بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
موضوع الخطبة:إذ يقول لصاحبه.
09 صفر الخير 1432هـ 14/01/2011م
الحمد لله لم يزل بالنِّعَم مُنعمًا، وبالإحسان محسِنًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له مسلمًا له حنيفًا، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا عبده ورسوله أمينًا شريفًا، صلى الله وسلّم عليه، وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا يزدادون بها تفضيلاً وتشريفًا، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيقول الله تعالى:﴿إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
أيها الإخوة المؤمنون قد وقفنا بكم في الجمعة الماضية عند قوله تعالى في هذه الآية الكريمة:﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ حيث كشفنا عن نصرة أبي بكر للنبي r
فتعالوا بنا اليوم نقف عند قوله تعالى:﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾. لنقف عند الصحبة الصالحة ولوازمها.
ـ إخوة الإيمان ـ إن الصحبة الصالحة هي واحدة من معاني الهجرة العظيمة، فالإنسان في هذه الحياة الدنيا لا يستطيع أن يعيش منفردا، بل لابد له من صديق يلا قيه ويناجيه، ويواسيه، يشاركه مسرته، ويشاطره مأساته، وكلما علا كعب المرء في مراتب الأخيار ازداد اعتزازا بالصحبة المخلصلة، والصديق الوفي والأنبياء هم النماذج العليا للبشر، كانوا يعرفون للصحبة حقها، ويحفظون حرمتها، ولذلك كان من دعا ء النبي r : «اللهم لا تسئ بي صديقي ولا تشمت بي عدوي».
وكانت وصيته r لأمتنه أيضا: اختيارَ الصحبة الصالحة فقال فيما روى أبو داود والترمذي: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
فاختيار الصاحب الصالح واجب على كل مسلم، لأنه لا يجوز مصاحبة المارقين عن الدين، وإفشاء السر لهم، لأن كل صحبة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيام عداوة. قال الله تعالى:﴿الأخلاء يومئذ بعضهم عدو إلا المتقين﴾
وللصداقة والصحبة في حادث الهجرة -أيها الإخوة- ذكر وسيرة، وتتجلى هذه الصحبة الكريمة في تلك الرابطة العميقة الوثيقة، التي ربطت بين النبي r وصاحبه الصديق أبي بكر t، فحينما أشار النبي r على المسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة، أراد أبو بكر أن يتعجل مشاركتهم، وذهب إلى الرسول r يستأذنه في ذلك، فقال له النبي r:«لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا في هجرتك».
فطمع أبو بكر أن يكون النبي r هو الصاحب، فأعد للهجرة ما تحتاج إليه من زاد ومال، وسخر في ذلك أبناءه وبناته، وأخذ معه ماله كله ليخدم به الهجرة ومقاصد الدعوة، التي كانت بسببها هذه الهجرة.
ولما أذن الله لرسوله بالهجرة، توجه إلى بيت أبي بكر فقال:«يا أبا بكر أخرج من عندك». فقال أبو بكر يا رسول: إنما هما بنتاي، وماذاك فداك أبي وأمي يا رسول؟ فقال المصطفى r:«إن الله أذن لي بالخروج والهجرة». فقال أبو بكر الصحبة يا رسول، فقال النبي r:«الصحبة». وبكى أبو بكر من شدة الفرح، فقالت عائشة رضي الله عنها، وهي تحكي قصة هجرة أبيها مع رسول الله r: "والله ما شهدت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ".
فسُرَّ أبو بكر بصحبة رسول الله r سرورا بليغا، فحق له أن يفرح، فإنه شرف له أي شرف، أن يصفه النبي r بالصديق والصاحب،
وبدأت الرحلة المباركة وبلغ الصاحبان الغار، ليختبآ فيه. وهنا يبدأ أثر الصداقة ويتجلى وفاء الصديق لصديقه، يستمهل أبو بكر الصديق الرسولَ r قبل الدخول إلى الغار، وقال والله لا تدخل حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فقد سمعتم في الخطبة الماضية قصتهما في الغار.
ثم بقي الصاحب الوفي المخلص لصاحبه خائفا حزينا، مشفقا على صاحبه، غير مبال بما يصيبه. خائفا حزينا على صاحبه من المشركين، حتى طمأنه الرسول r فقال:﴿لاتحزن إن الله معنا﴾ والقرآن الكريم لم يترك هذا الموقف دون تسجيل وتنويه بشأن الصحبة والصداقة فقال تعالى:﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.
وحسبُ أبي بكر شرفا أن يظل وصفه بالصحبة مذكورا في القرآن الكريم، ومردَّدا على شفاه الملايين من المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
رغم أنف الشيعة الروافض عليهم من الله ما يستحقون.
ـ إخوة الإيمان ـ إن الصحبة المخلصة انعدمت في هذا الزمان، وأصبحت العلاقات لا تقوم إلا لعرض أو غرض، وتنهض على رياء أو نفاق.
وصدق الشاعر العربي حين قال:
لما رأيت بني الزمان وما بهم خل وفي للشدائد أصطفي
فعلمت أن المستحيل ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي
وقال آخر:
سمعنا بالصديق ولم نـراه على التحقيق يوجد في الأنام
وأحسبه محالا أبدعــــوه على وجه المجاز من الكلام
والأمة المسلمة اليوم أحوج ما تكون إلى عصبة أهل الخير التي تتصادق في الله وتتناصر على تأييد الحق، وتتعاون على البر والتقوى.
أقول.



الخطبة الثانية
يقول النبي r فيما روى البخاري ومسلم وهو يحث أمته على اختيار الصديق والصحبة الصالحة:«إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة».
هكذا وصف الرسول r الصحبة الصالحة والصحبة الفاسدة،
فالإنسان ابن بيئته، يتأثر بالوسط المحيط به، والجماعة التي يعيش معها، فهذه حقيقة لامراء فيها، فالطباع تسرق الطباع.
ولقد أحسن من قال:
عليك بأهل الخير إن شئت صحبة ففي صحبة الأخيار تلقى الفوائد
ومن جلس العطار طاب بطيبـه ومن جلس الحداد يلقى الشدائد
فالله جل وجل أمر نبيه محمداً r بصحبة أهل الإيمان والتقوى، فقال جل وعلا:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ والْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا﴾.
ثم حذره ممن هو خلاف ذلك فقال:﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾. صدق الله العظيم.