السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرفيق
وهو من الأسماء الحسنى الثابتة في السنة ،روى البخاري في (صحيحه) عن عروة ،عن عائشة –رضي الله عنها – قالت : ((استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم ،فقالوا :السام عليك ،فقلت :بل عليكم السام واللعنة ،فقال : (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ،قلت : أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال :قلت :وعليكم )).
ففي الحديث التصريح بتسمية الله بالرفيق و وصفه بالرفق ،و أن له من هذا الوصف أعلاه و أكمله وما يليق بجلاله وكماله سبحانه .
والرفق :اللين والسهولة و التأني في الأمور والتمهل فيها ،وضده العنف والتشديد،فهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها ،والله سبحانه رفيق في قدره و قضائه وأفعاله ،رفيق في أوامره و أحكامه و دينه وشرعه .
ومن رفقه سبحانه في أفعاله أنه سبحانه خلق المخلوقات كلها بالتدرج شيئًا فشيئا ،بحسب حكمته ورفقه ،مع أنه قادر على خلقها بدفعة واحدة بكلمة كن .
ومن رفق الله بعباده رفقه سبحانه بهم في أحكامه و أمره ونهيه ،فلا يكلف عباده ما لا يطيقون ،وجعل فعل الأوامر قدر الاستطاعة ، و أسقط عنهم كثير من الأعمال بمجرد المشقة رخصة لهم ورفقًا بهم و رحمة ،ولم يأخذ عباده بالتكاليف دفعة واحدة ،بل تدرّج بهم من حال إلى حال حتى تألف النفوس وتلين الطباع ويتم الانقياد .
ومن رفقه سبحانه إمهاله راكب الخطيئة ومقترف الذنب وعدم معاجلته بالعقوبة لينيب إلى ربه و ليتوب من ذنبه وليعود إلى رشده .
ومن رفقه سبحانه أن دينه كله رفق ويسر و رحمة ،و أمر عباده بالرفق ،و يعطيهم على الرفق ما لا يعطي على الشدة ، ولا يكون في شيء من الأمور إلا زانه ،ومن حرمه حرم الخير ،ولذا ينبغي على كل مسلم أن يكون رفيقا في أموره كلها ،و أحواله جميعها ،بعيدا عن العجلة والتسرع والتهور والاندفاع ، فإن العجلة من الشيطان ،ولا يبوء صاحبها إلا بالخيبة والخسران ،وكفى بالرفق نبلا وفضلا أنه حبيب للرحمن ،فهو سبحانه رفيق يحب الرفق .و واجبنا أن نتحلى بالرفق في شأننا كله ،والله وحده الموفِق لا شريك له .
الوتر
وهو اسم ثابت في السنة ،ففي (الصحيحين ) عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لله تسعة وتسعون اسمًا ،مائة إلا واحدًا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر ).
و (الوتر) : هو الفرد الذي لا شريك له ولا نظير،فهو اسم دال على وحدانية الله سبحانه ،وتفرده بصفات الكمال ،ونعوت الجلال ،و أنه ليس له شريك ولا مثيل في شيء منها ،والنصوص الكثيرة في القرآن الكريم في نفي الند والمثل و الكفؤ والسميّ عن الله تدل على ذلك و تقرره أوضح تقرير.
والإيمان بأن الله وتر فيه نفي للشريك من كل وجه ؛ في الذات والصفات والأفعال ، و إقرار بتفرده سبحانه بالعظمة والكمال والمجد و الكبرياء والجلال ،وكذلك فيه إقرار بتفرد الله بخلق الكائنات و إبداع البريات و إيجاد المخلوقات ،والتصرف فيها بما يشاء ،فلا ندّ له ،ولا شبيه ،ولا نظير ،ولا مثيل.
وهذا الإقرار موجب أن يُفرَد وحده بالذل والخضوع والحب والرجاء والتوكل والإنابة و سائر أنواع العبادة .
قال أبو العباس القرطبي –رحمه الله- ( والوتر :يُراد به التوحيد ،فيكون المعنى : إن الله في ذاته وكماله و أفعاله واحد، و يحب التوحيد ،أي: يُوحَّد و يُعتقد انفراده دون خلقه ،فيلتئم أول الحديث و آخره ، وظاهره وباطنه).
فأول الحديث إخبارٌ بوحدانية الله و تفرده بالجلال والكمال ،والخلق والتصرف والتدبير، آخره ترغيب في التوحيد و حضٌّ عليه ببيان حبه سبحانه لأهله القائمين به المحافظين عليه .
وقد بيّن الله في القرآن الكريم أن المتخذين شفعاء مشركون به ،و أنهم لا يملكون لعابديهم شيئًا من الخير والنفع ،قال الله تعالى :{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
فمتخذ الشفيع مشرك لا تنفعه شفاعته ولا يشفع له ،ومتخذ الرب وحده إلهه ومعبوده و محبوبه ومرجوه و مخوفه الذي يتقرب إليه وحده ،ويطلب رضاه ،و يتباعد عن سخطه سبحانه مؤمن موحِّد،له العاقبة الحميدة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة .
وفقنا الله لتحقيق ذلك ،وجعلنا بمنه وكرمه من أهل جنات النعيم .

من مختصر فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر .