بسم الله الرحمن الرحيم:
قلت في (الإنباه على ضَعف حديث من طلب العلم لغير الله، ص:32)
(( الثانية: من طريق قتادة السدوسي:
أخرجها بَحْشَل في (تاريخ واسط،128) [1]، والرُّويَاني في (مسنده،2/384)، والدارقطني في (الأفراد)"الجامع الكبير،20/167"، ومن طريقه الضياء في (المختارة،7/72)، وأبو إسماعيل الهروي في (ذم الكلام،2/25)، عن محمد بن حرب الشيباني، والعقيلي في (الضعفاء،2 /495) عن الغلابي، والطبراني في (الأوسط،6/32)، والإسماعيلي في (معجم شيوخه،1/486)، وقوَّام السنة في (الترغيب والترهيب،3/102)،والضياء في (المختارة،7/71)، عن الحسن بن علي الحلواني، جميعهم عن سليمان بن زياد بن عبدالرحمن الثقفي، قال: ثنا شيبان أبو معاوية، عن قتادة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- به. قلت: سليمان بن زياد بن عبد الرحمن الثقفي ترجم له العقيلي في (الضعفاء،2/495)، وروى له هذا الحديث من طريق الغلابي الذي أملاه على يحيى بن معين، ثم قال الغلابي: "وذكرت ليحيى بن معين حديثين آخرين، من حديث الشيخ سليمان بن زياد، فقال: هذه الأحاديث بواطيل."
و قد قال الضياء المقدسي بعد روايته للحديث: " في إسناده من لم أعرف حاله ".
قلت:كأني به يعني سليمان بن زياد، وقد جزم الذهبي بجهالته في (الميزان،3/294)، وقال في (المغني ،1/437):" لا يعرف، و حديثه منكر، بل باطل "، - يقصد هذا الحديث الذي رواه عن شيبان- و وافقه ابن حجر في (اللسان،4/153) على الجزم بجهالته.
وهنا لي دَرْكٌ على هؤلاء الأئمة الأعلام، فقدفاتهم توثيق له، وهو:
توثيق لإمام من أئمة واسط، ومن جِلَّة حفاظها ونقادها، ذاك هو الإمام المشهور يزيد بن هارون الواسطي، فقد روى بحشل -بعد إيراده للحديث- في(تاريخه،129) عن يزيد بن هارون، أنه قال: " سليمان ثقة، وشيبان ثقة ".
قلت: وإن كان ثقة فهذا الحديث باطل كما قال ابنُ معين[2]، والظاهر أن هذا الشيخ قليل الحديث، و روايته لثلاث أحاديث بواطيل، تدل على قلة اعتنائه بهذا الشأن، وعدم تمرسه فيه، فأرى أن غاية ما يفيده توثيق الإمام يزيد بن هارون له، أنه من أهل الصدق و العدالة، لا من أهل الضبط و العناية، والله تعالى أعلم. قلت: وقد قال الدارقطني عن هذا الحديث، كما هو مبثوث في (المختارة،7/73)، و في (أطراف الأفراد و الغرائب،2/158): " غريب من حديث قتادة عن أنس، تفرد به شيبان بن عبد الرحمن عنه، ولم يروه عنه غير سليمان بن زياد الثقفي الواسطي."
و قال الطبراني -أيضا- بعد أن روى هذا الحديث: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا شيبان، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به سليمان بن زياد الواسطي".
قلت : قد تابعه سليمان بن داود الدمشقي، وهو:
ما أخرجه الحافظ ابنُ عساكر في ترجمته من (تاريخ دمشق22 /315) فقال: أنبأنا أبو الفضل أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن أحمد الصوري، حدثنا نصر بن إبراهيم الزاهد، أنا أبو القاسم عمر بن أحمد بن محمد الواسطي، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي، نا أبو علي الحسن بن علي الرافعي، نا عبد الله بن الحسين بن جابر البزار، ثنا محمد بن موسى القطان، نا سليمان بن داود الدمشقي، نا شيبان أبو معاوية، عن قتادة، عن أنس بن مالك به.
قلت : ولكن هذه المتابعة ساقطة لأجل عبدالله بن الحسين بن جابر البزار[3]، ،فقد قال عنه الحافظ ابن حبان: "..، يسرق الأخبار، ويقلبها لا يحتج بما انفرد به.."، ثم قال بعد أن ذكر بعض حديثين منكرين له: "كتبناها عنه[4] في نسخة أكثرها مقلوبة ". وقال عنه الحافظ أبوأحمد الحاكم : "منكر الحديث".
قلت: ولعل هذا السند مما عملته يداه، فرجع الحديث إلى سليمان بن زياد الواسطي، وصح ما قاله الحافظان الدارقطني و أبو القاسم الطبراني بأن سليمان تفرد به .
ثم قلت بعد تَسْطيرِ ما سَبَقَ إيرادُهُ: وقفت على ما يدل أن هذا السند من تلفيق عبدالله بن الحسين، و من نسج مُخيلته لا بورك فيه، فقد رُوِي الحديث من وجه آخر عن محمد بن موسى القطان على الجادة، وهو:
ما رواه البزار في (مسنده،13/487)، والحافظ الهروي في (ذم الكلام و أهله،2/25) عن إبراهيم بن يوسف الهِسِنْجاني كلاهما، عن محمد بن موسى القطان الواسطي، قال: حدثنا سليمان بن زياد الواسطي الثقفي، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية، عن قتادة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- به.
و قد أردف البزار روايته للحديث قائلا: "وهذا الحديث لاَ نعلمُه يُروَى عَن أَنَس إلاَّ بهذا الإسناد، ولاَ رَواه عن شيبان إلا سليمان بن زياد هذا.
وقد رَواه عنه غير واحد ، ولم يُتَابَع على هذه الرواية، فشيبان ثقة، وسليمان بن زياد قد روى عنه غير واحد من أهل العلم ، وَإن كان لم يتابع على هذا الحديث."
قلت: والحديث باطل كما قال الإمام يحيى بن معين، و سليمان بن داود الدمشقي[5] عَلَمٌ مُخْتَلَقٌ لا وجود له إلا في عَالَم عبد الله بن الحسين الوضَّاع - لحاه الله -، ومما سبق تدري أن حديث أنس -رضي الله عنه - ساقط لا يصلح للاعتبار، و الله المستعان.
[1] قلت : ورد السند في نسخة (تاريخ واسط)، مصحفا تصحيفا فاحشا ،وهو كالآتي: (ثنا محمد بن حرب الشيباني ثنا سليمان بن بداد بن عبد الرحمان الثقفي قال : ثنا سنان أبو معاوية عن قتادة عن أنس به) .
قلت: محمد بن حرب هو النشائي لا الشيباني ،ينظر (تقريب التهذيب،835).
وتم تقويمه -أي السند- و تصحيحه من باقي الكتب التي أخرجت الحديث ،كما أنني رجعت إلى كتب التراجم للاستعانة بها ، ومن الله تعالى نستجدي العون و التوفيق.
[2]قلت: الحكم على حديثٍ يرويه الثقة بالبطلان، لا ينافي صدقه و حفظه و ضبطه، فقد يُشَبَّهُ للثقة و يهم و يغلط، فهذا مما وقع لأئمة كبار مشهوري الحفظ و العدالة ،كالإمام مالك و ابن عيينة و يحيى القطان و غيرهم، فكيف بمثل سليمان هذا، و الذي لم يوثقه سوى يزيد بن هارون!، ولم تشتهر عدالته اشتهار أولئك الأكابر !.
[3]ترجم له ابن حبان في (المجروحين،2/10 ) ،و ابن عساكر في(تاريخ دمشق،27/402)،و الذهبي في (الميزان،4/82 ) ،و ابن حجر في (اللسان،4/445)،و في (4/456)،و (المغني في الضعفاء،1/530).
قلت: وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في موضعين من (لسانه)، فذكره في الموضع الأول منسوبا إلى جده ،وفي الثاني منسوبا إلى أبيه ،وقال لعلهما شخص واحد.
قلت: إذا أُمْعِن النظر في ترجمته من (المجروحين)، و من (سير أعلام النبلاء ،13/307)، يترجح أنهما شخص واحد، و الله تعالى أعلم.
[4]قلت: الضمير هنا لا يعود على عبد الله بن الحسين بل على شيخ ابن حبان أحمد بن مجاهد الذي روى من طريقه أحاديث عبد الله بن الحسين .
[5] قلت: قد ترجم له الحافظ ابن عساكر و لم يذكر عنه أو فيه شيئا سوى هذا الحديث الذي أورده من روايته ،وهو كما علمت عَلَمٌ لا حقيقة له.)).
ورقمه: نور الدين بن محمد الحميدي الإدريسي التسولي