ما العوامل التي صرفت القدماء عن غير المعيارية ؟
============================== ======================
لقد كانت غاية القدماء من استقراء اللغة وجمعها المحافظة عليها من اللحن ، وخدمة كتاب الله عز ووجل ، لذلك حدودا القبائل العربية التي تؤخذ منها اللغة ، يؤكد ذلك ما رواه السيوطي عن أبي تصر الفارابي إذ يقول : " الذين عنهم نُقِلت اللغة العربية وبهم اقْتُدِي، وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربيٌّ من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد؛ فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثرُ ما أُخِذ ومعظمه، وعليهم اتُّكل في الغريب وفي الإعراب والتَّصْريف؛ ثم هذيل، وبعض كِنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم "[1] .
ولم يكتفوا بتحديد القبائل العربية التي تؤخذ منها اللغة ، بل حددوا الزمن، فاحتجوا بكلام العرب من العصر الجاهلي إلى سنة 150هـ ، وكانت غايتهم من هذا التحديد " ما ستقر عليه أمر الظاهر اللغوية في عصر الاحتجاج "[2] . واعتمدوا في تأصيل الظاهرة اللغوية على القرآن الكريم والحديث الشريف ، وكلام العرب المنظوم والمنثور .
ولم تظهر عند القدماء المناهج اللغوية الأخرى ، فالمنهج المقارن يتطلب معرفة باللغات القديمة التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة ، والمنهج التاريخي يعنى بدراسة تطور اللغة الواحدة في مراحلها المختلفة عبر القرون ، والمنهج الوصفي يعنى بالدراسة العلمية للغة واحدة أو لهجة واحدة في كل زمن بعينه ومكان بعينه .
وهذه المناهج لا تخدم الغاية التي من أجلها هبَّ القدماء ؛ لتحقيقها ، وهي تأصيل الظاهرة اللغوية والمحافظة على لغة القرآن من اللحن والخطأ ، فلم يكن من غايتهم دراسة تطور الظاهرة اللغوية ، فلذلك لم يظهر المنهج التاريخي عندهم إلا إشارات بسيطة ، كان غابتها تأصيل الظاهرة اللغوية .

[1]- المزهر في علوم اللغة : 1 / 211 . جلال الدين السيوطي ، تحقيق محمد أحمد جاد المولى وآخرين ، دار إحياء الكتب العربية .

[2]- المستشرقون والمناهج اللغوية : 103 ، الأستاذ الدكتور إسماعيل عمايرة ، الطبعة الثالثة ، 2002م ، دار وائل ، عمان .