* الجواب عن شبهة التنافي بين حدوث تكلم الله تعالى بـ(القرآن الكريم) وبين كتابته له قديمًا وإنزاله منجّمًا:
- الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.. وبعد
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى ( 12 / 126-127 )ـ : «والمقصود هنا أنَّ قوله: ﴿وَهُوَ الذِي أنْزَلَ إلَيْكُم الكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ يتناول نزول القرآن العربي على كلِّ قولٍ.
وقد أخبر أنَّ الذين آتيناهم الكتاب ﴿يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن ربِّكَ بالحَقِّ﴾ إخبارَ مستَشْهِدٍ بهم، لا مكذِّب لهم، وقال إنَّهم يعلمون ذلك، ولم يقل إنَّهم يظنُّونه أو يقولونه، والعلم لا يكون إلَّا حقًّا مطابقًا للمعلوم، بخلاف القول والظَّنِّ الذي ينقسم إلى حقٍّ وباطلٍ.
فعُلِمَ أنَّ القرآن العربيَّ منزَّلٌ من الله، لا من الهواء، ولا من اللَّوح، ولا من جسمٍ آخر، ولا من جبريل، ولا من محمَّدٍ، ولا غيرهما.
وإذا كان أهل الكتاب يعلمون ذلك فمَنْ لم يقرَّ بذلك من هذه الأمة كان أهل الكتاب المقرُّون بذلك خيرًا منه من هذا الوجه!
وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره من السَّلف فى تفسير قوله: ﴿إنَّا أنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ أنَّه أنزله إلى بيت العِزَّة في السماء الدنيا ثم أنزله بعد ذلك منجَّمًا مفرَّقًا بحسب الحوادث.
ولا ينافي أنَّه مكتوب فى اللَّوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾.
وقال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾.
فإنَّ كونه مكتوبًا فى اللَّوح المحفوظ، وفي صحفٍ مطهَّرةٍ بأيدي الملائكة = لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك.
وإذا كان قد أنزله مكتوبًا إلى بيت العِزَّة جملةً واحدةً في ليلة القدر فقد كتبه كلَّه قبل أن ينزَّله.
والله تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وهو سبحانه قد قدَّر مقاديرالخلائق، وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها كما ثبت ذلك فى صريح الكتاب والسنة وآثار السلف، ثم إنَّه يأمر الملائكة بكتابتها بعد ما يعملونها، فيقابل بين الكتابة المتقدِّمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه، فلا يكون بينهما تفاوت. هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف، وهو حقٌّ.
فإذا كان مايخلقه بائنًا عنه قد كتبه قبل أن يخلقه، فكيف يستبعد أن يكتب كلامه الذي يُرْسِل به ملائكته قبل أن يرسلهم به...».