باب حذف الهمزة

[أبو بكر المحلي]

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشاعر:
يا للرجالِ لحادثِ الأزمانِ * ولنسوةٍ من آلِ ابِي سفيانِ
يريد (من آلِ أبي)
وقول الآخر:
أبوهم أبي والأمهاتُ امَّهاتُنا * فأنعمْ ومتعني بقيس بن جحدرِ
يريد (الأمهاتُ أُمَّهاتُنا)
وقول أبي زبيد الطائي:
وأيقنَ اكْدَرُ إذ صاروا ثمانيَةً * أنْ قد تفردَ أهلُ البيتِ بالثمنِ
يريد (أكدر) على وزن أحمر، وهو هنا اسم كلبٍ
وقال آخر:

قلتُ لشيطاني وشيطاناتي

لا تقربوني وانا في الصلاةِ

وقول الآخر:
*هويّ جندِ ابْليسٍ المرِّيدِ*
يريد (جند إبليس)
وقد ذكر هذه الشواهد وغيرَها ابنُ عصفور في (ضرائر الشعر)، ثم ذكر أن هذا الحذف واقع في النثر أيضًا، بل جاء نظيره في التنزيل العزيز، وعليه قراءة ابن كثير: إنها لحدى الكبر بحذف الهمزة من (إحدى)، ولو كان فيها نقل، لكسر اللام، فكان يقول: (لِحدى).
وقد عقد ابنُ جنِّي في خصائصه بابًا في حذف الهمزة، وذكر أنّ ذلك الضرب كثير، ومن أشهر مثله في المنثور قولهم: (ويلُمِّه)، إذ كان أصله (ويلٌ لأمِّه)، فحذف التنوين، ثم حذفت إحدى اللامين على خلاف في ذلك، ثم حذفتِ الهمزة حذفًا على غير قياس.
=====================
وبعد
فقد دار نقاش بين إخواننا الأفاضل في هذا المنتدى حول قول الناظم-رحمه الله-:
إذ هو من كلِّ الأوامر أعظم ** وهو نوعان أيا من يفهم
أيقرأ (الأوامرْ أعظم) أم (الأوامرَ اعْظمُ)!
فقال بعضٌ: إنّ التسكين أخفُّ من النقل في هذا، بل إنّ هذا النقلَ غير جائزٍ، لأن القاعدة في النقل أن يكون إلى ساكنٍ لا إلى متحرك.
ومثل هذا يقال في قوله:
*والبحر تلقى فيه سبعة ابْحرِ*
وقولِ الحريريّ:
*واجلده في الخمر اربعين جلده*
ومما سبق يتبين أنّ لنا في البيت الأول وجهين:
(الأوامرْ أعظمُ) على الإسكان، أو (الأوامرِ اعْظمُ) على الحذف دون نقل.
وكذلك الشأن في البيتيت الآخرين، يقرآن: (سبعةُ ابْحرِ) و(الخمرِ ارْبعينَ) بالحذف في كليهما.
والله أعلم.

[القارئ المليجي]

فتح الله لك.
يا أستاذُ أبا بكر.

[أبو الليثى]

القارئ المليجي

فتح الله لك.
يا أستاذُ أبا بكر.

الحمد لله وبعد :_
مرحباً أخى الفاضل / القارىء المليجى، لماذا رفعتَ كلمة ( أستاذ) ،ونصبتَ ( أبا بكرٍ).
بوركتَ.

[أبو بكر المحلي]

مرحباً أخى الفاضل / القارىء المليجى، لماذا رفعتَ كلمة ( أستاذ) ،ونصبتَ ( أبا بكرٍ).
بوركتَ.

مرحبًا بك أخي أبا الليثي، وحيّاك الله وبيّاك!
أما إذا كنت تقصد أن كلمة (أستاذ) مرفوعة عن الموصوف بها، فصحيح، وما ذاك إلا من حسنِ الظنِّ الشيخ الكريم.
وأمّا الإعراب، فإنها مبنية على الضمّ لا مرفوعةٌ، و(أبا) بدلٌ أو عطفُ بيان، فإن قيل: يلزم من هذا ردّ المعرفة على النكرة.
قلتُ: الجواب عن ذلك من وجهين: الأول: أنّ لذلك نظيرًا كما في قوله تعالى: بزينةٍ الكواكبِ على قراءة من خفضهما، فإنّ (الكواكب) بدلٌ من زينة، وهو من ردّ المعرفة على النكرة.
والثاني: أنّ (أستاذُ) هاهنا ليستْ نكرةً أصلا، وإنما هي معرفةٌ بالنداء على المشهور أو بـ(أل) منويةً على رأي.
والله أعلم.
في انتظار تصحيح شيخنا أبي ورش-حفظه الله-وغيره من المشايخ.

[كمال أحمد]

القول بأن هذا من باب وصل ألف القطع أولى من القول بأنه من الحذف، ومع أن ابن عصفور قد ذكر أن هذا من باب الحذف في كتابه ضرائر الشعر، إلا أنني أرى أنه ذكر ذلك تجوزا؛ بدليل أنه ذكر - أيضا - أن هذا من باب وصل ألف القطع. والله أعلم.

[أبو بكر المحلي]

أخي الحبيب،
يسرنا أن نرى مشاركاتك النافعة مرة أخرى.
بارك الله فيكم، ونفعنا بكم.

القول بأن هذا من باب وصل ألف القطع أولى من القول بأنه من الحذف، ومع أن ابن عصفور قد ذكر أن هذا من باب الحذف في كتابه ضرائر الشعر، إلا أنني أرى أنه ذكر ذلك تجوزا؛ بدليل أنه ذكر - أيضا - أن هذا من باب وصل ألف القطع. والله أعلم.

وماذا يعني وصل همزة القطع!
أليس هو حذفَها!

[كمال أحمد]

جزاك الله خيرا أخي الكريم على حسن ظنك.

وماذا يعني وصل همزة القطع!
أليس هو حذفَها!

نعم يا أخي، هما في النطق شيء واحد، ولكنني عنيت الاصطلاح، وقد ذكرت ما ذكرته لأمرين:
الأول: حتى لا يُتوهَّم أن حذف ألف القطع شيء، ووصلها شيء آخر.
الثاني: أن - هناك - ألف وصل ثابتة في الأبيات التي أوردتها، فلو كان هذا من باب الحذف الصرف لما حلت هذه مكان تلك. والله أعلم.

[أبو بكر المحلي]

لا مشاحّة في الاصطلاح أخي الحبيب، والعبرة في إثبات الحرف إنما هي بالنطق لا بالخط لوجود اللفظ قبل الخط.

[كمال أحمد]

جميل. إذا كان هذا من قبيل الحذف، فما هذه الألف الواردة في الأبيات؟ وهل يجوز حذفها؟

لا مشاحّة في الاصطلاح

إذن، أنت ترى معي أن هذين المصطلحين يعبران عن شيء واحد.
وجزاكم الله خيرا.

[أبو بكر المحلي]

جميل. إذا كان هذا من قبيل الحذف، فما هذه الألف الواردة في الأبيات؟ وهل يجوز حذفها؟

بارك الله فيك.
إذا كنت متفقًا معي على أن العبرة بالنطق، فالخطب من بعد يسير في قواعد الكتابة.
لعله يقال مثلاً: تبقى الألف رسمًا لتدل على المحذوف، وهذا من إجراء الرسم مجرى اللفظ في قواعده.
والله أعلم.

[كمال أحمد]

بارك الله فيك.
إذا كنت متفقًا معي على أن العبرة بالنطق، فالخطب من بعد يسير في قواعد الكتابة.
لعله يقال مثلاً: تبقى الألف رسمًا لتدل على المحذوف، وهذا من إجراء الرسم مجرى اللفظ في قواعده.
والله أعلم.

يرد عليه أنهم حذفوا همزة القطع في مواطن كثيرة، خصوصا في النثر، ولم تحل همزة الوصل محلها، ثم إن من الضرورات الشعرية قطع همزة الوصل، فناسب هذا أن نقول: وصل همزة القطع، ثم إنهم يخصون حذف الهمزة بنحو قول الشاعر:

فوالله ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أَم بثمان

أَي أبسبع؟ وقول الآخر:

طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب

أي: أو ذو الشيب يلعب؟

وإن كان لا بد من تسمية ما نحن بصدده بحذف الهمزة، فعلينا أن نقول: حذف همزة القطع وإحلال همزة الوصل محلها. والله أعلم.

[أبو بكر المحلي]

بارك الله فيك.
لا مشاحة في الاصطلاح!
وقد استعمل اصطلاح الحذف أبو الفتح عثمان بن جني، وأرى أن اصطلاحه أفضل لأنه يشمل نحو (أكل) و(سأل) و(بدأ) أعني مواضع الهمزة الثلاثة.

ثم إنهم يخصون حذف الهمزة بنحو قول الشاعر:
فوالله ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أَم بثمان

أَي أبسبع؟ وقول الآخر:

طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب
أي: أو ذو الشيب يلعب؟

ليس هذا مما نحن فيه، إذ الكلام عن الهمزة حيث كانت حرف بناء لا حرف معنى.
ثم إن الهمزة في نحو ما ذكرت، لم تحذف اضطرارًا أصلاً، وإنما الحذف فيها جائزٌ، وهو مما تختص به من بين سائر أخواتها كما ذكر في المغني.

[كمال أحمد]

ليس هذا مما نحن فيه، إذ الكلام عن الهمزة حيث كانت حرف بناء لا حرف معنى.
ثم إن الهمزة في نحو ما ذكرت، لم تحذف اضطرارًا أصلاً، وإنما الحذف فيها جائزٌ، وهو مما تختص به من بين سائر أخواتها كما ذكر في المغني.

لم أتعرض -فيما ذكرت - لكون الهمزة حرف بناء أو حرف معنى، ولا لكونها حذفت اضطرارا أو جوازا، ولم يكن هذا غرضي، وإنما كان كلامي عن مصطلح الحذف الوارد في كلامهم.
وقولك: لا مشاحة في الاصطلاح صحيح؛ ولكن ينبغي أن يكون المصطلح جامعا مانعا متعارفا عليه بين أهل العلم. والله أعلم.

[أبو بكر المحلي]

أحسن الله إليك.

وقولك: لا مشاحة في الاصطلاح صحيح؛ ولكن ينبغي أن يكون المصطلح جامعا مانعا متعارفا عليه بين أهل العلم. والله أعلم.

نعم
وقد ذكرت ذلك في أصل الحديث، حيث قلت:

وقد عقد ابنُ جنِّي في خصائصه بابًا في حذف الهمزة، وذكر أنّ ذلك الضرب كثير،

وقلتُ بعد:

وقد استعمل اصطلاح الحذف أبو الفتح عثمان بن جني، وأرى أن اصطلاحه أفضل لأنه يشمل نحو (أكل) و(سأل) و(بدأ) أعني مواضع الهمزة الثلاثة.