البنية النحوية والبلاغية في الحديث النبوي الشريف/ محفوظ فرج إبراهيم
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ



عن ابي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول ( لو يعلمُ الكافرُ بكلِّ الذي عند اللهِ من الرحمة لم يَيْأسْ من الجنة ولو يعلمُ المؤمنُ بكلِّ الذي عند اللهِ من العذاب لم يأمَنِ النار)[1] مختصر صحيح البخاري 470ـ 471 فتح الباري شرح صحيح البخاري رقم 6469 ج12 : 256



حديث نبوي شريف يحدث عن العلم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى الذي علمه لرسوله الكريم؛ وهو في كل ذلك جملتان شرطيتان لأداة غير جازمة فعل الشرط والجواب فيهما مقلوبان الى الماضي [2] والجملة الثانية معطوفة على الأولى والمقابلة في تلك الصورة المتضادة مقابلة مؤكدة لأن معنى المضي في دلالته أن الفعل مقطوع الوقوع، أو بعيد وقوعه[3]
لأن (إنْ) الشرطية قد يكون الفعل فيها غير محتمل الوقوع وغير مقطوع به وعلى الرغم من أن ( بكل ) لم تفد التوكيد لأنها أضيفت إلى ظاهر ولم تكن مضافة إلى ضمير لكنها على الرغم من ذلك في معناها توكيد في الحالتين وهو إحاطتها بالمعنى المراد . واستشكل هذا التركيب لكون كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت اذ ذاك لعموم الأجزاء لا لعموم الأفراد والغرض من سياق الحديث تعميم الأفراد[4].
والحديث الشريف بعد ذلك يجمع بين ظاهرتين هما التركيب والتوازي[5] ظاهرة التركيب التي تتوسل بأدوات تتركب من خلالها الجملة الواحدة بجملتين وتتكامل عناصرها لتعبر عن فكرة كما في الأداة ( لو ) التي تركب منها فعل الشرط وجوابه ومع ذلك لاحظنا توازن الجملتين في المقابلة التي عطفت فيها الجملة الثانية على الأولى لتتضح الصورة، وتتبين بواسطة واو العطف . وقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الكافر لان سعة الجنة تقتضي أن يطمع فيها كل أحد[6]
ومن خلال الحديث الشريف نستطيع أن نستشف مدى عناية الرسول صلى الله عليه وسلم في ما يسمى بالتوصيل للمتلقي وانه عقد مرماه في بلاغته على أن تحفظ كلامه الشريف صدور المتلقين في أبهى حلة وأسمى عبارة وأجل كلمة سواء أكان ذلك من حيث بناء الجملة في تركيبها في أن ترد شرطية فعل الشرط مضارع ( يعلم ) أو الجواب ( لم ييأس ) ، ( لم يأمن ) أو ذلك التناضر المتوازن الذي ان تلفظت فعل الشرط وجوابه فالجملة الثانية ستتضح دون كدِّ وتفكير حتى وإن لم يحفظها المتلقي لأنه يعلم إنها مقابلة ( المعنى وضده ) وذلك ما ينسجم مع ما كُلِّف به الرسول في انه رحمة للناس كافة؛ ولذلك لا بد أن يصل حديثه إلى الناس كافة
وعلى الرغم من ان المقابلة تقع ضمن علم البديع الذي يراد به تحسين الكلام وتزيينه، وفي ذلك تقع عنايته على الناحية الشكلية إلا ان هذه المقابلة الواردة في الحديث فضلا عن دورها البين في التناظر المتطابق من ناحية الشكل
فان التشاكل النحوي في تشابه الجملتين يؤدي وظيفتين مهمتين فيخدم البعد الإيقاعي بتكرار التركيب، وانتظامه من جانب، ويهدف من جانب آخر الى تبليغ رسالة ما لأن مثل ذلك التركيب ذو طابع جمالي تأثري فضلا عن طبيعته المعنوية والعلاقية ومن هذا لا يمكن أن تكون بنية التوازي بنية شكلية فقط[7] ان المتواليات الإيقاعية في الجملتين ساهمت كذلك في سمو الفكرة وتركت أثرا في الناحية النفسية لدى المتلقي في جرس اللفظة المفردة والعبارة لما له وقع في السمع يتوافق مع دلالة الحديث الشريف[8]


ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ــــ


[1] في صحيح مسلم ( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد ) صحيح مسلم بشرح النووي رقم 2755 ج 17 : 19

[2] شرح ابن عقيل 2/ 386

[3]والأصل في فرض المحالات كلمة (لو) دون ( إن) لأنها لما لا جزم لوقوعه ولا وقوعه والمحال مقطوع للاوقوعه كليات أبي البقاء /51 /

[4] فتح الباري شرح صحيح البخاري ج12 : 257

[5]التوازي لغة يقصد به المحاذاة أو المجاورة / ينظر مجلة دراسات ـ العلوم الإنسانية المجلد 22 أ العدد 5 سنة 1995م ، ظاهرة التوازي في قصيدة الخنساء موسى رباعية ص2030 / والموازاة : المقابلة والمواجهة والأصل فيه الهمزة يقال آزيته إذا حاذيته / لسان العرب ابن منظور 15/ 207/ وللتوازي اصطلاحا تعاريف كثيرة فقد عرف بانه عبارة عن تماثل قائم بين طرفين من السلسلة اللغوية نفسها وقد فسر ذلك بأن هذين الطرفين عبارة عن جملتين لهما البنية نفسها بحيث يكون بينهما علاقة متينة تقوم على أساس المشابهة أو على أساس التضاد / ينظر مجلة فكر ونقد السنة الثانية العدد 18 سنة 1999 م التوازي ولغة الشعر محمد كنوني ص 79 وينظر التوازي التركيبي في القرآن الكريم عبد خليف خضر عبيد الحياني كلية التربية جامعة الموصل/

[6] فتح الباري شرح صحيح البخاري ج12 : 256

[7] / ينظر علم الدلالة دراسة وتطبيق د. نور الهدى لورش منشورات جامعة قار يونس بنغازي الطبعة الأولى 1995 م ص 45 وينظر في ذلك النقد المنهجي عند العرب د. محمد مندور ص52

[8] ينظر الأسس النفسية في البلاغة العربية د. مجيد عبد الحميد ناجي ص 59

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ

من كتابي (في أسلوب الحديث النبوي الشريف) محفوظ فرج إبراهيم
وهو درس تطبيقي في تحليل النص الأدبي

سامراء 2010م






</I>