بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله النبي الأمين وبعد.
فقد طلب مني فضيلة الشيخ أحمد بن أبي العينين - حفظه الله - أن أرفع هذا الرد على ما انتقده الدكتور يحيى الخليل على كتاب (المنتخب من مسند عبد بن حميد) وأقدم هذا الرد من فضيبة الشيخ أحمد بدون تدخل مني مطلقًا، وهذا نصه:
تعليق حول ما ذكر على منتخب عبد بن حميد من تعليق
بقلم أبي عبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين
لقد كُتب تصحيح لبعض الكلمات ولسقوط أخرى في منتخب عبد بن حميد – طبعة ابن عباس بتحقيقي – كتبه شخص تسمى بيحيى الخليل، ولا أدري هل هذا اسمه الحقيقي أم أنه اسم مستعار، وقد أصاب في بعض ما كتب، وأخطأ في بعضه، فكان مما أخطأ فيه:
الحديث رقم (655): قال ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الهدنة التي كانت قبل الصلح الذي كان بينه وبينهم، والمشركون عند باب الندوة مما يلي الحجر... الحديث.
قال الكاتب: تصحف في طبعتي التركية وابن عباس إلى (قال)، والمثبت عن طبعتي: عالم الكتب وبلنسيه، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (14/436) (37999)، وهو شيخ عبد بن حميد فيه على الصواب.
قلت: ما صوبه هو عين الخطأ، وما ادعى أنه تصحيف هو عين الصواب، وقد تصحف في نسخة أيا صوفيا إلى (قبل)، فتبعها أصحاب نسختي عالم الكتب وبلنسيه، ووقع على الصواب في النسخ الخطية: القرويين – الفتياني – شقرا ، والذي في مصنف ابن أبي شيبة خطأ، وكذلك وقع في كنز العمال (5/181) رقم (12532)، ولا يصح إلا ما أثبته كما في الأصول الخطية المذكورة؛ لأن جعلها (قبل) يقتضي أمرين:
الأول: أن هناك هدنة وصلحًا، وأن الهدنة غير الصلح، وهذا باطل بلا شك، فالهدنة والصلح وقعة واحدة، وشيء واحد، وهو ما تم بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين بالحديبية.
والأمر الثاني: أن هذه العمرة التي وقع فيها ما ذكر تمت قبل الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، وهذا باطل بالإجماع، وإنما حدث ذلك في عمرة القضية من العام التالي لصلح الحديبية، وهو الموافق لما ورد في هذا الحديث عند أحمد (3347)، وورد بمعناه في بعض طرقه عند البخاري (4256)، ومسلم (1264)، (1266)، وورد منصوصًا على الحديبية أيضًا عند أحمد (2707)، (3534)، فتبين أن ما ادعاه تصحيفًا هو عين الصواب، وما ادعاه صوابًا هو التصحيف،ولينبه على التصحيف في مصنف ابن أبي شيبة وكنز العمال.
2- حديث رقم (367):
قال الكاتب: (غط فخذيك): تصحف في طبعة دار ابن عباس إلى ( فخذك) ، وهو على الصواب في نسخة أيا صوفيا الخطية الورقة (52/أ) وطبعات عالم الكتب، وبلنسيه، والتركية.
قلت: ما ادعاه تصحيفًا هو عين الصواب، فقد ورد كذلك (غط فخذك، فإنها من العورة)، واضحًا جليًّا في الأصول الخطية: شقرا – الفتياني – القرويين، وكل أصل منها أسلم وأبعد عن الخطأ من نسخة أيا صوفيا، فكيف إذا اجتمعت الثلاثة على خلافها وحدها؟، وقد وقع كذلك عند ابن قانع في معجمه (3/19)، والطبراني في الكبير ج (19) رقم (553) من طريق زيد بن أبي أنيسة الذي أخرج المصنف الحديث من طريقه، ووقع كذلك في مصادر أخرى من غير طريقه، بل قد وقع في نسخة أيا صوفيا التي نقل منها هذا الكاتب ما يدل القارئ على وقوع الخطأ والخلل فيها دون غيرها من الأصول الخطية، حيث وقع فيها الكلام هكذا: (غط فخذيك، فإنها من العورة)، بإفراد الضمير في (فإنها) ، والصحيح: (فإنهما) لأن (فخذيك) مثنى تبعًا لما وقع فيها، لكنها جاءت بالإفراد بما يناسب ما وقع في النسخ الأخرى، وقد اطلع الكاتب على هذا الحرف في تلك النسخة مع أنه يخالف ما وقع في طبعة ابن عباس، فكانت فرصة له ليعدها خطأ آخر كما هي عادته في المواضع الأخرى، لكنه أخفاه لتسلم له دعوى الخطأ الأول، ولا يظهر التناقض بينهما، وذلك خلل منه بيِّن بالأمانة، ولا قوة إلا بالله.
3- الحديث رقم (349): عمران بن عبد عن عبد الله بن عمرو
قال الكاتب: طبعات عالم الكتب، وبلنسيه، والتركية، وابن عباس: عمران بن عبد الله، وهو على الصواب في التاريخ الكبير (6/414)، والجرح والتعديل (300/6)، والثقات لابن حبان (4597)، وتهذيب الكمال (337/22)، وهو عمران بن عبد المعافري، أبو عبد الله المصري.
قال ابن حجر: عمران بن عبد، بغير إضافة، المعافري، تقريب التهذيب (5160)، والحديث أخرجه إسحاق بن راهويه (1064) ، وابن ماجه (2435)، والطبراني (13/174، 175)، والبيهقي في الشعب (5559، 5560) كلهم من طريق الإفريقي به على الصواب.
قلت: قوله بعد ذكره طبعات المنتخب: (وهو على الصواب في ...) يقتضي تخطئة ما فيها، وتخطئتها هو الخطأ، وما وقع فيها هو الصواب، لأن اسم الراوي وقع كذلك في الأصول الخطية كلها: (عمران بن عبد الله) ، وليس لأحد أن يتصرف في كتب التراث، بل يلزمه إثبات ما وجده فيها، وله أن ينبه على ما يراه صوابًا في الحاشية كما هو مقرر عند أهل هذا الشأن، فكيف إذا وقع في مصادر أخرى موافقًا لما وقع في الأصول الخطية، فقد وقع كذلك: عمران بن عبد الله في تاريخ ابن معين – رواية الدارمي (475)، ونقله العقيلي في الضعفاء (1312) عن ابن معين، وأقره، وكذا سماه ابن الجوزي في الضعفاء (534)، والسيوطي في حسن المحاضرة، وهذا يدل على وقوع الاختلاف في اسم الراوي، وقد لا يقف على هذه المصادر هذا الكاتب لقصوره أو لتقصيره، فقد زهَّد في فائدة التوسع في مصادر التخريج، والقصور أو التقصير أمرهما أهون من إخفاء الحقائق، فقد نبهت في الحاشية على الاختلاف في اسم الراوي، وعلى الصواب في اسمه، حيث قلت: عمران بن عبد الله، وهو عمران بن عبد المعافري، فأخفى هذا في تعليقه، وادعى الخطأ المحض في نسخة ابن عباس كغيرها، وتلك مصيبة أخرى، والأدهى من ذلك أنه لم يَخْرُج فيما ذكره من المصادر عما خَرَّجت الحديث منها، وترك موضعين وقع فيهما اسم الراوي: عمران بن عبد الله، الذي يوافق ما أثبته حتى لا يظهر وقوع الخلاف في اسمه، وهي كشف الأستار عن زوائد البزار (1340)، والمتفق والمفترق للخطيب (909)، فأي بلاء أعظم من إخفاء الحقائق العلمية، لغرض ليس بالطبع خدمة السنة؟!
وقد تبين أنه قد أخطأ في نحو ربع ما انتقده، وهو ناقد فقط، وليس محققا لكتاب عدد صفحاته (1866صفحة) وقد ذكر أنه كلف بعض النساء المتخصصات!!! – زعم – بالعمل في تصحيح منتخب عبد بن حميد بعد الانتهاء من صحيح ابن خزيمة، ولا أظن أحدًا يخالف في كونه يجب عليه أن يكلفهن بمراجعة ما ينشره من انتقادات على غيره قبل أي عمل آخر بعد ما ظهر من حاله ما ظهر.
وأما الخلل في الأمانة، فأسأل الله أن يتوب علينا وعليه، إذ لا علاج له إلا بالتوبة النصوح، والله المستعان.
وقد علق على كلام الخليل شخص آخر تسمى بسعد معاذ، بكلام تعدى فيه وأساء أشد من الخليل، وأكل أمرهما فيه إلى الله، وكلامه دال على عدم معرفته بهذا الشأن، ومنه اعتراضه على أنني ذكرت أنني جعلت نسخة السامرائي أصلا مع امتلاكي لخمسة أصول خطية، ولا يخفى على من له أدنى معرفة أن أي أحد يقوم بتصحيح كتاب مطبوع لا يلزمه أن يعيد نسخ الكتاب من الأصول الخطية، ولا يعيبه إن يصحح على نسخة مطبوعة، ولا يمكن لأحد أن يطالبه بإعادة نسخه، لكننا ابتلينا بتطفل من لا يدري في المسائل العلمية خاصة الشرعية منها، والله المستعان.
هذا وإنني أرحب بأي نقد أو تصحيح لأي شيء من أقوالي أو أعمالي، وسأدعو الله لمن ينبهني على شيء من ذلك، إذا فعل ذلك إحقاقًا للحق لا لشيء آخر، أسأل الله عز وجل أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن يرد كيد الحاقدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين.