بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد..
هذا الحديث قد اضطرب في متنه وسنده اضطراباً كثيراً، والحديث إذا كان على هذه الشاكلة فإنه يسقط ولا يحتج به، ناهيك عن النكارة الواضحة الصريحة في متنه والتي تتعارض مع أحاديث صحيحة صريحة أثبتت خلاف ما في هذا الحديث من غرابةٍ ونكارة.
فإنه قد تعرض فيه لقبائل قد أُثنيَ عليها بخير، وبين فضلها في غير ما حديث.. ناهيك عن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعاناً فاحشاً؛ وهذا خلاف هديه عليه الصلاة والسلام؛ فقد قال لعائشة رضي الله عنها: "متى رأيتني لعاناً يا عائشة؟".
بل جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل التهذيب _ وحاشاه بأبي هو وأمي _ وغير حسن التعامل اللفظي مع محاوره!! نسأل الله السلامة.
هذا الحديث رواه الصحابي الجليل عمرو بن عبسة السلمي؛ واختلف عليه فيه اختلافاً كثيرا، وسياتي إن شاء الله بيان هذا كله.
رواه عنه ثلاثةً من الرواة؛ هم:
(الراوي الأول): عبد الرحمن بن عائذ الثمالي الأزدي [وثق، تفرد بتضعيفه الأزدي. وكان يرسل كثيراً، وروايته عن بعض الصحابة مرسلة؛ وأظن أن روايته عن عمرو بن عبسة من هذا القبيل؛ فإن عمرو بن عبسة ممن تقدم اسلامه؛ وهو يرسل عن صحابةٍ أصغر من عمرو.. قال بقية؛ عن ثور: كان أهل حمص يأخذون كتبه فما وجدوا فيها من الاحكام اعتمدوه. وهذا يدل على أنه لم يكن بذاك في الضبط والتحري؛ فكانوا ينتقون حديثه] فتأمل.
إذاً بان لك الآن من العلل:
- الاضطراب في السند والمتن.
- المخالفة لأحاديث صحيحة ثابتة.
- النكارة والغرابة.
- الإرسال؛ فلم يسمع ابن عائذ من ابن عبسة على الصحيح الصواب، وقد جهدت في أن أقف على روايةٍ له تفيد السماع أو اللقاء فلم أجد. وانظر تعليقي بالأحمر السابق فيه.
فسقط الحديث رأساً بسقوط المدار مع بقية العلل الأخرى، وسيأتي مزيد علل أخرى لاحقة.
قد حمله عن عبد الرحمن بن عائذ؛ كلٌ من:
(*) أبو دوس عثمان بن عبيد اليحصبي [مقبول، وروايته عن عبد الرحمن بن عائذ منقطة] فسقط طريقه هذا؛ ناهيك عن سقوط مداره.
أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم [18947] ومن طريقه أبو يعلى كما في طبقات الحنابلة [1 : 205]، والدولابي في الكنى برقم [959] مختصراً جداً؛ بلفظ: "شَرُّ قَبِيلَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ: نَجْرَانُ، وَبَنُو تَغْلِبَ".
(*) شريح بن عبيد الحضرمي [ثقةٌ؛ يرسل كثيراً، وهذا الطريق له لم يرد في أي موضعٍ منه التصريح بالسماع؛ بل لم يرو عن ابن عائذ إلا بالعنعنة] فسقط طريقه هذا؛ ناهيك عن سقوط مداره.
ناهيك عن الاختلاف والاضطراب في طريقه لمتن الحديث البين الواضح:
[*] فقد رواه عنه (صفوان بن عمرو السكسكي) [ليس به بأس؛ وقد وثق] كما عند الإمام أحمد في المسند رقم [18950] والفضائل رقم [1650] ومن طريقه العراقي في المحجة [ص 303]، والطبراني في الشاميين رقم [969] ومن طريقه الخطيب في تلخيص المتشابه [2 : 753] وأبو نعيم في معرفة الصحابة رقم [5624] والمزي في التهذيب [12 : 448]، بلفظ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ يَوْمًا خَيْلًا، وَعِنْدَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اله عليه وسلم: "أَنَا أَفْرَسُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ"، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَأَنَا أَفْرَسُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَكَيْفَ ذَاكَ؟" قَالَ: خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ يَحْمِلُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، جَاعِلِينَ رِمَاحَهُمْ عَلَى مَنَاسِجِ خُيُولِهِمْ، لَابِسُو الْبُرُودِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كَذَبْتَ، بَلْ خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ إِلَى لَخْمٍ، وَجُذَامَ، وَعَامِلَةَ، وَمَأْكُولُ حِمْيَرَ خَيْرٌ مِنْ آكِلِهَا، وَحَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، وَقَبِيلَةٌ خَيْرٌ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَقَبِيلَةٌ شَرٌّ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَاللَّهِ مَا أُبَالِي أَنْ يَهْلِكَ الْحَارِثَانِ كِلَاهُمَا، لَعَنَ اللَّهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ: جَمَدَاءَ، وَمِخْوَسَا، وَمِشْرَحًا، وَأَبْضَعَةَ، وَأُخْتَهُمْ الْعَمَرَّدَةَ "، ثُمَّ قَالَ: "أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل أَنْ أَلْعَنَ قُرَيْشًا مَرَّتَيْنِ، فَلَعَنْتُهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ"، ثُمَّ قَالَ: "عُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ غَيْرَ قَيْسٍ، وَجَعْدَةَ، وَعُصَيَّةَ"، ثُمَّ قَالَ: "لَأَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَمُزَيْنَةُ، وَأَخْلَاطُهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، خَيْرٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَتَمِيمٍ، وَغَطَفَانَ، وَهَوَازِنَ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، ثُمَّ قَالَ: "شَرُّ قَبِيلَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ: نَجْرَانُ، وَبَنُو تَغْلِبَ، وَأَكْثَرُ الْقَبَائِلِ فِي الْجَنَّةِ مَذْحِجٌ"، قَالَ: قَالَ أَبُو الْمُغِيرَةِ: قَالَ صَفْوَانُ: "وَمَأْكُولُ حِمْيَرَ خَيْرٌ مِنْ آكِلِهَا"، قَالَ: مَنْ مَضَى خَيْرٌ مِمَّنْ بَقِيَ".
وقد تابع السكسكي على نحوٍ من هذا اللفظ _ وفيه زيادات منكرة أخرى تفرد بها _ (معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي) [صدوقٌ؛ قد تكلم فيه، وقد وثق؛ كان يقع في حديثه إفرادات، وقد ضعفه عدد من الأئمة ممن هم متساهلين في التصحيح حتى، ولم يرضه البعض الآخر، والصواب أنه صدوقٌ له أوهام] عند الحاكم في المستدرك [4 : 76].. وقال بعده: (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبُ الْمَتْنِ، صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ).
(قلت): سبحان الله على هذا الكلام!! وهل تريد من الشيخين أن يخرجا حديثاً اجتمعت فيه كل هذه العلل؟!!
وهذا هو لفظ الحاكم الذي تفرد به من هذا الطريق بزياداتٍ هي أقبح وأعجب من سابقاتها حاشا خير البشر أن تخرج من فاه:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ الْخَيْلَ وَعِنْدَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرِ الْفَزَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَعْلَمُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ"، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَأَنَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ خَيْرٌ الرِّجَالُ؟" قَالَ: رِجَالٌ يَحْمِلُونَ سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَرِمَاحِهِمْ عَلَى مَنْاسِجِ خُيُولِهِمْ مِنْ رِجَالِ نَجْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْتَ، بَلْ خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالُ الْيَمَنِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامٍ، وَمَأْكُولُ حِمْيَرَ، خَيْرٌ مِنْ أُكُلِهَا، وَحَضْرَمُوتُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ، وَاللَّهِ مَا أُبَالِي لَوْ هَلَكَ الْحَارِثَانِ جَمِيعًا، لَعَنَ اللَّهُ الْمُلُوكَ الأَرْبَعَةَ: جَمْدًا، وَمِخْوَسًا، وَأَبْضَعَةَ، وَأُخْتَهُمُ الْعَمَرَّدَةَ" ثُمَّ قَالَ: "أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَلْعَنَ قُرَيْشًا مَرَّتَيْنِ، فَلَعَنْتُهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنَّ أُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ"، ثُمَّ قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ تَمِيمَ بْنَ مُرَّةَ خَمْسًا، وَبَكْرَ بْنَ وَائِلٍ سَبْعًا، وَلَعَنَ اللَّهُ قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ بَنِي تَمِيمٍ: مُقَاعِسَ، وَمُلادِسَ"، ثُمَّ قَالَ: "عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، عَبْدُ قَيْسٍ، وَجَعْدَةُ، وَعِصْمَةُ"، ثُمَّ قَالَ: "أَسْلَمُ، وَغِفَارٌ، وَمُزَيْنَةُ، وَأَحْلافُهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، خَيْرٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَتَمِيمٍ، وَغَطَفَانَ، وَهَوَازِنَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، ثُمَّ قَالَ: "شَرُّ قَبِيلَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ: نَجْرَانَ، وَبَنُو تَغْلِبَ، وَأَكْثَرُ الْقَبَائِلِ فِي الْجَنَّةِ مَذْحِجٍ".
(فائدة): حصل انقطاعٌ بين معاوية بن صالح الحضرمي، وبين عبد الرحمن بن عائذ الثمالي.. فالله أعلم هل الإسناد هكذا؛ فتكون علة أخرى أيضاً، أم هو سقطٌ في السند من جراء النسخ.
[*] بينما رواه الإمام النسائي في السنن الكبرى عنه _ أي عن السكسكي _ رقم [8293]، وابن أبي خيثمة في تاريخه رقم [2579 ]، والسمعاني في الأنساب [5 : 241]، والأصبهاني في موجبات الجنة رقم [266]؛ بلفظ: "أَكْثَرُ الْقَبَائِلِ فِي الْجَنَّةِ مَذْحِجٌ".
وقد تابع السكسكي على هذا اللفظ (معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي) كما عند الطبراني في الشاميين برقم [2040]، وابن وهب في جامعه عن الزهري رقم [1].
(قلت): وهذا كله يؤيد اضطراب الرواية والنقل؛ وأنه يكاد يكون ثلاثة أرباع الخبر مدرج ملفق. فتأمل
[*] ورواه الخطابي عنه أيضاً في غريب الحديث [1 : 614]، وابن أبي خيثمة في تاريخه رقم [2618 ] وبرقم [2563 ] نحوه؛ بلفظ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ خَيْلا فَقَالَ رَجُلٌ: خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ جَاعِلُو رِمَاحَهُمْ عَلَى مَنَاسِج خُيُولِهِمْ، لابِسُو الْبُرُودِ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالَ: "كَذَبْتَ، بَلْ خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ، الإيْمَانُ يَمَانٍ: آلُ لَخْمٍ، وَجُذَامَ، وَعَامِلَةَ".
[*] ورواه ابن أبي عاصم عنه في الآحاد والمثاني رقم [2269]؛ بلفظ: "الإِيمَانُ يَمَانٍ".
[*] ورواه ابن أبي عاصم أيضا برقم [2282]، وابن أبي خيثمة في تاريخه رقم [2611 ]؛ بلفظ: "خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامَ وَعَامِلَةَ وَمَأْكُولُ حِمْيَرَ خَيْرٌ مِنْ آكِلِهَا وَأَكْثَرُ الْقَبَائِلِ فِي الْجَنَّةِ مَذْحِجُ". زاد ابن أبي خيثمة: "وَحَضْرَمَوْ ُ خَيْرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ مِنْ كِنْدَةَ". قَالَ الْحَوْطِيُّ: لَيْسَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ أَنَا مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَقَبِيلَةٌ خَيْرٌ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَقَبِيلَةٌ شَرٌّ مِنْ قَبِيلَةٍ.
[*] ورواه ابن أبي خيثمة في تاريخه رقم [2545]؛ بلفظ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ سَبْعًا.
[*] ورواه أبن أبي خيثمة أيضاً برقم [2532]؛ بلفظ: "عُصَيَّةٌ عَصَتِ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ".
[*] ورواه أيضاً برقم [2491]؛ بلفظ: "أَسْلَمُ وَغِفَارٌ وَمُزَيْنَةُ وَأَخْلاطُهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ خَيْرٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَنُمَيْرٍ، وَغَطَفَانَ وَهُوَ أَرَقُّ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".