اللهم اجعلنا مفاتيح للخير
مغاليق للشر
الحمد لله الفتاحِ العليم، الملكِ العظيم، الربِّ الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البرُّ الرحيم، وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله الذي قال الله فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4). اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم في هديهم القويم. أما بعد؛ أيها الناس، اتقوا الله تعالى بفعل الخير وترك العصيان، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2).
فلنسارع جميعا بالأعمال الصالحات وفعل الخيرات، إلى أعالي القصور والجِنان، ولْنتجنبْ جميعا أعمالاً وأقوالاً وإراداتٍ نتيجتُها غضبُ الرحمن، وسكنى النيران، فللخيرات كنوزٌ وخزائنُ لها مفاتيحها ومغاليقها، نسأل الله أن نكونَ من هذه المفاتيح.
واعلموا أيضا أن للشرور والآثام كنوزٌ ومخازنُ لها مفاتيحها ومغاليقها، نعوذ بالله أن نكون من هذه المفاتيح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، مِغْلاقًا لِلْخَيْرِ». صحيح الجامع (4108). بهذا الذي ذكرَ المصطفى صلى الله عليه وسلم توزن الرجال، وبه يعرف أهل النقص من أهل الكمال، فكونوا رحمكم الله مفاتيحَ للخيرات، مغاليقَ للشرور والآفات، فمن كان منكم مخلصا لله ناصحا لعباد الله، ساعيا في الخير بحسب إمكانه؛ فذاك مفتاح للخير حائز للفلاح والسعادة، أمرنا بذلك ربنا سبحانه فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)
ومن كان بخلاف ذلك فهو مغلاق للخير، وقد تحقَّق له العذاب وحلَّت عليه الشقاوة، ومنهم {الْمُنَافِقُون وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة: 67)
مِن الناس مَن إذا اجتمع بهم في مجالسهم حرَص على إشغالهم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وحياتِهم ومماتِهم، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً". البخاري (5534) مسلم (2628)
ومن مفاتيح الخير؛ «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». صحيح مسلم (1893) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ.
ومن مغاليق الشر من يمنع في مجلسه القيل والقال، ويدافع عن إخوانه المسلمين في ظهر الغيب: فـ«مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بالْغَيْبة؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ». صحيح الجامع (6240).
ومن مفاتيح الشر من يشغل جلساءه بما يضرُّ وما لا يغني، فهذا قد حرمهم الخير وأشقاهم، ومن هؤلاء من اكتظت مجالسيهم بالقيل والقال، والاستهزاءِ بأقوام هم خيرٌ من المستهزئين، والتنابزِ بالألقابِ المُشينة لقوم أفضلَ من القاذفين المفترين، وتطفح أوكارهم بالظنون الممقوتات الكاذبات، وظيفتهم التجسس ونقل أخبار المؤمنين والمؤمنات، وطعامُهم لحومُ الغافلين والغافلات، فإن كُنَّا مؤمنين حقًّا؛ فقد نادانا رب العالمين بصفة الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (الحجرات: 11، 12).
ومن مفاتيح الشر المغتابون والذين يقعون في أعراض الناس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتُدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ". قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟! قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ؛ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ؛ فَقَدْ بَهَتَّهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2589). وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا قُلْتَ لأَخِيكَ مَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا قُلْتَ مَا لَيْسَ فِيهِ فقد بَهته». مشكاة المصابيح (3/ 1358) (4828).
الغيبة مفتاح من مفاتيح الشر، أهون منها الربا بأبوابه، والزنا بأنواعه، فهي شرٌّ من الربا والزنا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الرِّبَا وَعَظَّمَ شَأْنَهُ فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ يُصِيبُ =الدرهم= مِنَ الرِّبَا؛ أَعْظَمَ عِنْدَ اللهِ فِي الْخَطِيئَةِ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ". شعب الإيمان (7/ 366) (5135) ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، صحيح الترغيب (1856)
ومنهم من يسعى في تقريب القلوب وجمع الكلمة والائتلاف، وعمر الفاروق رضي الله تعالى عنه كان من هؤلاء المفاتيح، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَتَشَهَّدَ عُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: (أَمَا بَعْدُ؛ فَإِنِّي قُلْتُ مَقَالَةً، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا فِي عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا -يُرِيدُ بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ-، فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ =صلى الله عليه وسلم= قَدْ مَاتَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاعْتَصِمُوا بِهِ تَهْتَدُونَ لِمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِي اثْنَيْنِ، وَإِنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايَعُوهُ). وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يُزْعِجُ أَبَا بَكْرٍ إِلَى الْمِنْبَرِ إِزْعَاجًا) =أي يحثه على التقدم إلى المنبر= مصنف عبد الرزاق (5/ 438) (9756). فجمع الله به الأمة، ووحد به الكلمة، وألف به بين القلوب، فاستقامت الأمور، وتفرغوا لشئون دنياهم ففتحوا البلاد، وأقبلوا على أخراهم فكانوا هم الزهاد العباد.
فمن لنا نحن الفلسطينيين اليوم؟ من يكون مفتاحا للخير، فنكوِّنَ حكومتَنا، وندعمَ قائدنا ورئيسنا، ونوافقَ على رئيس كفءٍ لحكومتنا المؤقتة؟ ومن يكونُ مغلاقا للشرِّ فيسعى في رفع الحصار، ويكفَّ شر الأشرار، الذين لا يريدون الخير لأمتنا، ولا الحرية لمجتمعاتنا، ولا المصالحة بين أبناء مجتمعنا، ويُنهي الخصام والانقسام بين الإخوة في الدين والدم والوطن؟
ومنهم مفاتيح للشر وهم من يسعى في إثارة الفتن والشقاق، والتنافر والخلاف، {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة: 64)، يا مفتاح الشر! يا مفتاحَ الشرِّ! {لا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77).
ومنهم من يجتهد في قلع ما في قلوبهم من الأحقاد والبغضاء، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 10).
ومن مفاتيح الشرِّ من يُلْهِبُ في قلوب المؤمنين الشحناء، {.. قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 118 – 120).
ومنهم من يفتح أبواب الجود والكرم والسماحة؛ حثًّا وعملا، وحضًّا وفعلا، فـ"الإيمان الصبر والسماحة". الصحيحة (554). سماحةٌ في البيع، وسماحةٌ في الشراء، وسماحةٌ في الاقتضاء، فـ«رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى». صحيح البخاري (2076).
فلنكن من مفاتيحِ الخيرات، في المعاملات، ولنطيِّب الكلام، ولنطعم الطعام، لنفوزَ بوعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَغُرَفًا؛ تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: «هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ». سنن الترمذي ت شاكر (4/ 673) (2527) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه.
إنهم الذين {يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} (الإنسان: 8، 9)
أما مغلاقُ الخير مفتاحُ الشر، فبدلَ أن يدعوَ إلى الجود والكرم والسماحة؛ يدعو إلى البخل والشحِّ والوقاحة، {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} (المنافقون: 7) إنهم {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (النساء: 37).
ومفتاحُ الخيرات؛ ينوِّع في فعل المعروف في بدنه، وقولِه ومالِه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ». قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا =أي عنده صنعة ويحتاج لمعونة= أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ =وهو الذي ليس له صنعة ولا يعرف عملا فتصنع له=» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ». البخاري (2518)، ومسلم (84) بلفظه.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ؛ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ؛ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ» المعجم الكبير للطبراني (12/ 453) (13646)، والصحيحة (906).
ومنهم من لا يعرف المعروف ولو قلَّ، فلا تسأل عن سوء حالِه.
ومفتاح الشر مجالسُه مشغولةٌ بالغيبة والنميمة، والوقيعةِ في الناس.
ومفتاح الخير ينـزِّهُ نفسه عن ذلك، وينـزِّه الجُلاَّس، فمجالسه فيها ذكر الله سبحانه، أو علمٌ نافع، أو حديثٌ بريء، أو كلمةٌ هادفة, أو حكمةٌ بالغة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: "هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ" قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُ مْ بِأَجْنِحَتِهِم ْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» قَالَ: "فَيَسْأَلُهُ ْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: "مَا يَقُولُ عِبَادِي؟" قَالُوا: يَقُولُونَ: "يُسَبِّحُونَ َ وَيُكَبِّرُونَك َ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَك َ" قَالَ: فَيَقُولُ: "هَلْ رَأَوْنِي؟!" قَالَ: فَيَقُولُونَ: "لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ!" قَالَ: فَيَقُولُ: "وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟!" قَالَ: يَقُولُونَ: "لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا" قَالَ: يَقُولُ: "فَمَا يَسْأَلُونِي؟!" قَالَ: "يَسْأَلُونَك الجَنَّةَ" قَالَ: يَقُولُ: "وَهَلْ رَأَوْهَا؟!" قَالَ: يَقُولُونَ: "لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا" قَالَ: يَقُولُ: "فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟!" قَالَ: يَقُولُونَ: "لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؛ كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً"، قَالَ: "فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ " قَالَ: يَقُولُونَ: "مِنَ النَّار" قَالَ: يَقُولُ: "وَهَلْ رَأَوْهَا؟!" قَالَ: يَقُولُونَ: "لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا" قَالَ: "يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟" قَالَ: "يَقُولُونَ: "لَوْ رَأَوْهَا؛ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً" قَالَ: "فَيَقُولُ: "فَأُشْهِدُكُ ْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ" قَالَ: "يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ". قَالَ: "هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ". صحيح البخاري (6408) ومسلم (2689).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم. *********
الحمد لله؛
ومفتاح الخير؛ من تُذكِّر رؤيته بالله، ويعين العباد في مقالِه وحالِه على طاعة الله، ويأمرهم بالقيام بالحقوق المفروضة والمندوبة، والواجبة والمسنونة.
ومغلاق الخير هو المثبِّطُ عن الخير، وأحوالُه غيرُ مأمونة، فتبارك الذي فاوَت بين العباد هذا التفاوتَ العظيم، فمنهم من هو في جنات النعيم، وآخرون في عذاب الجحيم.
فهذا كريم على الله وعلى خلقه، وَضَعَ له القبولَ عند أهل الأرض، بعد أن أحبَّه أهل السماء.
وهذا لئيمُ، تكرهه القلوب ولا تألفه، وتنفر منه ومن أفعاله الحيوانات والجمادات وتأنفُه، فإذا مات لا تُفتَّح له أبواب السماء، ويحرم من الجنات، ويسقط في أمه الهاوية، النار الحامية.
وهذا مباركٌ على من اتصل به وجالسه، فاستفاد منه الأخلاق الحسنة، والآداب الرفيعة.
وهذا داعٍ إلى كُلِّ خُلُقٍ ذميم، فهو كنافخ الكير، يحرق من جالسه، ويشوِّه سمعة من آنسه.
وهذا مفتاحٌ للبر والتقوى وطرق الخيرات، فيسعى جاهدا على الفقراء والمساكين والأرامل, فيقضي لهم الحاجات.
وهذا مغلاقٌ لها ومفتاحٌ للشرور والآفات، فخالف رب العالمين، وقهر اليتيم، ونهر السائل، وطرد الفقير والأرملة والمسكين، ومنعهم من أبسط الحاجات.
وهذا مأمون على النفوس والأعراض والأموال، ويستحق أن يكون رئيسا أو وزيرا أو أمينا، على أمانات الناس.
وهذا خائن لا يوثق به في حال من الأحوال، لا يستحق أن يكون حارسا أو بوابا أو كناس.
وهذا قد سلم المسلمون من لسانه ويده، يسعى جاهدا لخير أمته، والحفاظ عليها، والدفاع عنها عندما كان قادرا، وسَحَبَ ما استطاع سحْبَه من أرضه ووطنه من يد عدوه، وبكل أسلوب من مفاوضات ومعاهدات ومشاورات، عندما خذلته الأمم، من عُرْبٍ ومن عَجَم.
وهذا آخر لم يسلم منه أحد، وربما سَرَتْ أذيَّتُه على أهله وأولاده وجيرانه، بل وصل أذاه إلى سائر مجتمعه وخلاَّنه، واستعان بأعدائه على أقاربه وإخوانه، وقدَّم وطنَه وشعبَه لقمة سائغة لأعدائه، وفتح أرضه للصليبيين فجاسوا خلال الديار، وخربوا العمران، وأكثروا في الأرض الدمار، فباؤوا بالخسران!. مقتبسة بتصرف من (الفواكه الشهية في الخطب المنبرية) للسعدي (ص: 115- 117).

فاتّقوا الله أيّها المسلمون في دمائكم وأموالِكم وأعراضِكم، وإيّاكم وثاراتِ الجاهلية، والانتقامَ والتعديَ والظلم، فإنّ ذلك لا يعقِب خيراً، بل يملأ القلوبَ حِقدًا، تتنافر النّفوس وتتباعد والعياذ بالله.
نسأل اللهَ أن يجنّب المسلمين الفتنَ ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقَ المسلمين الاستقامة، ويرزقَ قادتَهم البصيرةَ في أمورِهم كلّها، ليجنّبوا هذه المجتمعاتِ المسلمة الضرَر والأذى، إنّه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله؛ أنّ أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ شذّ في النار.
وصلّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمّد، كما أمركم بذلك ربكم، قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} (الأحزاب: 56). اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، وسائر العشرة الذين هم بالجنة مبشرين، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحْمِ حوزة الدين، واجعل اللهم هذه البلدَ آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعبادَك الصالحين.
اللهم أيِّد بالحق رؤساءنا وحكامنا وقادتنا، ووفقهم لما تحبُّ وترضى، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير، وتعينهم عليه، اللهم أيِّدهم بالحق، وأيِّد الحقَّ بهم، واجعلهم نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمعهم على الحقِّ يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمرَ رُشْد يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم ارفع عنا الغلاءَ والوباء، والربا والزنا، والزلازلَ والمحن، وسوءَ الفتن، ما ظهرَ منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

جمعها واقتبسها من مظانها
أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد
الزعفران الوسطى فلسطين
15 رجب الفرد 1432 هلالية
17 يونيو حزيران 2011 شمسية
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@hotmail.com
أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com
[/SIZE]