بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام ابن أبي حاتم يتعقب أباه(فائدة حديثية وتربوية)
هذا موطن وقفت عليه في العلل لابن أبي حاتم يتعقب فيه المصنف أباه في تحميل أحدالرواة الخطأ في الرواية.
إنها-بحقٍّ- لوحةٌ علميةٌ حقيقةٌ بالتأملِ والملاحظةِ...
قال الإمام ابن أبي حاتم-رحمه الله تعالى-(5/491)ط.الجريسي:
(2132 - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ الحُمَيديُّ ، عن ابنعُيَينةَ، عَنْ عَمرو بْنِ دِينَارٍ؛ قَالَ: أخبرَني يزيدُ بنُ جُعْدُبَةَ اللَّيثيُّ: أنه سمع عبد الرحمنِ بنَ مِخْرَاقٍ يحدِّثُ عَنْ أَبِي ذرٍّ؛ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ فِي الجَنَّةِ رِيحًا، بُعْدُ الرِّيحِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَإِنَّ مِنْ دُونِهَا بَابً مُغْلَقً ؛ وَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الرَّوْحُ مِنْ خَلَلِ ذَلِكَ البَابِ، وَلَوْ فُتِحَ ذَلِكَ البَابُ لأذْرَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ مِنْ شَيْءٍ، وَهِيَ عِنْدَ اللهِ الأَزْيَبُ ، وَهِيَ عِنْدَكُمُ الجَنُوبُ.
فسألتُ أَبِي عَنْ يزيدَ بْن جُعْدُبةَ هَذَا الذي روى هَذَا الحديثَ؛ من هو؟ قَالَ أَبِي : لا أدري؟؟ هَذَا هو يَزِيد بْن عياض بن جُعْدُبة أو جَدُّه ؟!
وقد حدَّثنا ابنُ الطَّبَّاع ، عَنِ ابْنِ عُيَينةَ، عَنْ عَمرو، عن يحيى بن جُعْدُبةَ، عن يزيدَ بْن جُعْدُبة، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، موقوف .
قَالَ أَبِي: هَذَا عندي مِنِ ابنِ عُيَينة، وابنُ الطَّبَّاع ثَبْتٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: قلتُ أنا: حَدَّثَنَا ابْن المُقْرئِ، عَنِ ابْن عُيَينةَ؛ كما رَوَاهُ الحُمَيديُّ.
وحدَّثنا سَعْد بْن مُحَمَّد البَيْرُوتيُّ ؛ قَالَ: حَدَّثَنَا حامد بْن يَحْيَى، عَنِ ابْن عُيَينة؛ كما رَوَاهُ الحُمَيدِيُّ .
فدَلَّ - لاتفاق هؤلاء الثلاثة -أنَّ الخطأ مِنِ ابْن الطَّبَّاع )انتهى.
قلت: الإمام أبو حاتم رحمه الله تعالى رجح خطأ ابن عيينة في الخبر بناءً على منازل الرواة في الضبط والإتقان،وهذه آلية صحيحة في تحميل الراوي الخطأ في الرواية، لكن ثمة معطيات توفرت لابن أبي حاتم ولم تتوفر لأبيه مما جعله يخالف أباه في تحميل ابن عيينة الخطأ، وما أحبُّ أن أشير إليه أن الآلية التي استخدمها ابن أبي حاتم في تعقب أبيه هي آلية يستخدمها أبو حاتم نفسه وغيره من النقاد بَلْه العقلاء أيضا يستخدمونها -رحم الله الجميع- ...
وثمة فائدة تربوية تتعلق بمفهوم البر عند بعض الشباب، حيث يظن بعضهم أن من تمام البر موافقة الوالدين في الخطأ الصادر منهما،وهذا ليس من البر في شيء، بل إنَّ من تمام البر والإحسان لهما إرشدهما إلى الصواب بألين عبارة وأرق إشارة...أما متابعتهما على الخلل فهذا ليس من البر في شيء،والله الموفق.