تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

  1. #1

    افتراضي المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    الدولة المدنية

    اصطلاح: "الدولة المدنية" نشأ في الغرب لترسيخ فصل الدين عن الدولة، فالـ"دولة المدنية" لا تعني أنها "غير عسكرية" كما يظن البعض، بل تعني أنها: "لا دينية"، ولا دخل للدين -أي دين- في توجيه شئونها ومبادئها.
    وبالتالي.. فتعبير: "دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية" كلام متناقض.. معناه: "دولة لا دينية ذات مرجعية دينية إسلامية"! فهل هذا إلا تناقض؟!
    ولا يجوز لقائله أن يقول: "إنما قصدت أنها غير عسكرية"! إذ ليس هذا هو المعنى المقصود من الاصطلاح.
    وهل يصح -مثلاً- أن نقول: "دولة عِلمَانية ذات مرجعية إسلامية"، ونقصد بالعِلمَانية: أننا سوف ننتفع بالعلوم الحديثة والتكنولوجيا.. ! أم سينادي علينا الجميع بالجهل أو التلاعب بالألفاظ؟!
    لأن العِلمَانية هي: "فصل الدين عن الحياة.. وعن الدولة بالأخص"!
    فلابد أن نكون واضحين في تحديد هويتنا، ولن يقبل الغرب -إذا كان غرضهم إرضاء الغرب، وأظنه كذلك- مجرد ألفاظ لا حقيقة لها.
    أما مصطلح الدولة الدينية عند الغرب: فهي دولة يحكم فيها الحاكم الديني أو الدنيوي "البابا أو الملك والرئيس" بالحق الإلهي؛ فكلامه كلام الإله، وتحريمه وتحليله تحريم الرب وتحليله!
    فنحن نرفضه أيضًا؛ لأن الحاكم في الإسلام: "وكيل عن الأمة في إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين".
    ثم إن في العبارة خللاً آخر، وهو القول: بأنه مِن أهم قيم الإسلام: "الحرية، والمساواة"؛ فليست هذه العبارات صحيحة مِن كل وجه.
    فليس عندنا: حرية الطعن في الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكتبه وآياته، وهي عند القوم داخلة، بل أساسية في مفهوم الحرية!
    وليس عندنا: حرية الردة.
    وليس عندنا: حرية الإباحية والفواحش.
    وإن كنا نعلم أن مِن الحرية: حرية الكافر في أن يبقى على دينه؛ لا يُكره على الدخول في الإسلام (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة:256)، وحرية ممارسة شعائره -وإن كانت باطلة- في بيعهم وكنائسهم.
    وحرية الإنسان في: أن يجهر بالحق، ويعلن ما يراه؛ طالما انضبط بضوابط الشرع.
    ونقر بحق كل إنسان في حياة كريمة، وأن لا يُعتدى عليه في: بدنه أو دمه، أو ماله، أو عرضه بغير حق، ولا يعذب، ولا يحبس بغير حق.
    أما المساواة: فواجبة بيْن ما سوَّى الله بينه.
    وأما بيْن ما فرَّق الله بينه؛ فباطلة: شرعًا، وعقلاً، وحسًا.
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  2. #2

    افتراضي رد: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    (1)

    الدولة المدنية الحديثة دولة علمانية

    والعلمانية تعني فصل الدين عن الحياة، وعدم الالتزام بالعقيدة الدينية أو الهدي السماوي، فلا دخل للدين في شئون الحياة المختلفة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وإنما للبشر أن يعالجوا شئونهم المختلفة على أسس مادية بحتة، ووفق مصالحهم ووجهات نظرهم وميولهم، وهذه النظرة المادية للدولة في المدنية الحديثة الغربية إنما نشأت نتيجة رفض أوروبا لسيطرة الكنيسة اللاهوتية واستبدادها في القرون الوسطى في أوروبا، والتي يصفها الأوربيون أنفسهم بأنها كانت قرون تأخر وانحطاط، فكان لابد من إزالة سلطان الكنيسة، وعزله داخل جدرانها، وإطلاق العنان للعلم والعلماء المتطلعين إلى التقدم والرقي.
    لقد وقفت الكنيسة عائقاً أمام تقدم البشرية فكان لابد من إقصائها، ولكن صحب هذا الإقصاء روح المعاداة للدين، وإن كان للبعض أن يقول إن لأوروبا عذرها في معاداة استبداد الكنيسة التي حولت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، ولكن الكنيسة لم تكن وقتها ممثلة أبداً للدين الحق، ولا ممثلة لنظرة الدين الحق للعلم والعلماء، فكان على أوروبا أن تتجه إلى الإسلام الذي ملأ الأرض بنوره وعدله، بدلاً من أن توقع البشرية في أوحال المادية الملحدة التي تتبنى الرفض الدائم لكل ما يرتبط بالدين، ومعلوم أن الإسلام دين ودولة، ولا يعرف العداء للعلم والعلماء، بل قاد الإسلام يوم كان مطبقاً في الأرض- البشرية إلى تقدم كبير في شتى فروع العلم المختلفة، فلا يخلو فرع من فروع العلم من واحد من أفذاذ العلماء المسلمين وقت كانت أوروبا في سبات عميق في ظل نصرانية محرفة.
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  3. #3

    افتراضي رد: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    (2)
    الدولة المدنية الحديثة دولة قومية
    تبني الدولة المدنية الحديثة معاملاتها الداخلية والخارجية وفق نظرة ضيقة تتعصب للوطن ولأبناء الوطن، وتسعى لاستعلاء هذا والوطن وأبنائه على غيرهم، وهذه الغاية تبرر اتخاذ كافة الوسائل لتحقيقها دون ارتباط بقيم أو مراعاة لمبادئ وإن كانت سماوية، وهذه النظرة القومية والوطنية المتعصبة ظهرت أيضاً كرد فعل لتسلط الباباوات والقياصرة على شعوب أوروبا، فجاءت الدعوة إلى القومية والوطنية رفضا للخضوع للسلطة الدينية للباباوات والسلطة السياسية للأباطرة، ليكون ولاء كل شعب لوطنه لا لغيره، وصارت القومية والوطنية غاية تبرر الوسيلة، والويل كل الويل للشعوب المغلوبة من استعلاء الشعوب المنتصرة، وتحولت حياة الشعوب إلى صراع من أجل العلو في الأرض والزعامة الدنيوية. والإسلام يرفض استعلاء جنس على جنس أو قومية على قومية، ودعوة الإسلام دعوة عالمية، لا تنحصر في إقليم أو حدود أرضية أو جنس.
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  4. #4

    افتراضي رد: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    (3)

    الدولة المدنية الحديثة دولة ديمقراطية
    بعد أن أبعدت العلمانية الدولة عن هدي السماء، ودفعتها القومية والوطنية إلى الأنانية والاستعلاء على الآخرين، تبنت الدولة المدنية الحديثة النظام الديموقراطي في الحكم، ليكون الحكم بمقتضى مصالح كل شعب ورغباته، فالحق والصواب ما يحقق منافع الأمة الدنيوية، والخطأ والباطل ما كان لا يحقق مصالحها، وتقدير المنافع والمصالح تحدده رغبات الشعوب وأهواؤها، وما كان مرفوضاً بالأمس يقبل اليوم، وما يقبل اليوم قد يرفض غداً، فلا ثوابت ولا قيم ولا مبادئ إلا المصلحة والمنفعة تحددها قيادات وزعامات من البشر تقود الجموع إلى ما ترى.
    والإسلام يجعل الهداية في شرع الله -تعالى- ويستمد قوانين الأمة منه، في ظل ثوابت عقائدية وأخلاقية وتعبدية لا تتغير ولا تتبدل، ومنهج لمعاملات الأمة يجمع بين القواعد العامة وبعض التفصيلات تراعى صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، ونظام للعقوبة رادع يضمن للأمة الأمن والأمان، والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد يؤهل المجتمع للتماسك والتواد والتواصل.

    لقد دخلت العلمانية مصر في ظل حكم محمد علي، وعرفت المجالس النيابية الديموقراطية في عهد أبنائه، تبنى المصريون الدعوة إلى الوطنية والقومية بعد ثورة 1919، وتقلبت الأمة في ظل الأنظمة الشرقية والغربية والدعوات المختلفة، فهل جنت الأمة في ظل المدنية الحديثة ما وعدها به من حملها عليها؟؟؟
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  5. #5

    افتراضي رد: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    الدولة الإسلامية

    فهي دولة تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وأحكام الإسلام، ولذا فهي دولة عالمية وليست دولة إقليمية محدودة بحدود أرضية، ولا دولة عنصرية قومية محدودة بحدود القوم والجنس والعنصر، ولكنها قومية محدودة بحدود القوم والجنس والعنصر، ولكنها دولة فكرية تمتد إلى المدى الذي تصل إليه عقيدتها، فلا مكان فيها لامتيازات تقوم على أساس اللون أو الجنس أو الإقليم، وهذه مميزات تجعلها دولة عالمية ترفض القوميات وتضم مختلف الأجناس والأقوام إذ بإمكان أي إنسان أن يعتنق الإسلام عقيدة هذه الدولة فيكون بذلك من رعاياها وحملة عقيدتها ونظامها.

    أما مَن لا يعتنق عقيدة الإسلام في حدودها: فإنه أيضًا له أن يعيش ويقيم فيها في ظل نظماها القانوني، ويكون من رعاياها وحملة جنسيتها مع بقائه على عقيدته المخالفة للإسلام، لا يُكره على تركها مادام يدفع الجزية، ويخضع لأحكام الإسلام العام، فلا تصفية لغير المسلمين، ولا محاكم تفتيش، ولا قتل ولا سلب، ولا هتك أعراض، ولا نفي باسم التطهير العرقي كما يقع في النظم الوضعية للدول الغربية، ويعاني منه المسلمون كما في: البوسنة والهرسك، والهند وكشمير، وفلسطين، وغيرها..

    فالدولة الإسلامية: لا تعرف ما درجت عليه الدول المدنية الغربية في واقعها العملي مِن حرمان البعض مِن حقوق؛ لكونه أقل درجة باعتبار لونه أو جنسه أو عنصره، والدولة الإسلامية وإن كانت لا تُستخدم في المناصب القيادية الهامة إلا الأصلح لها من المسلمين دون غيرهم فلا غرابة في ذلك فهي دولة تقوم على دين الإسلام فلا تأتمن على مصالحها إلا من كان يعتنق مبادئ الإسلام ويعمل مِن أجلها، وهذا شرط يفتقده رعايا الدولة من غير المسلمين؛ لذا فهم يحرمون من المناصب القيادية وإن كان لهم حق العمل في الأعمال الحكومية الأخرى التي لا تتصف بالخطورة والأهمية.

    إن لغير المسلمين في الدولة الإسلامية عهد وذمة، لا يجوز للمسلمين نقضها إلا إذا نقضها أصحابها، ولهم حقوق جعلها الشرع لهم لحفظ نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وممارسة أوضاعهم الاجتماعية وشعائرهم الدينية في إطار حياتهم الشخصية، وهذه الحقوق ثابتة بالشرع ليس للحاكم أو للشعب أن ينتقص منها، ولا ترتبط مِن قريب أو بعيد بعلاقة الدولة المسلمة بالدول غير المسلمة حتى وإن جارت تلك الدول على مَن فيها مِن المسلمين أو بدأت بعدوان على دولة الإسلام، وهذا كله مِن عدل الإسلام ورحمته التي لا نجد مثله أبدًا في المدنية الغربية الحديثة.

    الدولة الإسلامية ترفض الهوى والطغيان:

    إن الديمقراطية تأليه لهوى الإنسان الفرد، تجعله تابعًا لأهوائه خاصة بعد أن أبعدته العلمانية عن الاستجابة لهداية السماء، ودفعته القومية والوطنية إلى الأنانية والاستعلاء والكبرياء واحتقار الآخرين، وهذا ما انحدرت إليه المدنية الحديثة، أما في الدولة الإسلامية فالسيادة لله وأحكامه، وللبشر خلافة في الأرض، ولكنها مقيدة بشرع الله، وهذه الخلافة تختار فيها الأمة خليفتها بإرادتها بواسطة العدول مِن العلماء والأمراء والقادة، مِن أهل الحل والعقد ذوي الصلاح والباع في خدمة الإسلام والمسلمين.

    والخليفة فيها: وكيل عن الأمة ينفذ فيهم شرع الله الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، وبمقتضى قواعده وأحكامه الصالحة لكل زمان ومكان، فهي نيابة لا تبيح لحاكم أو برلمان أن يشرع تشريعًا قد ورد فيه نص أو إجماع في شرع الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى:21)، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50).

    فهي نيابة توجب على الجميع أن يقف عند حدود ما أنزله الله، أما ما لم يرد فيه النص الشرعي فللحاكم وأهل الحل والعقد أن يجتهدوا في الأخذ بما يحقق مصلحة الأمة في ظل الشورى، وفي إطار توجهات الشريعة الإسلامية بموافقة قواعدها، ولا يكون ذلك إلا من خلال أناس يخشون الله ويطيعونه ويسعون إلى مرضاته وتشهد لهم حياتهم العملية وأهليتهم العلمية للاجتهاد والقيادة فهذه هي الخلافة الإسلامية القائمة على الخضوع لله ورفض التحاكم إلى غيره، أنها خلافة ليست كثيوقراطية أوروبا التي حكم فيها البابوات حكمًا دينيًا باسم الرب، بل هي خلافة تتولى فيها الأمة -مِن خلال أهل الحل والعقد فيها- تعيين الإمام من خلال البيعة، ومعاونته ومراقبته للقيام بالواجب الشرعي الذي من أجله وُجدت الدولة الإسلامية؛ وهو إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين.

    ولها الحق في عزله إذا تبين خروجه عن هذا الواجب، ولا تملك الأمة مخالفة الشرع في تحليل أو تحريم، أو إباحة أو حظر، ففي الإسلام الأمر كله لله: (بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا) (الرعد:31)، فما دام الله وحده هو الخالق، فهو وحده الآمر والحاكم (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)، (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (يوسف:40).

    فالناس جميعًا بما فيهم قيصر عبيد مربوبون لله، ليس لهم مِن الأمر شيء، إنما هم خاضعون لأمر الله وشرعه، ومِن ثمَّ جاءت شريعة الإسلام شاملة كل احتياجات حياة البشر أفرادًا ومجتمعين، عقيدة وعبادة وأخلاقًا ومعاملات، تنظم كافة العلاقات بين الناس، وهذه المعاني مفقودة تمامًا في النظم الوضعية التي ترفض العبودية لله لتجعل الإنسان يعبد هواه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) (الجاثية:23).

    فأين الإسلام مِن هذا الطغيان والهوى؟!
    وبعد..

    فهذه خطوط عريضة تبين الفروق الجوهرية بيْن الدولة في الإسلام، والدولة في المدنية الغربية الحديثة تندرج تحتها تفصيلات كثيرة لا يتسع المقام للخوض فيها، ولكن لعلنا بذلك قد ألقينا ضوءًا على أهم ما تمتاز به الدولة في الإسلام مِن عدالة وإفشاء للحق، وعالمية تتمسك بالخير والفضيلة، وبتعامل صادق مع الواقع البشري في غير طغيان ولا تعدي ولا ظلم.
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  6. #6

    افتراضي رد: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    تنبيه:
    جاء في المعجم الوجيز لمجمع اللغة العربية: "(تـَمَدَّنَ): عاش عيشَة أهل المدن، وأخذ بأسباب الحضارة، (تَمَدْيَنَ): تَمَدَّنَ. (المدنية): الحضارة واتساع العمران" اهـ.
    فالمدنية تعني: التمدن والتحضر، والدولة المدنية: أي الدولة الحضارية الحديثة على النمط الأوروبي الغربي، إذ أن الحضارة السائدة حاليًا هي الحضارة الغربية الحديثة.
    أما استعمال كلمة: (الحكم العسكري) في مقابل: (الحكم المدني)، و(السلطة العسكرية) في مقابل: (السلطة المدنية)، للتفريق بين ما هو مِن الجيش وما هو ليس من الجيش، فهذا معنى عرفي لكلمة (المدنية)، و(المدني) تعارفنا عليه.
    وليس هذا هو معنى الكلمة في اللغة كما بينا، وليس هذا المعنى العرفي هو المراد من مصطلح (المدنية) عند السياسيين والقانونيين والعلمانيين، لذا وجب التنبيه بالتفريق بين المعنى اللغوي والمعنى العرفي، والمعنى القانوني الاصطلاحي لكلمة (المدنية).
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  7. #7

    افتراضي رد: المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية

    يتبين لنا مِن ذلك الفارق الكبير بيْن نظام كل دولة مِن الدول التي ذكرناها:
    1- فالدولة الثيوقراطية: دولة دينية سادت أوروبا وحدها في القرون الوسطى الميلادية، انفردت فيها الكنيسة ومَن ارتضتهم مِن الحكام بسلطة الحكم وسلطة التشريع في ظل اعتقاد بعصمة الكنيسة وقدسيتها وتفويض الرب لها.
    2- أما الدولة المدنية: فهي دولة سادت أوروبا بعد عصر النهضة، أخذت بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة؛ لتتخلص مِن استبداد الكنيسة وأعوانها، دولة ينفرد فيها الشعب بفئاته وطوائفه بسلطة الحكم بالتمثيل والاختيار، وبسلطة التشريع في ظل الاعتقاد بحق الشعب في أن يشرع لنفسه ما يراه صالحًا له ونافعًا.
    3- أما الدولة الإسلامية: فهي دولة حكمت المسلمين لقرون طويلة بشرع الله -تعالى-، لا تفصل الدين عن الدولة، دولة سلطة الحكم فيها للشعب، ولكن سلطة التشريع والتقنين فيها للشرع، أي أن الدولة الإسلامية توافق في المضمون الدولة المدنية مِن جهة أن السلطة الحاكمة فيها مِن الشعب، وتخالف الدولة المدنية في أن سلطة التشريع فيها للشرع، لا مِن الشعب، فليس للشعب فيها حق التشريع.
    فالدولة الإسلامية تتناقض تمامًا مع الدولة الثيوقراطية؛ إذ تجعل سلطة الحكم مِن الشعب بجميع طوائفه ولا تقصرها على رجال الدين، ومَن ارتضوه مِن الملوك دون غيرهم، وهي تجعل سلطة التشريع لشرع الإسلام، وترفض أن يتحاكم الناس إلى رجال الدين أو غيرهم، وترى التحاكم لغير شرع الله -تعالى- كفر، وخروج عن الدين؛ لكونه تحاكم لطاغوت.
    ومعلوم أن الإسلام لا يعرف طبقة رجال الدين كما عرفتها الكنيسة، وإنما هناك علماء في الدين درسوه وفهموه، ونبغوا فيه علمًا وعملاً، وأي فرد يمكنه أن يكون منهم إذا حذا حذوهم، وهؤلاء العلماء تسترشد الأمة بعلمهم، فهم فئة لها دورها الهام في الأمة، قد يكون منهم مَن تختاره الأمة ليكون عضوًا في السلطة الحاكمة، أو أهل الحل والعقد، وقد يكون مواطنًا كغيره يعمل ويجتهد في خدمة دينه ثم أمته بعلمه بعيدًا عن أمور السياسة المباشرة، وهم قبل ذلك وبعده لا قداسة لهم ولا عصمة، وإن نالوا حب الناس وتقديرهم لما هم عليه من العلم والصلاح.
    وقد يقول قائل بعد ذلك البيان: هل تستطيع الشريعة الإسلامية أن تفي بكل مطالب الأمم في كل زمان ومكان، وتقوم بشئون العباد مع تطور الحياة في جوانبها المختلفة تطورًا كبيرًا في التاريخ البشري الحديث؟!
    والجواب: إن من خصائص الشريعة الإسلامية الهامة أنها منهج للحياة يصلح في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة؛ إذ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين والرسل، وشريعته نسخت ما قبلها مِن الشرائع، فهي الواجب التحاكم إليها إلى قيام الساعة، ولهذا فما ناحية مِن نواحي الحياة إلا وتناولتها الشريعة ببيان الحلال والحرام، والصحيح والفاسد، يدخل في ذلك: العقائد والعبادات، والمعاملات ونظام الأسرة، وشئون الحكم وقضايا الاقتصاد وحياة الفرد الشخصية وعلاقة الأمة بغيرها مِن الأمم في السلم والحرب، وهي في ذلك:
    إما أن تعطي الأحكام التفصيلية، وذلك فيما لا يتغير بتغير الزمان والمكان؛ لسموه عن مواطن الخلاف: كالعقائد والعبادات، أو لتعلقه بما لا ينبغي تغيره بالأماكن والأزمان: كالمحرمات مِن النساء والمواريث، والحدود الرادعة على الجرائم مِن كبائر الذنوب.
    وإما أن تتضمن القواعد الأساسية والمبادئ الكلية فيما يتغير بتغير الزمان والمكان؛ لتجتهد الأمة في تطبيقها على ما يستجد ويتغير مِن أساليب الحياة وصورها.
    ولهذا نجد أكثر أحكام القرآن تشير إلى مقاصد التشريع وقواعده العامة بما يعطي للمجتهدين المجال للفهم والاستنباط، ومِن هذه المقاصد وهذه القواعد للوصول إلى ما يريده الشرع فيها؛ لذا كان مِن سمات المجتمع المسلم الاجتهاد المتواصل في استنباط الأحكام لما يستجد مِن الوقائع والأحوال؛ إما مِن الأحكام التفصيلية في الكتاب والسنة، وإما مِن النظر في القواعد الفقهية والمبادئ الكلية والإلمام بمقاصد الشريعة، وكلها مأخوذة أيضًا مِن الكتاب والسنة، وهذا مصداقًا لقوله -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل:89).
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •