تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 6 من 6 الأولىالأولى 123456
النتائج 101 إلى 109 من 109

الموضوع: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

  1. #101

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    تصحيح للنقل الأخير من الفتاوى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    وقال في مجموع الفتاوى أيضا (10/ 290-292) :
    وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة ؛ فإن " النبي " هو المنبأ عن الله
    و " الرسول " هو الذي أرسله الله تعالى وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة
    فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين . ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته ؟
    هذا فيه قولان .
    والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك .
    والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله [ تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ]
    وقالوا : إن هذا لم يثبت ..
    ومن علم أنه ثبت ، قال : هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا .
    وقالوا في قوله : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) هو حديث النفس .
    وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا :
    هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه ، والقرآن يدل عليه بقوله :
    ( وَمَ اأَرْسَلْنا مِن ْقَبْلِك َمِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّإ ِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *
    لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ *
    وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .
    فقالوا الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث ، والقرآن يوافق ذلك فإن نسخ الله لما يلقي الشيطان وإحكامه آياته إنما يكون لرفع ما وقع في آياته وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها . وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ .
    وهذا النوع أدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده عن الهوى من ذلك النوع فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك كان أدل على اعتماده للصدق وقوله الحق وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ؟
    فبيان الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب وهذا هو المقصود بالرسالة فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم تسليما ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب . اهـ

  2. #102

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    وقول الإمام الشنقيطي في دفع إيهام الإضطراب :
    وهذه الآية لا تعارض بينها وبين الآيات المصرحة بأن الشيطان لا سلطان له على عباد الله المؤمنين المتوكلين , ومعلوم أن خيارهم الأنبياء كقوله تعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ , إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ )
    وقوله تعالى ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ )
    وقوله ( فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُم ْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )
    وقوله ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي )
    ووجه كون الآيات لا تعارض بينها :
    أن سلطان الشيطان المنفي عن المؤمنين المتوكلين في معناه وجهان للعلماء :
    الأول : أن معنى السلطان الحجة الواضحة, وعليه فلا إشكال إذ لا حجة مع الشيطان البتة كما اعترف به فيما ذكر الله عنه في قوله ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي )
    الثاني : أن معناه أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه , فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء وغيرهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة منه, فإلقاء الشيطان في أمنية النبي سواء فسرناها بالقراءة أو التمني لإيمان أمته لا يتضمن سلطانا للشيطان على النبي بل هو من جنس الوسوسة وإلقاء الشبه لصد الناس عن الحق كقوله ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) الآية . اهـ

    فأقر رحمه الله أنه لا خلاف بين الآية موضوع البحث وبين الآيات التي تنفي سلطان الشيطان ..
    لكنه رحمه الله اختار أن إلقاء الشيطان في أمنية النبي ، من جنس الوسوسة وإلقاء الشبه لصد الناس عن الحق !!

    وهذا يقوله هروبا من القول بجواز الإلقاء في كلامه .. فهو تأويل لظاهرها مع مخالفة فهم السلف وتفسيرهم لها .
    كما أن نفيه للسلطان في هذه الحالة آكد لأن النبي لم يتعمده أولا ، ولأن الله أحكمه ثانيا فلم يقره على الباطل .
    كما قال شيخ الإسلام : وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس .

    ومجمل كلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذا المقام :
    أن من قال أن هذا الإلقاء هو في مسامع المشركين ولم يتلفظ به النبي يعتبر تأويلا للآية وخروجا عن نصها الظاهر .
    فقول الشيخ الشنقيطي أن إلقاء الشيطان في أمنية النبي من جنس الوسوسة وإلقاء الشبه لصد الناس عن الحق !! تأويل مثل من قال أن الإلقاء هو في سمع المستمعين ولم يتكلم به الرسول لاشتراكهم في القول بمنع جواز الإلقاء في كلامه .

    كما أن القول بأن الإلقاء إنما هو بالوسوسة والشبه قد خالف نص الآية من وجهين :
    الأول : أن القول بأن ما يلقيه الشيطان من جنس الوسوسة والشبه ، من يراد به ؟ إن أريد به النبي صلى لله عليه وسلم ، فباطل بداهة .. لأنه لو كان في خاطره صلى لله عليه وسلم فلا يترتب عليه سبب الفتنة للكفار لأنه غير معلوم أو مسموع لهم .
    وإن أريد به المستمعين ، فقد استمعه المؤمنون والكفار ، فإن كان لهما معا أو لأحدهما انفرادا عن الآخر ، فكيف يتجه عليه القول بالنسخ ؟ وأي شيء ينسخه الله ؟ هل ينسخ الشبه والوساوس من قلوب الكفار ؟
    الثاني : أنه مخالف لتفسير السلف قاطبة ولم يعرف لهم مخالف ممن عاصرهم كما قال شيخ الإسلام : والذي عليه عامة السلف ومن اتبعهم ، أن الإلقاء في نفس التلاوة كما دلت عليه الآية وسياقها من غير وجه كما وردت به الآثار المتعددة ..
    وقال أبو المظفر السمعاني [ وهو من أئمة أهل السنة الكبار حتى قال عنه الذهبي : تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة ، وكان شوكا في أعين المخالفين ، وحجة لأهل السنة ] في تفسيره (3/449):
    الأكثرون من السلف ذهبوا إلى أن هذا شيء جرى على لسان الرسول بإلقاء الشيطان من غير أن يعتقد، وذلك محنة وفتنة من الله (وعادة) [ قوله (وعادة) أي في رسل الله وأنبيائه ]، والله تعالى يمتحن عباده بما شاء، ويفتنهم بما يريد، وليس عليه اعتراض لأحد وقالوا: إن هذا وإن كان غلطا عظيما، فالغلط يجوز على الأنبياء، إلا أنهم لا يقرون عليه. اهـ

    وقال الإمام ابن جرير مستخلصا :
    واختلف أهل التأويل في معنى قوله تمنى في هذا الموضع، وقد ذكرت قول جماعة ممن قال: ذلك التمني من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من محبته، مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون، ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث.
    وهذا القول [ يعني الأخير ] أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله:( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) على ذلك; لأن الآيات التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها، لا شك أنها آيات تنزيله، فمعلوم أن الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
    فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلا إذا تلا كتاب الله، وقرأ، أو حدّث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، أو في حديثه الذي حدث وتكلم( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) يقول تعالى: فيذهب الله ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله. اهـ
    وقال الإمام القرطبي في تفسيره (12/85) :
    قوله تعالى : " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة " يرد حديث النفس . وقد قال ابن عطية (5/6) : لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة ، بها وقعت الفتنة . اهـ
    وقال البيضاوي في تفسيره : ( ليجعل ما يلقي الشيطان ) علة لتمكين الشيطان منه وذلك يدل على أن المُلقَى أمر ظاهر عرفه المحق والمبطل .

    فما ذهب إليه الإمام الشنقيطي من أن هذا الإلقاء هو بالشبه والوساوس ليس بجديد .. بل هو عين رأي المتأخرين ..
    مع أنه أمر بدهي معلوم بالضرورة من فعل الشيطان ، ولا يحتاج إلى أن القول بنسخه وإبطاله .
    بقيت جملة للإمام الشنقيطي - رحمه الله – وهي قوله : أنها كلمة شرك أكبر وكفر بواح ..
    وهذا حق لا شك .. ولها تقديران :
    فإن كانت من كلام الشيطان في الوحي ، فلا تعدوا أن تكون لغوا من قبله ، قد جرت به الفتنة ، وقد أحكم الله آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان .
    وإن كانت مما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن أثر الشيطان ، وهو منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الخطأ والسهو لم يتعمده يقينا ، بل هو معصوم وإخوانه من تعمد مثل هذا ، ومن الإقرار عليه .. والقرينة التي ذكرها الشيخ تؤيد هذا ، وهي قراءته بعد ذلك ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) ..
    ومع ذلك فقد أحكم الله آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان .

    وفي الأخير .. قد بين شيخ الإسلام رحمه الله أن الخلاف ها هنا محير حتى قال في مجموع الفتاوى (19/8) :
    كثر نزاعهم مع ذكائهم في مسائل ودلائل يجعلها أحدهم قطعية الصحة ويجعلها الآخر قطعية الفساد بل الشخص الواحد يقطع بصحتها تارة وبفسادها أخرى وليس في المنزل من عند الله شيء أكثر ما في الباب أنه ( إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ) فغاية ذلك غلط في اللسان يتداركه الله فلا يدوم .
    وجميع ما تلقته الأمة عن الرسول صلى الله عليه وسلم حق لا باط لفيه ؛ وهدى لا ضلال فيه ؛ ونور لا ظلمة فيه . وشفاء ونجاة . والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . اهـ

  3. #103

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    وكما تفضلت بنقل ما قاله الإمام الشنقيطي وهو ممن رد القصة وأبطلها ..
    فسأنقل لك – غير ما تقدم أعلاه - ما قاله الإمام السعدي في تفسيره ، وهو ممن قبل القصة ..
    غير أن تفسير الأخير ينصر مذهب السلف في تفسيرهم لهذه الآية ..
    ولا نريد بهذا أن نحط من قدر الإمام الشنقيطي رحمه الله ، فهو علم من أعلام أهل السنة ..
    وكذلك ليس المراد المفاضلة بين الرجلين أو بين تفسيريهما ..
    وإنما الأمر للمدارسة وبيان منهج أمثالهم من العلماء الكبار في البحث والاستدلال والترجيح ..

    قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره :
    يخبر تعالى بحكمته البالغة ، واختياره لعباده ، وأن الله ما أرسل قبل محمد ( مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى ) أي : قرأ قراءته ، التي يذكر بها الناس ، ويأمرهم وينهاهم ، ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) أي : في قراءته ، من طرقه ومكايده ، ما هو مناقض لتلك القراءة ، مع أن الله تعالى قد عصم الرسل بما يبلغون عن الله ، وحفظ وحيه أن يشتبه ، أو يختلط بغيره. ولكن هذا الإلقاء من الشيطان ، غير مستقر ولا مستمر ، وإنما هو عارض يعرض ثم يزول ، وللعوارض أحكام ، ولهذا قال : ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) أي : يزيله ويذهبه ويبطله ، ويبين أنه ليس من آياته ، و ( يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) أي : يتقنها ، ويحررها ، ويحفظها ، فتبقى خالصة من مخالطة إلقاء الشيطان ( وَاللَّهُ عَزِيزٌ ) أي: كامل القوة والاقتدار ، فبكمال قوته ، يحفظ وحيه ، ويزيل ما تلقيه الشياطين ( حَكِيمٌ ) يضع الأشياء مواضعها ، فمن كمال حكمته ، مكن الشياطين من الإلقاء المذكور ، ليحصل ما ذكره بقوله ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ) لطائفتين من الناس ، لا يبالي الله بهم ، وهم الذين ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) أي : ضعف وعدم إيمان تام وتصديق جازم ، فيؤثر في قلوبهم أدنى شبهة تطرأ عليها ، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان ، داخلهم الريب والشك ، فصار فتنة لهم .( وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ) أي: الغليظة ، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير ، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها ، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان ، جعلوه حجة لهم على باطلهم ، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله ، ولهذا قال( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) أي : مشاقة لله ، ومعاندة للحق ، ومخالفة له ، بعيد من الصواب ، فما يلقيه الشيطان ، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين ، فيظهر به ما في قلوبهم ، من الخبث الكامن فيها ، وأما الطائفة الثالثة ، فإنه يكون رحمة في حقها ، وهم المذكورون بقوله ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) لأن الله منحهم من العلم ، ما به يعرفون الحق من الباطل ، والرشد من الغي ، فيميزون بين الأمرين ، الحق المستقر ، الذي يحكمه الله ، والباطل العارض الذي ينسخه الله ، بما على كل منهما من الشواهد ، وليعلموا أن الله حكيم ، يقيض بعض أنواع الابتلاء ، ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة ( فَيُؤْمِنُوا بِهِ ) بسبب ذلك ، ويزداد إيمانهم عند دفع المعارض والشبه.
    ( فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ) أي: تخشع وتخضع ، وتسلم لحكمته ، وهذا من هدايته إياهم ( وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا ) بسبب إيمانهم ( إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) علم بالحق ، وعمل بمقتضاه ، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وهذا النوع من تثبيت الله لعبده.
    وهذه الآيات ، فيها بيان أن للرسول صلى الله عليه وسلم أسوة بإخوانه المرسلين ، لما وقع منه عند قراءته صلى الله عليه وسلم : ( والنجم ) فلما بلغ ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى ) ألقى الشيطان في قراءته " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " فحصل بذلك للرسول حزن وللناس فتنة ، كما ذكر الله ، فأنزل الله هذه الآيات .

    وقال في القواعد الحسان في تفسير القرآن (ص: 143) :
    ومن هذا الباب [ وهو : القاعدة الرابعة والستون: الأمور العارضة التي لا قرار لها بسبب المزعجات أو الشبهات قد تَردُ على الحق وعلى الأمور اليقينية ولكن سرعان ما تضمحل وتزول ]
    بل من صريحه قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) أيْ يلقي من الشبه ما يعارض اليقين.
    ثم ذكر الحكم المترتبة على الإلقاء ولكن نهاية الأمر وعاقبته أن الله يبطل ما يلقي الشيطان ، ويحكم الله آياته ، والله عليم حكيم ، فقد أخبر الله بوقوع هذا الأمر لجميع الرسل والأنبياء ، لهذه الحكم التي ذكرها ، فمن أنكر وقوع ذلك بناء على أن الرسل لا ريب ولا شك أنهم معصومون ، وظن أن هذا ينافي العصمة ، فقد غلط أكبر غلط ، ولو فهم أن الأمور العارضة لا تؤثر في الأمور الثابتة لم يقل إلا قولاً يخالف فيه الواقع ويخالف بعض الآيات ويطلب التأويلات المستبعدات . اهـ

    وبعد .. أيها الحبيب ..
    فالاستشفاء إنما هو بالقرآن وحده ، وليس باختيار تفسير على تفسير ، أو قبول رأي من أجل استحسانه على رأي مخالف له ..
    بل الذي أراه أنا – على ضعفي وجهلي – أن قبول ما جاء عن السلف في تفسير الآية هو من تمام الاستشفاء بالقرآن ..

    شكر الله لك ... وجزاك الله خيرا وبرا ..
    وسعدت بوجودك . ولا حرمنا من مشاركاتك الطيبة .

  4. #104

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    فائدة : في مجمل تفسير السلف الصحيح للآية ..
    وأقول الصحيح لأنه تفسير السلف بلا مخالف لهم ممن عاصرهم :
    (1) تفسيرالتمني في الآية بالتلاوة والقراءة هو الصحيح الثابت من جهة النقل واللغة وهو ظاهر نص الآية .. وإن كان التمني يطلق على تمني القلب أحيانا فتعلق الآية بالمعنى الأول هو الصحيح الظاهر لأمرين :
    الأول : ما جاء في القرآن لمعنى التمني بأنه التلاوة كما في قوله تعالى من سورة البقرة ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) الآية [78]
    والثاني : قولهم في التمني : أنه تلاوة الكتاب ، ومنه قول حسان بن ثابت في عثمان بن عفان رضي الله عنه : تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخـرها لاقى حمام المقادر.
    وقول الآخر: تمنى كتاب الله آخر ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل.

    (2) أن إلقاء الشيطان إنما هو لشيء مسموع ظاهر وليس من باب الوسوسة ، ويؤيده أمران :
    الأول : وقوع النسخ والإبطال لهذا الذي ألقاه الشيطان كما قال تعالى في الآية ( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فلو كان وسوسة لما كان للتصريح بالنسخ فائدة .
    الثاني : حصول الفتنة من جراء هذا الإلقاء كما قال تعالى ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) فلو كان بالوسوسة لما حصلت الفتنة لعدم ظهوره .
    ولاشك حينئذ أنه لا يصح أن يقال أن إلقاء الشيطان إنما هو بالوسوسة القلبية ..
    وقد نقلنا عن السلف وكثير من الخلف أن الإلقاء لشيء مسموع ظاهر ، كما قاله ابن جرير والقرطبي وابن عطية والسمعاني وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية ونقلنا كلامه تأييدا لهذا ، والجمهور على هذا القول ..
    وما خالف في هذين المعنيين [ تفسير التمني والإلقاء ] إلا بعض المتأخرين الذين ردوا قصة الغرانيق وأبطلوها فأولوا الآيات وهربوا من ظاهرها لكي لا يقال بجواز الإلقاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي .. ومن ثم القول بأن هذه القصة تناقض العصمة .. وقد أشبعنا الرد في موضوع العصمة أعلاه .
    ولو علموا أن ظاهر القرآن يؤيد رواية الغرانيق إذ إنها من الأخبار وليست من الأحكام لقالوا بصحة المروي عن السلف في ذلك .
    والله أعلم .

  5. افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    جزاك الله عنا خير الجزاء أخانا الفاضل عادل أجدت
    بارك الله فيك
    ( الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له) ابن القيم

  6. #106
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    122

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عادل سليمان القطاوي مشاهدة المشاركة
    ما جاء في القرآن لمعنى التمني بأنه التلاوة كما في قوله تعالى من سورة البقرة ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) الآية [78]
    قد يظنّ القارئ لكلامك - حفظك الله - أنَّ هذا المعنى هو محلّ اتفاقٍ بين السلف بلا خلاف! والحقُّ غير هذا. فقوله سبحانه {أَمَانِيَّ} اختلفت في تفسيره أقوال السلف كما هو واضحٌ في كتب التفاسير. فيكفي أن تستعرض ما ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية حين قال: ((واختلف أهلُ التأويل في تأويل قوله {إلاَّ أَمَانِيَّ} ...
    - عن ابن عباس: {إلاَّ أَمَانِيَّ} يقول: "إلاَّ قولاً يقولونه بأفواههم كذباً" ...
    - عن مجاهد: {لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلاَّ أَمَانِيَّ}: "إلاَّ كذباً" ..
    - عن قتادة: {إلاَّ أَمَانِيَّ} يقول: "يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم" ..
    - عن ابن عباس قوله {لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلاَّ أَمَانِيَّ}: يقول: "إلاَّ أحاديث" ..
    - عن مجاهد: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلاَّ أَمَانِيَّ} قال: "أناسٌ مِن يهود لم يكونوا يعلمون مِن الكتاب شيئاً، وكانوا يتكلَّمون بالظنِّ بغير ما في كتاب الله، ويقولون: (هو مِن الكتاب) أمانيّ يتمنَّونها" ...
    - عن أبي العالية: {إلاَّ أَمَانِيَّ}: "يتمنَّون على الله ما ليس لهم" ..
    - قال ابن زيد في قوله {إلاَّ أَمَانِيَّ}: "تمنَّوا فقالوا: (نحن مِن أهل الكتاب)، وليسوا منهم".

    قال أبو جعفر: وأَوْلَى ما روينا في تأويل قوله {إلاَّ أَمَانِيَّ} بالحقِّ وأشبهه بالصواب: الذي قاله ابن عباس - الذي رواه عنه الضحاك - وقولُ مجاهد إنَّ الأُمِّيين الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية، أنَّهم لا يفقهون مِن الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئاً، ولكنهم يتخرَّصون الكذب ويتقوَّلون الأباطيل كذباً وزوراً. و(التمنِّي) في هذا الموضع هو تخلُّق الكذب وتخرُّصه وافتعاله ... والذي يدلُّ على صحة ما قلنا في ذلك وأنه أَوْلَى بتأويل قوله {إلاَّ أَمَانِيَّ} مِن غيره مِن الأقوال: قولُ الله جلَّ ثناؤه {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}. فأخبر عنهم جلَّ ثناؤه أنهم يتمنَّون ما يتمنَّون مِن الأكاذيب ظناً منهم لا يقيناً. ولو كان معنى ذلك أنهم (يتلونه)، لم يكونوا ظانِّين! وكذلك لو كان معناه (يشتهونه). لأنَّ الذي يتلوه إذا تدبَّره، عَلِمَهُ. ولا يستحقُّ الذي يتلو كتاباً قَرَأَهُ - وإنْ لَمْ يتدبَّره بتركه التدبُّر - أَنْ يقال: هو ظانٌّ لِما يتلو! إلاَّ أن يكون شاكَّاً في نفس ما يتلوه، لا يدري أحقٌّ هو أم باطلٌ. ولم يكن القوم الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مِن اليهود فيما بلغنا شاكِّين في التوراة أنها مِن عند الله!)). اهـ
    والله أعلى وأعلم

  7. #107
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الدولة
    السعودية - جدة
    المشاركات
    309

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    السلام عليكم
    وبما أنه قد طال هذا الموضوع جدا حتى أربت مشاركاته على المئة فقد رأيت أن أفتح موضوعا جديدا أفصل فيه رأيي بما يثبت أن من يقبلون هذه القصة لا متعلق لهم بآيات إلقاء الشيطان الواردة في سورة الحج
    ينظر للأهمية هذا الرابط: http://majles.alukah.net/showthread.php?t=95091

  8. #108

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة أستاذى العزيز عادل سليمان ارجو من حضرتك اعطائى نسخة كاملة من كتابك إتحاف النبلاء واى مؤلفات لك عن الغرانيق لاننى اجرى بحثا عنها وأعجبت باسلوبك العلمى وسعة إطلاعك بالموضوع وشكرا

  9. #109

    افتراضي رد: اتحاف النبلاء بذكر من صحح أو قَبِلَ قصة الغرانيق من العلماء

    الأخ الكريم: أحمد الأقطش.. نفع الله بك .
    تفسير التمني بالتلاوة محل اتفاق بين السلف فيما نقله جمع من العلماء رحمهم الله تعالى ..
    وليس تفسير ( أماني ) بالتلاوة محل اتفاق .. وإن كان أحد أوجه تفاسيرها ..
    فوجب التنبيه .. إذ إنني جئت بآية البقرة استئناسا للدليل الذي هو اتفاق السلف على معنى قوله ( تمنى ) في آية الحج بالتلاوة ..
    قال البغوي : وأكثر المفسرين قالوا : معنى قوله : ( تَمَنَّى ) أي : تلا وقرأ كتاب الله ..
    ( أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) أي : في تلاوته ، قال الشاعر في عثمان حين قتل:
    تَمَنّى كتَابَ الله أوّل لَيْلة ... وآخرَها لاقَى حمَامَ المَقَادرِ .
    وقال الضحاك : ) إِذَا تَمَنَّى ) : إذا تلا. . قال ابن جرير : هذا القول أشبه بتأويل الكلام.
    الثاني : أن تفسيرها بالتلاوة عليه دليل لغوي صريح نقل بالاستفاضة بلا نكير :
    قال الامام ابن حجر : قوله: ويقال أمنيته قراءته ( إلا أماني ) يقرؤون ولا يكتبون هو قول الفراء قال : التمني التلاوة .. قال : ومن شواهد ذلك قول الشاعر : تمنى كتاب الله أول ليلة - تمنى داود الزبور على رسل ..
    قال الفراء : والتمني أيضا حديث النفس . اهـ

    فالدليل قائم على أن قولهم في التمني : هو تلاوة الكتاب ، وعليه دليلان، أحدهما قول حسان في عثمان بن عفان رضي الله عنه: تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخـرها لاقى حمام المقادر.
    والثاني قول الآخر: تمنى كتاب الله آخر ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل.
    وقال الإمام أبو جعفر ابن النّحّاس [ت 338 هـ] (رحمه الله) في الناسخ والمنسوخ (ص 574( :
    ألقى الشيطان في أمنيته أي في سره ، والقول الآخر عليه أكثر أهل التأويل قال سعيد بن جبير في أمنيته في قراءته وقال مجاهد في قوله وقال الضحاك الأمنية التلاوة قال أبو جعفر فهذا معروف في اللغة منه ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ). اهـ
    وقال شيخ الاسلام ابن تيمية:
    إلقاء الشيطان المذكور في قوله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ) إلى قوله ( صراط مستقيم ) ... وللناس فيها قولان مشهوران ؛ بعد اتفاقهم على أن التمني هو التلاوة والقرآن كما عليه المفسرون من السلف كما في قوله : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون). اهـ

    وقال الامام الألباني في أول رسالته : إن هذه القصة قد ذكرها المفسرون عند قوله تعالى : ( ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلآ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) الآية .. وقد اختلفوا في تفسير قوله تعالى : ( تمنى ) و ( أمنيته ) وأحسن ما قيل في ذلك : إن ( تمنى ) من " الأمنية " وهي التلاوة كما قال الشاعر في عثمان رضي الله عنه حين قتل : تمنى كتاب الله أول ليلة ... وآخرها لاقى حمام المقادر
    وعليه جمهور المفسرين والمحققين وحكاه ابن كثير عن أكثر المفسرين بل عزاه ابن القيم إلى السلف قاطبة فقال في إغاثة اللهفان (1/93) : والسلف كلهم على أن المعنى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته . اهـ
    فقد حكي عن السلف قاطبة تفسيرهم للتمني بالتلاوة ...

    وأما ما تفضلت به مما نقلته عن الامام ابن جرير ...
    فتحرير المسألة يكون حول كلامه في الآية موضوع النزاع .. وهاك قوله :
    قال رحمه الله في تفسيره جامع البيان في تأويل القرآن (18/ 667):
    واختلف أهل التأويل في معنى قوله تمنى في هذا الموضع، وقد ذكرت قول جماعة ممن قال: ذلك التمني من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حدثته نفسه من محبته، مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبون، ومن قال ذلك محبة منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوء.
    وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث.
    *ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:( إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه.
    حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( إِذَا تَمَنَّى ) قال: إذا قال.
    حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
    حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( إِلا إِذَا تَمَنَّى ) يعني بالتمني: التلاوة والقراءة.
    وهذا القول أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله:( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ) على ذلك; لأن الآيات التي أخبر الله جلّ ثناؤه أنه يحكمها، لا شك أنها آيات تنزيله، فمعلوم أن الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
    فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلا إذا تلا كتاب الله، وقرأ، أو حدّث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، أو في حديثه الذي حدث وتكلم( فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) يقول تعالى: فيذهب الله ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله. اهـ من ابن جرير .

    فحاصل ما تفضلت بنقله عن ابن جرير أن يكون اختيارا منه لتفسير الأمنية في سورة البقرة بالتخرص والكذب في هذا المكان فقط .. بدليل قوله :
    [ و"التمني" في هذا الموضع، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله. ] ولم يسقطه على الآية موضوع الخلاف . بل رجح أن يكون معنى تمنى هو تلى لا غير .
    وثانيا: أن هذا اجتهاد منه رحمه الله ، وهو اجتهاد في آية غير الآية محل النزاع .. وتفسيره لقوله ( إذا تمنى ) مرجحا أن تفسيره إذا تلى.
    وثالثا: أنه وإن اختار تفسير ( أماني ) بالتخرص والكذب، فقد نقل في أول كلامه نصوصا تفيد عدم حصر اختياره فيما نقله من آثار عن السلف .
    رابعا: أنه قد نقل جمع من العلماء – كما نقلناه أعلاه - اتفاق السلف على تفسير التمني بالتلاوة ، ولفظ التمني هو موضوع النزاع لا قوله ( أماني ).
    شكر الله لك ونفع بك .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •