السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، سنكمل إن شاء الله باقي المسائل فنقول وبالله التوفيق ، ومنك يارب وحدك التوفيق والهدى .
الرابع : غياب منهج السلف الصالح عند هؤلاء فإن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها هديا ، وأقلها تكلفا ، كانوا رضوان الله عليهم أعظم الناس ورعا ، وأقلهم في الدين كلاما ، وربما سئل أحدهم سؤالا فيحيله على أخيه ، وأخوه يحيل على غيره ، وهكذا لا يزال السائل ينتقل من واحد إلى آخر حتى يرجع السؤال إلى الأول ؛ يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ رحمه الله ـ " أدركت بهذا المسجد ( يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يسأل عن المسألة فيقول لا أدري " ، " وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر الشريف يقول ( أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟ " ، وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول ( العلم ثلاثة : آية محكمة ، وسنة ماضية ، ولا أدري ) .
جاء في سير أعلام النبلاء ، أن أبا شهاب الحناط قال : سمعت أبا حصين ( وهو عثمان بن عاصم )يقول : إن أحدهم ليفتي في المسألة ، ولو ردت على عمر لجمع لها أهل بدر ) .
وما زال هذا العلم الشريف وهذا المنهج الرائد يحمله من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين حتى نبتت في زماننا هذا نابتة لها ضجيج بين الناس ، يكتبون كلاما ويلقونه . إن أحسنا الظن بهم قلنا : هم على جهل عظبم ، وإن حكمنا عليهم بما ظهر لنا منهم قلنا : قلوبهم تتطوى على دخن .
وتتأزم الفتنة بهم حين يكون أحدهم عليم اللسان ، بجادل بالقرآن ويسرد على كلامه أدلة ، ويسوق براهين يحسبها الناس براهين للوهلة الأولى ، ولكنها في حقيقة الأمر غول ( الهلكة ) العلم .
وك من فقيه خابط في ضلالة وحجته فيها الكتاب المنزل
قال عمر رضي الله عنه " ثلاث يهدمون الدين : زلة عالم ،وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون " ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه " إن مما أخشى عليكم : زلة العالم ، وجدال المنافق بالقرآن " .
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه " .... وإياكم وزيغة الحكيم .... ، قالوا ، وكيف زيغة الحكيم ؟ قال : هي كلمة تَرُوْعُكم وتنكرونها ، وتقولون ما هذه ؟ فاحذروا زيغته ولا تصدنكم عنه ، فإنه يوشك أن يفئ ، وأن يراجع الحق ، وإن العلم والإيمان مكانهما إلى يوم القيامة ؛ فمن ابتغاهما وجدهما " .
الخامس : وازع الهوى الخفي الذي قد لا يتبصره المفتي ولا يعلمه ، لأن الهوى خيطا دقيقا في النفوس يحكمها ويسري في أعماقها ؛ حتى تظن حسنا ما ليس بحسن .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ ( وللشريعة أسرار في سد الفساد وحسم مادة الشر ، لعلم الشارع بما خفي على النفوس من خفيِّ هواها الذي لا يزال يسري فيها حتى يقودها إلى الهلكة ؛ فمن تحذلق على الشارع وقال في بعض المحرمات ، إنما حرمها لعلة كذا ، وهي مفقودة هنا ، فاستباح ذلك بهذا التأويل ، فهو ظلوم لنفسه جهول بأمر ربه ) . (شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل ص 116 ) .
وقال أيضا معلقا على قوله تعالى " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم لحساب " ( فبين أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله ؛ فمن اتبع ما تهواه نفسه أضلَّ عن سبيل الله ؛ فإنه لا يكون الله هو المقصود ، ولا المقصود الحق الذي يوصل إلى الله ؛ فلا قصد الحق ، ولا ما يوصل إلى الحق ، بل قصد ما يهواه من حيث هو يهواه ) . ( جامع المسائل 6/143 ) .
وقال أيضا : ( ما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله ) . ( مجموع الفتاوى 28/207 ) .
بقي السبب السادس لكن لكبر حجمه سأتركه للمرة القادمة
وجزاكم الله خيرا ، أسألكم الدعاء لشيخي بالشفاء . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .