(25)التوفيقُ بينَ النصوصِ المتعارضةِ في شُرَحْبيلَ بن سعد وترجيحِ مذهبِ الجمهورِ من خلال (تهذيب التهذيب)

شُرَحْبيل بن سعد أبو سعد الخطمي المدني مولى الأنصار ،بخ د ق
#روى عن زيد بن ثابت وأبي رافع وأبي هريرة وأبي سعيد والحسن بن علي وعويم بنساعدة وابن عباس وابن عمر وجابر .

#وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري وابن إسحاق وأبو الزناد وعمارة بن غزية ونظر بن خليفة ويزيد بن الهاد وابن أبي ذئب ومالك وكنى عنه والضحاك بن عثمان ومخول بن راشد وكناه وغيرهم وروى عنه عكرمة ومات قبله بمدة .

مذهب مالك
قال بشر بن عمر: سألت مالكا عنه فقال ليس بثقة .

مذهب ابن أبي ذئب
وقال يزيد بن هارون: عن ابن أبي ذئب أنا شرحبيل وهو شرحبيل وقد بينا لكم .
وقال حجاج الأعور عن ابن أبي ذئب كان شرحبيل متهما .

مذهب سفيان بن عيينة
قال ابن المديني: قلت لسفيان بن عيينة: كان شُرَحْبيل بن سعد يفتي؟ قال نعم ، ولم يكن أحد أعلم بالمغازي والبدريين منه فاحتاج فكأنهم اتهموه .
وقال في موضع آخر عن سفيان: لم يكن أحد أعلم بالبدريين منه وأصابته حاجة فكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل فلم يعطه أن يقول لم يشهد أبوك بدر .

مذهب ابن إسحاق
وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى القطان قال: قال رجل لابن إسحاق كيف حديث شرحبيل؟؟ فقال: واحد يحدث عن شرحبيل؟؟
قال يحيى: أتعجب من رجل يُحدِّثُ عن أهل الكتابِ ويَرْغَبُ عن شُرَحْبِيل.

قلت: الإمام القطان سيء الرأي في ابن إسحاق فهو قد كذبه([1])،وهو هنا يتعجب من صنيع ابن إسحاق من روايته عن الكفرة وتركه الرواية عن شُرَحْبيل.
(ز) سئل مُحَمد بن إسحاق عن شرحبيل بن سعد فقال: نحن لا نروي عنه شَيئًا ([2])

(ز)مذهب محمد بن طلحة بن الطويل([3])
وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن طلحة بن الطويل قال: ولم يكن بالمدينة أعلم بالمغازي منه قال: كان شُرَحْبيل أبو سعد عالماً بالمغازي فاتهموه أنه يدخل فيهم من لم يشهد بدراً وفيمن قُتِلَ يوم أُحُد من لم يكن منهم، وقد احتاج فسقط عند الناس، فسمع بذلك موسى بن عقبة فقال: وإن الناس قد اجترأوا على هذا، فدَّبَ على كبرِ السنِّ وقيَّد من شَهِدَ بدراً وأُحداً ومن هاجر إلى الحبشة والمدينة وكتب ذلك([4])

تحرير مذهب ابن معين
ليس بشيء، ضعيف .
وقال أيضا: كان أبو جابر البياضي كذابا وشرحبيل خير من ملأ الأرض مثله .
وقال مرة: ضعيف، يكتب حديثه .
وحكى مضر بن محمد عن ابن معين أنه وثقه .

قلت:الصحيح عن ابن معين هو ما رواه الدوري-ليس بشيء،ضعيف- لأمرين:
أولا: الدوري هو أكثر من لازم ابن معينمن تلاميذه حتى أنه صاحب ابن معين في بعض أسفاره ([5])،ولهذا فلا شك أنه ألصق بابن معين من غيره.
ثانيا:رواية الدوري تتوافق و أقوال جماهير النقاد الكبار بخلاف رواية مضر، وهاتان قرينتان ترجحان ما نقله الدوري عن ابن معين،وأما تفضيل ابن معين لشرحبيل على أبي جابر البياضى محمد بن عبد الرحمن المدني، فهذا من التفضيل النسبي، ومما لا ريب فيه أن شرحبيل خير من أبي جابر الذي قال فيه الشافعي:( من حدث عن أبي جابر البياضي بيض الله تعالى عينيه) وقال أحمد: (منكر الحديث جداً) ([6]).

(ز) مذهب علي بن المديني
قال: كان شيخاً كبيراً سُمِعَ منه فاحتاج فاتهم فترك رواية المغازي عنه([7])

(ز)مذهب أبي حاتم
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:( سألت أبي عن شرحبيل بن سعد وقيل له في حديثه لين؟ قال: نعم، ضعيف الحديث)([8])

مذهب أبي زرعة
لين .
قلت: ما في الجرح والتعديل(4/339 ) ونقله المزي في تهذيب الكمال هو قوله:(فيه لين)، ( قال الحافظ حمزة السهمي : سألت أبا الحسن الدار قطني قلت له : إذا قلت : ( فلان لين ) أيش تريد به ؟ قال : " لا يكون ساقطاً متروك الحديث ، ولكن يكون مجروحاً بشيء لا يسقط عن العدالة"
قلت : وهذا المعنى في التحقيق هو الأصل في معنى هذا اللفظ في كلامهم ، وهو الضعف من جهة سوء الحفظ ، وفي معناها كذلك قولهم : ( فيه لين ) ، و ( فيه ضعف ) ، وإن كانت قد تفيد خفة عن ( لين ) بمقتضى وضعها اللغوي ، لكنها كذلك في استعمالهم)([9])

مذهب ابن سعد
كان شيخا قديما روى عن زيد بن ثابت وعامة الصحابة، وبقي حتى اختلط واحتاج، وله أحاديث وليس يحتج به .

مذهب النسائي
ضعيف .

(ز)مذهب ابن أبي حاتم
كان عالماً بالمغازي([10])

مذهب الدارقطني
ضعيف يعتبر به(حدَّث عنه مالك فقال: عن رجل)([11])

مذهب ابن عدي
له أحاديث وليست بالكثيرة وفي عامة ما يرويه نكارة (على أنه قد حدث عنه جماعة من أهل المدينة من أئمتهم وغيرهم إلا مالك فإنه كره الرواية عنه وكنى عن اسمه في الحديثين اللذين ذكرتهما، وَهو إلى الضعف أقرب)([12])

مذهب ابن حبان
1- ذكره في الثقات،وقال مات سنة ثلاث وعشرين ومائة .
2- (ز) قال في مشاهير علماء الأمصار(1/126):(شرحبيل بن سعد الخطمي الأنصاري أبو سعد مات سنة ثلاث وعشرين ومائة وكان من المتقنين).
3- خرج له في صحيحه في مواطن.
مذهب ابن خزيمة
خرج له في صحيحه في مواطن.

(ز)مذهب العقيلي
ذكره في الضعفاء(2/187)
(ز)مذهب ابن شاهين
ذكره في كتابه (تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين)
(ز) مذهب ابن الجارود
ليس بشيء،ضعيف([13])
مذهب ابن البرقي
قال(في كتاب الطبقات) في باب من كان الأغلب عليه الضعف(في حديثه،وقد ترك بعض أهل العلم بالحديث الرواية عنه): ويقال إن الرجل الذي روى عنه مالك حديث اصْطَدْتُ نُهَساً في كتاب الحج شرحبيل بن سعد وهو يضعف وإنما ترك مالك تسميته لذلك([14])

(ز) مذهب الساجي
فيه ضعف،ليس بذاك،وفي موضع آخر:ضعيف،وتوفي سنة أربع وعشرين ومئة ([15])

(ز)مذهب أبي العرب وابن السكن
ذكراه في جملة الضعفاء([16])

(ز)مذهب الذهبي
قال: كان شرحبيل متهما قاله ابن أبي ذئب ([17])
وقال عنه: واهٍ([18])، وذكره في المغني في الضعفاء(1/296)
مذهب الحافظ
(شرحبيل بن سعد أبو سعد المدني مولى الأنصار صدوق اختلط بأخَرَة من الثالثة مات سنة ثلاث وعشرين وقد قارب المائة بخ د ق)([19])

وقال ابن المديني: أتى لشُرَحْبيل أكثرُ من مائةِ سنة، وقال جويرية :
قلت له رأيت عليا؟؟ قال نعم انتهى
وفي سماعه من عويم بن ساعدة نظر، لأن عويما مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال في خلافة عمر رضي الله عنه.

الخلاصة
جمهور النقاد على أن شُرَحْبِيل بن سعد ضعيف الرواية، بخلاف ما ذهب إليه ابن خزيمة وابن حبان والحافظ،والصواب مع الجمهور، والذي أميل إليه هو أنه ضعيف يعتبر به كما قال الإمام الدارقطني،وقد نُعِتَ شُرَحبيل بالاختلاط من قِبَل الإمام ابن سعد ولم أرَ ذلك إلا عنده،وهو على أية حال فهو ضعيف قبل الإختلاط وبعده، وأما عن الحاجة التي أصابت شُرَحبيل فلعلها أثرت في أخلاقه وسلوكه دون عدالته، حتى أنها جعلت بعض من شاهد حاله يظن أن الإمتناع عن مساعدته في حاجته من قِبَل بعض أبناء الصحابة دافعاً له لنفي كون آبائهم-رضي الله عنهم- لم يشهدوا بدراً ، فالأمر قائم على الظن ليس إلا فيما يظهر لي ولم يصل إلى غلبة الظن، وممَّا لا ريب فيه أن لهذه الحادثة أثراً في علمِ شُرْحبيل بالمغازي، ولذا نرى أن أهل السير عزفوا عن روايته للمغازي ولم يرفعوا بها رأسا.
فإن قال قائل:ألا يدلُّ قول الإمام مالك(ليس بثقة) على تحقق التهمة؟؟
قلت: حتى يتسنى لنا فهم عبارة الإمام مالك الفهم الدقيق لا بد من أن نقرنها مع روايته عن شُرَحْبيل في الموطأ،فلو كان شُرَحْبيل متهماً غير ثقة عند مالك لما روى عنه في الموطأ وإن كان لم يسمه،فقد قال بشر بن عمر الزهراني : سألت مالكاً عن رجل ؟ فقال : " هل رأيته في كتبي ؟ " ، قلت : لا ، قال : " لو كان ثقة رأيته "([20]) فالظاهر عندي أنَّ رواية الإمام مالك عن شُرَحْبيل دليل على أنه غير مهدور الرواية،وعدم تسميته راجعٌ لأنه كان لا يرضاه أو لأيِّ أمرِ آخر ، وعليه فقول مالك(ليس بثقة) أي ليس بالضابط أو ليس بالثبت وليس مراده الجرح الشديد للقرينة التي ذكرته.
زد على هذا أن الأئمة لم يسقطوا حديث شُرَحْبيل بل أخرجوا حديثه في دواوينهم كما فعل الإمام أبو داود في سننه فقد أخرج له وهو لا يخرج لرجل متروك الحديث عنده([21])،والإمام أحمد في مسنده،حيث أخرج له في مسند عبد الله بن عباس وأبي سعيد الخُدري وزيد بن ثابت وأبي رافع رضي الله عنهم،وعليه فما ارجِّحه هو أن شُرَحْبيل ممن يعتبر بحديثه ، أخرج له أبو داود حديثين وابن ماجة ثلاثة أحاديث، والله أعلم


[1] تهذيب التهذيب(9/45)

[2] الجرح والتعديل (4/338)

[3] (محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله التيمي، المعروف بابن الطويل، وجده عثمان هو أخو طلحة أحد العشرة، صدوق يخطىء من الثامنة مات سنة ثمانين ومائة س ق)انظر التقريب(2/485)

[4] تهذيب التهذيب(10/360)

[5] انظر مقدمة الدكتور أحمد نور سيف لتاريخ ابن معين-رواية الدوري-(1/151)

[6] ميزان الاعتدال(3/617)

[7]تاريخ ابن أبي خيثمة-السفر الثالث-(2/227)

[8] الجرح والتعديل(4/339)

[9]تحرير علوم الحديث(1/384)

[10] الجرح والتعديل(4/338)

[11] وما بين القوسين نقلته من سؤالات البرقاني(1/36)

[12] وما بين القوسين من الكامل(5/66)

[13] انظر إكمال تهذيب الكمال(6/228)

[14] ما بين الأقواس نقلته من إكمال تهذيب الكمال(6/228)

[15] انظر إكمال تهذيب الكمال(6/228)

[16] انظر إكمال تهذيب الكمال(6/228)

[17] تلخيص المستدك(2/148)

[18] التلخيص(4/196)

[19] التقريب(1/265)

[20] أخرجه الإمام مسلم في (مقدمة الصحيح) (1/20) بسند صحيح

[21] انظر رسالة أبي داود لأهل مكة(ص/25)