بسم الله الرحمن الرحيم :
قال القاضي المحاملي في كتاب (صلاة العيدين، ص : 121) :
(( 51 - ثناه عبد الملك بن محمد، قال: ثنا الحجَّاج بن المنهال، قال: ثنا عُقْبة بن أبي الصَّهْباء، قال: حدثني أبو محمد النَّهْدي، عن شيخ من أهل الكوفة: ( أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خرج في يوم عيد، فإذا الناس يصلون قبل خروج الإمام )، فقال له رجل: ( ألا تنهى هؤلاء عن الصلاة ؟)، فقال: إذا أكون كما قال الله - عز وجل - : { الذي ينهى عبدا إذا صلى }، و لكن نحدثهم بما شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج فلم يصل قبلها و لا بعدها ).[1]
___________________________
[1] [ضعيف]
أخرجه من وجه آخر إسحاق بن راهُويَه في (مسنده) "المطالب العالية،5/130"، فقال : أخبرنا المعتمر بن سليمان، أنبأني قُرة بن أبي الصهباء، عن العلاء بن بدر، قال : خرج علي - رضي الله عنه - فذكره.
قلت : هاته الرواية تخالف رواية المؤلف في اسم الراوي عن العلاء أبي محمد النهدي، فقد ورد في إسناد المؤلف أن اسمه " عقبة "، بينما عند ابن راهويه أن اسمه " قرة "، كما خالفت رواية المؤلف في إسقاط الواسطة المجهولة بين أبي العلاء وعلي رضي الله عنه، وبالرجوع إلى كتب الرجال والتراجم، يتبين أن قُرَّة بن أبي الصهباء لم يُعرف إلا بهذا الإسناد، وليُنظَر مثلا (التاريخ الكبير،7/182)، و(الجرح والتعديل،7/130)، و(المغني في الضعفاء،2/217)، وفيها التنصيص على جهالته، وهذا مما يجعلنا نُرجِّح أن اسم "عقبة " تصحَّف على المعتمر بن سليمان إلى " قرة ".
وأما المعتمر بن سليمان التَّيْمي فله ترجمة في (تهذيب التهذيب،10/204)، وهو ثقة، إلا أن يحيى بن سعيد القطان قال : " إذا حدثكم المعتمر بشيء، فاعرضوه فإنه سيء الحفظ "، وقال ابنُ خِِِراش : " صدوق يخطئ من حفظه، وإذا حدث من كتابه فهو ثقة ".
وقد قال ابن مهدي كما في (الكامل،1/110) : " أربعة أمرهم في الحديث واحد: جرير، والثقفي، ومعتمر، وعبد الأعلى، يحدثون من كتب الناس ولا يحفظون ".
قلت : وقد ذكر عنه سفيان الثوري ما يدل على عدم علمه بأحوال الرجال والتفريق بينهم، إذ قال ليحيى القطان : " يا يحيى كان عندي ابن التيمي، فحدثته فما كان يفرق بين منصور وليث، هو رجل صالح "، نقلا عن (العلل،3/229) للإمام أحمد.
وقد ذكر الإمام أحمد في (العلل،3/266) أن المعتمر يعتمد على كتب غيره كما قال ابن مهدي، ثم قال : " ولم يكن معتمر بٍجيد الحِفظ".
قلت : فبهذا أكاد أجزم أن اسم "قرة " تصحيف لـ"عقبة"، تسبَّب فيه إحدى الكتب التي اعتمدها المعتمر، وهي ليست له، أو بسبب روايته لهذا الحديث من حفظه المهترئ، ورواية الحجاج بن المنهال أصح وأمتن، وقد وقفتُ - بعد هذا الكلام الذي حررته - على ما يدل على عدم حفظ المعتمر لهذا الحديث، وهو :
ما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه،2/272)، فقال : عن ابن التيمي (أي المعتمر)، عن شيخ من أهل البصرة، قال: سمعت العلاء بن زيد، يقول : خرج علي يوم عيد، فوجد الناس يصلون قبل خروجه، فقيل له: لو نهيتهم ؟، فقال : (ما أنا بالذي أنهى عبدا إن صلاها، ولكن سأخبركم بما شهدنا، أو قال بما حضرنا ).
قلت : وهذا اضطراب من المعتمر بن سليمان يُسْقِط روايته لهذا الحديث جملة، وقد رُوي بقريب من هذا لفظ من وجه آخر، وهو :
ما أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه،3/276)عن الحسن بن عُمارة، عن المنهال بن عمرو، عن رجل قد سماه، قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - فذكر نحوه.
قلت : هذا إسناد واهٍ آفته الحسن بن عُمارة البَجَلي، وهو متهم متروك، وتُنظر ترجمته في (تهذيب التهذيب،2/263)، والحديث بشتى طرقه ضعيف لجهالة الراوي عن علي رضي الله عنه، وقد ورد عن علي - رضي الله عنه - من طريق آخر مُطَوَّلا، وهو :
ما أخرجه البزار في (مسنده،2/129)، فقال : ثنا إبرهيم بن سعيد الجوهري، قال: نا إبراهيم بن محمد بن النعمان الجعفي أبو إسحاق، قال : سمعت الربيع بن سعيد الجعفي، قال: نا الوليد بن سريع، مولى عمرو بن حريث، قال : خرجنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فذكره بطوله.
قلت : عمرو بن حريث سقط من إسناد مطبوعة " مسند البزار "، وكذلك سقط من مطبوعة " كشف الأستار عن زوائد البزار،1/313 " للهيثمي، وإثباته في السند أمر لا مفرَّ منه، إذ أن البزار تَرْجَمَ لمروياته عن علي، ومما يدلُّ على إثباته في السند قول البزار بعد إيراده لهذا الحديث : " وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عمرو بن حُريث، إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلمه يروى عن علي إلا من هذا الوجه متصلا ".
وقال نور الدين الهيثمي في (مجمع الزوائد،2/438) : " فيه من لم أعرفه ".
قلت : لعله يقصد إبراهيم بن محمد بن النعمان الجُعفي، فإنني لم أقف له على ترجمة، إلا أن الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد،6/489) ترجم لإبراهيم بن أحمد بن النعمان أبي إسحاق الأزدي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وعلى كل حال، فهو إسناد ضعيف لجهالة إبراهيم الجُعفي.
تنبيه : هذا الأثر يرويه المحاملي من وجهين، هذا ثانيهما، والكتاب من تحقيق وتخريج أخيكم.
وقيده ببنانه : نور الدين بن محمد الحميدي الإدريسي البيضاوي.