- هذا تعليق أخير، يقرب لك المسألة، ويعرفك بالحق فيها، وأنه لا منافاة بين أن يكون القرآن الكريم كلام الله تعالى ، وأن يكون إخبارا عن وقائع وقعت، بل قد ينزل القرآن على لسان بعض الصحابة ، وإليك البيان:
أولا: - قال السيوطي – في الإتقان ج 1 ص 99 وبعدها - : (( النوع العاشر : فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة ))، هو في الحقيقة نوع من أسباب النزول والأصل فيه موافقات عمر ، وقد أفردها بالتصنيف جماعة ، وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه "، قال ابن عمر: وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال ، إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر "، وأخرج ابن مردويه عن مجاهد قال :" كان عمر يرى الرأي، فينزل به القرآن "، وأخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟، فنزلت: (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ))، وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن ؟، فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه نساؤه في الغيرة، فقلت لهن:" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن "، فنزلت كذلك ، وأخرج مسلم عن ابن عمر عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث : في الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم "، إلى آخر ما ذكره الإمام السيوطي في الإتقان .
ثانيا:- فهذه الأحاديث تبين أن القرآن الكريم قد ينزل على نحو مما تكلم به الصحابة ، ولذلك بوب السيوطي هذا الفصل بعنوان (( فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة ))، فما وجه الإنكار أن يُخبر الله تعالى عن نبيه عليه الصلاة والسلام أنه (( قال )) للمشركين (( ربي يعلم القول في السماء والأرض ))، وأن تكون الآية نزلت على نحو مما قاله الرسول للمشركين ، كما نزلت آيات على لسان عمر ، ومقوله الذي قاله :
1 - في اتخاذ مقام إبراهيم مصلى .
2 - وفي آية الحجاب .
3 - وفي أسارى بدر .
4 - وفي آية " عسى ربه أن طلقكن "، ولاحظ قول عمر: فنزلت كذلك ، أي أنه قال قولته تلك ، فنزلت الآية القرآنية على نحو مما تكلم به ، وهذا لا ينفي أن تكون الآية من كلام الله تعالى ، تكلم الله تعالى بها ، وأنزلها على نبيه عليه الصلاة والسلام وحياً يتُلى .
ثالثا: - فهذا هو منهج العلماء ، وهذه هي فهومهم للقرآن الكريم ، أوتظن أن في ذلك منقصة للقرآن الكريم ؟، أو أن في ذلك نفياً أن يكون القرآن الكريم كلام الله تعالى ؟، لا شك في بطلان هذا الفهم ، فليس في ذلك منقصة للقرآن الكريم ، بل فيه منقبة له ، وهو أنه نزل بلغة العرب واستعمالاتهم ، ورغمها لم يستطيعوا الإتيان بمثله أو بسورة منه ، دلالة على كونه من عند رب العالمين ، أعجز العرب – فضلا عن العجم – عن أن يجاروه أو يأتوا آية بآية من مثله.
- وأرجو بهذا النقل عن الإمام السيوطي أن تكون شبهتك قد زالت ، علما أنني سأكتفي بهذا التعليق الأخير لي في هذا الموضوع ، وإنما أحببتُ أن أورد كلام السيوطي ، في أن القرآن قد ينزل على لسان الصحابة ، ومع ذلك يبقى قرآنا ، وكلاما لله تعالى ، فما الظن برسول الله عليه الصلاة والسلام ، وهو أفصح الخلق ، وأفصح من عمر ؟، أفنستنكر أن يكون القرآن نزل على لسانه – عليه الصلاة والسلام ؟، وبهذا أرجو أن تكون شبهتك مجرد سرابُ بقيعة يحسبه الظمأن ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، والله ولي التوفيق .