المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه واستن بسنته إلى يوم الدين .
- أمَّا بعد –
عباد الله قال تعالى في كتابه العزيز(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ) سورة النساء
وقال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) سورة محمد
فتعالوا لنتدبر القرآن بل لنتدبر سورة من كتاب ربنا الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فهذه السورة التي نعيش في رحابها اليوم هي أصغر سورة بالقرآن هي { سورة الكوثر}
هذه السورة : مكية .

وعدد آياتها : ثلاث آيات .

أما ترتيبها في المصحف : الثامنة بعد المائة .

سبب نزول هذه السورة : ذكر أبي الحسن علي النيسابوري
في كتابه أسباب نزول الآيات قال :قال ابن عباس: نزلت في العاص، وذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل، فالتقيا عند باب بنى سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث ؟ قال: ذاك الابتر، يعنى النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكان قد توفى قبل ذلك عبد الله بن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكان من خديجة، وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر، فأنزل الله تعالى هذه السورة.

معاني بعض الكلمات من السورة :
ما هو الكوثر ؟!
( الكوثر ) الكثير من كل خير ونهر في الجنة
عن أنس رضي الله عنه قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: "أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفا فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر" رواه البخاري

و عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال
: سألتها عن قوله تعالى { إنا أعطيناك الكوثر } . قالت نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه و سلم شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم ).. رواه البخاري



ما معنى شانئك ؟!
قال ابن عباس (شانئك) عدوك

نص السورة :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3) }

تفسر السورة :
ذكر ابن عجيبة في تفسيره (تفسير البحر المديد)
قول الحق جلّ جلاله : { إِنَّا أعطيناك الكوثرَ } أي : الخير الكثير ، مَن شرف النبوة الجامعة لخير الدارين ، والرئاسة العامة ، وسعادة الدنيا والآخرة « فَوْعل » من الكثرة ، وقيل : هو نهر في الجنة ، أحلى من العسل ، وأشد بياضاً منَ اللبن ، وأبرد من الثلج ، وألين من الزبد ، حافتاه : اللؤلؤ والزبرجد ، وأوانيه من فضّةٍ عدد نجوم السماء ، لا يظمأ مَن شرب منه أبداً ، وأول وارديه : فقراء المهاجرين ، الدنسو الثياب ، الشعث الرؤوس ، الذي لا يتزوّجون المنعَّمات ، ولا يفتح لهم أبواب الشُدد أي : أبواب الملوك لخمولهم ، يموت أحدهم وحاجته تلجلج في صدره ، لو أقسم على الله لأبرَّه .
وفسَّره ابن عباس بالخير الكثير ، فقيل له : إنَّ الناس يقولون : هو نهر في الجنة ، فقال : النهر من ذلك الخير ، وقيل : هو : كثرة أولاده وأتباعه ، أو علماء أمته ، أو : القرآن الحاوي لخيَري الدنيا والدين .

قال ابن كثير في تفسيره (تفسير القرآن العظيم)
وقوله: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته -فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له. كما قال تعالى:
{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البدن ونحوها. وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف. وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى:{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } الآية [الأنعام:121].

وقد ذكر أبو الحسن علي البصري البغدادي، الشهير بالماوردي في (النكت والعيون)
{ وانحَرْ } فيه خمسة تأويلات :
أحدها : وانحر هديك أو أضحيتك ، قاله ابن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة .
الثاني : وانحر أي وسل ، قاله الضحاك .
الثالث : معناه أن يضع اليمين على الشمال عند نحره في الصلاة ، قاله عليّ وابن عباس رضي الله عنهما .
الرابع : أن يرفع يديه في التكبير ، رواه عليّ .
الخامس : أنه أراد واستقبل القبلة في الصلاة بنحرك ، قاله أبو الأحوص ومنه قول الشاعر : أبا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجالدٍ ... وسيدُ أهْلِ الأبْطحِ المتناحرِ
أي المتقابل .
وقد ذكر العلامة أبو حيان الأندلسى في تفسيره (تفسير البحر المحيط)
والنحر : نحر الهدى والنسك والضحايا ، قاله الجمهور ؛ ولم يكن في ذلك الوقت جهاد فأمر بهذين. قال أنس : كان ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة ، فأمر أن يصلي وينحر ،

وقد ذكر العلامة أبو حيان الأندلسى في تفسيره (تفسير البحر المحيط)
{إِنَّ شَانِئَكَ} : أي مبغضك ، تقدم أنه العاصي بن وائل. وقيل : أبو جهل. وقال ابن عباس : لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم
خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد ، فأنزل الله تعالى : {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الابْتَرُ} . وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط. وقال قتادة : الأبتر هنا يراد به الحقير الذليل.

و قال السعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان )
{ إِنَّ شَانِئَكَ } أي: مبغضك وذامك ومنتقصك { هُوَ الأبْتَرُ } أي: المقطوع من كل خير، مقطوع العمل، مقطوع الذكر.
وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع صلى الله عليه وسلم.





وقال العلامةمحمد بن صالح العثيمين في تفسيره (تفسير العلامة محمد العثيمين)
{إن شانئك هو الأبتر} هذا في مقابل إعطاء الكوثر قال: {إن شانئك هو الأبتر} {شانئك} أي مبغضك، والشنئان هو البغض، ومنه قوله تعالى: {ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} [المائدة: 2]. أي: لا يحملنكم بغضهم أن تعتدوا. {ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا} [المائدة: 8]. أي: لا يحملنكم بغضهم على ترك العدل {اعدلوا هو أقرب للتقوى} فشانئك في قوله: {إن شانئك} يعني مبغضك {هو الأبتر} الأبتر: اسم تفضيل من بتر بمعنى قطع، يعني هو الأقطع. المنقطع من كل خير، وذلك أن كفار قريش يقولون: محمد أبتر، لا خير فيه ولا بركة فيه ولا في اتباعه، أبتر لما مات ابنه القاسم رضي الله عنه قالوا: محمد أبتر، لا يولد له، ولو ولد له فهو مقطوع النسل، فبين الله عز وجل أن الأبتر هو مبغض الرسول عليه الصلاة والسلام فهو الأبتر المقطوع عن كل خير. الذي ليس فيه بركة، وحياته ندامة عليه، وإذا كان هذا في مبغضه فهو أيضاً في مبغض شرعه. فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر، خارج عن الدين لقول الله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [محمد: 9]. ولا حبوط للعمل إلا بالكفر، فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو صلى، ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو صلى، لكن من استثقلها مع عدم الكراهة فهذا فيه خصلة من خصال النفاق لكنه لا يكفر. وفرق بين من استثقل الشيء ومن كره الشيء.


إذاً هذه السورة تضمنت بيان نعمة الله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعطائه الخير الكثير، ثم الأمر بالإخلاص لله عز وجل في الصلوات والنحر، وكذلك في سائر العبادات، ثم بيان أن من أبغض الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شيئاً من شريعته فإنه هو الأقطع الذي لا خير فيه ولا بركة فيه، نسأل الله العافية والسلامة.

وختاماً ::: أقول يا أخواني ويا أخواتي هذا جهد بشري فإن كان خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بُراء:: وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويرما به في النار... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعداد
{ أخوكم خادم السنة أبو عبد الله الأثري}