تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 45 من 45

الموضوع: نفحات رمضانية

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    955

    افتراضي رد: نفحات رمضانية

    اكف جارك

    الإسلام دين ترابط وتآلف، وتآخٍ وتكاتف، وهو دين يدعو أبناءه إلى المحبة، ويناشد المجتمع بتوثيق عرى الصلة على مستوى صغاره وكباره, وقد أقام العلائق بين الخلائق على أساس من التراحم والتعاطف فقال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}1, وأعظم من حَضَّ الإسلام على الإحسان إليه، وأكَّد على حسن معاملته، وحثَّ على غاية التلاطف معه، وحذَّر أشد الحذر من إيذائه وتجريحه؛ هو الجار ولصيق الدار، وهو نفس الأمر الذي كان معهوداً عند كثير من العرب لأصالة معدنهم، وطيب مخبرهم - في الجاهلية والإسلام -، حتى إنهم كانوا ليتفاخرون بحسن الجوار، ويثمنون الدار على قدر حسن أدب الجار فيقول أحدهم:

    يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص

    فقلت لهـم كفـوا المـلام فإنها بجيرانها تغلوا الديار وترخص

    وتراهم يندبون على اختيار الجار قبل شراء الدار:

    اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجار

    فجاء الإسلام ليحفظ لهذا الجار حقه العظيم، ويوصي بذلك في كتابه الكريم فقال - سبحانه -: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ...}2, وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: ((خير الأصحاب عند الله خيره لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره))3.

    بل وجعل الشارع الحكيم أذية الجار سبباً لاستحقاق النار - عياذاً بالله - ولو كان المرء صاحب طاعة وعبادة؛ فقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: "يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار)).4

    ونفي المصطفى - صلى الله عليه وسلم – الإيمان عمن لا يسلم جيرانه من شره فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))5, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

    أقـول لجـاري إذا أتاني معاتبــاً مدلاً بحــق أو مدلاً بباطل

    إذا لم يصل خيري وأنت مجـاوري إليك فما شري إليك بواصل

    كل هذا تنويهاً بشأن الجار، وجلالة مكانته وقدره، فكيف بك أيها المسكين حين تقف بين يدي رب العالمين، وجارك يشتكيك ويقول: يا رب إن جاري هذا لم يرع حق الجيرة، ولم يحسن معي السيرة، آذاني بعينه ينظر إلى محارمي، وبسمعه يتسلط على أسراري، وبلسانه يتفكه بمعايبي.

    فيا ابن الإسلام: إن حق جارك عليك عظيم.

    فمن حقه عليك إن مرض أن تعوده، وإن مات أن تشيعه، وإن استقرض وأنت قادر أن تقرضه، وإن أعوز أن تستره، وإن أصاب خيراً أن تهنئه، وإن أصيب بمصيبة أن تعزيه، وألا ترفع بناءك على بنائه لتؤذيه، وإذا رأيته على منكر أن تنهاه، وإذا رأيته على معروف أن تعينه عليه، فربما تعلق برقبتك يوم القيامة فيقول: رب .. هذا رآني على منكر فلم يأمرنِي ولم ينهانِي.

    ومن حق الجار أيضاً تجاه جاره أن يتحسس حاله، وأن يتفقد حاله ومعاشه، وأن يغنيه ذل السؤال إن كان معوزاً محتاجاً يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم بِه))6, ويتأكد هذا الحق خاصة إذا أهلَّ علينا شهر رمضان المبارك، وأناخ بوادينا أيامه ولياليه العاطرة، وليكن الواحد منا دأبه دأب هذا القائل:

    إذا ما عملتِ الزاد فالتمسي له أكيــلاً فإني لست آكله وحدي

    كريماً قصيّاً أو قريبــاً فإنني أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

    وكيف يُسيغُ المرء زاداً وجاره خفيف المعي بادي الخصاصة والجهد

    وللموت خير من زيارة باخل يلاحظ أطراف الأكيـل على عمد

    وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً وما فيّ إلا تلك من شيــمة العبد7

    فإذا ما أصبح كل فرد يهتم بجاره، ويتفقد أحواله؛ ساد في المجتمع روح الإخاء بين أفراده، وخيمت سحب المودة على قلوب صغاره وكباره، وعاشوا أنعم عيش، واختفى البؤس وشظف العيش.

    وإن من كمال الغبطة أن ينضاف إلى ملاصقة الدار صلاح الجار، فهذا هو الأخ الذي لم تلده أمك، وهذه السعادة التي أخبر عنها نبيك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء))8؛ أتدري لماذا؟ لأن الجار الصالح يدفعه صلاحه لأن يذب عن عرضك، ويعرف معروفك، ويكتم عيوبك، فيفرح إذا فرحت، ويتألم إذا حزنت.

    وإن من المؤسف حقاً في هذه الأزمنة المتأخرة أن تلمس الإعراض عن الجار في كثير من الأحياء والبيوت، فتجد الجار لا يعرف جاره، ولا اسمه ولا عنوانه، ولا غناه ولا فقره - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.

    فاتق الله أخي في جارك ذو الرحم القريب، وجارك المسلم الغريب.

    نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوفقنا للقيام بحقوق الجار, وأن يستخدمنا في خدمة عباده الأخيار والأطهار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    ــــــــــــــ
    1 سورة الحجرات (13).
    2 سورة النساء (36).
    3 رواه الترمذي برقم (1944) وقال الترمذي: حسن غريب؛ وأحمد في المسند برقم (6566)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم؛ والبخاري في الأدب المفرد برقم (115)؛ وابن حبان برقم ( 518)؛ وابن خزيمة في صحيحه برقم (2539)؛ وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (84).
    4 رواه أحمد في المسند برقم (9673)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن؛ والحاكم في المستدرك برقم (7304) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2560).
    5 رواه البخاري برقم (5670).
    6 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (751)؛ وابن أبي شيبة في المصنف برقم (30359)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5505)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (10442).
    7 زهر الأكم في الأمثال والحكم (255) الشاملة.
    8 رواه ابن حبان في صحيحه برقم (4032)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري؛ والبيهقي في شعب الإيمان برقم (9556)؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (887)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (282).


  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    955

    افتراضي رد: نفحات رمضانية

    سلوكيات صائم

    عندما يقبل شهر رمضان يتشوَّف الناس هلاله، ويعدُّون الساعات عداً حتى تأتي البشرى بانتهاء شعبان، وبداية رمضان، يفعلون ذلك كما لا يفعلون في غيره من سائر الشهور، بل ربما جهل كثير من المسلمين بداية الشهور ونهايتها، حتى إذا جاء شهر رمضان تغيرت طبيعتهم، ولسان حالهم يردد قوله - تعالى -: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}1.

    إنها فرصة في هذا الشهر الكريم أن يتنفس المسلم الصعداء وهو يردد مع الذاكرين عند رؤية هلال رمضان "ربي وربك الله, هلال خير وبركة".

    والمسلمون لا يرتبطون خلال شهر رمضان ببداية الشهر ونهايته فحسب بل هم يترقبون الفجر حتى يمسكوا، ويترقبون مغيب الشمس حتى يفطروا، ويعدُّون أيامه عداً لا يكاد يخطئ فيه أحد؛ فيرتبطون بحركة هذا الكون العابد المسبح لله - تعالى -: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}3.

    وهذا الترقب والانتظار يتساوى فيه المسلمون جميعاً عرباً وعجماً، فقراء وأغنياء، حكاماً ومحكومين، إذ لا مجال للحظوة والوساطة، فمن أكل أو شرب متعمداً بعد أذان الفجر أو قبل أذان المغرب فصيامه باطل، وليس هناك صيام للسادة وصيام للعبيد، وليس هناك صيام للصفوة، وصيام للعامة، فالكل هنا سواء.

    إن سلوكيات الصائم في رمضان تظهر في استغلال هذا الشهر بما خصه الله به من صيام، والصيام جُنَّة (أي وقاية)، وكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لله وهو يجزي به، وأنعم بجزاء الله - تعالى - من جزاء، وأجمل بكرمه وعطائه من عطاء، والصوم يهذب النفس، ويسمو بالروح والخلق، ومن هنا يتعلم المسلم أنه لم يخلق ليأكل ويشرب ويعاشر النساء، فهذا تشاركه فيه جميع دواب الأرض، لكنه خلق لغاية أسمى، وهدف أعلى؛ هو عبادة الله - تعالى - وتقواه بإتيان ما أُمر، واجتناب ما نُهى، فهي إذن ثورة على شهوات الأرض وجواذبها حيث نملكها ولا تملكنا، فلسنا عبيداً لشهوة، ولا أسرى لعادة، وقد أعلنَّا العبودية لله بما يتضمن نبذ عبودية ما دون الله.

    وهذا الشهر تصفد فيه الشياطين، ويترك المسلم لنفسه لتكون أكثر انقياداً له {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}4؛ فيميز المسلم بين ما يأمره الشيطان وما تأمره النفس، ويعرف الداء ليهتدي إلى معرفة الدواء، ويضع من التدابير الواقية والأسباب المعينة على الارتقاء بالنفس وتهذيبها وتزكيتها ما ينتفع به قال - تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}5؛ فيحاسب المسلم نفسه، ويراقبها ويعاتبها ويؤدبها حتى يسلس انقيادها له، وتخضع لأمر الله لترقى في معالي الخلود حتى تصير نفساً مطمئنة، وتنادى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}6.

    والصائم في هذا الشهر يهتم بحراسة مدخل الطعام والشراب، إلا إذا نسي أو أخطأ: ((مَنْ أَكَلَ نَاسِياً وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ))7، ولذلك لم يقف الشيطان له في هذا الطريق لعلمه بحرصه عليه، ويقظته وتنبهه من أن يؤتى من قبله، لكن وقف له في طريق آخر فأغواه وأغراه بالغيبة والنميمة، وإطلاق اللسان في الآخرين يشتم هذا، ويقذف هذا دون أدنى حرج، وهو لا يعلم أن طعامه وشرابه ناسياً لا يقارن بما يقترفه من الكبائر الموبقة التي تذهب بأجر الصيام.

    وفي الشهر يسن للمسلم الاعتكاف ليترك للناس الدنيا وزخرفها، وضجيجها وضوضائها، ولهوها وزينتها، وينقطع إلى العبادة والذكر، والقيام والقرآن، وفي هذه الخلوة تتسامى روحه، وتصفو نفسه، وتعلو همته، ويستمد الطاقة من الله ليستعين بها طوال عامه، وبهذا تتحقق التقوى في أتم صورها التي أمر الله - تعالى - المسلمين بها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ}8.

    وفي هذا الشهر تكون زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال في يوم العيد, وبإعطائها الفقراء يتدرب المرء على البذل والعطاء حتى ولو كان معسراً، ويصدق فيه قول الله - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ}9، وهذه الطريقة المنظمة الشاملة العامة للبذل والعطاء لها أثرها الطيب في خُلق الغني والفقير، فهي تطهر نفس الغني من الشح والبخل، ليعلم أن المال مال الله، وأنه مستخلفه فيه، ينفق منه حيث أمره، ويمسك حيث نهاه، وفي الوقت نفسه تطهر نفس الفقير من الحقد والحسد، ويعلم أن الله لم يتركه هملاً، ولن يضيع في وسط مجتمع مسلم يعرف حق الله في ماله.

    وهكذا يهذب الصيام سلوك الصائم، ويجعله يتجه نحو ربه بكل قوة ونشاط.

    نسأل الله - تعالى - أن يصلح أخلاقنا وسلوكنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين والمسلمات؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونسأله - سبحانه وتعالى - أن يغفر ذنوبنا، ويستر عيوبنا، وينور قبورنا، ويسهل أمورنا، ويتوفانا وهو راض عنا؛ إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ــــــــــــــ
    1 سورة التوبة (36).
    2 سورة الإسراء (44).
    3 سورة الحج (18).
    4 سورة يوسف (53).
    5 سورة الشمس (7-10).
    6 سورة الفجر (27-30).
    7 رواه البخاري (6176)، ومسلم (1952).
    8 سورة آل عمران (102).
    9 سورة آل عمران (134).


  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    955

    افتراضي رد: نفحات رمضانية

    وقولوا للناس حسناً

    شهر رمضان المبارك هو شهر الجود والإحسان، والتنافس في فعل الخيرات القولية والعملية، ومن جملة الخيرات القولية: التكلم بالقول الحسن، اللطيف غير المؤذي؛ إذ المعلوم أن الكلام الذي يتكلم به الإنسان مسجل محفوظ في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى, وهذه حقيقة قررها القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات؛ ليكون الإنسان محاسباً لنفسه، مراقباً للسانه يقول الله - تبارك وتعالى -: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}1, ويقول: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}2, والآيات في هذا الصدد كثيرةً جداً، والمقصود هو تنبيه العباد إلى أن ما يصدر عنهم من أقوال تُسجل إما لهم وإما عليهم، فإذا ما التزم الإنسان القول الحسن في جميع أحواله لم يسجل في صحيفته إلا الخير الذي يسره يوم القيامة, والعكس بالعكس.

    ويأتي هذا الموضوع امتثالاً لأمر الله - تبارك وتعالى - الذي أمر عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها، ومن الكلمات أجملها فقال - تبارك وتعالى -: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}3 أي عند حديثكم إلى بعضكم لتشيع الألفة والمودة، وتسود روح الأخوة, وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة قال يحيى بن معاذ الرازي - رحمه الله -: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين: إحداها: إن لم تنفعه فلا تضره، والثانية: إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه"4.

    وقال الله - تعالى -: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}5 يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -: "وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال‏:‏ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏} وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر، وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما‏.‏

    والقول الحسن داع لكل خلق جميل، وعمل صالح؛ فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره‏.‏

    وقوله‏:‏ {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم‏.، فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم؛ فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه، فإنه يدعوهم {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}6، وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم، وسعى في العداوة؛ فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها, فبذلك يطيعون ربهم، ويستقيم أمرهم، ويهدون لرشدهم"7‏.

    وإن أحق من يعامل بهذا الخُلق الكريم هما الوالدان اللذان أمر الله - تبارك وتعالى - ببرهما والإحسان إليهما، ومن الإحسان إليهما اختيار الطيب من الأقوال عند الحديث إليهما {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}8, وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك))9، , وجاء عن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كذلكم البر، كذلكم البر))10، وكان كثير من السلف إذا تكلم مع أمه لا يكاد يُسمع من شدة حرصه على خفض صوته تأدباً, وإننا لنعجب اليوم من حال شباب وفتيات يتعاملون مع والديهم معاملة فظة يرفعون فيها أصواتهم، وينهرونهم ويسيئون إليهم، ويؤذونهم بمنطقهم السيئ, حتى يخيل لمن رآهم ولم يكن يعلم أن هذا هو الوالد أو أن هذه هي الأم؛ أنهما خادمان يعملان لدى الأبناء؛ من شدة غلظة وقسوة الألفاظ التي يستخدمها الأبناء مع والديهم نسأل الله لنا ولهم الهداية.

    ومما لا شك أن الترفق في الألفاظ مطلوب أيضاً بين الزوجين فإن الأساس الذي تبنى عليه البيوت هو الرحمة والمودة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}11, والزوجان محتاجان احتياجاً حقيقياً لأن يختار كل منها لصاحبه أحسن الألفاظ للتخاطب بها، وإبداء مشاعر الحب والرحمة تجاه بعضهما، وانظر إلى هذا الحديث الحاني بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - كما في الصحيحين أنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى)) قالت فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: ((أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد, وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم))، قالت: قلت أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك"12، فأي رحمة هذه، وأي منطق حسن هذا!!

    قال عبيد بن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: ((يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي))، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}13 الآية كلها))14.

    أخي الكريم: عوِّد لسانك الخير، واعلم أن الله - تبارك وتعالى - لم يبح لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم فقال: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً}15، وبالعموم فإن على المسلم أن يحسن التعامل مع جميع الناس قريبهم وبعيدهم, وأن يعوِّد لسانه النطق بالكلام الحسن, وتجنب الكلام القبيح.

    نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يعيننا على طاعته ورضاه، ونسأله أن يوفقنا في جميع الأقوال والأفعال، وأن يسدد ألسنتنا, ويجنبنا الزلل في القول والعمل بمّنه وكرمه, والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    ـــــــــــ
    1 سورة ق (18).
    2 سورة الزخرف (80).
    3 سورة البقرة (83).
    4 الزهد والرقائق (114).
    5 سورة الإسراء (53).
    6 سورة فاطر (6).
    7 تفسير السعدي (460).
    8 سورة الإسراء (23).
    9 رواه البخاري برقم (5626)؛ ومسلم برقم (2548).
    10 رواه الحاكم في المستدرك برقم (4929)، وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
    11 سورة الروم (21).
    12 رواه البخاري برقم (4930)؛ ومسلم برقم (2439).
    13 سورة آل عمران (190).
    14 رواه ابن حبان برقم (620)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (68).
    15 سورة النساء (148).


  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    955

    افتراضي رد: نفحات رمضانية

    الأقربون أولى بالمعروف

    امتدح الله - سبحانه وتعالى - في غير ما موضع من كتابه الكريم القائمين على حاجة الفقراء والمحتاجين، وأجزل الأجر للباذلين فقال: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}1، وبيَّن الرب - سبحانه وتعالى - ما يترتب على هذا الإحسان من الأجر والثواب عنده - جل وعلا - فقال: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِين َ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}2، ولعظم الصدقة، وجزيل أجرها؛ خصَّ أربابها بباب في الجنة لا يدخل منه إلا هم فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة))3.

    ويعظُم أجر الصدقة إذا قُدِّمت في زمن فاضل خصَّه الله بمزايا وفضائل، ويعتبر رمضان من تلك المواسم العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يتحرى فيها الإنفاق في سبل الخير، ووجوه البر؛ بقدر إمكانه؛ تأسياً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كان ينفق في رمضان ما لا ينفق في غيره, وثبت في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن، فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة"4، وهذا يدل على فضل الإنفاق في رمضان، ولعل هذه الأفضلية تتبوأ مرتبة أسمى، ومقاماً أجل؛ إذا دفع العبد الصدقة إلى الأقربين، وألصق الناس به؛ إن كانوا من أهل العالة والحاجة؛ فتصبح خياراً من خيار، ويشهد لذلك قوله - سبحانه -: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْ نِ وَالأَقْرَبِينَ }5، فأولى الناس وأحقهم بالتقديم أعظمهم حقاً عليك كالوالدين الواجب برهما، ومن أعظم برهما النفقة عليهما، ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر، ومن بعد الوالدين الأقربون على اختلاف طبقاتهم الأقرب فالأقرب على حسب القرب والحاجة، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة6.

    وصية رسولك:

    أخي المتصدق: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بستان "بيرحاء"، وكان هذا البستان مستقبلاً المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ، قال أنس: "فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البِر حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}7 قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنَّ الله يقول في كتابه: {لن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بخ، ذلك مال رابح، مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، إني أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول - صلى الله عليه وسلم -، فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه"8.

    محل الأفضلية:

    لعلك تتشوف لمعرفة مصدر هذه الأفضلية، لا عليك، اقرأ ما أخبر عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة))9 يقول العلامة المناوي: "ففيها أجران بخلاف الصدقة على الأجنبي ففيها أجر واحد، وفيه التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين لتحصيل مقصودهما به، فلعامله سائر ما ورد في ثوابهما بفضل الله ومنته"10.

    أولى الأقارب بالصدقة:

    وإذا أردت معرفة المزيد عن أولى الناس من أقاربك بصدقتك فهما صنفان:

    الأول: اليتيم لقوله - جلَّ وعلا -: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَو إِطعَامٌ فِي يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ}11 أي: ذا قرابة منك، فالإنفاق على الأقارب الأيتام مقدم على الإنفاق على غيرهم إذا تساوت الحاجة من باب أن "الأقربون أولى بالمعروف" دوم12، قال السيد المرتضى: "وهذا حضٌّ على تقديم ذوي النسب والقربى المحتاجين على الأجانب في الإفضال"13.

    الثاني: القريب الكاشح وهو الذي يضمر العداوة ولا يألفك فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح))14، وحكمة ذلك: لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها، فهي أفضل أجراً منها على الأجنبي؛ لأنه أولى الناس بالمعروف15.

    آخرون في حكم الأقارب:

    - الجار فقد أوصى به الله - سبحانه وتعالى - بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ}16.

    - الصاحب والصديق في سبيل الله لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله - عز وجل -))17.

    قبل الختام:

    من المناسب الإشارة إلى أن المعروف للأقربين من آسرتك وذويك وأهلك ليس محصوراً في الصدقة فحسب كما قد يتصور البعض، بل يشمل كل مناحي الحياة ومتطلباتها، وأسمى معروف يقدمه الواحد لقريبة هو دعوته ونصحه، وتعليمه العلم النافع دنيا وآخرة، وبذا جاءت النصوص بتقديمهم وتمييزهم على غيرهم، وإنما قصرنا الحديث على الصدقة كونها موضوع المقالة فليعلم.

    ختاماً أيها المبارك:

    هذه صفقة رابحة مع ربك تنال بها المغنم مرتين، فلا تتوانى ما دام المشتري في هذه الصفقة ربك، وتيقن ضمان الربح، وإن شئت فأقرأ قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}18، فأبدأ المساهمة وتصدق يقول مجاهد: "هاهنا يا ابن آدم فضع كدحك وسعيك، ولا تنفح بها ذاك وذاك، وتدع ذوي قرابتك وذوي رحمك"19.

    وفقك الله لمرضاته.

    ــــــــــــ
    1 سورة المعارج (24-25).
    2 سورة الحديد (7).
    3 رواه البخاري برقم (1798)، ومسلم برقم (1027).
    4 رواه البخاري برقم (1803)، ومسلم برقم 2308).
    5 سورة البقرة (215).
    6 تفسير السعدي (96) بتصرف.
    7 سورة آل عمران (92).
    8 رواه البخاري برقم (1392)، ومسلم برقم (998).
    9 رواه الترمذي برقم (658)، والنسائي برقم (2582)، وابن ماجه برقم (1844)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2582).
    10 فيض القدير (4/193).
    11 سورة البلد (11-16).
    12 سلسلة التفسير لمصطفى العدوي.
    13 محاسن التأويل.
    14 رواه أحمد في مسنده برقم (23577)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (1990).
    15 فيض القدير (2/38).
    16 سورة النساء (36).
    17 رواه الطيالسي في مسنده برقم (1080)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (1983).
    18 سورة فاطر (29-30).
    19 الدر المنثور (1/586).


  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    955

    افتراضي رد: نفحات رمضانية

    أين أنت منهم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    فإن المتتبع لحالات كثير من الأسر في بلدان المسلين يرى ملامح عديدة للفقر والعوز، والحاجة والبؤس، والشقاء والتعاسة؛ تتوزع بين الفقراء والمساكين، والمحتاجين والأرامل والأيتام؛ لاسيما عندما يرون غيرهم في نعمة وعافية، ورغد من العيش، ووفرة من الراحة والهناء؛ خصوصاً في شهر رمضان المبارك الذي يعتبر شهر الجود والإحسان، والإنفاق والصدقة والبر.

    وقد تفاقم هذا الأمر حتى وصل الحال ببعض الفقراء والمساكين إلى ارتياد أماكن الزبالات باستمرار للعيش على ما يُرمَى من بقايا الأطعمة؛ بل اضطرت بعض الأسر إلى فعل ما هو أسوأ من ذلك، فأين أنت أيها المسلم من هؤلاء الفقراء المساكين، المحتاجين، والأرامل، والأيتام؛ أين أنت أيها المثري؟

    أيهـــا المثري ألا تكفل من بات محرومــاً يتيماً معسراً

    أنت ما يدريك لو راعيـــته ربمــــا راعيت بدراً نيراً

    ربما أيقظت سعداً ثــــابتاً يحسن القــول ويرقى المنبرا

    ربما أيقظت منهم خــــالداً يدخل الغيل على أسد الشرى

    كم طوى البؤس نفوساً لو رعت منبتاً خصباً لصـارت جوهراً

    كم قضى اليتم على مـوهبــة فتوارت تحت أطبـاق الثرى

    إنمـــــا تحمد عقبى أمـره من لأخراه بدنيــاه اشترى

    أنقذ نفسك ومالك من الشح بالإنفاق على هؤلاء حتى ولو بشق تمرة، واعلم أن الصلة نور، والصدقة برهان، وهذا هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "وكان العطاء والصدقة أحب شي إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه"، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة، لا يتكاثر العطاء، بل يعيش مع الفقراء والمساكين، يتفقد أحوالهم، ويتلمس حاجتهم، ويسعى في قضائها، فكانت تأتيه الجارية فتسأله حاجتها، ويأتيه اليتيم فيشكو إليه حاله، وهو مصغٍ لكل واحد منهم، لا يحتجب دونهم، ولا يتعالى عليهم.

    فالله الله أخي الصائم في إخوانك المساكين فإنك مسؤول عنهم أمام الله - تعالى -؛ تلمس حاجتهم في شهر رمضان:

    - أنفق عليهم من مالك، واحرص على أن يفطروا على مائدتك؛ لتحوز على أجورهم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطر صائماً كان له مثل أجره))1.

    - عايش أحوالهم، واذهب في الليل الدامس إلى بيوتهم، وانظر ماذا يحتاجون من طعام وشراب، وملبس ... وغيرها من احتياجات، ثم قم بقضاء حوائجهم، وتلبية طلباتهم، وليكن ذلك سراً فإنه أسلم لحالك وحالهم لقول نبيك - صلى الله عليه وسلم -: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))2.

    ولا أنسى في الأخير أن أُطل بك أخي الصائم إطلالةً سريعة على نافذة من الأجر العظيم، والخير العميم، المعد للمنفقين والمتصدقين قال - تعالى -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}3، وقال الله - تعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}4، وقال - عز وجل -: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِين َ وَالْمُصَّدِّقَ اتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}5، وقال - سبحانه -: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}6.

    والحمد لله أولاً وآخراً.

    ـــــــــــــــ ـ
    1 رواه الترمذي برقم (735)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (807).
    2 رواه الحاكم في المستدرك برقم (6418)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1908).
    3 سورة البقرة (274).
    4 سورة البقرة (261).
    5 سورة الحديد (18).
    6 سورة البقرة (245).


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •