تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عبقرية السلف أهل الحديث2/2

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    18

    Arrow عبقرية السلف أهل الحديث2/2

    عبقرية السلف أهل الحديث2/2
    بتاريخ : الإثنين 23-05-2011 05:04 مساء
    خاص بالمركز العربي للدراسات والأبحاث
    ولا يزال أهلُ الحديث يراقبون مجلس السماع، فيحدِّدون طريقة سماع كل واحدٍ مِن الشيخ، وفي أي مكان كان يجلس الراوي أو العالم؟ هل كان يجلس قريبًا مِن الشيخ؟ أم في مؤخرة الناس؟ هل سمع حديثه مِن صوت الشيخ مباشرة؟ أم سَمِعَه بصوت المُسْتَمْلِي الذي يُكَرِّر كلام الشيخ بصوتٍ مُرتفع ليسمع مَن هم في آخر الحلقة؟ وهل كان هذا المُستملي أمينًا؟ أم لا؟.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    وماذا عن الراوي: هل كان يكتب خلف الشيخ مباشرة؟ وما هي درجة دقته في هذه الكتابة؟ وهل كانت أُذنه جيدة السماع مرهفة الحِسّ؟ أم كان ضعيف السَّماع لا يقدر على سماع الصوت المنخفض؟ فتفوته الكثير مِن المواضع في الروايات؟

    ثم هذا الشيخ القارئ: هل بلسانه لثغة تغير بعض الحروف؟ هل ينطق الراء ياءً؟ أو السين ثاءً؟ أم أنه كان فصيحًا صحيح اللسان؟.

    وما هي درجة معرفته باللغة؟ هل كان فصيحًا كالشافعي؟ أم يلحن كفلان؟ وما أثر ذلك كله على روايته؟

    وإذا لم يكتب في أثناء الدرس فهل يكتب بعد الدرس؟ وهل يكتب بمفرده؟ أم يكتب مع الآخرين؟ وهل يحافظ على سماعه؟ أم أدخلَ عليه بعض الناس شيئًا؟ كما كان خالد المدائني يدخل على الشيوخ؟
    وهل كانت تأخذه غفلة في أثناء الدروس؟ أم كان يقظًا؟ وإذا نام الراوي أو الشيخ سجِّل ذلك أهل الحديث، مع بيان تأثير هذا النوم على الرواية، ومَن الذي ربما نام في المجلس فإذا أخطأ القارئ انتبه وردَّه؟.

    فإذا سَمِع الراوي راقبه أهلُ الحديث مِن جهاتٍ أخرى، فينظرون في مدى حِفظه للرواية وأدائها كما سمعها، دون تغيير في اللفظ أو المعنى، فإذا غَيَّر في لفظٍ عرفوه، وإذا غيَّر في معنًى ذكروه، فيقولون مثلًا: إنَّ ابن وضَّاح كان يُصْلح في رواية يحيى بن يحيى للموطإ.

    كذلك يعرفون مذهب أهل المدينة في العرض والسَّماع، ويتكلمون على ذلك، ومدى تأثيره على الرواية، ومَن الذي سَمِع مِن مالكٍ مثلًا، وبقراءة مَن؟ ويُرَجِّحون القعنبي عن مالكٍ لأسبابٍ خاصةٍ بالسماع وطول الملازمة، كما يُرجِّحون جماعةً في الزُّهْرِيِّ على آخرين، لطول الملازمة والحفظ والعناية بالرواية أكثر مِن غيرهم.

    ويعرفون أخطاء الرواة في شيوخ بأعيانهم، فيذكرونها، وقد سَرَد ابنُ رجب في آخر كتابه «شرح علل الترمذي» طائفةً مِن هؤلاء.

    لكن ماذا عن كتاب الراوي؟ هل كان يحفظ ما في كتابه؟ أم لا؟ وهل كان يحتاط له مِن ورَّاقين السوء؟ أم تركه لهم فنالوا منه؟

    ولا زال أهلُ الحديث مع الكتاب مِن جهةٍ أخرى، حيثُ الحبر المكتوب به، فقد شاهدوا حِبْرًا طريًّا بين الكتاب، فيبدأ البحث في الخط المكتوب به، هل هو نفسه الخط القديم؟ هل كان صاحب الكتاب يضيف على كتابه باستمرار، ويصلح ويُعَدِّل؟ أم أن بعض العابثين قد عبث بالكتاب، وأضاف إليه ما ليس منه؟.

    وإذا انتهى بهم الأمر إلى كشط أو ضرب أو تضبيب أو تغيير ما في الكتاب نبشوا عن أسبابه وتفاصيله وملابساته، ولم يقنع أهلُ الحديث بالظاهر حتى يقفوا على كُنْه المسألة وتفاصيلها بدقَّةٍ متناهية([1]).

    لكن ماذا عن شخص الراوي؟ هل كان يأخذ على التحديث أجرًا؟ أم لا؟ يعرفون ذلك كله، كما يعرفون طريقة الراوي في حياته، واستقامته مِن عدمها، ولهم أحاديث وأخبار في الكلام عن أخلاقيات وأدبيات الرواة وأحوالهم، فيعرفون الذي ركِبَ البرذون، كما يعرفون الذي تولَّى منصبًا، ولا يفوتهم الذي عُرِضَتْ عليه المناصب فهرب منها، وإلى أين هَرَب، وإذا اختفى ابنُ المسيب أو أحمد أو غيرهما يعرفون مكان اختفاء هذا وذاك، وما هو سبب الاختفاء؟ ومتى انتهى وعادت الأمور لمجاريها؟ وهل سمع أحدهم منه أثناء الاختفاء؟ أو سمع هو مِن أحدٍ؟

    ويتحوَّلون إلى بيت الراوي فيدرسونه، فيعرفون البيوت المشهورة بالضعف([2])، والبيوت المشهورة بالعلم والإمامة([3])، كما يدرسون البيوت مِن داخلها، فيتعرَّفون على علاقة الأبناء بأبيهم،([4]) ويشكرون صنيع الأبناء إذا حجبوا أباهم عن التحديث عندما يطرأ عليه طارئ التغيير أو الاختلاط، ويعيبون على آخرين أفسدوا كتب آبائهم وضيَّعوا علومهم.

    وإذا كان البيت نواة الدولة؛ فإنهم يتجهون إلى دراسة الدول، فيعرفون عادات وأعراف وأحوال كل دولة، فهذه تتمتَّع بالصدْق والأمانة والعلم، والأخرى يشيع فيها التشيع والرفض.

    في أمورٍ يحار العقل فيها لكنها جَرَتْ على أيديهم، حتى وهبهم الله تبارك وتعالى معرفة في حديثٍ الراوي أكثر مِن معرفته هو نفسه بحديثه.

    نعم؛ قال الإمامُ الثَّوْرِيُّ للإمام سليمان بن مهران الأعمشِ عن حديثٍ بعينه: «ليس مِن حديثك»([5]).
    وجاء إسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ يومًا فقال للإمام النَّاقِدِ يحيى بن معين: «كيفَ حَدِيثي؟»([6])، يسأله عن حديث نفسه.

    ولَقِيَ الإمام يحيى بن معين عليَّ بن عاصمٍ يومًا فقال له عن حديثٍ رواه: «لم نسمع هذا مِن مُطَرِّفٍ قطّ وليس هذا من حديثك، قال: فأَكْذِبُ؟ فاستحييتُ منه وقلتُ: ذُوكِرْتَ به فوقعَ في قلبِكَ فظننتَ أنَّكَ سَمِعْتَهُ ولم تسمعه وليس مِن حديثك» أهـ([7]).

    وسفيان بن وكيع يسأل الإمام الناقد أبا حاتم الرازي: ما الذي يُنْقَم عَلَيَّ؟ فيرد الإمام الكبير أبو حاتمٍ الرازيُّ بقوله: «قد أَدْخَلَ ورَّاقُكَ بين حديثِك ما ليس مِن حديثك»([8]).

    وهذه المعارف السابقة، وغيرها الكثير لا يظهر للقارئ منه سوى كلمة واحدة في الحكم على حديثٍ أو روايةٍ بالصحة أو الضعف، لكن وراء هذه الكلمة الكثير والكثير.

    فنحن أمام شيءٍ تحار فيه العقول، ولا يكاد يصدقه أحدٌ مِمَّن لم يلامس علوم الحديث ويتشرف بدراستها والانتماء لأهلها، فهؤلاء هم أهل الحل والعقد في الكلام على السُّنَّة لا ينازعهم في ذلك سوى جاهل بنفسه أو بهم.

    ولاشك أن هذه الخبرات العظيمة، وهذه المواهب السلفية التي ظهرتْ في صفحة أهل الحديث وأئمة الأثر؛ لابد من الحرص على دراستها والتعرُّف عليها، والاهتداء بها.

    إذ الأمر لا يمكن أن يقتصر الآن على مجرد نقل الفتاوى والآراء، وإنما لابد وأن يتخطى ذلك إلى التعرف الدقيق على مناهجهم، والسير عليها؛ إِذ هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

    والحمد لله رب العالمين، وهو الموفِّق والمستعان.

    "حقوق النشر محفوظة لموقع "المركز العربي للدراسات والأبحاث"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"


    ([1]) سألَ البَرْذَعِيُّ رحمه الله شيخَه الإمامَ النَّاقِد أبا زُرْعَةَ الرَّازِيِّ رحمه الله: «حديثٌ رواه محمدُ بن أيوب بن سويد الرَّمْلِيُّ، عن أبيه، عن الأَوْزَاعِيِّ؟ قال: حديث (بارك لأُمَّتي في بُكُورِها)؟ قلتُ: نعم. قال: مُفْتَعَلٌ، ثم قال: كنتُ بالرَّمْلَةِ فرأيتُ شيخًا جالسًا بِحِذَائِي إذا نظرتُ إليه سَبَّحَ وإذا لم أنظر إليه سَكَتَ، فقلتُ في نفسي: هذا شيخٌ هو ذا يَتَصَنَّع لي، فسألتُ عنه؟ فقالوا: هذا محمد بن أيوب بن سُوَيْد، فقلتُ لبعضِ أصحابنا: اذْهَبْ بنا إليه؛ فأَتَيْنَاهُ فأَخْرَجَ إلينا كُتُبَ أبيه أَبْوابًا مُصَنَّفَةً بخَطِّ أيوب بن سُوَيْد، وقد بَيَّضَ أبوه كلَّ بابٍ، وقد زِيدَ في البياضِ أحاديثَ بغير الخطِّ الأوَّلِ، فنظرتُ فيها فإذا الذي بخَطِّ الأوَّل أحاديثُ صِحَاح، وإذا الزِّيَادَات أحاديثُ موضوعة ليستْ مِن حديثِ أيوب بن سُوَيْد، فقلت: هذا الخطّ الأول خَطُّ مَن هو؟ فقال: خَطُّ أبي، فقلتُ: هذه الزِّيادات خطُّ مَن هو؟ قال: خَطِّي، قلتُ: فهذه الأحاديث مِن أينَ جِئْتَ بها؟ قال: أخرجْتُها مِن كتب أبي، قلتُ: لا ضَيْرَ أَخْرِجْ إِلَيَّ كُتُبَ أَبِيك التي أَخْرَجْتَ هذه الأحاديث منها. قال أبو زُرْعَةَ: فاصْفَرَّ لونُه وبَقِي وقال: الكتب ببيتِ المقدس، فقلتُ: لا ضير أَنَا أَكْتَرِي فيُجَاءُ بها إِلَيَّ فأَوْجِه إِلَى بيتِ المقدس واكْتُبْ إِلَى مَنْ كُتُبك مَعَه حتى يُوَجِّهها؛ فبَقِي ولم يكن له جوابٌ، فقلتُ له: ويحك! أَمَا تَتَّقِي الله؟ ما وَجَدْتَ لأَبِيك ما تَفْقَه به سوى هذا؟ أبوكَ عند الناس مستورٌ وتَكْذِب عليه؟ أما تَتَّقِي الله؟ فلم أَزَلْ أُكَلّمه بكلامٍ مِن نحو هذا ولا يَقْدِر لي على جواب» انتهى؛ نقلًا عن «سؤالات البَرْذَعِيِّ لأبي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ» (2/389- 391، أبو زُرْعَة الرازي وجهوده في السنة النبوية مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البَرْذَعِيِّ، دراسة وتحقيق: الدكتور سعدي الهاشمي، الناشر: دار الوفاء بالمنصورة، ومكتبة ابن القيم بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1409، الموافق 1989م)، (ص/128- 129 رقم 147، تحقيق: محمد بن علي الأزهري، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى 1430، الموافق 2009م).

    ([2]) قال الإمام ابن عدي في كتابه «الكامل» (2/536): «وكان نَسْل رِشْدين قد خُصُّوا بالضَّعْفِ، رِشْدين ضعيفٌ، وابنه حجاج هذا ضعيفٌ، وللحجَّاج ابنٌ يقال له: محمدٌ؛ ضعيفٌ، ولمحمد ابنٌ يقال له: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشدين: ضعيفٌ» أهـ.

    ([3]) قال الإمام يعقوب بن سفيان في كتابه «المعرفة والتاريخ» (3/78): «رَوَى يُونُس بنُ أبي إسحاق ومالك بن مِغْوَلٍ عن أبي السَّفَر، ورَوَى سفيانُ وشُعْبَةُ عن ابْنِه عبدِ الله بن أبي السَّفَر، وهو مِن همدان ثور، وهم أهل بيت عِلْم» أهـ.

    ([4]) قيل للدارقطني: «سماع أبي عُبَيْدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه صحيحٌ؟ قال: يُخْتَلف فيه والصحيح عندي أنَّه لم يسمع منه ولكنه كان صغيرًا بين يديه» أهـ.نقلًا عن «العلل» للدارقطني (5/308).

    ([5]) «العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (356).

    ([6]) «معرفة الرجال» لابن معين، رواية ابن محرز (2/39 رقم 60، ط: المجمع) و(ص/268 رقم 1013، تحقيق: الأزهري).

    ([7]) «سؤالات البَرْذَعِيِّ لأبي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ» (2/395- 396، أبو زُرْعَة وجهوده للهاشمي) (ص/131- 133 رقم 159، تحقيق: الأزهري).

    ([8]) «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (4/231- 232).

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    18

    افتراضي رد: عبقرية السلف أهل الحديث2/2


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •