هذه الأمة
أمة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحمد لله؛ جاء الرسل والأنبياء عليهم الصلاة لهداية الناس، وإخراجِهم من الظلمات إلى النور، وإلى الهدى بعد الضلالة، وإلى العلم بعد الجهالة، وسار على طريقهم ورثتُهم من العلماء والدعاة، يأمرون الناس بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.
والله سبحانه حثَّ المؤمنين على الأمر بالمعروف، والنهيِ عن المنكر فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران: 104]
في تفسير البغوي (1/ 486): [{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}، أَيْ: كُونُوا أُمَّةً، {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} إِلَى الإِسْلامِ، {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}]. والأمر والنهي على قدر الطاقة والاستطاعة، وعن أَبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ».
بالأمر والنهي يرفع العذاب والعقاب، عن حذيفة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ؛ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ».
عَنِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ تعالى بعقابه».
إن المداهنة في الأمر والنهي عند القدرة تؤدي إلى الهلاك، عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُدَاهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ؛ فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرّ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: (ما لك؟) قال: (تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلا بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ!) فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم». صحيح البخاري (2686)
وهذه الأمة ما جاءتها الخيرية من ربها سبحانه وتعالى؛ إلا بإيمانها بربها، وأمرِها بالمعروف ونهيِها عن المنكر، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 110]
هذه الأمةُ أمةُ الإسلام، هي ورسولها محمدٌ عليه الصلاة والسلام؛ قد ذكرهم الأنبياء عليهم السلام من قبل بصفاتهم، في كتبهم التي لم يتطرَّقْ إليها التحريفُ والتزوير.
قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}آل عمران (157).
في تفسير البغوي بتصرف يسير: [{وَاكْتُبْ لَنا} أَوْجِبْ لَنَا {فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً}، النِّعْمَةَ وَالْعَافِيَةَ، {وَفِي الآخِرَةِ}، أَيْ: وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً أَيِ: الْمَغْفِرَةَ وَالْجَنَّةَ، {إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ}، أَيْ: تُبْنَا إِلَيْكَ، {قالَ} اللَّهُ تَعَالَى: {عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ}، مِنْ خَلْقِي، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ}، أي: عَمَّتْ {كُلَّ شَيْءٍ}، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ للمتّقين خاصة. قال عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَلَكِنْ لا تَجِبُ إِلا لِلَّذِينِ يتّقون، وذلك أن الكافرين يرزقون، ويُدْفَع عنهم بِالْمُؤْمِنِين َ، لِسِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فيعيشون فِيهَا، فَإِذَا صَارَ إِلَى الآخِرَةِ وَجَبَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، كَالْمُسْتَضِيء ِ بِنَارِ غَيْرِهِ، إِذَا ذَهَبَ صَاحِبُ السِّرَاجِ بِسِرَاجِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، قَالَ إِبْلِيسُ: أَنَا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ}، فَتَمَنَّاهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا: نَحْنُ نتّقي ونؤتي الزكاةَ ونؤمن، فَجَعَلَهَا اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ فَقَالَ:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ..} الآيَةَ. قَالَ نَوْفٌ الْبِكَالِيُّ الْحِمْيَرِيُّ: لما اختار موسى سَبْعِينَ رَجُلا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى: (أَجْعَلُ لَكُمُ الأَرْضَ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، تُصَلُّونَ حَيْثُ أَدْرَكَتْكُمُ الصَّلاةُ؛ إِلاَّ عِنْدَ مِرْحَاضٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ قَبْرٍ، وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ فِي قلوبكم وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهر قلوبكم؛ يقرأها الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ)، فَقَالَ ذَلِكَ مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَقَالُوا: (لا نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ إِلاَّ فِي الْكَنَائِسِ، وَلا نَسْتَطِيعُ حَمْلَ السَّكِينَةِ فِي قُلُوبِنَا، وَلا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقْرَأَ التَّوْرَاةَ عَنْ ظُهُورِ قُلُوبِنَا، وَلا نُرِيدُ أَنْ نَقْرَأَهَا إِلاَّ نَظَرًا!) فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ..} إِلَى قَوْلِهِ: {أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فَجَعَلَهَا اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ. فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: (يَا رَبِّ! اجْعَلْنِي مِنْهُمْ)، فَقَالَ: (إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَهُمْ)، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السلام: (يا رب أَتَيْتُكَ بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ فَجَعَلْتَ وِفَادَتَنَا لِغَيْرِنَا؟!) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأَعْرَافُ: 159]، فَرَضِيَ مُوسَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (هُوَ نَبِيُّكُمْ؛ كَانَ أُمِّيًّا لا يَكْتُبُ، وَلا يَقْرَأُ وَلا يَحْسِبُ). وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسِبُ». وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الأُمِّ أَيْ هُوَ عَلَى مَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أُمَّتِهِ، أَصْلُهُ أُمَّتِي، فَسَقَطَتِ التَّاءُ فِي النِّسْبَةِ كَمَا سَقَطَتْ فِي الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ. {الَّذِي يَجِدُونَهُ}، أَيْ: يَجِدُونَ صِفَتَهُ وَنَعْتَهُ وَنُبُوَّتَهُ، {مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ}.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَكْتُوبٌ فِي الإِنْجِيلِ: لا فَظٌّ وَلا غَلِيظٌ، وَلا سَخَّابٌ بِالأَسْوَاقِ، وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا؛ بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ". الصحيحة (2458)
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: (أَجَلْ وَاللَّهِ! إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا)، ... عَنْ ابْنِ سَلاَمٍ (غُلْفٌ: .. رَجُلٌ أَغْلَفُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا). صحيح البخاري (2125).
تفسير البغوي ط إحياء التراث (2/ 239) بتصرف يسير: [{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: بالإيمان، والشَّرِيعَةُ وَالسُّنَّةُ، ويشمل الأمر بِالْمَعْرُوفِ َمَكَارِمَ الأَخْلاقِ، وَصِلَةَ الأَرْحَامِ، وخلْعَ الأَنْدَادِ، {وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}، يعني: عن الشرك، ومَا لا يُعْرَفُ فِي شَرِيعَةٍ وَلا سُنَّةٍ، وعَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَقَطْعِ الأَرْحَامِ، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ}، يَعْنِي: مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ وَالِحَامِ، {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ}، يَعْنِي: الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالزِّنَا، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ}، .. وَالإِصْرُ: كُلُّ مَا يَثْقُلُ عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، ومنه الْعَهْدُ الثَّقِيلَ كَانَ أُخِذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْعَمَلِ بِمَا في التوراة. وهو التَّشْدِيد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ. {وَالأَغْلالَ}، يَعْنِي: الأَثْقَالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ مثل قتل النفس في التوراة، وَقَطْعِ الأَعْضَاءِ الْخَاطِئَةِ، وَقَرْضِ النَّجَاسَةِ عن الثوب بِالْمِقْرَاضِ، وَتَعْيِينِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ، وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَتَرَكِ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ، وَأَنَّ صَلاتَهُمْ لا تَجُوزُ إِلاَّ فِي الْكَنَائِسِ، وَغَيْرِ ذلك من التشديد، شبّهت بِالأَغْلالِ الَّتِي تَجْمَعُ الْيَدَ إِلَى الْعُنُقِ. {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ}، أَيْ: بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {وَعَزَّرُوهُ}، وَقَّرُوهُ، {وَنَصَرُوهُ}، عَلَى الأَعْدَاءِ، {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، {أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}]. أهـ
إن هذه الأمة لا يستثنى أحد منها من الأمر والنهي، وكل بحسبه ومكانته، رجالهم ونساؤهم، {وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
إن أهلَ أهذه الأمة هم {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]
هذه الأمة إن صار لها سلطان في الأرض؛ لا تفكر في الملاهي والملاذ، وما لا ينفع ولا يغني شيئا؛ بل أهلها {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41]
وأول ما يأمرون به بعد الإيمان والتوحيد يأمرون بعمود الدين الصلاة والأمر والنهي والصبر على ذلك، يأمرون أهليهم وأبناءهم، وحال كل واحد من هذه الأمة يقول لولده: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17]
والله سبحانه ينهانا -رحمة بنا- عن الفحشاء والمنكر ويأمرنا بما فيه الخير والنفع، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
والأعمال الصالحة تنهى صاحبَها عن المنكر خصوصا الصلاة، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]
وعلى العكس من ذلك؛ الشيطان ورفقاءُ السوء والمنافقون يأمرون بالفحشاء والسوء والمنكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168، 169]
والشيطان يثبط هذه الأمة عن فعل الخيرات ويثبطها عن ترك المنكرات، ويدسُّ في نفوسهم اليأس والقنوط من رحمة الله، {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]
ومن الذين اتبعوا خطوات الشيطان فأمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف وبخلوا بما أنعم الله عليهم؛ {الْمُنَافِقُون وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67]
فالذين لا يتناهون بينهم عن المنكر من هذه الأمة فيهم شبه بالأمة الملعونة، الذين قال فيهم رب العالمين: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ* تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 78- 80]
قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ هَذِهِ الآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ثُمَّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا، أَلا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَالْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ» مشكاة المصابيح (3/ 1422) (5142)
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنكم تقرؤونَ هذهِ الآيَة: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ». .. وَفِي أُخْرَى: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لا يُغَيِّرُونَ إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ».مشكاة المصابيح (3/ 1422) (5142).
عباد الله لا تتمنوا المنكرات والذنوب فتشاركوا أهلها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ؛ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا؛ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا؛ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا» . أَبُو دَاوُد، مشكاة المصابيح (3/ 1422) (5141) (حسن).
قِيلَ لأُسَامَةَ: (لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ!) =أي ينصح أحد الأمراء= قَالَ: (إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ؟! إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالُوا: (وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟!) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟! أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟! قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ!" مُتَّفق عَلَيْهِ
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ، فَمَا سَلَّمَ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ، فَلَصِقت بِالْحُجْرَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكُمْ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي فَلا أُجِيبَكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلا أُعْطِيَكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُو نِي فَلا أَنْصُرَكُمْ". صحيح الترغيب والترهيب (2/ 288) (2325).
وعن قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: يَا رَبِّ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الأَرْضِ، فَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رِضَاكَ وَغَضَبَكَ؟ قَالَ: «إِذَا رَضِيتُ عَنْكُمُ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ خِيَارَكُمْ، وَإِذَا غَضِبْتُ عَلَيْكُمُ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ» هذا ثابت عن قتادة أحد الحفاظ الكبار. مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 130) (107)، والرد على الجهمية للدارمي (ص: 59) (87). وحسن الألباني إسناد الدارمي.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: (فَمَا زَالَ بِنَا الْبَلاءُ حَتَّى قَصَّرْنَا). أخرجه الترمذي وابن ماجه (4007) الصحيحة (168).
وهكذ يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم وسائل الأمر والنهي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ».
فمن وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أولا: الإنكار باليد: وذلك لأولي الأمر ولاية عامة؛ من الحكام والسلاطين والأمراء والمسئولين، وكذلك أولياء الأمور الولاية الخاصة من الآباء والأمهات، والإخوة الكبار والأخوات ونحوهم، من المعلمين والمعلمات وغيرهم.
فيجوز لهؤلاء استخدام الضرب غير المبرح تأديبا لا تعذيبا، بألاّ يزيد طول العصا عن شبر أو شبرين، فالرجل يضرب المرأة يؤدبه إن لم يجد النصح والوعظ والهجر، ويؤدب أولاده بالترغيب والترهيب، والمرأة تربي أولادها، والأخت تؤدب إخوانها، والمعلمة تضرب تلاميذها تأديبا، هذا بعد استفراغ وسائل الترغيب والترهيب، والوعظ والإرشاد.
وعليه فلا يجوز في مثل هذه الحالات استخدام قوة السلاح لفرض الآراء على الآخرين، بزعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانيا: استخدام وسيلة اللسان في الأمر والنهي، وهذه خاصة وعامة؛ فالعامة للعلماء والدعاة، على المنابر وفي الأماكن العامة والخاصة، ووسائل الإعلام بكافة أنواعها، والخاصة للآباء والمعلمين والمربين.
ثالثا: الأمر والنهي بالقلب، بمحبة المعروف وأهله، وكراهةِ المنكرِ ومقاطعةِ أهلِه، وهذه لعموم الأمة، لا يستثنى من ذلك أحد، وليس وراء ذلك مقدار حبة خردل من إيمان، عن سَلاَّمِ بْنِ مِسْكِينٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ قُلْتُ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ! الرَّجُلُ يَأْمُرُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنِ الْمُنْكَر؟) قَالَ: يَأْمُرُهُمَا؛ إِنْ قَبِلا، وَإِنْ كَرِهَا سَكَتَ عَنْهُمَا" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 83) (40).
وعند عدم القدرة فعلينا بالبكاء والدعاء لهذه الأمة، عَنِ الْفَيْضِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: (سَأَلْتُ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ عَنِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ؟) قَالَ: (لَيْسَ هَذَا زَمَانَ كَلامٍ، هَذَا زَمَانُ بُكَاءٍ وَتَضَرُّعٍ، وَاسْتِكَانَةٍ وَدُعَاءٍ لِجَمِيعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ أُوثِقْتَ فِي رِجْلِكَ فِي هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ- جَزِعْتَ وَلَمْ تَصْبِرْ، وَلَوِ ابْتُلِيتَ لَكَفَرْتَ، قَدِ ابْتُلِيَ قَوْمٌ فَكَفَرُوا مِنَ الشِّدَّةِ". الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 134) (109).
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَبِحَسْبِ امْرِئٍ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا لا يَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرَ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَهُ كَارِهٌ».الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا (ص: 136) (112).
وهذا ينطبق على هذا الزمان، زمنُ الدعاءِ للمؤمنين بالهداية، والتوفيقِ للخيرِ ومحابِّ الله تعالى، وكراهةِ الشرِّ ومقاطعةِ أهله، والتعاونِ على البرِِّ والتقوى، والبعدِ عن مواطن الشبهات، والإكثارِ من فعلِ الخيرات، وتركِ المنكرات، وحبِّ المساكين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أبو المنذر فؤاد بن يوسف
الزعفران الوسطى غزة
غرة رجب الأصم 1432 هلالية
3 يونيو حزيران 2011 شمسية
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: zafran57@hotmail.com