تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: اللغة العربية بين تقصيرالمحبين وتربص الحاقدين

  1. #1

    افتراضي اللغة العربية بين تقصيرالمحبين وتربص الحاقدين

    اللغة العربية بين تقصيرالمحبين وتربص الحاقدين
    بقلم/أحمد زكريا عبداللطيف
    ahmed1698@gmail.com
    تتعرض اللغة العربية لحملة شرسة من أعداء الإسلام،محاولين الطعن فيها في سبيل الطعن في أعظم كتاب نزل بهذه اللغة الشريفة،والعجب العجاب ليس في طعن الأعداء،فهذا قديم ،ولكن العجب يكمن في إهمال وتقصير أبنائها،حتى صار الكثير من أبنائها غرباء عنها،لايعرفونها إلا عند قراءة القرآن ،وياليتهم يحسنون ذلك ،بل تسمع الكثير من العرب لايحسنون نطقا للغتهم ،بل الكثير من المتصدرين لتعليم وتثقيف الناشئة وتوعية الشعوب تجدهم لايحسنون للغتهم نطقا ولا تذوقا ،بل يصل الحد بك إلى الضحك الشبيه بالبكاء عندما تستمع لبعض المذيعين والمذيعات ،ولا أقول في البرامج الترفيهية ،بل في نشرات الأخبار وخطابات الساسة ،بل وصل التدهور إلى خطبة الجمعة،فلا تكاد ترى خطيبا يشنف آذانك ويسر خاطرك بخطبة عصماء لا لحن فيها ولا اعوجاج .
    شرف اللغة وفضلها:
    لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ الأَْلْسُنِ ؛ لأَِنَّهَا لِسَانُ أَهْل الْجَنَّةِ ، وَيُثَابُ الإِْنْسَانُ عَلَى تَعَلُّمِهَا وَعَلَى تَعْلِيمِهَا غَيْرَهُ ، وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ :" أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلاَثٍ : لأَِنِّي عَرَبِيٌّ ، وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ ، وَلِسَانُ أَهْل الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ ، وَفِي رِوَايَةٍ : وَكَلاَمُ أَهْل الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ".أخرجه الحاكم ( 4 / 87 ) من حديث ابن عباس ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ( 10 / 52 ) وقال : رواه الطبراني في الكبير والأوسط . . وفيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو مجمع على ضعفه.والحديث ضعيف جدا ،وإن رمز له السيوطي بالصحة،بل ذكر غير واحد من أئمة الحديث أنه موضوع.
    ولقد عرف السابقون فضل وشرف العربية حتى ورد عن بعضهم أنهم يضربون أولادهم على اللحن، كما ورد عن علي وابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -، وقال شيخ الإسلام: (وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسنة المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها. فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا، فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة والأوزان القويمة فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان.(مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 32/252).
    ويعظم شأن اللسان العربي في الإسلام، حيث يكون شعارًا له ولأهله؛ لأن الله - عز وجل - اختاره لغة لوحييه، فأنزل به خاتم كتبه، وجعله لسان خاتم رسله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال الله تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? [يوسف: 2].
    قال شيخ الإسلام: (إن الله تعالى لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به؛ لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط اللسان، وصارت معرفته من الدين، وصار اعتبار التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين، وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم).(اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية: 1/399، وينظر: 1/463 و469-470.)
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
    ( وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس, فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات, على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة, وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض, وابتدىء إنزاله في أشرف شهور السنة, وهو رمضان, فكمل من كل الوجوه ).
    الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :
    قَال الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ عَلَى كُل مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مَا يَبْلُغُهُ جَهْدُهُ فِي أَدَاءِ فَرْضِهِ ، قَال فِي الْقَوَاطِعِ : مَعْرِفَةُ لِسَانِ الْعَرَبِ فَرْضٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ إِلاَّ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ عَلَى الْعُمُومِ فِي إِشْرَافِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِأَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ ، أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الأُْمَّةِ فَفَرْضٌ فِيمَا وَرَدَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالأَْذْكَارِ ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ.
    والعجب كل العجب من أولئك الذين يشكون من فقر اللغة العربية , وعجزها عن مواكبة العصر , والتطوُّر العلمي الهائل , ولله در الشاعر العربي حافظ إبراهيم , الذي قال على لسان العربية :
    رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي... وناديت قومي فاحتسبت حياتي
    رَمَوْني بعقم في الشباب وليتني... عقمت فلم أجزع لقول عُداتي
    وسعت كتاب الله لفظاً وغاية... وما ضُقْت عن آي به وعظات
    فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة...وتنسيق أسماء لمخترعات
    أنا البحر في أحشائه الدر كامن...فهل ساءلوا الغوَّاص عن صَدَفاتي ؟
    ورحم الله عباس محمود العقاد عندما قال في كتابه «اللغة الشاعرة» ص6: «ومن واجب القارئ العربي- إلى جانب غيرته على لغته- أن يذكر أنه لا يُطالب بحماية لسانه ولا مزيد على ذلك، ولكنه مطالب بحماية العالم من خسارة فادحة تصيبه بما يصيب هذه الأداة العالمية من أدوات المنطق الإنساني، بعد أن بلغت مبلغها الرفيع من التطور والكمال، وإن بيت القصيد هنا أعظم من القصيد كله؛ لأن السهم في هذه الرمية يسدد إلى القلب ولا يقف عند الفم واللسان».
    ورحم الله قبلهما أبا منصور الثعالبي (ت430هـ) صاحب كتاب «فقه اللغة وسر العربية» الذي كتب مقدمة نفيسة لكتابه هذا دون رعاية حق للخواجات أو انهزام أمام هيمنتهم الثقافية وأقتطف بعضاً منها، ولولا ضيق المساحة لأكثرت، ومما قال «من أحبّ الله تعالى أحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الرسول العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية، التي نزل بها أفضل الكتب، على أفضل العجم والعرب، ومن أحب العربية عُني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها، ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة فيه؛ اعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد..» ص21. وأقول مؤمناً على قول الثعالبي:
    آمين آمين، لا أرضى بواحدة
    بل ألف آمين في ألفين آمينا
    العقاد يطالب بحماية اللغة العربية لحماية العالم من خسارة، وأن السهم الموجه إليها موجه للقلب لا للفم واللسان، وحافظ إبراهيم تصوَّر أن أعظم العرب في الجزيرة العربية تضطرب للحن فيها، فيقول على لسان اللغة العربية:
    رعى الله في أرض الجزيرة أعظماً...يعز عليها أن تلين قناتي

    فكيف لو اطلع على بعض أبناء الجزيرة يتفاخر بمقال كتبه من كتبه محقراً للغة، ومستنتجاً أنه لا دليل شرعاً على شرف اللغة العربية وفضلها، وله ذلك فهو استنتاج له في زمن الهزيمة الحضارية التي دعت من سُحقوا هزيمة أن يتلمسوا سهاماً علهم تعلو لهم أسهمهم لدى الخواجات، ولكن المؤلم أن يأتي من يفرح بذلك من كتابنا بل ويزيد بأنا نتعبد الله بالقرآن لذات القرآن، وليس لذات اللغة، وهل القرآن قرآن بغير اللغة العربية؟ ونطقُ حرف أو تحريفه بغير اللغة العربية يعد خطأ إلا من تأتأ به لعجز لسانه أو لعجمته، وامتد الكلام إلى عدم أفضيلة جنس العرب مع أن ما يعتقده المسلمون ويدينون الله به أن جنس العرب أفضل الأجناس، ولهذا كلام وأدلة لا يتسع لها المقام هنا، ولكن «الله أعلم حيث يجعل رسالته» (الأنعام/124). ولك أن تتأمل أيها القارىء الكريم قول الله تعالى عن القرآن «وهذا لسان عربي مبين» (النحل/103)، وقوله «إنا أنزلناه قرآنا عربياً» (يوسف/2)، وقوله «وكذلك أنزلناه حكماً عربياً» (الرعد/37)، والموضوع ليس موضوع أدلة نقلية أو عقلية، فهي كثيرة، ولكنه موضوع ضغوط للثقافة المهيمنة، وهي ضغوط وقتية لم نر اليابان ولا الصين ولا فرنسا خضعت لها، بل إن الرئيس الفرنسي خرج من مؤتمر للاتحاد الأوروبي؛ لأن مواطناً فرنسياً يعمل في منظمة دولية تكلم بلغة أوروبية، الموضوع موضوع انتماء وأصالة، وليس موضوع دليل وكما قال العقاد: هي سهام توجه للقلب وليس للسان، وليس بغريب هذا القول في هذا الزمن الذي يلجأ فيه كل مريد للأضواء إلى أن يطعن في ثابت من الثوابت، بل إن الغلو في الدين يساويه الغلو في التطرف الآخر، ولم يكن التطرف بكل أصنافه إلا شراً، أليس من العجائب أن يتحدث سفير أوروبي باللغة العربية في منتدى جدة الاقتصادي ويتحدث أبناء الوطن بلغة أجنبية؟ الموضوع هزيمة داخلية، ومحاولة استرضاء للآخر، أو بحث عن أضواء، ولكن كل ذلك سوف يتحطم على صخرة قوة لغتنا كما تحطمت الموجات قبله من دعاة الهدم خارج بلادها.
    يا شباب الإسلام،إياكم والهزيمة النفسية:
    الله الله في لغة القرآن،فهي شعار الإسلام فاجتهدوا أن تتكلموا بها،ولا شكّ أنّ الأعداء قد أوشكوا أن يصيبوا الأمة في مقتل يوم أن أوهنوا في قلوب المسلمين عقيدة الولاء والبراء, حتى كاد المسلم والكافر أن يكونا في رأيهم سواءً, بل ملأ الرويبضات عقيدة الأمة الإسلامية ـ في التعليم والإعلام وغير ذلك ـ بالضآلة النفسية تجاه القوة المادية الغربية, وأشعروهم بالضّحالة الفكرية للمسلين في مقاومة نظريات الكافرين والعلمانيين, فأولئك هم المسؤولون عن هزائم المسلمين في حروبهم الخاسرة؛ لأنّ فيهم (قابلية الاستعمار) بتعبير مالك بن نبي, وروح الهزيمة والصّغار, فهم عوامل النكسة العربية ومعاول الهدم في صرح الحضارة الإسلامية؛ لأنهم يعيشون اغتراباً عن الأمة, وانحيازاً إلى أعداء الملة فهم بتعبير بعض المؤلِّفين بمثابة (جُزُر في أوطانهم). وما ظنّك بعامة العلمانيين؟ إذا كان عميد الأدب العربي [كما سمّاه المستغربون]، طه حسين ـ رمز الثقافة المنبتّة عن الأمة ـ ينادي بأعلى صوته: "لو أننا هممنا الآن أن نعود أدراجنا، وأن نحيي النظم العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً, ولوجدنا أمامنا عِقاباً لا تُجاز ولا تذلّل, عقاباً نُقيمها نحن, وعِقاباً تُقيمها أوروبا؛ لأننا عاهدناها أن نسايرها ونجاريها في طريق الحضارة)! [مستقبل الثقافة في مصر الجزء الأول: 36-37] وإلاّ ففي أترابه من هو خيرٌ منه فكراً وأسلوباً، منهم أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي رحمه الله. والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة سنين خدّاعة، يُتّهم فيها الأمين، ويُؤتمن الخائن، ويُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق...). رواه الطبراني، والحاكم في الكُنى، وابن عساكر.والحديث صححه الشيخ الألباني -رحمه الله-في السلسلة الصحيحة،رقم:2253.
    وأثرت هذه الهزيمة على اللغة عند الكثير من أبناء الأمة ،حتى أصبح مقياس التحضر والرقي بإتقان أكبر عدد ممكن من اللغات الأجنبية بغض النظر عن إتقان العربية ،بل إن بعضهم لايعلم شيئا عن العربية إلا لماما ،ومع ذلك صار من نجوم المجتمع،ومن أصحاب المناصب الرفيعة،وصارت اللغة العربية مادة للتندر والفكاهة في الأفلام والمسرحيات ،بل أصبحت شخصية مدرس اللغة العربية مادة للسخرية والاستهزاء،مما أثر سلبا على الأجيال الحالية في طريقة تفاعلها مع اللغة العربية،بل والنظر إليها على أنها لغة صعبة جامدة،مما زاد الهوة بين العرب والمسلمين وبين لغتهم،وإلى الله المشتكى.

  2. #2

    افتراضي رد: اللغة العربية بين تقصيرالمحبين وتربص الحاقدين

    بارك الله فيك ، أوجزت وأبدعت .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •