وهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والمريض الذي لا يرجى برؤه، لما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ... وقال في الصوم: فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويصوم يوم عاشوراء فأنزل الله تعالى:" كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ـ إلى قوله ـ طعام مسكين". فمن شاء أن يصوم صام ومن شاء أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا أجزأه ذلك وهذا حول، فأنزل الله تعالى:" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ـ إلى ـ أيام أخر". فثبت الصيام على من شهد الشهر وعلى المسافر أن يقضي وثبت الاطعام للشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يستطيعان الصوم...الحديث". رواه أبو داود
وجاء عند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى:"وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين". قال ابن عباس: ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا.
وفي لفظ للنسائي بسند صحيح عنه:"لا يرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام أو مريض لا يشفى".الإرواء[912].
ومعنى يطيقونه: يتحملونه بمشقة. والله أعلم.
وجاء عند الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنه ـ أيضا ـ قوله في تفسير الآية المذكورة: هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع من حنطة".
وعن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه ضَعُفَ قبل موته فأفطر وأمر أهله أن يطعموا مكان كل يوم مسكينا . أخرجه الدارقطني بسند صحيح.
وأخرج من طريق أخرى عن أنس نحوه ولفظه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم".
فدلت هذه الآثار على أن الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى شفاؤه، يجوز لهم الإفطار في نهار رمضان، ويطعم كل واحد منهم عن كل يوم مسكينا للآية السابقة.
فائدة:ـ
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع:"أما كيفية الإطعام فله كيفيتان:
الأولى: أن يصنع طعاماً فيدعو إليه المساكين بحسب الأيام التي عليه، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعله لما كبر.
الثانية: أن يطعمهم طعاماً غير مطبوخ، لكن ينبغي في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو نحوه، حتى يتم قوله تعالى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ".
وأما وقت الإطعام فهو بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه، وإن شاء أخر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه.
وهل يقدم الإطعام قبل ذلك؟
الجواب لا يقدم؛ لأن تقديم الفدية كتقديم الصوم، فهل يجزئ أن تقدم الصوم في شعبان؟
الجواب: لا يجزئ".أهـ
مسألة:ـ
كم مقدار الإطعام على من وجب في حقه الإطعام؟
الجواب: اختلف العلماء في ذلك والراجح أنه لا يتقدر بل يطعم بما يُعَدّ إطعاماً، فلو أنه جمعهم وغداهم أو عشاهم أجزأ ذلك، وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه عندما كبر يجمع ثلاثين فقيراً ويطعمهم خبزاً وأدماً، وعلى هذا فإذا غدّى المساكين أو عشاهم كفاه ذلك عن الفدية.
لكن لا يطعم إلا عن الأيام التي قد مرت، وأما ما يستقبل فلا يطعم عنه إلا بعد مروره.
وإذا أعسر المريض الذي لا يرجى برؤه أو الكبير، فإنها تسقط عنهما الكفارة؛ لأنه لا واجب مع العجز، والإطعام هنا ليس له بدل. والله أعلم.
(التمام في بيان أحكام الصيام)