سلسلة محاضرات
النبلاء
فضيلة الشيخ
أبي إسحاق الحويني
حفظه الله
المقدمة :
إن الْحَمْد لِلَّه تَعَالَى نَحْمَدُه وَنَسْتَعِيْن بِه وَنَسْتَغْفِرُه وَنَعُوْذ بِاللَّه تَعَالَى مِن شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَات أَعْمَالِنَا مَن يَهْدِى الْلَّه تَعَالَى فَلَا مُضِل لَه وَمَن يُضْلِل فَلَا هَادِى لَه وَأَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه وَأَشْهَد أَن مُحَمَّداً عَبْدُه وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعــــــد.
فَإِن أَصْدَق الْحَدِيْث كِتَاب الْلَّه تَعَالَي وَأَحْسَن الْهَدْي هَدْي مُحَمَّدٍ صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم ، وَشَّر الْأُمُور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِه وَكِلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي الْنَّار ، الْلَّهُم صَلّى عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آَل مُحَمِّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيْم وَعَلَى آَل إِبْرَاهِيْم فِي الْعَالَمِيْن إِنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْد ، وَبَارِك عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آَل مُحَمِّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيْم وَعَلَى آَل إِبْرَاهِيْم فِي الْعَالَمِيْن إِنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْد.
النبلاء (1) عبد الله بن مسعود t الجزء الأول
عبد الله بن مسعود tكان من السابقين الأولين من المهاجرين:، هاجر إلى الحبشة مرتين ، وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ وتنبأ له النبي ﷺ كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره بإسناد حسن ، عن ابن مسعود – بدأ إسلام ابن مسعود وكيف رأى النبي ﷺ وانبهر به ومن ثم أسلم- قال عبد الله بن مسعود: « كنت أرعى غنماً لعقبة ابن أبيمُعَيْط _ أحد الكفرة الصناديد الذي دعا النبي ﷺ عليه وقتل يوم بدر .
فقال: « بينما أرعى غنماً لعقبة ابن أبيمُعَيْط إذ جاء رسول الله ﷺ وأبو بكر وقد فرا من المشركين ، فقال النبي ﷺ: يا غلام ، عندك لبن ؟ - في الشياه التي معك- قال: نعم ولست بساقيكما ، فإنني مؤتمن – الغنم ليست لي لا أستطيع أن أسقيكم إلا بإذن صاحب الغنم – فقال له النبي ﷺ: هل عندك من غنمة لم ينزو عليها الفحل؟ أي لازالت عزبة – قال له نعم ، قال له : هاتها –أول ما أخذها مسح ضرعها ودعا بالبركة فامتلأ الضرع باللبن صلى الله على سيدي ﷺ ، وجاء أبو بكر الصديق بصخرة منقعرة ، ونفضها ونظفها وحلب في هذه الصخرة اللبن حتى امتلأت الصخرة باللبن ،فشرب النبي ﷺ ، وشرب أبو بكر وشرب ابن مسعود ، ثم قال النبي ﷺ للضرع-: اقلص - أي عد كما كنت فرجع كما كان .ابن مسعود رأى هذه القصة أول مرة يرى النبي ﷺ وقام بمعجزة ، من المعجزات الحسية للنبي ﷺ.فلما رأى النبي ﷺ كذلك ، فقال له-: يَا رَسُوْل الْلَّه عَلِّمْنِي مِن هَذَا ، قَال لَه: إِنَّك غُلَيِّم مُعَلَّم أَو غُلَام مُعَلم - غُلَيِّمتصغير غلام,شهد له الرسول ﷺ من أول ما رآه ، بالنجابة ، قال: إنكمُعَلَّم ، جاء ابن مسعود فأسلم عند النبي ﷺ ، قال ابن مسعودٍ- فَلَقَد أَخَذْت مِن فِي رَسُوْل الْلَّه ﷺ -أي من فمه – سَبْعِيْن سُوْرَة لَم يُشَارِكُنِي فِيْهَا أَحَد», وهذا ، لمن قيل له انزل على قراءة زيد ، قال : على قراءة من تأمرونني أقرأ ؟ على قراءة زيد! لقد أخذت من في النبي ﷺ سبعين سورة وإن زيداً له ذؤابتان يلعب مع الصبيان يريد أن يقول أنا أقدم منه في الأخذ من فم النبي ﷺ.لذلك في مرة من المرات ، كان أصحاب عبد الله مع عبد الله بن مسعود يقرؤون القرآن في دار أبي موسى الأشعري ، وكان أبو مسعود ألبدري من ضمن الرفقة التي تجلس في هذا المجلس، قام عبد الله بن مسعود ودخل بعض الحجر في البيت ، فلما انفتل عبد الله ، قال أبو مسعود ألبدري: « لَا أَعْلَم أَحَدا هُو أَعْلَم بِكِتَاب الْلَّه مَن هَذَا الَّذِي قَام ، فَقَال لَه أَبُو مُوْسَى الْأَشْعَرِي: أُمَّا قَد قُلْت ذَلِك ، فَقَد كَان يَحْضُر إِذَا غِبْنَا وَيَدْخُل إِذَا مُنَعَنَا» هذا أيضا فيه إشارة إلى قرب عبد الله بن مسعود من رسول الله ﷺ وكان عبد الله بن مسعود وَقَّافَاً عند كتاب الله U كسائر الصحابة رضي الله عنهم ، ما كانوا يتعبدون بمعرفة النصوص ، إنما كان إذا بلغهم شيء من كتاب الله U أو من سنة النبي ﷺ كانوا يقفون حتى يعملوا به.
كما قال أبو عبد الرحمن السلمي : ( حَدَّثَنَا بِالَّذِين يَقْرَؤونَنا الْقُرْآَن أَنَّهُم مَا كَانُوْا يَتَجَاوَزُوْن الْعَشْر آَيَات مِن كِتَاب الْلَّه U حَتَّى يَعْمَلُوَا بِهِن ، قَال: فَتَعَلَّمْنَا الْعِلْم وَالْعَمَل جَمِيْعا)هذا كان دأب الصحابة ، وعلى رأس هؤلاء كان عبد الله بن مسعود t.
وفي ذلك واقعة شهيرة معروفة :وهي في الصحيحين من حديثه رضي الله عنه، أنه قال: «لَعَن الْلَّه الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِ مَات وَالْنَّامِصَات وَالْمُتَنَمِّص َات وَالْمُتَفَلِّج َات لِلْحُسْن الْمُغَيِّرَات خَلْق الْلَّه » فكان هناك امرأة من بني أسد يُقال لها: أم يعقوب ، عندما سمعت هذا الكلام ، وكانت قارئةً لكتاب الله U، ذهبت إلى المصحف وقرأته من أوله لآخره لكي ترى : لعن الله ، لم تجد هذه الآية.فجاءت إلى ابن مسعود ، فقالت له : يا ابن مسعود أنت تقول كذا وكذا وأعادت عليه الكلام ، فقال لها: « وَمَالِي لَا أَلْعَن مَن لَعَن الْلَّه وَهُو فِي كِتَاب الْلَّه ، فَقَالَت لَه: لَقَد قَرَأْت الْقُرْآن مَا بَيْن دَفَّتَيْه _ من الجلدة للجلدة- ولم أجد هذا الذي تقول ، قال لها-: لَئِن كُنْتِي قَرَأْتِيْه لَقَد وَجَدْتِيه». هذا هو الفقه لابن مسعود من يريد أن يتعلم الفقه ويتعلم كيف تُنتزع الأحكام من الأدلة التفصيلية فليتعلم من واقعة ابن مسعود هذه .قال: «لَئِن كُنْتِي قَرَأْتِيْه لَقَد وَجَدْتِيه قَالَت: قَد قَرَأْتَه مَا بَيْن دَفَّتَيْه وَمَا وَجَدْتُه ، قَال: أَمَّا قِرْأَتِي قَوْل الْلَّه U ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾» فهذا مما نهانا عنه رسول الله ﷺ.ليس من الضروري كل مسألة جزئية لابد أن تجد لها دليلاً مباشراً، لا﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ هذا يشمل كل أمرٍ سواء كان أمر إيجابٍ أو كان أمر استحبابٍ أو كان أمر إباحة ، على قول من يجعل الإباحة بخلاف الأوامر ,لكن على الأقل أمر الوجوب وأمر الاستحباب﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾هذه الآية هل تركت أمراً؟ ما تركت أمراً، ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾وهذا أيضاً ما ترك نهياً,إذن هذه الآية جمعت سنة النبي ﷺ ، ليس من الضروري كل مسألة جزئية أأتي فيها بدليل خاص، لا، لا أحد من جماعة العلماء يقول ان كل مسألة لا سيما من مسائل النوازل لابد أن يكون لها دليل خاص، لا.
الرسول ﷺ ، وهذا يُرد به على بعض الدعاة – بكل أسف الذين قالوا أوصي الدعاة الذاهبين إلى كوريا أو إلى كوبا ، أظنه قال كوريا ، ألا يحرِّموا على المسلمين أكل لحوم الكلاب ! على المسلمين طبعاً، فإنه ليس عندنا نص يحرِّمه !!أنا أتعجب والله ، هل ضروري يأتي نص مثلما يقو:حُرِّمَ عليكم لحم الكلب؟!
هو يريد نص خاص، مع أن هناك نص خاص يشمل الكلب أصالة ، وهو حديث ابن عباس وغيره أن البني ﷺ «نَهَى عَن أَكْل كُل ذِي نَاب مِن الْسِّبَاع وَمِخْلَب مِن الْطَّيْر»
الْسِّبَاع : التي لها أنياب تأكل بها وتفترس بها ، يمكن يكون فيه عشرات المئات من الأنواع التي لا نعرفها، فذكر النبي ﷺ الوصف، حيثما وُجد الوصف وُجد الحكم ليس من الضروري أن أقول الكلب، والنمر، والفهد والأسد ... ليس ضروري ، فتجاهل هو هذا الحديث واعتبر أن هذا الهدي غير شامل في الكلب يريد نصاً في الكلب ,لا، حيث وُجد الوصف وُجد الحكم ، فابن مسعود يقول لها : إن لعن الواشمة – التي تجرح نفسها وتقوم بعمل الوشم بالكحل- حديث قديماً كانوا يكتبون قبل البطاقات الشخصية كانوا يكتبون اسم الشخص بالوشم على ذراعه ، اسمه وبلده وهناك أناس يستعملوا الوشم الآن كزينة وهذا طبعا محرَّم ، صاحبة ملعون من يفعل هذا – والنامصة – التي تأخذ شعر الحاجب ، تنتف الشعر ، النمص هو قلع الشهر من الجذر، والمتفلجات للحسن : التي تقوم بعمل فارق للأسنان ، المغيرات خلق الله.فقال لها: لئن قرأتيه لقد وجدتيه إذن كما قال الشافعي رحمه الله: (كُل أَمْر مِن أَوَامِر الْنَّبِي ﷺ مَرَدُّهَا إِلَى الْقُرْآَن وَكُل نُهِي كَذَلِك)– لئن كنتي قرأتيه لقد وجدتيه .فقالت له أم يعقوب : « إن امرأتك تفعل شيئاً من ذلك – وهي زينب – تتنمص مثلاً فقال: « اذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَت الْمَرْأَة فَنَظَرْت ثُم رَجَعَت إِلَى ابْن مَسْعُوْد ، قَالَت : لَم أَر شَيْئا مِن ذَلِك ، فَقَال: أَمَا إِنَّهَا لَو فَعَلْت لَم نُجَامِعْهَا» _، أي ما أبقيناها معنا في عيشة واحدة كان سيطلقها فوراً، أول ما تفعل المرأة هذا الفعل كان سيستغني عنها.
ابن مسعود كان كما قلت كسائر الصحابة ، كانوا يتدينون بالقرآن والسنة ، ولذلك عندما فُتحت الشام والعراق وهذا الكلام في زمان عمر بن الخطاب_رضي الله عنه_ أرسل ابن مسعود وعمار مع جماعة من الصحابة يعلمون الناس السنن وقال: ( إِنَّهُمَا – عَلَى عَمَّار وَابْن مَسْعُوْد- مِن الْنُّجَبَاء مِن أَصْحَاب مُحَمَّد ﷺ.)مُرَّة أُخْرَى نُكَمِّل تَرْجَمَة ابْن مَسْعُوْد ثُم نَدْخُل فِي مُحَاوِر هَذَا الْحَدِيْث الْمُبَارَك .
أَسْأَل الَّلَه تَبَارَك وَتَعَالَى أَن يَنْفَعَنَا بِمَا عَلمنَا وَأَن يُعَلِّمُنَا مَا جَهِلْنَا وَأَن يَجْعَل مَا قُلْتُه لَكُم زَادَا إِلَى حُسْن الْمَصِيْر إِلَيْه وَعْتَادّا إِلَى يَمُن الْقُدُوْم عَلَيْه إِنَّه بِكُل جَمِيْل كَفِيْل وَهُو حَسْبُنَا وَنِعْم الْوَكِيْل وَصَلَّى الْلَّه وَسَلَّم وَبَارَك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَالْحَمْد لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن
انتهي الدرس الأول
http://alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=11537
حمل التفريغ من هنا