة ، ونُصَّ على أنَّه ميزانٌ لمقدار الدِّيَانة ، فبقدر ديانة المسلم وتقواه يُــقيَّم ويصنَّف ، والأدلة على ذلك كثيرة جدًا ، مِنها قولهُ تعالى : {يا أيها الناس إنَّا خلقناكم مِن ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات 13] . والشاهدُ قوله {إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم} .
قال الإمام ابن كثير رحمة الله عليه في تفسيرها : (فجميعُ الناسِ في الشرف بالنسبة الطـــيـــنـــي َّـــة إلى آدم وحوَّاء سَوَاءٌ ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينيَّة ، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم) .
ولتعلم أخي المسلم أنَّ عِلمَ النَّسَبِ ليس له فائدةٌ إلا ما استثناهُ الشارعُ الحكيمُ سبحانه وجعلهُ فائدة ، فنحنُ مُـــقـــيَّـــ دون بشرع الله في كل أمور حياتنا ، كما قال تعالى : {قُـــل إنَّ صلاتي ونُـــسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [سورة الأنعام 162] ، وهذه الأمور التي استثناها الشارعُ ثلاثةٌ ، ذكرهنَّ الإمام الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في الفتح نقلاً عن الإمام ابن حزم ، وهنَّ :
(1) أولاً : أن يعلم نَـــسَـــب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنَّهُ هاشميٌ .
(2) ثانيًا : أن يعلم أنَّ الخليفةَ مِن قريش ، أي : معرفةُ أنساب قريش ليتحقق شرطُ الخلافة .
(3) ثالثًا : أن يعرف أرحامهُ ومَن يتصل به ، ليتجنب الزواج ممن يحرم عليه منهم ، وليَصِلَ مَن تجب عليه صلتهُ وبِــــرُّهُ .
وما عدا هذه العلل فلا يعود بفائدةٍ في الدنيا أو الآخرة ..
فإن قال قائلٌ : فهل تَــعَلُّمُ النَّسَبِ لمجرَّد المعرفة حرام ؟ فنقول : ليس بمحرَّمٍ ولكنهُ مِن الفضول الذي لا قيمة له ، وليس في تَــعَــلُّمِهِ لمجرد المعرفة نفعٌ دنيويٌ أو أخرويٌ ، إنَّما يكون حينئذٍ علمٌ لا ينفع العلمُ به ولا يضر الجهل به .
أمَّا تعلم الــنَّـــسَـــ ب للمفاخرةِ ، فجاهليةٌ نَــتِــنَةٌ لا يقبلها الإسلام ، وقد وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : "لينتهينَّ قومٌ يــفخرون بآبائـــهم ، أو ليكونُــــنَّ أهـــونُ على الله مِن الجِعلان" ، والجِعلان : جمعُ جعل ، وهو حيوانٌ كالخنفساء .
وقد روى ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة : "يا أيها الناس إنَّ الله قد أذهب عنكم عُـــبِّـــــيّ َــةَ الجاهلية وتَــعَـــظُّمه ا بآبائها ، فالناس رجلان : رجلٌ بَـــرٌّ تـــقــيٌ كريمٌ على الله ، وفاجرٌ شقيٌ هيِّنٌ على الله" .
وقد وردت نصوصٌ كثيرة في النهي عن المفاخرة بالأحساب والأنساب ، وأنَّ ذلك اعتقادٌ جاهلي ، مِنها ما ذكرتُ آنفًا ، وأزيدُ عليها شيئًا يسيرًا :
* ما رواهُ مسلمٌ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أربعٌ في أمتي مِن أمر الجاهلـــيـــة لا يتركــونـــهـنّ َ : الفخر في الأحساب ، والطعنُ في الأنساب ، والاستسقاءُ بالنجوم والنياحة" .
* ومِنها ما رواه الإمام أحمد عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "انـــظــر ، فـــإنَّــــك لستَ بخيرٍ مِن أحمرَ ولا أسود ، إلاَّ أن تَـــفــضلهُ بـــتـــقوى" .
* ومِنها كذلك ما رواهُ ابن جرير الطبري رحمهُ الله تعالى ، بسندهِ إلى عقبة بن عامر قولُ النبي صلى الله عليه وسلم : "إنَّ مَسَابَّكم هذه ليست بمسابٍّ على أحد ، وإنَّما أنتم ولدُ آدم ، طفُّ الصاعِ لم تملئوه ، ليس لأحدٍ على أحدٍ فضلٌ إلاَّ بدينٍ أو عملٍ صالح ، حسبُ الرجل أن يكونَ فاحشًا بذيئًا بخيلاً جبانًا" .
* وروى الإمام أبو القاسم البغوي رحمه الله بسندٍ صحيح عن أُبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه ، أنَّه سمعَ رجلاً قال : يا آل فلان ، فقال له : أُعضُض بِـــهَنِ أبيكَ ، ولم يُكْنِ ، فقال له : يا أبا المنذر ما كنتَ فاحشًا ، فقال : إنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "مَن تــعـــزَّى بــعـــزاءِ الجاهلــــيَّــ ـة فأَعِـــضُّـــو هُ بِــهَنِ أبيه ولا تَكنوا" . قال الإمام البغوي في شرح هذا الحديث : (يريد أن يقول له : أُعضُض بأيرِ أبيك ، ليجاهرهُ بمثلِ هذا اللفظ الشنيع ، ردًّا لِــمَا أتى به مِن الانتماءِ إلى قبيلتهِ والافتخار بهم) .
وهذه الأحاديث فيها الكفايةُ لمن أراد الحق والمنهاج الصحيح .
أمَّا حال مجتمعنا مِن هذه الخصلة ، فهو المجتمعُ القبليُّ الجاهليُّ ولا كرامة ، ولسنا ممن يزيد الجرح أو يوسِّعهُ ، ولكننا نُــبَــصِّر الغافل ونوقض النائم مع شدةٍ مقصودةٍ في الخطاب ، والشدةُ مطلوبةٌ عند استفحال الداء وإعياء الدواء .
أَمَا وقد ذكرتُ هذا ، فسأذكر لك أمثلةً على هذه الجاهليَّة المذمومة في مجتمعنا هذا .
فمن ذلك ما يُـــرَبَّى عليه الصغير في كل بيت ، فـــيُــعلَّــم ُ أنَّ الناس قسمان : قــبـــيــلــــ يُّـــون وخضيريُّون ، ويُـــعــلَّـــ مُ أنَّ القـــبـــيـــل ي مَن أكرمهُ الله بالانتساب لقبيلةٍ فهو الشريف ، والخضيري مَن لا يـــنـــتـــســ ـبُ إلى قبيلة معروفة وأولئك مِن أدنى الناس مكانةً ، فيذهبُ الإبليس الصغيرُ إلى المدرسة فيبحث عن أولئك القوم فيُعيِّرهم .
ومِن أمثلة هذا النوع مِن الجاهلية ما سمعنا به مِن أمرِ أحد القضاة السفهاء الذي تبيَّن أنَّهُ قليل البضاعة في العلم ، أصدر حكمًا يقتضي طلاق امرأةٍ قبيليَّة مِن رجل لا ينتسبُ إلى قبيلةٍ معروفة ، بسبب شكوى تقدم بها قبيلة المرأة ، كما يزعمون ، وقد كان عقد النكاح صحيحًا لم تختل فيه شروط العقد الصحيح ، فبأي حق أصدر ذلك الحكم ؟ فإنَّ عدم الكفاءة في النسب ليس مِن موجبات فساد العقد ، ولا يحل له أن يفسد عقد النكاح بأمرٍ محرم ألا وهو التفاضل بالنسب ، أمَّا إن رفضت المرأة الرجلَ أو رفض وليها ، إما لنسبهِ أو لأي سبب آخر ، فذاك راجعٌ لـها وهو حقها في الاختيار ، لكن إن تم العقدُ بعد الوفاق فإنَّه لا يُفسخ بسبب عدم الكفاءة في النسب ، لأنَّ عدم الكفاءة في النسب ليس محرمًا وليس مِن مفسدات العقد ، بل اعتقاد التفاضل في النسب هو المحرم ، ولكنَّ ذلك القاضي الجاهل ومَن على منهجه إنَّما هم مِن أصحاب المصالح العـــقــلــــي َّــة التي تُــقَدَّم على شرع الله ، لا مَــتَّـــعــه الله بأيامه ، وتبًّا له ولأمثاله .
ومِن ذلك أيضًا ما نراهُ مِن احتقار للعمال الأعاجم الذين لا ينتسبون إلى هـــذا البــــلــــد بالوطـــنــــيّ َـــة ، فـــهـــؤلاء العمال عند كثيرٍ مِن الناس هنا كالحمير ، لا كرامةَ لهم ولا احترام ، وحقوقهم أكثر مِن أن نقول أنَّها مهضومة ، والكثيرُ مِن الناسِ هنا يَظنُّ أنَّهم بمنزلة العبيد ، فتراهم يُـخَاطِبون أولئك العمال بلهجةٍ عنيفةٍ غير لائقةٍ ، وإذا ناداهُ الرجل مِنَّا ناداهُ كما يُـــنَـــادَى العبد المملوك ، وأعرفُ شخصيًا بعضًا مِن هؤلاء العمال الأعاجم ، الذين ارتدوا عن الإسلام بسبب سوء المعاملة ، وأنا لا ألومهم فالحيفُ على الجبروت المغــفَّـل الذي تسبَّبَ في ردَّتهِ ، فإذا كان هذا هو حال العربي المسلم مع إخوانه الأعاجم ، فإنَّ دينهُ لا يصلح لهذا الوافد الأعجمي ، وابكِ وبالغ في البكاء إن علمتَ أنَّ هؤلاء المساكين مظلومون كذلك في أجورهم وحقوقهم ظلمًا كبيرًا ، فلا يأخذون أجرًا مناسبًا لعملهم ، ولا يأخذونهُ في وقته ، ولو سألنا مواطنًا مِن هذا البلد إن كان سيأخذ مثل أجر أولئك المساكين لرفض ، ولعدَّ ذلك إهانةً وظلمًا ، ومع ذلك فكثيرٌ مِن الخبثاء المتكبرين يحسدونهم على أعمالهم الجانبيَّة التي يعملونها في بعض أوقات الراحة ، تلك الأوقات التي يــســـتـــغـــ لونها لجمع مالٍ قليل إضافةً إلى أجـــورهم المنخـــفضة ، والحسدُ معصيةٌ بحدِّ ذاته ، فكيف إذا انضمَّ إلى الكبر والغرور والفخر المذموم ؟!
وما عرضتُ لك مِن شأنِ هؤلاء المساكين ، إنَّما هو غيضٌ مِن فيض ، وإذا عرفتَ هذا كله ، علمتَ أنَّه راجعٌ إلى العنصريَّة النَّـــتـــنــ ة ، فمن يرى أنَّه فوق الناس لحسبهِ أو أصلهِ أو انتمائهِ فهو جاهليٌ مغرورٌ ، أمَّا إذا اقترنَ ذلك الكبر والفخر بظلمٍ للناس وهضمٍ لحقوقهم فهذا مما يزيد الإثم ويُــعَــجِّل بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة .
وكثيرٌ مِن الناس هنا يحتقرون هؤلاء العمال الفقراء ، ولا يقيمون لهم وزنًا ، حتى إنَّهم يُــفرِّقون بينهم وبين المواطن العربي في السلام والمصافحة ، فترى أكثرهم لا يُــسلِّم على هؤلاء الضعفاء إذا مرَّ به ، ولا يخاطبه مخاطبة الأخ المسلم ، بل يخاطبونهم مخاطبة الأعلى للأدنى ، هذا إن اضطُرَّ إلى مخاطبته ، فإنَّ أكثرهم لا يخاطبهم إلا إذا احتاج إلى ذلك .
وإذا حصل مِن هؤلاء العمال الفقراء بعض الأخطاء ، فإنَّها تعظم في نفوس الناس ، وتقوم قيامتهم بسببها ، وتغلي رؤوسهم مِن أجلها ، ولا يهدأ لهم بال حتى يروا كل شيء يكون كما يرغبون ، مِن غير نقصٍ أو عيب ، أمَّا إذا حصل الخطأ مِن المواطن العربي فحينها نحن أهل الرحمة والسماحة والله أَمَرَ بذلك !
واحتقار الناسِ لضعفهم أو فقرهم مِن صفات الجاهليين الأوائل ، ومِن الشواهدِ على ذلك قوله تعالى : {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك مِن حسابهم مِن شيء وما مِن حسابك عليهم مِن شيء فتطردهم فتكون مِن الظالمين * وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عليهم مِن بيننا أليس الله بأعلم مِن الشاكرين} [سورة الأنعام 52-53] .
وقد روى الطبري في تفسيرها عن ابن مسعود ، قال : (مرَّ الملأُ مِن قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيبٌ وعمَّارٌ وبلالٌ وخبَّابٌ ، ونحوهم مِن ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد ، رضيتَ بهؤلاء مِن قومك ؟ أهؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم مِن بيننا ؟ أنحنُ نكون تبعًا لهؤلاء ؟ اطرُدْهُم عنك ، فلعلَّك إن طردتهم أن نتَّبعك ، فنزلت هذه الآية) .
فهذا هو حال أهل الجاهلية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الإسلام بهدم هذه الاعتقادات وإبطالها ، ودعى إلى محبة المؤمنين وموالاتهم جميعًا ، وأمر بإعانة المسلم وإكرامهِ والسلام عليه ، ونَـــقَــضَ التمييز وأبطله ، وكل هذه شرائع في ديننا قد غابت عن الناس تطبيقًا .
قال عليه الصلاة والسلام : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يُحبُّ لنفسه" رواه البخاري ومسلم ، وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام : "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ، ولا يَبِع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانًا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمهُ ولا يخذلهُ ولا يحقرهُ ، التقوى هاهنا – وأشار إلى صدره ثلاث مرات – بحسبِ امرئٍ مِن الشرِّ أن يحقر أخاهُ المسلم ، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ ، دمهُ ومالهُ وعرضه" رواه مسلم .
اللهم إنَّا نسألك الهدى والسداد ، فاهدنا وارحمنا ولا تعذبنا بما فعل السفهاء مِنَّا ، وصلى الله على نبينا محمد ،
كتبهُ : صالح الجبرين .
رابط المقال : http://albahethalsalafi.blogspot.com/2011/08/blog-post.html