المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العطاب الحميري
الحكم على هذا الأثر
روى ابْنُ رَافِعٍ عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ موصولا إلى عائشة رضي الله عنها،ورواه الدبري عن عبد الرزاق منقطعا بين قتادة وعائشة،والذي يظهر لي أن ابن رافع أو من فوقه قد سلك الجادة في الرواية وأن الصواب عن عبد الرزاق هي رواية الدبري ،ولو ثبتت رواية الحسين بن يحيى لكانت متابعة تامة للدبري،لكنها لم تثبت لا سيما وابن خشيش لم أجد له ترجمة ولم أرَ من وثقه.
ومع هذا فرواية ابن ثور عن معمر كرواية الدبري تعدُّ متابعة له وإن كانت قاصرة، وكلا الرويتان-الصحيحة عن عبد الرزاق ورواية ابن ثور- توكدان على متابعة معمر لابن أبي عروبة متابعة تامة وإن كان الراوي عنه-شعيب بن إسحاق- ممن سمع بعد الإختلاط،وإن كنت مع هذا أيضا لم أعرف أحمد بن يوسف في سند ابن أبي عروبة.
وبهذا تعلم أن قول الحاكم عقب إخراجه أثر عائشة في المستدرك(هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ) فيه نظر،وأن الصواب هو أن هذا الأثر منقطع بين قتادة وعائشة رضي الله عنها.
الخلاصة
لا يصح في هذا الباب شيء مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم،ولا يصح أيضا عن الصحابة رضي الله عنهم.
قلتُ: هما إسنادان وردَ بهما أثرُ عائشة، لااختلاف بينهما، ولا أعلم لهما علّة ..
ولا أرى أنْ يُعَلَّ أحدُهما بالآخر، أو أنْ يُخرَّج ضدّه ..
و أثرُ عائشة- إن شاء الله تعالى- محفوظٌ بهما جميعا؛
فـمُحمّد بن رافع القشيري، أبو عبد الله النّيسابوري،(ت245هـ):
ثقةٌ، ثبتٌ، مأمونٌ، ضابطٌ، صحيحُ الكتابِ، وكان تقياً، عابداً، زاهداً، من الفُضلاء،
لم يمسسْ بضربٍ من جرح، ولم يُغمز بأدنى مقالة من ثلب.. وهو شيخ عصره بخراسان في الصدق والرحلة،
وكان حسنُ الروايةِ عن أهل اليمن.. وهو من المكثرين عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني ..
خرّج روايته عنه كثيرا الإمام مسلم بن الحجاج القشيري في "صحيحه"..
وهو من شيوخ البخاري، وأصحاب السنن سوى ابن ماجة..
وهو أوثقُ، وأحفظُ، وأرفع بكثير من الدبري، ومن الحسن بن يحي العنبري، ومنهما مجموعيْن..
ولو ذهبتَ لترجّحَ بينه وبين الدّبري، أو بينه وبين الحسن بن يحي، أو بينه وبينهما جميعاً ..
في عبد الرزاق أوفي غيره ؛ ما وسعك إلا أن تفضّل محمّد بن رافع، وتعجب به وتحكم له ؛
فالرجل ثقة بخٍ، وله اختصاص بعبد الرزاق، وأهل اليمن ..
فتخطئتُه من الصعوبة بمكان، وتوهيمه لا يكون إلا بحجّة وبيان
خاصةً في عصرنا هذا وبيننا وبين الرجل قرون وأمم !!
وإني لأعجبُ للعصريِّ لا يرضى أن يرويَ ابن رافع عن عبد الرزاق حديثا ويجود إسناده..
لمجرد أن وجد إسنادا آخرا منقطعا(=ليس على الجادة) يُروى به ذاك الحديث..
ولا يستندُ في تعليله ذاك -وهو من أخفى التعليلات وأدقها وأصعبها-
على قول إمامٍ من أئمة العلل، يكون معاصرا لابن رافع،
أو ممن أتى بعده لكنه من المعتمدين في تعليل الأخبار العارفين بصحيحها من سقيمها..
ثم لا يقنع بتخطئته وتوهيمه ليخطّئ من صحّح حديثه المجود الموصول، وأدخله في شرط الصحيح
وهو إمام كبير عارف بحديث النيسابوريين..؟!!
هذا .. والحاكمُ النيسابوري -رحمه الله- هنا يصلُ إليه بواسطتين:
- شيخه:أبو محمد يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ بن يحيى بن عبد الملك الْقَاضِي(ت351هـ) قاضي نيسابور،
كان محدّث نيسابور في وقته، وحمد في القضاء، وكان غزير الحديث وكان يحضر مجلسه الحفاظ.
ترجمه الذهبي رحمه الله في «السير»ج16 ص28
- وشيخ شيخه :أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي النيسابوري(ت284هـ) عُرف بحكمويه.
الحافظ، العالم، الزاهد، العابد، المجاب الدعوة محدث نيسابور،
ترجمه الذهبي رحمه الله في "السير" ج 13 ص 373.
فالإسناد إلى محمد بن رافع إسنادٌ نيسابوري نظيف لا غبار عليه.
وما رواه عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ؛
محفوظٌ عن عبد الرزاق، ومحفوظ عن معمر، ومحفوظ عن الزهري، ومحفوظ عن عروة .
ولا يضره أنه يَرويه الدّبريُّ، والحسن بن يحي، عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عائشة،
أو يرويه محمّد بن ثور، عن معمر عن قتادة به، أو يرويه ابن أبي عروبة عن قتادة به..
فجميع تلك الروايات ترجع إلى "تفسير قتادة" المشهور،
الذي كتبه ورواه عنه كلاَّ من معمر، وابن أبي عروبة، وغيرهما ممن روى "تفسيره" ؛
قصّرَ بهذا الأثر قتادةُ، فأرسله عن عائشة، ولم يذكرْ من حدّثه به عنها..وكذلك يصنع في "تفسيره" كثيرا..
فجاءَ معمرٌ، وسعيدُ بن أبي عروبة - وهما من رواة "تفسيره"- فروياه عنه كذلك..
وعن معمر رواه عبد الرزاق في "تفسيره"، ومحمد بن ثور..
وعن عبد الرزاق رواه: الدّبري، و الحسن بن يحي – وهما من رواة "تفسيره"..
وجوّده الزّهريُّ -وهو من العالمين بالتفسير الضاربين فيه بسهم وافر- فوصله عنها،
وذكرَ منْ حدّثه عنها وهو عروة بن الزبير ابن أختها..
ورواه عن الزّهري معمر وهو راويته ومكثر عنه كما سمعه منه.
وعن معمر رواه عبد الرزاق – وهو راويته-
وعن عبد الرزاق رواه : محمد بن رافع القشيري ثقة ثبت صحيح الكتاب
مكثر عن عبد الرزاق لا يختلف فيه اثنان.
فكلا الوجهين محفوظين إن شاء الله ، ومعمر مكثرٌ، مستبحر في الحديث؛
لا يُستنكر أنْ يرويَ عن قتادة، و يرويَ عن الزهري ..-
وهو كثيرا ما يقرن بينهما في الروايات التفسيرية-
وقد روى هنا عن كل واحد منهما ما حفظه عنه، وحدثه به، وسمعه منه .
فلا تضارب بين رواية قتادة ورواية الزهري هنا:
فقتادة لما سُئل عن تفسير الآية أورد للسائل ما قالته عائشة
وهو لم يدركها.. فلابد أن يكون قد بلغه قولُها بواسطةٍ..
كما قَال عبد الرزاق عن معمر: سمعت قتادة يقول: "ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها شيئا"..
فلمّا جاء الزّهريُّ وروى أثرَ عائشة عن عروة ؛ علمنا صدق مقولة قتادة
وأنّ ما ذكرَهُ عن عائشة محفوظٌ عنها ..
ولا يبعد أن يكون قتادةُ قد سمعه من الزهريّ ، نفسِه-وهما أقران- ،
فأرسله بإسقاطه وإسقاط شيخه ، اختصارا أو لمقصد آخر ..
فقد روى قتادة عن الزهري كما في "تفسير الطبري" ،
انظر: 14/183 و 22/79 و 22/83
قلتُ: كتبتُ ما تقدّم أعلاه واحتفظتُ به لنفسي ..ولم أشأْ أن أعلقه هنا ..
ثم وجدتُ حديثا جاء كما جاء أثر عائشة سواء بسواء فتشجعت على نشره، وقلتُ في ذيل تعليقي:
ونظيرُ ما وقع هنا:
ما أخرجه الطبري في "تفسيره" 6/396 رقم(7029): حدثنا الحسن بن يحيى قال،
أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:"يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"،
قال: كان أبو هريرة يحدث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
خيرُ نساء ركبن الإبل صُلحُ نساء قُرْيش، أحناه على ولد، وأرعاه لزوج في ذات يده = قال أبو هريرة: ولم تركب مريم بعيرًا قط. (1)
__________
قال محققه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله-:
(1) الحديث: 7029- وهذا إسناد منقطع، لأن قتادة بن دعامة السدوسي لم يدرك أبا هريرة،
لأنه ولد سنة 61، بعد وفاة أبي هريرة. ولذلك قال هنا: "كان أبو هريرة يحدّث"، فهو شبيه في عبارته بالبلاغ.
ومتن الحديث صحيح:
فرواه أحمد في المسند: 7637، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، بنحوه، مطولا.
ورواه كذلك: 7695، بهذا الإسناد، مختصرًا.
ورواه: 7638، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، مختصرًا.
وذكره ابن كثير في التفسير 2: 138، عن الرواية الأولى من المسند، ثم قال:
"ولم يخرجه من هذا الوجه سوى مسلم، فإنه رواه عن محمد بن رافع وعبد بن حميد - كلاهما عن عبد الرزاق، به".
وذكره أيضًا في التاريخ 2: 60، ثم أشار إلى رواية مسلم.
ورواية مسلم، هي في صحيحه 2: 370.
قلتُ:
وقفت طويلا مع أخينا الحميري هنا.. وطولت ذيول الكلام في هذه الوقفة
فليعذرني إن صدّعتُ رأسَه بهذري.. وأشغلته عن جليل أموره بقراءة ما سودته..
وأرجو أن يغفر لي ما عساه يجده من لفظة غير لائقة بمخاطبته.. أو عبارة ينبو عنها قلبُه الطيب.
وسلامي إليه متواصل ما طلعت شمس اليمن السعيد، و هب نسيم نجد العليل.