الحديث ضعيف .
و قد روي من حديث أبو هريرة ، و عمر بن الخطاب ، و أنس بن مالك رضوان الله عليهم جميعا ، و من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، و من كلام كعب الأحبار رحمه الله .
أولا : حديث أبو هريرة :
هذا الحديث يرويه شريك بن عبد الله النخعي القاضي عن عاصم بن أبي النجود ، و أختلف عنه ، فرواه عنه :
1- يحيى بن أبي بكير :
و أختلف عنه ، فرواه عنه :
أ - عباس بن محمد الدوري البغدادي : أخرجه الترمذي في جامعه (2591) – و من طريقه ابن الجوزي في "المنتظم" (1/182) – ، و ابن ماجه في سننه (4320) ، و أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(1/309-310) ، و البيهقي في "البعث و النشور" (1/287) ، و أبو الليث السمرقندي في "بحر العلوم"(2/113-114) ، وابن الظاهري في "مشيخة ابن البخاري" (1/703) ، و المزي في تهذيب الكمال (14/249) .
ب - أبو الفضل مولى بني هاشم : أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (156) .
كلاهما ( عباس الدوري و أبو الفضل ) من طريق يحيى بن أبي بكير عن شريك بن عبد الله القاضي عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : « أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة » .
و خالفهما ابن أبي شيبة ، فأخرجه في "المصنف" (8/99) حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : "أوقدت النار ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقدت الف سنة فاحمرت ، ثم أو قدت ألف سنة فاسودت كالليل المظلم" فأوقفه ، و لم يرفعه .
2- يعقوب بن إبراهيم بن سعد :
أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (4/189-190) عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن الحسن بن مكرم ، عن عبيد الله بن سعد عن عمه ، عن شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا .
قلت : و عم عبيد الله بن سعد هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، و هو ثقة .
3- عبد الله بن المبارك :
أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (ص 88 / رقم 309) : أَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «إِنَّ النَّارَ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَاحْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَتْ أَلْفَ سَنَةٍ فَاسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ» .
و من طريق عبد الله بن المبارك ، أخرجه الترمذي في جامعه (2591) ، و البغوي في شرح السنة (4399) .
قال الترمذي : " حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح ولا أعلم أحدا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك " ، و قال أيضا : " هذا حديث حسن غريب " .
4- أَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ و إِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ :
في علل الدارقطني (10/151/ رقم 1943) : " وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ . . . الْحَدِيثَ .
فَقَالَ : يَرْوِيهِ شَرِيكٌ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ ؛ فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَرَوَاهُ أَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ غَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، مَوْقُوفًا
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ ، عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ".
الخلاصة :
طريق أبو هريرة رضي الله عنه ، ضعيف لا يصح ، لاضطراب شريك بن عبد الله النخعي القاضي فيه ، و هو صدوق يخطأ كثيراً ، مضطرب الحديث ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ، و هو واضح في هذا الحديث ، فرفعه تارة ، و أوقفه تارة أخرى .
ثانيا : حديث عمر بن الخطاب :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (157) ، و الطبراني في "المعجم الأوسط" (2583) كلاهما من طريق الحكم بن مروان الكوفي الضرير ، قال : حدثنا سلام بن سلم و هو الطويل ، عن الأجلح بن عبد الله ، عن عدي بن عدي الكندي ، قال : قال عمر بن الخطاب : جاء جبريل صلى الله عليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غير حينه الذي كان يأتيه ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « يا جبريل ، ما لي أراك متغير اللون » ؟ قال : يا محمد ، ما جئتك حتى أمر الله بمنافخ النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خوفني بالنار وانعت لي جهنم » . قال جبريل عليه السلام : إن الله أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة ، لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها . والذي بعثك بالحق لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم إلى أهل الدنيا لمات من في الأرض كلهم جميعا من حرها . والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعا من حره . والذي بعثك بالحق لو أن خازنا من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا حتى ينظروا إليه لمات من في الأرض كلهم جميعا من قبح وجهه وتشويهه خلقه ونتن ريحه . والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لانفضت ولم ينهها شيء حتى تنتهي إلى الأرض السفلى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حسبي يا جبريل لا ينصدع قلبي فأموت » . قال : ونظر رسول الله إلى جبريل وهو يبكي ، فقال : « أتبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه ؟ » قال : وما لي لا أبكي وأنا أحق بالبكاء ؟ ما أدري ، لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها اليوم ؟ وما أدري ، لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به إبليس وقد كان مع الملائكة ؟ وما أدري ، لعلي أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وماروت ؟ قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبكى جبريل عليه السلام . فما زالا يبكيان حتى نوديا : أن يا جبريل ويا محمد ، إن الله قد آمنكما أن تعصياه . قال : فارتفع جبريل ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بمجلس فيه قوم من الأنصار يتحدثون ويضحكون ، فقال : « أتضحكون ووراءكم جهنم ؟ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، وما أسغتم الطعام ولا الشراب ، ولبرزتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله » . قال : فبكى القوم ، فما زالوا يبكون حتى نودي : أن يا محمد ، إن الله بعثك مبشرا ميسرا فلم تقنط عبادي ؟ فبشرهم بالذي نودي به ، فسكنوا " [و هذا لفظ ابن أبي الدنيا] .
قال الطبراني : لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد تفرد به سلام .
قلت : و هذا اسناد واه جدا فيه ثلاث علل :
1- سلام بن سلم : ويقال: ابن سليم ويقال: ابن سُلَيْمَان، والصواب بْن سلم التميمي السعدي أَبُو سليمان ويقال أَبُو أيوب المدائني , خراساني الأصل وهو سلام الطويل، وكَانَ الحوضي يكنيه أبا عَبْد اللَّهِ . و هو متروك الحديث ، و قد روى الموضوعات و المناكير .
2- الأجلح بن عبد الله : و هو ضعيف الحديث يعتبر به ، و لكنه لم يتابع .
3- الانقطاع : عدي بن عدي الكندي لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ثالثا : حديثأنس بن مالك :
أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان (1/489 ، رقم 799) ، و في "البعث و النشور" (1/287-288) :أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْكُدَيْمِيُّ، ثنا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، ثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24] ، فَقَالَ: «أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، وَأَلْفُ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، وَأَلْفُ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَا يُطْفَأُ لَهَبُهَا» قَالَ: وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَسْوَدُ يَهْتِفُ بِالْبُكَاءِ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ هَذَا الْبَاكِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ قَالَ: «رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ» ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا تَبْكِي عَيْنُ عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَخَافَتِي إِلَّا أَكْثَرْتُ ضَحِكَهَا مَعِي فِي الْجَنَّةِ " .
قلت : و هذا اسناد ساقط فيه محمد بن يونس الكديمي ، و هو متهم بالوضع ، و قد وثقه من لم يخبر بحاله .
و أخرجه أيضا ابن مردويه في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (4/190) من رواية المبارك بن فضالة به ، و قد أعضله ابن كثير رحمه الله .
رابعا : حديث عبد الله بن مسعود موقوفا :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (24) فقال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : ( وإذا الجحيم سعرت ) قال : « سعرت ألف سنة حتى ابيضت ، ثم ألف سنة حتى احمرت ، ثم ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة » .
قلت : و هذا اسناد ضعيف جدا ، فيه الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي و هو متروك الحديث و قد رمي بالرفض .
خامسا : من كلام كعب الأحبار:
أخرجه البيهقي في "البعث و النشور" (1/286-287) : أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيّ ُ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ عَلْقَمَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «سُجِّرَتِ النَّارُ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ سُجِّرَتْ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ سُجِّرَتْ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ» ، قَالَ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ آلَافِ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ " .
قلت : هذا اسناد ضعيف فيه :
1- سليمان بن طرخان التيمي و هو بصري من صغار التابعين ، وصفه النسائي و غيره بالتدليس، و لم يصرح بالسماع .
2- عاصم بن أبي النجود و هو ابن بهدلة : صدوق يخطىء .
خلاصة الحديث : أنه حديث ضعيف ، ليس له اسناد ثابت ، و الله أعلم .
و كتبه
أبو عبد الله السكندري