التشخيص والتجسيد في أسلوب الحديث النبوي الشريف / بقلم محفوظ فرج إبراهيم
ـــــــــــــــ
قال الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)
(إياكم والحسد فان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) أخرجه أبو داود 4903 رياض الصالحين ص262
ـــــــــــــــ ـــــــــ
في هذا الحديث النبوي الشريف تحذير من الحسد، ونهيٌ عنه، وكان تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو أسلوبه المعروف في التكثيف، والاختصار مع الاحاطة بالمعنى من جميع جوانبه.
ولو تأملنا في الحديث الشريف برويه لوجدنا أن أول هذا التكثيف، والإيجاز في جملة (إياكم والحسد) كان الحذف من ملامح الدقة، والبلاغة إذ نرى في (إياكم) حذف الفعل، وفاعله وجوبا، وكذلك و( الحسد)، والتقدير أحذر إياكم وتجنبوا الحسد.
ولو لاحظنا طرفي التشبيه وجدنا المشبه المؤكد بان (إن الحسد يأكل الحسنات) ليوضح إن أكل الحسد للحسنات حقيقة ثابتة، ولذلك جاء جملة اسمية تدل على الثبات بدأت بالمسند إليه (الحسد)، وهي صورة مجازية (استعارة مكنية)[1] أعطى صفة الآكل للحسد، وهو معنى قد شخص[2] ،وبث الروح به فكان طعامه (الحسنات)، وهي معنى تجسد من خلال هذه الاستعارة.
ومثل ذلك كان المشبه به (تأكل النار الحطب) أعطى النار لازمة الأكل وهي من لوازم الإنسان والحيوان فكان طعامه الحطب فالمشبه به (تأكل النار الحطب) صورة فنية دقيقة لانه جملة فعلية متحركة متجددة تبدأ بالمسند الفعل (تأكل )؛ ومن خلالها نجد فعل الحسد ماثل أمام أعيننا صورة النار الملتهبة وهي تحتوي الحسنات التي هي كالحطب وقود لهذه النار التي تحولها إلى رماد تذروها الرياح.
ففعل الحاسد في المحسود هو كفعل النار، وهذه النار مرتدة على الحاسد لا محالة.
ثم لننظر إلى الصورة الفنية التي فيها المشبه وهو(الحسد) تمني زوال نعمة الغير معنى غير محس رأته أعيننا بصورة بصرية محسة (كما تأكل النار الحطب)، ثم لنتأمل في تداعي الحروف[3]، والأوتار الموسيقية المترابطة التي تسامت في أسلوبه صلى الله عليه وسلم، وعمقت حركة الصورة الفنية في الحديث.
فالكاف تكررت ثلاث مرات في (إياكم, يأكل, تأكل) والحاء تكررت أربعة مرات (الحسد، الحسد, الحسنات, الحطب) والنون تكررت ثلاث مرات (إن, الحسنات, النار)
محفوظ فرج / سامراء 1424هـ
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــ
[1]الاستعارة المكنية هي حذف لفظ المشبه به والرمز له بشيء من لوازمه وبقاء المشبه / علم البيان د. بدوي طبانة ص178
[2]التشخيص هو عملية نفسية صرف ووظيفته التأثير في نفس المتلقي وإثارة انفعاله المناسب عن طريق تشخيص المعاني المجردة في صور حسية يخيل للمتلقي أنها متحدة بها متمثلة فيها /الأسس النفسية لأسالب البلاغة العربية ص177
[3]تداعي الحروف هو تكرار حرف معين في بناء الجملة أو الجمل او العبارات ثلاث مرات او اكثر مما يعمق الموسيقى الداخلية ويساهم جرس الحرف في تجلي الصورة الفنية وتناسقها وانسجامها مع المعنى المراد
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــ
درس تطبيقي في تحليل النص من كتاب ملامح الصورة الفنية في الأحاديث النبوية تأليف محفوظ فرج إبراهيم / مطبعة النحلة، مجمع باب المعظم، بغداد 2006م