إن لعلمائنا الفقهاء حضور في المستجدات الفضائية الفلكية انعكست في أجوبتهم وفتاويهم في هذا الصدد من قبل أن يحلق أول رائد مسلم للفضاء فضلاً على أن يحط على القمر أو كوكب من كواكب المجموعة الشمسية ؛ وهذا يدل على وعي السائل ؛ والفقه الحاضر للمجيب .

ومن هؤلاء العلماء الفقهاء اللذين خاضوا غمار الفتاوى الفضائية ـ إن صح التعبير ـ العلامة الشيخ أبو الفضل عبد الله بن الصدّيق الغماري الطنجي المغربي ، المتوفى عام (1413هـ ) ، وهو عالم فقيه مشهور ، صاحب تأليفات كثيرة ومتنوعة ، وسيرته العلمية مبثوثة مسطورة معروفة .

فقد جاء في كتابه : ( خواطر دينية ) (1/28 ـ 31) أنه ورده خطاب من أخيه الذي وصفه بالعلامة وهو حسن بن الصديق الغماري يقول فيه : ( سيدي علمتم نبأ وصول الإنسان إلى القمر ، فماذا عسى يكون حكم الصلاة عليه ؟ وفي الطريق إليه بالنسبة لا ستقبال القبلة ؟ ولأوقات الصلاة إن كانت تختلف عن الأرض ؟ وكذلك بالنسبة للصيام ؟ لو فرضنا أنَّ الإنسان استطاع المكث فيه أو في غيره من الكواكب الأخرى التي يمكن العيش فيها ، بسبب وجود الهواء فيها كا لمريخ مثلا؟ إذ من المعلوم أنَّ الصيام مرتبط بظهور الهلال ، وقد أصبح الإنسان على ظهره ، أو على كوكب آخر لا علاقة للقمر به ، أرجو الإفادة مشكورين ).

فأجابه : ( هذه أسئلةٌ بِكْر تتعلق بموضوع ، لم يسبق له وجود قبل اليوم ، منذ وجد الإنسان على ظهر البسيطة ؛ إذا استثنينا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه عُرج إلى السموات العلى ، حتى وصل إلى سدرة المنتهى ، وإلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام ، لكنه لم يذهب إلى القمر ، وإن تجاوزه بمسافات بعيدة . لأن عروجه كان للتكريم / ومشاهدة آيات الخالق العظيم ؛ كما قال تعالى : ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) [ النجم : 18] ، ومجرد الوصول إلى القمر ، لا تكريم فيه ، لأن أرضه جرداء ، لا نبات فيها و لاكائنات حية ، ولا يمكن الإقامة عليها ، حسبما أثبتته التحاليل التي أُجريت على تربته وصخوره ، فإن تغيرت تلك التحاليل ، وفُرض إمكان سكناه في المستقبل القريب أو البعيد ، فإنَّ حكم الصلاة والصيام لساكنيه ينبني على مقدمة يتبين بعد تقريرها الجواب ، والله الموفق للصواب ) ثم ذكر الشيخ مقدمة مليئة بالاستشهاد من الآيات القرآنية الكريمة في تسخير الله الشمس والقمر والكواكب لأهل الأرض ، ثم ذكر آيات خطاب التكليف الموجه لأهل الأرض أصالة ، ثم قال :
( فإن ذهب جماعة منهم إلى القمر وسكنوه ، كانوا في شروط التكليف تابعين لأهل الأرض .

وبيان ذلك :أنَّ اليوم في القمر طويل ، يعادل أربعة عشر يوما . فالمقيمون فيه لا يصلون صلاة يوم واحد ؛ بل يقدرون له . فيصلون صلاة أربعة عشر يوماً بزمن أهل الأرض .
ومن جهة استقبالهم في الصلاة ، فإن العلماء قرروا أنَّ الكعبة قبلة ، هي والهواء الذي يسامتها من فوقها إلى السماء السابعة ـ حيث يوجد البيت المعمور ، قبلة أهل السماء ، وهو موازي للكعبة ؛ بحيث لو سقط ، وقع عليها ـ فإن أمكنهم أن يستقبلوا ذلك الهواء ، توجهوا إليه في صلاتهم ، وكانوا مستقبلين للقبلة . وإن تعذّر عليهم استقباله ، توجهوا حيث شاءوا . لأن المقرر في الفقه أنَّ استقبال الكعبة شرط في صحة الصلاة مع الإمكان ، وإن تعذر الاستقبال ، توجه إلى أي مكان . وعليه حمل بعض العلماء قول الله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) [ البقرة : 115] .

أما الصيام ، فيتعين في حقهم : أن يعتمدوا فيه على الحساب . لأن رؤية الهلال في حقهم متعذرة . فيعملون حساباً فلكياً : متى يظهر مكانهم الذي هو القمر ، هلالا لأهل الأرض ؟ فيصومون ، وكذلك يفطرون بالحساب . ويكون صومهم مقدراً كتقديره في الصلاة .
أما الحج ، فإنهم ينتقلون إلى الأرض لأدائه .

والمسافر إلى القمر إن أمكنه التحرك في سفينة الفضاء ؛ صلَّى فيها بركوع وسجود ، متجهاً إلى هواء الكعبة كما سبق ، فإن لم يمكنه التحرك ، ولا الاستقبال ؛ صلّى بالإيماء متجهاً إلى أي جهة تتيسر له .

وحكم سكان الكواكب الأخرى ـ إن أمكنت سكناها ـ حكم سكان القمر في الصلاة والصيام والحج ؛ إلا أنهم في الصيام إن أمكنهم رؤية الهلال ، صاموا وأفطروا برؤيته ، وإن لم يمكنهم ؛ عملوا بالحساب .

وإن لم يوجد ماء في الكواكب ؛ فالتيمم يكفي للوضوء وغسل الجنابة .
وإن وجدت فيها حيوانات ـ على سبيل الفرض ـ فما كان منها مثل الحيوانات المباحة في الأرض كالأرنب مثلاً كان مباحاً . وما كان مثل الحيوانات المحرمة كالفأر والخنزير كان حراماً .

وإن لم يعرف له شبيه في الأرض يُنظر ؛ فإن كان ذا ناب يفترس به ، أو مخلب يجرح به ، أو يتغذى بالنجاسة ، كان حرراماً ، وإن لم يكن له ناب ، ولا مخلب ، ولا يتغذى بالنجاسة كان مباحاً . هذا حكم سكان الكواكب ، حسبما تقتضيه قواعد الشريعة الإسلامية ، والله أعلم ) انتهى كلامه رحمه الله .