لنتعلَّم الاعتذار للصَّالحين في زلَّاتهم، والاعتذار لمن ينكِر عليهم:
محنة الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله!
* الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.. أمَّا بعد
* ههنا موقف يحتاج إلى كثير من التأمُّل وأخذ الدروس منه، للإمام سفيان بن عيينة ثم الذهبي رحمها الله، وقد يقع مثله في هذا الزمان، وسأكتفي بالإشارة ههنا؛ فإنَّها تغني عن العبارة ،وأسلم لي من المجادلة!
وقعت محنةٌ للإمام وكيع بن الجراح رحمه الله في حديثٍ حدَّث به، ففُهِم أنَّه يُنقِص من قدر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فثار الناس عليه، حتى أرادوا قتله وصلبه!
فتأمَّلوا موقف ابن عيينة ثم الذهبي رحمهما الله تعالى.
وسأختصر نقل القِصَّة وتعليق الذَّهبي وموقف ابن عيينة منها قدر الإمكان، ولكم الوقوف على تفصيله في موضعه.
* قال رحمه الله في سير أعلام النبلاء (9/ 159-163): «مِحْنة وكيعٍ: وهي غريبةٌ! تورَّط فيها، ولم يرد إلَّا خيرًا، ولكن فاتته سكتةٌ..
قال علي بن خشرم: حدَّثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله البهي: أنَّ أبا بكر الصدِّيق أنَّ أبا بكر الصدِّيق جاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم بعد وفاته، فأكبَّ عليه فقبَّله، وقال: بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك.
ثم قال البَهِي: وكان تُرِك يومًا وليلةً، حتى رَبَا بطنُه، وانْثَنَت خنْصِراهُ.
قال ابن خشرم: فلمَّا حدَّث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش وأرادوا صلب وكيعٍ، ونصبوا خشبةً لصَلْبِه!
فجاء سفيان بن عيينة فقال لهم: الله.. الله! هذا فقيه أهل العراق، وابن فقيهه، وهذا حديثٌ معروفٌ.
قال سفيان: ولم أكن سمعته إلَّا أنِّي أردتُ تخليص وكيع!
قال علي بن خشرم: سمعتُ الحديث من وكيعٍ بعدما أرادوا صَلْبَه، فتعجَّبت من جسارته!
وأُخبِرتُ أنَّ وكيعًا احتجَّ فقال: إنَّ عدَّة من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ منهم عمر ـ قالوا: لم يمت رسول الله! فأراد الله أن يريهم آية الموت.
فهذه زلَّة عالم، فما لوكيعٍ ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد! كادت نفسُه أن تذهب غَلَطًا!
والقائمون عليه معذورون، بل مأجورون؛ فإنَّهم تخيَّلوا من إشاعة هذا الخبر المردود غضًا ما لمنصب النبوَّة.
وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، ولكن إذا تأمَّلْتَه فلا بأس إن شاء الله بذلك؛ فإنَّ الحيَّ قد يربوا جَوْفُه، وتسترخي مفاصِلُه، وذلك تفرُّعٌ من الأمراض..
[قال الذَّهبي:] وما عنَّف النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الصَّحابة رضي الله عنهم لمَّا قالوا له بلا علم: وكيف تُعْرَض صلاتُنا عليك وقد أرِمْتَ؟ يعني: قد بَلِيْتَ.
فقال: «إنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».
* [قال الذهبي رحمه الله:] وهذا بحثٌ معترضٌ في الاعتذار عن إمام من أئمَّة المسلمين.
وقد قام في الدَّفع عنه مثل إمام الحجاز سفيان بن عيينة.
ولولا أنَّ هذه الواقعة في عِدَّة كتب، وفي مثل تاريخ الحافظ ابن عساكر، وفي كامل الحافظ ابن عديٍّ لأعرضت عنها جملةً.. ففيها عبرةٌ!».
قال ناقله: انتهى المقصود مختصرًا.
والحمدلله رب العالمين.